LOGIN
المحاضرات
alshirazi.org
"سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بموكب أهالي كربلاء المقدّسة:"
ليكن العراق وشعبه قدوة علويّة للعالم
رمز 40691
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 12 ربيع الثاني 1445 - 28 أكتوبر 2023

كالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمّة قيّمة مهمّة، بجموع المئات من موكب أهالي كربلاء المقدّسة، الذين وفدوا على بيت سماحته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، ظهر يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الثاني 1445 للهجرة (26/10/2023م)، بمناسبة ذكرى استشهاد مولاتنا السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وذكرى استشهاد السيّدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها. أدناه نصّ الكلمة:

تقرير: علاء الكاظمي

بسم الله الرحمن الرحيم

تعازي

أرفع التعازي إلى المقام الأسمى لسيّدنا ومولانا صاحب الإمامة الكبرى والولاية العظمى مولانا الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف وصلوات الله وسلامه عليه بمناسبة استشهاد عمّته فاطمة المعصومة عليها السلام. وبعد ذلك أرفع التعازي للجميع بهذه المناسبة الأليمة، لكم جميعاً أنتم أيّها الحضور، ولجميع المؤمنين والمؤمنات في كل مكان. وأسأل الله عزّ وجلّ أن يتفضّل على جميع المؤمنين والمؤمنات وجميع الضعفاء وعلى جميع البشر بالتعجيل بالظهور لمولانا بقية الله عجّل الله فرجه الشريف لينجو البشر كلّه في كل العالم من كل الويلات والمآسي والمشاكل التي يعيشونها اليوم.

الشكر لمن أقام الشعائر

إنّني ابتداءً أشكركم جميعاً أنتم أصحاب المواكب وأصحاب الهيئات الحسينية بإقامتكم للشعائر الحسينية المقدّسة والشعائر المقدّسة لسائر أهل البيت عليهم السلام في طول السنة. وأسأل الله تعالى أن يديم عليكم هذه النعمة ويديمها في أخلافكم ومن بعدكم من الذريّة مع طول العمر والعافية وحسن العاقبة لكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات الذين يهتمّون بالشعائر المقدّسة لأهل البيت عليهم السلام في كل مكان، وخصوصاً في العراق الجريح والصابر والمبتلى، وبالأخص لأهالي كربلاء المقدسة، الأرض التي هي القطعة الوحيدة على الكرة الأرضية التي يجعلها الله عزّ وجلّ في الجنّة، وتكون هذه الأرض في الجنة أفضل تُرع الجنة كما في الحديث الشريف.

أسأل الله عزّ وجلّ أن يتقبّل من الجميع وبالخصوص أنتم، وترجعون سالمين غانمين إلى بلدكم.

عراق الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف

العراق، عراق أمير المؤمنين وعراق الإمام الحسين وعراق مولانا بقيّة الله، وعراق العترة الطاهرة جميعاً صلوات الله عليهم أجمعين. ويجب أن يكون العراق إنموذجاً فريداً لخدمة أهل البيت عليهم السلام وإنموذجاً فريداً للشعائر الحسينية المقدّسة ولسائر الشعائر المقدّسة لأهل البيت عليهم السلام حتى يقتدي الكل في أطراف العالم بأبناء العراق المؤمنين والمؤمنات.

لقد حكم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من العراق وبالتحديد من الكوفة المشرّفة وخلال خمس سنوات، قرابة نصف الكرة الأرضية. وسيحكم مولانا الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره الشريف، العالم من العراق ومن الكوفة بالذات. وسيسير مولانا الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره على سيرة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام التي هي سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله نفسها، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، ومنها: أنّه عجّل الله تعالى فرجه الشريف في حكومته، يسير بسيرة جدّه رسول الله وسيرة جدّه أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما.

لتكونوا القدوة

ليحاول كل فرد من أبناء العراق اليوم، كل رجل وامرأة، وكل شابّ وفتاة، بمقدار ما يمكنهم، أن يكون إنموذجاً فريداً ليقتدي به الكل في العالم كلّه وهذا يكون إن شاء الله وببركة الله عزّ وجلّ وبدعاء مولانا وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله. فيوم كان للإمام الحسين صلوات الله عليه من العمر أقلّ من سبع سنوات، قال صلى الله عليه وآله بأنّ الحسين صلوات الله عليه سيقتل، وبعده (وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلالة في مَحْوِه وتطمِيسه فلايزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره الاّ عُلوّاً). ومثل هذه الكلمات في عشرات الألوف من أحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم، لم أجد أنا شخصياً نظيراً لها حتى في حديث واحد، إلاّ هذا الحديث الذي هو بخصوص الشعائر الحسينية المقدّسة وعن فم رسول الله صلى الله عليه وآله. وفي يوم الحادي عشر من شهر محرّم الحرام سنة واحد وستين للهجرة، نقلت السيّدة زينب سلام الله عليها ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله لسيّدنا ومولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه والإمام أعرف به.

العلو للقضية الحسينية

الحديث النبوي الشريف الذي مرّ ذكره يشمل العشائر الحسينية المقدّسة، في كل العالم، وليس في العراق فقط أو بالذات في كربلاء المقدّسة. وهذا الذي نراه اليوم. فقبل خمسين سنة ومئة سنة وعشرين سنة وقبل عشر سنوات، لم تك الزيارة الأربعينية الحسينية المقدّسة كما نراها اليوم. فسنة بعد سنة نراها تزداد، وهذا وعد رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال (لا يزداد إلاّ علوّاً). وإنّ هذا العلو يكون بيد المؤمنين والمؤمنات في العراق وخاصة في كربلاء المقدسة وفي كل العالم أيضاً.

أمران مهمّان

إنّني أشكركم وأشكر كل العراقيين خاصّة وأشكر الآخرين كلّهم في العالم، الذين اشتركوا في إقامة الشعيرة العظيمة المقدّسة، شعيرة الأربعين وزيارة الأربعين، وأدعوهم إلى أمرين:

الأول: أن لا يؤخذ هذا التوفيق منهم بالمستقبل، أي يبقون على هذا التوفيق سنة بعد سنة.

الأمر الثاني: أن يستزيدوا في ذلك. أي أن يكون توفيقهم في السنة المقبلة أكثر من السنة الماضية، وهكذا سنة بعد سنة. وهذا بحاجة إلى جهد وجدّ من الجميع ليعمّ ذلك العالم.

الحسين عليه السلام إمام الخلق كلّه

إنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه إمام لما سوى الله عزّ وجلّ، وليس للمؤمنين والمؤمنات فقط. أي يستثنى من ذلك الله تعالى والأربعة الأطهار صلوات الله عليهم الذين هم قبل الإمام الحسين صلوات الله عليه، الذين ذكرهم الإمام بقوله صلوات الله عليه: (جدّي خير منيّ، وأبي خير منّي، وأمّي خير منّي، وأخي الحسن خير منّي). والحسين صلوات الله عليه هو إمام للكل وللجميع، وللبشر كافّة، سواء مؤمنين ومؤمنات، ومسلمين ومسلمات، ولغيرهم. وقد قال الإمام الحسين صلوات الله عليه في وصيّته قبل ذهابه إلى كربلاء المقدّسة أنّه يريد أن يسير بسيرة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله، وسيرة أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فيجب أن يعرف العالم هاتين السيرتين، وهذا بحاجة إلى تظافر للجهود من الجميع.

من سيرة الإمام عليّ عليه السلام

أذكر نموذجان من عشرات ومئات النماذج في سيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي لو تصل إلى العالم، فسيقبل العالم كلّه على أهل البيت صلوات الله عليهم.

الأول: أشّجع الجميع، وبالخصوص الشباب في الحوزات العلمية وفي الجامعات وسائر الشباب على قراءة التاريخ. فقد ذكر التاريخ أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه خلال خمس سنوات لحكومته المباركة، كانت مصر ضمن حكومته. وكان في كل سنة يرد على أمير المؤمنين صلوات الله عليه من مصر، من الضرائب الشرعية وليس كالضرائب التي تجعلها الحكومات، ثلاثة مليون دينار ذهب. وكل مليون دينار ذهب يكون أكثر من ثلاثة أطنان ذهب. ويعني أنّه ورد على أمير المؤمنين صلوات الله عليه من مصر وحدها خلال خمس سنوات من حكومته قرابة خمسة وأربعين طنّ من الذهب. وذكر التاريخ أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يأخذ من كل تلك الأطنان من الذهب، حتى غرام واحد له شخصيّاً. ولذا لم تجد في زمان حكومة أمير المؤمنين صلوات الله عليه بنتاً لم تستطع الزواج لأنّه لا مال لها. ولا شاب لم يتزوّج لأنّه لا مال له. ولا شخص يستأجر داراً ليسكن فيه لأنّه لا يملك داراً. ولم يمت حتى واحد جوعاً.

لكن، وبعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، تسلّط معاوية على البلاد، فراجعوا التواريخ لتروا ماذا كتبت عن معاوية. فقد كتب التاريخ أنّ ما كان يأتي لمعاوية من مصر في كل سنة من تسلّطه، ثلاثة مليون دينار ذهب، أي تسعة أطنان ذهب. وكان معاوية يأخذ منه مليون دينار ذهب لنفسه، أي ثلاثة أطنان ذهب.

الأمان حتى للأعداء

النموذج الثاني: رغم الحروب الثلاث التي فرضها المنافقون على الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه خلال خمس سنوات من حكومته، وهي حرب الجمل وصفّين والنهروان، لا تجد حتى قتيل سياسي واحد في تاريخه، ولا حتى سجين سياسي واحد. ورغم أنّه كان للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أعداء في زمانه، لكن لم يقتل واحداً منهم لأنّه يسبّ عليّاً. ولم يسجن واحداً منهم لأنّه لا يعتقد بعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه. وهذا هو من سيرة الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

من جرائم معاوية

بالعكس من علي صلوات الله عليه، هو معاوية. فلو أراد أحد أن يجمع من سيرة معاوية في مجال القتلى السياسيين والسجناء السياسيين فقط، في زمانه، فسيكون موسوعة من عدّة مجلّدات، وليس كتاب واحد. ففي مرّة واحدة فقط في تاريخ معاوية، وفي قضية واحدة فقط، كان القتلى السياسيين الذين قتلهم معاوية أكثر من ثلاثين ألف إنسان. ولم يك القتلى من المجرمين ولا من السرّاق، بل لأنّهم كانوا لا يعتقدون بمعاوية فقط. وكان القتلى من رجال ونساء، وكبار وصغار وأطفال. وقد ذبحوا بعضهم، وأحرقوا بعضهم وهم أحياء. وهذه من سيرة معاوية واحتفظ بها التاريخ. فراجعوا التاريخ لتجدوا العشرات والعشرات والعشرات من النماذج بالنسبة لما ذكرناه من سيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وبالنسبة إلى سيرة معاوية.

هكذا ليكن العراق

ينبغي أكيداً أن يكون عراق الغد هكذا، بأن يسير على سيرة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، حتى لا يبقى جائع، ولا تبقى بنتاً غير متزوّجة لأنّ لا مال لها، وشاب لا يقدر أن يتزوّج لأنّه يفتقد المال. ولا يبقى حتى مستأجر واحد لأنّه لا يملك داراً. أي يكون العراق كما في زمن أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وهذا الأمر بحاجة إلى تظافر الجهود من الجميع، كلّ بمقداره.

أسأل الله عزّ وجلّ بأن ترجعوا إلى بلادكم سالمين غانمين، وأنا أدعو لكم جميعاً، وأنتم تدعون لي. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.