شبكة النبأ: (لولا الحسين لما كانت الصلاة اليوم ولا الصيام ولا حجَّ البيت أحدٌ) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
كل الأدلة التاريخية المثبتة تؤكّد أن التضحية التي قدمّها الحسين عليه السلام، والتي تجسدت باستشهاده وثلة من ذويه وأصحابه الأطهار، أثمرت عن استعادة الإسلام لنهجه المحمدي المستقيم، بعد الانحراف الشنيع الذي لحق به من قبل سلطات الظلم والجور والفسق والانحراف، وهذا يعني فيما يعنيه بأن الإمام الحسين وقف سدًّا منيعا أمام الاستهتار الذي أبداه يزيد، وأوغل في ظلمه وجوره وفسقه وفجوره.
فجاءت النهضة الحسينية لتضع حدا لهذا التهوّر والانجراف في وحل الرذيلة، وإعادة الاعتبار لما بدأه المسلمون في عصر الرسالة النبوية، وبناء تلك الدولة العظيمة وتلك الأمة التي توحّدت فكرا ودينا وعقيدة وإيمانا وأخلاقا وسلوكا تحت قيادة جدّ الإمام الحسين رسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا ما ينبغي أن نقوم به جميعا.
نعم إن المطلوب من الكل دونما استثناء، من أولئك الذين يعلنون انتسابهم لأهل البيت عليهم السلام، وأنهم مسلمون موحّدون، هؤلاء جميعا عليهم أن يقفوا صفّا واحدا ويكونوا صوتا واحدا لكي يؤكدوا بالأدلة والبراهين، أن الإمام الحسين عليه السلام هو الذي حمى الإسلام من انحراف ونزق وفسق يزيد، وأننا حين نتكلم نصرة للحسين عليه السلام إنما ننتصر لله تعالى وللقرآن الكريم وللرسالة النبوية الشريفة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول عن هذه القضية في كتابه القيم الموسوم بـ (نفحات الهداية):
)إن الإمام الحسين سلام الله عليه أقام دين جدّه صلى الله عليه وآله، ولولاه لما قامت للدين الإسلامي قائمة. وهذا ما سنبيّنه خلال البحث؛ عسى أن نكون قد وفينا بعض ما علينا تجاهه ولو بمقدار ما تحمله رأس الإبرة من بلل البحر!! ذلك أنّ الحديث عن الحسين سلام الله عليه حديث عن الله سبحانه والقرآن وعن الرسالة والحق وعن كلّ فضيلة.(
الإمام الحسين هزّ عروش الطغاة
فهل تكفي مكانة الحسين عند الله لكي نعرف كيف نتصرف وماذا نفعل حينما نكون في زيارة حضرة سيد الشهداء عليه السلام؟، هل يعرف الزائر أنه بين يدي الحسين الذي وقف بوجه الطاغوت، ووضع لظلمه وفسقه وجبروته حدّا، وهزّ عرشه من الجذور، وأطاح به نحو الحضيض، ومسح غبار الرذيلة عن وجه الإسلام الحنيف، ليعود كما كان محمديًّا وضّاءً.
إن الزائر الذي يتوجّه لزيارة الإمام الحسين، سواء كان مكانه قريبا أم بعيدا، من خارج أو داخل العراق، عليه أولا أن يكون عارفا بسيد الشهداء، وبمكانته عن الله تعالى، وما هو الدور الي البطولي الفريد الذي قام به، ولهذا لابد للزائر أن يطّلع أولا بعمق على السيرة والنهضة الحسينية وتفاصيلها الدقيقة، حتى يكون عارفا بشكل جيد بالحسين عليه عليه السلام، وعارفا بالمكانة العظيمة التي تحيد إلهيا بالإمام عليه السلام.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
)ينبغي لزائر الإمام الحسين عليه السلام أن يعرف أنّه بين يدي مَن، ويكلّم مَن، ولو كنّا كذلك ونحن في حرم الإمام الحسين سلام الله عليه وبين يديه عندما نزوره لما شغلنا شيء آخر أبداً. يقول الإمام الصادق سلام الله عليه: مَن أتى الحسين عليه السلام عارفاً بحقّه كتبه الله في أعلى علّيين).
ثم يؤكد سماحته (دام ظله) بأن العقل الذي يحمله رأس الإنسان محدود القدرات، لذا فهو عاجز عن إدراك العظمة التي بلغها الإمام الحسين، والدور الذي قام به، فنحن نضع التقديرات والمكانة للناس من خلال الرؤية العادية والبصر الحسي المعروف، ولا نمتلك تلك الإمكانات التي تستكشف ما وراء الحجب والأستار.
لهذا نحن نبقى عاجزين عن المعرفة الحقيقية لقيمة ومكانة سيد الشهداء عليه السلام، ومن يكون عقله محدود القدرات، أنّى له أن يكتشف القضايا الإعجازية التي لا تُدرَك إلا بالقدرات التي تفوق قدرات وطاقات العقل البشري؟
هنا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(أنّى لطاقاتنا الفكرية المحدودة أن تدرك عظمة الإمام الحسين سلام الله عليه؟)
لقد أكد سماحته بأن أهم الأدوار التي أوكلها الله تعالى للأنبياء، هي أن يقيموا الدين، لأن الإنسان بلا دين لا يساوي شيئا، كما أن الأمة التي لا دين لها لا قيمة لها بالمطلق، من هنا جاء التأكيد المشدّد على الأنبياء لكي ينشروا دين الله ويقيمونه في الأرض، فالدين هو العنصر الأعظم لاستقامة الفرد والمجتمع، وبعكسه يكون الإنسان ضعيفا مهزوزا.
إعلان الرفض القاطع للانحراف
هذا الدور الذي كلف الله أنبيائه كي يقوموا به، هو نفسه الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام، حيث تصدى ليزيد حين استأثر بالدين وصادره وشوّه الثوابت الإسلامية، وتعدى على الحدود والشرائع والأحكام، وأساء للإسلام الحنيف، وسعى بكل ما يمتلك من دهاء وقوة وخبث إلى الإساءة للدين لكي يضعف الأمة ويجعلها مهزوزة الإيمان لكي يستعبدها.
ولكن محال أن يُسمَح له بذلك، فالإمام الحسين عليه السلام أقام الدين، وأعلن على رؤوس الأشهاد الرفض القاطع لإجراءات يزيد المنحرفة، وانطلقت الجموع الحسينية من الحجاز معلنة الثوة الحسينية، واندلعت شرارة النهضة الحسينية، وصولا إلى كربلاء (ساحة معركة الطف الخالدة)، ومن هنا انطلقت النهضة الحسينية حيث أقام الحسين عليه السلام الدين، وزرع روح الإيمان في قلوب المسلمين مجددا. لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(إنّ الحسين سلام الله عليه خير مَن طبّق الآية التي صدّرنا بها البحث وما وصّى الله به نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد سلام الله عليه وآله وعليهم أجمعين، وهو أن (أقيموا الدين).
هذا هو الدور الكبير الذي رفع لواءه الإمام الحسين عليه السلام، فكانت نفسه ودماؤه ثمنا لحماية الإسلام، وثورته الخالدة دعوة مستدامة لإقامة الدين، واليوم لا يختلف اثنان على ان استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، هو الذي فضح يزيد، واسقط عرشه، بل هزّ عروش الطغاة على مرّ التاريخ وأسقطهم تباعا واحدا تلو الآخر.
وهكذا تساقط الطغاة، وهم يعقّبون بعضهم، إذ راحت عروشهم تهوي عرشا بعد آخر، وظل ذكر الحسين قائما، وفكره متوهجا، واسمه (عليه السلام) وحده يدخل الرعب في قلوب الفاسدين والمستبدين، لأن الحسين واجه أقوى وأعتى سلطة استبدادية ظهرت في القرون الأولى لرحلة الإسلام، وكانت قوتها تمن في استهتارها وظلمها وفجورها وفسقها، وتجاوزها لكل الحدود والأحكام التي لم يتجاوزها من كان قبلهم.
حيث كان الدين على وشك الخفوت والتراجع، ولو لم يتصدَّ الحسين ليزيد، لاستمر الزيف والانحراف إلى يومنا هذا، لذلك فإن سيد الشهداء حمى الإسلام بدمه، حمى الصلاة والحج والفرائض الأخرى عندما أوقف خط الانحراف عند حدوده، وبدأت النهضة الحسينية رحلتها العظيمة وهي تضيء قلوب المسلمين بالنور والإخاء والإيمان.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
( إن الحسين سلام الله عليه أقام الدين وحفِظ الشريعة. فلولا الحسين لما كانت الصلاة اليوم ولا الصيام ولا حجَّ البيت أحدٌ؛ لأنّ بني أمية كانوا على وشك القضاء على الدين، ولكن الحسين سلام الله عليه حفظه وأقامه بدمه ودماء أهل بيته).
ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاد إمامنا الثائر العظيم الحسين عليه السلام، لابد أن نذكّر الناس بما قام به سيد الشهداء، وكذلك بالنتائج التي أثمرت عن تلك النهضة العظيمة، ولعل أبسط من نقوم به اليوم، هو نصرة مبادئ الحسين، ونشر سيرته وفكره ومبادئه إلى أبعد نقطة ممكنة، هذا هو أقل ما يمكن أن نقدمه لمن قدم نفسه قربانا للحرية والحق والسلام.