LOGIN
المجدد الشيرازي الكبير
alshirazi.org
المجدد الكبير آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي
رمز 1079
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ 23 شعبان المعظّم 1444 - 16 مارس 2023

نبذة من حياة المجدد الشيرازي الكبير

في يوم الرابع والعشرين من شهر شعبان المعظّم سنة1312 للهجرة أي قبل قرابة مئة وأثنى وثلاثين عاماً، ارتحل إلى بارئه قائد نهضة التبغ، آية الله العظمى السيّد محمّد حسن الحسيني الشيرازي قدّس سرّه الشريف المعروف بالميرزا والمجدّد الشيرازي الكبير.

1-هو الجدّ المكرّم للمرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، وقائد نهضة تحريم التبغ عبر إصداره الفتوى التاريخية المشهورة في تحريم استعمال التبغ في البلاد الإسلامية وبالأخص في دولة إيران الإسلامية، وإنقاذها من براثن الاستعمار الإنجليزي العجوز.

2-آية الله العظمى السيّد محمّد حسن الحسيني الشيرازي هو نجل الميرزا محمود، وولد في الخامس عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1230 للهجرة في عائلة عرفت بالتقوى والعلم.

3-بدأ بالتعلّم في الرابعة من عمره، ودخل الحوزة العلمية في سنّ السادسة من عمره، ونال درجة الاجتهاد قبل أن يبلغ العشرين من عمره.

تزعّم المجدّد الشيرازي الكبير قدّس سرّه المرجعية الشيعية في حياته لمدّة ثلاثة وعشرين سنة، وقدّم خدمات ثمينة وقيّمة إلى الأمّة الإسلامية وبالأخص الشيعة.

4-تتلمذ على يدي الميرزا الشيرازي الكبير الكثير من التلامذة البارعين والمتفوّقين ويمكن الإشارة إلى عدد منهم وهم: الميرزا محمّد تقي الشيرازي المعروف بالميرزا الثاني، والشيخ عبد الكريم الحائري مؤسّس الحوزة العلمية في مدينة قم المقدّسة، والميرزا حسين النائيني، والشيخ فضل الله النوري، والآخوند محمد كاظم الخراساني والسيّد محمد كاظم اليزدي صاحب العروة الوثقى.

5-يقول المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله بخصوص السيرة المشرقة لجدّه المكرّم الميرزا المجدّد الشيرازي الكبير: حتى في اللحظات الأخيرة من عمره الشريف والرحيل إلى عالم الخلود كان المرحوم آية الله العظمى السيّد محمّد حسن الحسيني الشيرازي قدّس سرّه الشريف يهتمّ اهتماماً خاصّاً بأمور المسلمين، ولم يثنيه صعوبة وألم الرحيل من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، عن التفكير بأمور ومصالح الإسلام والأمّة الإسلامية أبداً.

من صفات المجدّد الشيرازي الكبير قدّس سرّه الشريف وأخلاقه

1ـ ذكاؤه: كان السيّد يتمتّع بذاكرة قوية وعجيبة، ويُنقل عنه أنّه كان يحفظ أكثر القرآن الكريم، وأدعية الأيّام، وزيارات المشاهد المقدّسة، ولم يُنقل عنه أنّه عندما كان يذهب للزيارة يصطحب معه كتاباً أو أيّ شيء آخر من كتب الزيارة.

2ـ هيبته ووقاره: يقول أحد أصدقائه: «قضيت مع السيّد مدّة طويلة نتباحث سويّة في الدروس، إلّا أنّه لم تكن لديّ الجرأة الكافية على النظر إلى وجهه، وعندما كنت أُريد الدخول عليه كنت أحسّ بأنّ قلبي يأخذ بالاضطراب، بالرغم من أنّه كان بشوشاً وسمحاً ولطيفاً».

3ـ مساعدته للمحتاجين: خصّص السيّد جزءاً من الأموال الشرعية لمساعدة المحتاجين والفقراء، وكان وكلاؤه يقومون بإيصال تلك المساعدات إلى أُولئك المستحقّين عن طريق قوائم أُعدّت مسبقاً بأسمائهم.

4ـ احترامه للضيف: كان السيّد يُبالغ في احترام ضيوفه، والمعروف عنه أنّه كان يتناول يومياً وجبة طعام واحدة، بينما نجده في الحالات التي يزوره فيها أحد أصدقائه ويبقى عنده يقوم بتناول ثلاث وجبات معه إكراماً واحتراماً.

5ـ احترامه للعلماء والطلّاب: كان السيّد يُعامل العلماء وطلّاب الحوزة العلمية معاملة الأب الرحيم، ولا يغفل عن متابعة أُمورهم، ويقابلهم بمُنتهى الأدب والاحترام، حتّى لو كانوا حديثي عهد بالدراسة، فهو يسمع أقوالهم وشكاواهم، ويقوم برفع احتياجاتهم، وهكذا كان حتّى مع الناس العاديين، فضلاً عن أفراد عائلته.

 

 

" والعشرون من شعبان"

ذكرى وفاة الإمام المجدّد الشيرازي قائد ثورة (التنباك) على الاستعمار البريطاني

1-في الرابع والعشرين من شهر شعبان المعظّم، توفّي الإمام المجدّد الشيرازي السيد الميرزا محمد حسن قدّس سرّه في مدينة سامراء المقدّسة، عام (١٣١٢) للهجرة النبويّة المقدّسة، وكان ميلاده عام (١٢٣٠) للهجرة. وقد طيف بجثمانه الطاهر حول ضريح الإمامين العسكريين صلوات الله عليهما، وجُدّد به العهد بالسرداب المقدّس لمولانا بقيّة الله الإمام المهديّ الحجّة بن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

2-ثم حُمل جثمانه على الأيدي والأكتاف من سامراء المقدّسة ومشياً على الأقدام إلى مدينة الكاظمية المقدّسة (أكثر من ١٠٠ كيلومتراً) وبُيّتت جنازته ليلاً في حرم الإمامين الكاظمين بعد أن طيف به الضريح المقدّس للإمامين الكاظمين صلوات الله عليهما.

3-ثم في الصباح الباكر، شُيّع جثمانه الشريف عبر بغداد إلى مدينة كربلاء المقدّسة، على الأيدي والأكتاف ومشياً على الأقدام (أكثر من ١٠٠ كيلومتراً). فبُيّتت الجنازة في الحرم الحسيني المقدّس ليلاً، بعد أن طيف بها الضريح الحسيني المقدّس وضريح أبي الفضل العباس عليه الصلاة والسلام.

4-ثم في الصباح الباكر شيّع الجثمان الشريف إلى مدينة النجف الأشرف على الأيدي والأكتاف ومشياً على الأقدام (قرابة ٨٠ كيلومتراً) حيث طيف به حول الضريح المقدّس للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ووُري الثرى في الصحن الشريف في حجرة خلف الضريح المقدّس في الضلع الشمالي منه في أول ليلة من شهر رمضان المبارك.

5-وقد سجّل تفاصيل ذلك، البحّاثة الكبير الشيخ آغا بزرك الطهراني الذي كان قد رافق الجنازة من سامراء المقدّسة إلى النجف الأشرف اسبوعاً كاملاً، وذلك في كتاب مستقلّ أسماه: (هدية الرازي إلى المجدّد الشيرازي).

6-كما أقيمت له الألوف والألوف من الفواتح ومجالس العزاء في عامّة البلاد الإسلامية كالعراق وإيران والخليج وباكستان وأفغانستان وسوريا ولبنان والحجاز وغيرها، بل وحتى في البلاد غير الإسلامية.

7-فرضوان الله تعالى على الإمام المجدّد الشيرازي الكبير، وشأبيب رحمته الشاملة، بما خلّف من تراث إسلامي وإنساني عامّين وعلى جميع الأصعدة الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها.

 

 

مرجعية المجدد الشيرازي قدس سرّه متميزة في أدوارها كافة

كانت مرجعية المجدد الشيرازي متميزة في أدوارها كافة، وهي تمثل خطوة حضارية في توحيد كلمة الأمة في ضوء كلمة التوحيد المقدسة، واختفت ـ ببركاتها في سامراء بخاصة والعراق بعامة– كل مظاهر التمييز الفئوي والمذهبي والعرقي والطبقي والعشائري والطائفي، وعادوا اخوانا على سرر متقابلين. ولم ترحب الدوائر الاستعمارية بهذا الانسجام والتآخي بين المسلمين، وكيف لا؟ وشعارهم المأثور الروماني المعروف (فرّق تسد) الذي أقره مؤتمر (سايكس ـ  بيكو) في القاهرة على يد المستر تشرشل عام1911 ـ  1916 فيما بعد.

وقد سلكت الدوائر الاستعمارية لتحقيق هذا الغرض الدنيء شتى الأساليب، فأوحت بعض السفارات الأوربية الى بعض عملائها من المعروفين بسفك الدماء والطائفية بوقت واحد، وأوعزت إليه باغتيال ابن المجدد الشيرازي، فما كان من السفارة البريطانية، والسفارة الروسية، والحكومة الإيرانية، والحكومة التركية إلا أن يوفدوا سفراءهم وممثليهم الى المجدد الشيرازي بأنهم حاضرون ومستعدون لتنفيذ أوامره من قتلة ولده، فامتنع السيد أشد الامتناع عن سماع هذه الدسائس والأكاذيب التي أريد بها تفريق الصفوف، واستغلال الفرصة لإثارة الفتنة، وقال بما مؤداه: أحد أبنائي قتل أخاه، ولا أطلب شيئا ولا دية، ولا تسليم القاتل إن عرف.

وفي سامراء قابله الزعيم المصلح السيد جمال الدين الأفغاني مخاطبا إياه بتلك الألفاظ التكريمية الراقية التي يحسن أداءها الأفغاني، بتعبيره الجذّاب، ودبلوماسيته المعهودة، فهو سياسي خبير، وداهية من الطراز الأول، وأراد حمل المجدد الشيرازي على إصدار فتوى تقضي بتكفير ناصر الدين شاه الملك الإيراني، فما أصغى لذلك حذر سفك الدماء، وقيام الفتنة، وعدم تكامل أدلة ما أراد.

وحينما منحت الحكومة الإيرانية من قبل ناصر الدين شاه القاجاري لبريطانيا امتياز التنباك لشركة انكليزية. وكان إعطاء هذا الامتياز يعني بداية التغلغل الانكليزي في إيران. فلم يقف المجدد الشيرازي مكتوف اليدين إزاء إعطاء هذا الامتياز لهذه الشركة التي عاثت فسادا في الأرض في شتى الميادين، فاستملكت المساحات الكبرى والبنايات الضخمة، لإدارة أعمالها. وكانت تخفي وراء هذا أهدافا أعمق من الأمر الظاهري، فأشاعت الفجور والسفور والخمور، وجلبت عشرات الآلاف من الانكليز الى إيران، فكانت فرصة لتغيير معالم إيران الإسلامية والاجتماعية.

ورأى المجدد الشيرازي (قدس سره) بذلك تدخلا سافرا في شؤون البلد الداخلية، وهو حاضرة إسلامية محافظة في حدود، وعدّ ذلك امتداد لأخطبوط الدول المستعمرة في عمق الدولة، فأصدر فتواه الشهيرة بتحريم هذا النوع من التبغ، وقد عرفت هذه الفتوى باسم "تحريم التنباك"، فامتنع الشعب الإيراني أجمع من التدخين، ومن شراء التنباك، حتى بلغ الحد أن طلب الشاه نفسه (نارجيلة)، فقيل له: إنها كسرت مع جميع آلاتها ولوازمها، تنفيذا لأمر المجدد الشيرازي، وانهارت الشركة، وتبعثرت كل استعداداتها، وتحطمت جميع معداتها، وأعلن إفلاسها، وفشل المشروع البريطاني.

وكانت هذه الشركة قد أجيزت من ناصر الدين شاه نفسه. وفي أواخر تموز 1891م أبرق السيد الشيرازي الى الشاه يطلب منه الاستجابة لرغبة الرعية في إلغاء الاتفاقية، فأرسل إليه الشاه جوابا طويلا يذكر فيه شرعية عقده الاتفاقية، وأرسل ذلك الى القنصل الإيراني ببغداد، فحمله الى السيد الشيرازي بسامراء، فلم يقتنع الشيرازي بتلك الأعذار الواهية، وأبرق الى الشاه مجددا إلغاء الاتفاقية، فما استجاب الشاه، فأصدر السيد المجدد الشيرازي فتواه، ونصها: "بسم الله الرحمن الرحيم: اليوم استعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو كان، ومن استعمله كمن حارب الإمام عجل الله فرجه".

يقول الدكتور علي الوردي "ان هذه الفتوى على اختصارها كانت بمثابة القنبلة من حيث تأثيرها في المجتمع الإيراني; فهي حين وصلت الى الشيخ محمد حسن الأشتياني بطهران، وكان كبير المجتهدين فيها، أمر أن تقرأ على الجمهور على المنابر، واستنسخ منها مائة ألف نسخة، فأرسلت الى أنحاء إيران، وقد حاولت الحكومة الإيرانية جمع النسخ من أيدي الناس، ومنع انتشارها، فلم تفلح" واضطر الشاه الى إلغاء الاتفاقية، ودفع للشركة البريطانية صاحبة الامتياز الملغى تعويضا قدره نصف مليون باون.

 

 

 

قصص من حياة المجدّد الشیرازي:

 

خير تلميذ لخير أستاذ

1 تسنّم آية الله المجدّد، الميرزا محمد حسن الشيرازي رحمة الله المتوفي سنة 1312 للهجرة، بعد أستاذه الشيخ مرتضى الأنصاري رحمه الله، منصب الزعامة الدينية للشيعة وتصدّى للمرجعية العليا مدّة ثلاثين عاماً بلا منازع؛ وذلك لقوة شخصيّته الإسلامية الفذّة التي رعت شيعة العالم وقادتها إلى قفزات متقدّمة.

2 ولها تاريخ مشرق قد أعجبت الصديق والعدو على السواء، فمواقفه الجريئة وأفكاره الناضجة قد جدّدت في حياة الأمة روحها وبعث فيها النشاط والتطلّعات الكبيرة، فلقّبه كبار العلماء بالإمام المجدّد.

3 كان في بداية أمره عالماً من أساتذه الحوزة العلمية في أصفهان، فقدم منها لأجل الزيارة إلى مدينة النجف الأشرف، وفي ذلك الوقت كان الشيخ الأنصاري كبير المراجع والأساتذه المجتهدين يدير الحوزة العلمية في النجف.

4 ولما فرغ السيد الشيرازي من زيارة مرقد الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه السلام أراد يعود إلى أصفهان. ذهب بعض العلماء الذين كانوا يعرفون شخصية الشيرازي وذكائه الخارق وكفائته البارعة إلى الشيخ الأنصاري وقالوا: ينبغي أن يبقى هذا الرجل عندنا، حاول بأي طريقة أن تصرفه عن نظره من العودة إلى أصفهان.

5 فاجتمع به الشيخ الأنصاري في مجلس، وتناول بحثاً علمياً في مسألة اقتصادية تُعرَف في الفقه الإسلامي بـ( البيع الفضولي) ومفاده هل أنّ الإجازة فيه من المالك فيما بعد البيع كاشفة عن وقوع الملكية للمشتري في حين وقوع البيع الفضولي، أم الإجازة اللاحقة ناقلة للملكية بمعنى أنّها تتحقّق منذ صدور الإجازة. ولهذا البحث العلمي آثار عملية.

6 فأخذ الشيخ الانصاري يثبت رأياً فيه بأدلّته العلمية. فسّر الشيرازي بذلك الدليل وتفاعل مع الرأي. ثم أخذ الشيخ الانصاري يفنّد هذا الرأي الذي أثبت صحّته وسرد أدلّة أخرى في جهة النقيض. فتعجّب الميرزا الشيرازي من قوة هذا الدليل الذي فنّد به الشيخ ذلك الرأي الأول، فتفاعل مع هذا الرأي الثاني بدليله الأقوى.

7 ولكنه ضاع في التحيّر والاستغراب عندما جاء الشيخ الانصاري بأدلّة علمية أخرى وأقوى تفنّد أدلة هذا الرأي الثاني أيضاً. ولم يتوقّف الشيخ مرتضى الانصاري ذلك المتبحّر في العلوم الفقهية وغيرها عند ذلك الحدّ، إذ استرسل في إثبات رأي ثالث بأدلّته ثم تفنيده بأدلة أقوى حتى بلغ إلى ثمانية آراء في تلك المسألة الاقتصادية وتشعباتها الدقيقة، وانتهى بعدها إلى أصوب الآراء. والنتيجة أنّ الميرزا الشيرازي غاص في بحر نائية القعر لما وجد نفسه أمام بحر من العلم ، فأنشد يخاطب أستاذ الفقهاء الشيخ الانصاري الكبير ما مضمونه:...

 

8 عين المسافر حين تقع على جمالك أنت ... فَعَزمُ رحيله يتبدّل إلى عزم الإقامة لديك وهكذا انصرف السيد محمد حسن الشيرازي عن العودة إلى أصفهان، وبقي في النجف الأشرف يدرّس عند الشيخ مرتضى الانصاري، فصار خير تلميذ لخير أستاذ، وكانت عاقبة هذا التلميذ أن صار يلقّب بلقب «المجدّد الشيرازي الكبير».

 

 

 

العظماء في صغرهم

1 اذا أردت المزيد من التعرّف على شخصية الميرزا محمد حسن الشيرازي هذا المجدّد الكبير لحياة الإسلام في عصره. اقرأ السطور التالية عن خلفيته يوم كان صغيراً، وكيف نشأ؟

2 بدأ يدرس العلم منذ الرابع من عمره. وخلال عامين و أربعه أشهر فرغ من تعلّم الكتابة وقراءة القرآن الكريم واللغة الفارسية. وكان عمره يومئذ ستّ سنوات، فشرع في مطالعة الكتب العربية، وبلغ العشرين من عمره وهو حائز على درجة الاجتهاد في الشريعة الإسلامية.

3 كان آية في ذاكرته وحافظته، وكان متميّزاً بالفطنة والذكاء. ويقال لما كان عمره ثمانية أعوام أراد خاله أن يجعل منه خطيباً بارعاً، فأعطاه كتاب (أبواب الجنان) وطلب منه أن يحفظ صفحة منه ويلقيها على منبر مسجد الوكيل في شيراز، وبالرغم من كون تلك الصفحة كانت مسجّعة وذات قافية يصعب حفظها، فقد حفظها واعتلى المنبر وقرأها بفصاحة وبلاغة نادرة.

4 وحيث لم تكن لهذه البراعة من سابقة، لأنه طفل ذو ثمان سنوات، خاف عليه خاله من عيون الحاسدين، فقلّل من إلقاءه ليلياً إلى إلقائه في ليلة أو ليلتين في الاسبوع.

5 كان الميرزا حسن الشيرازي يكثر من حفظ القرآن الكريم، وكان حافظاً لأدعية شهر رمضان المبارك بلياليه ونهاره، وكان أيضاً حافظاً لزيارات الأئمة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وكان رحمة الله كثير البكاء من خشية الله تعالى وكان رقيق القلب عطوفاً للغاية.

 

 

آخر حياته مع التاجر

1 حدث في مرّة من مرّات الإفاقة، انه كان في وسط الحضور أحد كبار تجّار بغداد وكان الإمام المجدّد، بشكل مستمر يستقرض منه المبالغ الطائلة عند الحاجة، وذلك للصرف والإنفاق على المشاريع الإسلامية والفقراء والمساكين، فوقع بصره علي ذلك التاجر الذي كان قد جاء من بغداد لعيادة الإمام المجدّد.

2 فلما وقع بصره عليه لم يتعداه وثبت عليه، وأحسّ الحاضرون بأن الإمام المجدّد تتحرك شفتاه وكأنه يكلّم ذلك التاجر بصوت خافت جداً نتيجة الضعف الشديد الذي كان قد استولى عليه، فأصغى الجميع واحتبست الأنفاس.

3 فسمعوه يقول ـ وهو يخاطب ذلك التاجر بكل جدّ ـ لعلّك تفكّر في نفسك ان السيد سيموت وتذهب أموالك ويضيع حقك، لكني أثبت تلك الديون كلها في وصيتي، وكتبت بأن يجمعوا طلباتك كلّها ويؤدّوها لك من بعدي، لكني أفكر فيما إذا وُجّه إليّ سؤال من قبل الله عزّ وجلّ ـ بعد وفاتي ـ بأن هذا التاجر لم يكن يمتنع من منحك الديون الهائلة لتصرفها في مصالح الإسلام والمسلمين والمحتاجين والمعوزين.

4 وذلك لكرامتك عنده التي منحها الله لك، فلماذا لم تستخدم هذه الكرامة الإلهية أكثر، وتقترض منه أكثر للمصالح العامة والخاصة للمسلمين؟ عند ذلك بماذا أجيب الله تعالى؟ ثم غمض عينيه وعاد إليه الإغماء أيضاً.

 

 

من الخُلق الرفيع للميرزا الشيرازي قدّس سرّه

1 لقد كان المرحوم الميرزا الشيرازي الكبير، صاحب ثورة التنباك، يعيش في سامراء قبل مائة سنة تقريباً، وكان المرجع العام للشيعة في زمانه، وكان له وكلاء في جميع المدن والمناطق، وكان أحد التجار وكيلاً له في بغداد، وفي أحد الأيام جاء أحد الأشخاص إلى الميرزا، وطلب منه مقداراً من المال، فحوّله رحمه الله إلى وكيله في بغداد، مع حوالة بمبلغ أربع ليرات.

2 وكانت في ذلك الزمان تعدل قيمة أكثر من سبعة غرامات من الذهب، بحيث كان يمكن في تلك الأيام شراء دار عادية بعشر ليرات أو أكثر بقليل. وبعد أن استلم الرجل الحوالة تلاعب بالمبلغ المكتوب بمهارة وجعلها (400) ليرة، أي ما يزيد على قيمة كيلوين من الذهب.

3 وكان مبلغاً كبيراً جداً لم يكن الميرزا قد كتب بمثله إلى وكيله قبل ذلك، مما جعل الوكيل يشكّ فيه، ولكنه لم يتظاهر به أمام الرجل، لأنّه لم يكن متيقّناً من الأمر، واكتفى بالقول لحامل الحوالة إنّ هذا المبلغ غير موجود حالياً، وأنه سيتوفّر خلال يومين يمكنه أن يقضيهما في الكاظمية، ثم يعود إليه في اليوم الثالث. وخلال هذه المدة بعث التاجر برسول إلى المرجع في النجف الأشرف ليطمئنه على صحة المبلغ.

4 وعندما وصلت الحوالة المزوّرة بيد الميرزا ورآها قال: أجل إنني أرسلت بهذه الحوالة لوكيلنا في بغداد، وبالفعل جاء الرجل بعد يومين واستلم المبلغ كاملاً أي أربع مائة ليرة! وبعد مدّة جاء ذلك الرجل مرّة أخرى لزيارة المرجع برفقة بعض الناس، وعندما همّ بالذهاب طلب منه الميرزا التريّث قليلاً. وبعد أن خلا به قال له: لقد بعث وكيلي في بغداد الحوالة إليّ قبل أن تعود إليه، ليطمئن من المبلغ، وعرفت أنك قد زوّرت الحوالة، ولكني لم أشأ أن أهتك حرمتك.

5 وأيّدت مبلغ الحوالة وتحمّلت الأمر، ولكني أنصحك بأن لا تفعل ذلك مع غيري فقد لا يتحمّل ويفضحك .. لقد قرّر الميرزا الشيرازي أن يتخلّى عن 396 ليرة ولا يهتك حرمة إنسان مؤمن، مع أنه كان يعلم أنّ هذا المبلغ يسدّ حاجة العشرات من المحتاجين الآخرين.

6 علماً أنه ليس المقصود بالمؤمن هنا، من هو مثل سلمان أو أبي ذر، بل إنّ من يصلّي ويصوم و..الخ هو مؤمن أيضاً، وإن أحد مفاتيح النجاح هو أن نسعى ألا نهتك حرمة أحد أبداً وأن نعلم أن المؤمن أعظم حرمة عند الله تعالى من الكعبة.

 

 

المجدّد الشيرازي الكبير .. هكذا وصفه تلميذه السيّد حسن الصدر في كتابه (تكملة أمل الآمل)

سيد أهل الزمن الميرزا محمد حسن أبو محمد معزّ الدين حجّة الإسلام الشيرازي النجفي العسكري‏ ابن المرحوم الميرزا محمود بن الميرزا محمد إسماعيل الحسيني الشيرازي. أستاذنا و‌سنادنا و‌عمادنا سيدنا الإمام رئيس الإسلام، نائب الإمام، مجدّد الأحكام، أستاذ حجج الإسلام، آية اللّه على الأنام، كهف الإسلام، محيي شريعة سيد الأنام، مميت بدع الظلام، قائد الملّة و‌المذهب و‌الدين بأقوم نظام، و‌أقوى زمام، تعجز و‌اللّه عن إحصاء مزاياه الأقلام، و‌يضيق عن شرحها فم الكلام.

و ما عسى أن أقول في معزّ الدين، و‌محيي آثار أجداده الأئمّة الراشدين، و‌حجّتهم البالغة الدامغة على أعداء الدين، و‌مربّي المجتهدين، و‌ناصر المؤمنين، و‌قاطع يد الكافرين عن دولة المسلمين، و‌ناشر الأحكام في العالمين، و‌أبي الأرامل و‌اليتامى و‌المساكيـن، و‌من كان الناس فـي ظلّـة راقدين، و‌أهل العلم في كنفه آمنين، سيّد تهابه الملوك و‌السلاطين.

و‌هو على الدين قويّ أمين، و‌لا تظنّني فيه من الغالين، لا و‌ربّ العالمين، و‌أنّى لي بوصف آية اللّه من المجتهدين، و‌خليفة خاتم الأئمّة المعصومين، و‌حجّته في الأرضين، و‌أفضل المتقدّمين و‌المتأخّرين، من الفقهاء و‌المحدّثين، و‌الحكماء و‌المتكلّمين، و‌المحقّقيـن مـن الأصوليّيـن، و‌جميـع المتفنّنين حتّى النحويّين و‌الصرفيين، فضلا عن المفسّرين و‌المنطقيّين و‌المتطبّبين، لا يجارى في غوره و‌فكره، و‌تحقيقه و‌تدقيقه و‌تأسيسه.

إذا تكلّم في فقه الحديث رأيته على أعدل استقامة في العرفيّات، و‌حفظ الوجدانيّات، كأنه لم يشمّ رائحة الدقّة ما مثله فـي اعتدال السليقة، و‌إذا تكلّم في غوامض المسائل و‌عوائص الأمور تراه الفيلسوف‏ الدقيق، يشقّ الشعرة، و‌يدرك الذرّة، له الأفكار و‌الأبكار التـي لـم يهتـد إليهـا المضطلعون، و‌لا حام حولها المحقّقون.

قد فتح اللّه سبحانه عليه باب فهم المطالب، و‌هداه إلى كيفيّة الوصول إلى حقيقة الحقائق، و‌إذا قست أنظاره و‌تحقيقاته و‌تنبيهاته في علم إلى أنظار كلّ محقّق في ذلك العلم تجدها كالقمر البازغ في النجوم، و‌كلّها متماثلة في العلو لا كغيره.

 

  • لا يوجد تعليق لهذا الخبر