تناول نجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حسين الشيرازي، في الجلسة الثانية عشرة من سلسلة جلساته العلمية الفكرية الجديدة المعنونة بـ(معهد الانضباط وقهر المستحيل) موضوع: «المرساة» لأكثر الرّهانات الخاسرة.
عقدت هذه الجلسة في عصر اليوم الخميس السادس عشر من شهر شوال المكرّم 1440للهجرة (20/6/2019م) بحضور رجال الدين والفضلاء والطلبة، وأعضاء مكتب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في قم المقدّسة، وضيوف من العراق وغيره.
في بداية هذه الجلسة قدّم حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حسين الشيرازي التعازي بمناسبة ذكرى استشهاد عمّ مولانا رسول الله صلى الله عليه، أسد الله ورسوله، سيّدنا حمزة بن عبد المطلب عليهما السلام، والسيّد عبد العظيم الحسني عليه السلام، وبعدها تناول موضوع هذه الجلسة، وهو المرساة، بالبحث والتفصيل وبذكر العديد من الأمثلة من واقع الحياة.
فيما يلي ملخّصاً عن موضوع الجلسة المذكورة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعترته الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم اجمعين إلى يوم الدين
ـ قال تعالى: «يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَينَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (المائدة/105).
قيمة أخلاقية بل مبدأ سلوكي بل قانون كوني بل معادلة فيزيائية.
ـ ثلاث آيات صادقة: 1) قال تعالى: «وَمَا أَنْتَ عَلَيهِمْ بِجَبَّارٍ» (ق/45).
2) قال تعالى: «لَسْتَ عَلَيهِمْ بِمُصَيطِرٍ» (الغاشية/22).
3) قال تعالى: «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ» (القصص/56).
الخطاب موجّه لأعظم من سوى الله.
ـ قال تعالى: «وَمَنْ أَحْياهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيا النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة/32).
فضلاً عن الجانب الجزائي وعنوان (الاجر والثواب) الظاهر من الآية فإنها كالصريحة في التنبيه على الجانب الاستعصائي في هذه العملية.
ـ نهج البلاغة: «يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وطوبى لمن لزم بيته واكل قوته واشتغل بطاعة ربّه وبكى على خطيئته فكان من نفسه في شغل والناس منه في راحة». قوا أنفسكم وأهليكم.
ـ الكافي الشريف بسند صحيح جدّاً عن أبي عبد الله عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله قال: «الخير كلّه في السيف وتحت ظل السيف ولا يقيم الناس إلاّ السيف والسيوف مقاليد الجنة والنار». 1) ألف ولام الخير 2) كلّه.
ـ نهج البلاغة: عبارتان صادمتان: 1) قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: «ان أهل العراق لا يصلحهم إلاّ السيف، فقال عليه السلام: ان لم يصلحهم إلاّ فسادي فلا اصلحهم الله».
2) «إني العالم بما يصلحكم ويقيم أودكم (اي: اعوجاجكم) ولكنّي لا أرى اصلاحكم بإفساد نفسي».
صريحٌ جداً في أنه لا يمكن ويستحيل اصلاح الآخرين إلاّ بافساد الذات، وحذف متعلق الإفساد يفيد العموم.
ـ الكافي الشريف: باب مداراة الزوجة: فيه حديثان فقط: 1) قال صلى الله عليه وآله: «انما مثل المرأة مثل الضلع المعوج ان تركته انتفعت به وان أقمته كسرته (وفي حديث آخر: استمتعت به».
2) أبو عبدالله عليه السلام قال: ان ابراهيم عليه السلام شكى الى الله عزّو جل ما يلقي من سوء خلق سارة، فأوحى الله تعالى إليه: انما مثل المرأة مثل الضلع المعوج انه أقمته كسرته وان تركته استمتعت به» أقول: لا مفهوم للوصف ابداً.
ـ أقول: لا يضر العالم ولا المجتمعات ولا الكيانات ولا الحضارات ولا الشركات ولا اية عملية مشتركة في الحياة ولا أي جُهدٍ جمعي ولا أي نشاط مساهمي من قبل جماعة، وجود الإضطراب والفلتان والاختلال والإختلاج والزعزعة والتشتيت والتعثّر في افراد تلك المجموعة (سواء في عقولهم أو نفوسهم أو في سلوكهم) مادام في تلك المجموعة شخص واحد منضبط (عقلياً ونفسياً وسلوكياً).
ـ «الانضباط» فعل لازم وليس متعدياً، لذا يجب التوقف عن اكثر المحاولات الفاشلة في الحياة والعقيمة في جميع الأبعاد وهو البحث عن تفعيل الانضباط في: 1) الآخرين 2) الحياة.
ـ ينُصّ (قانون الجذب) على أن عملية (جذب النفس نحو الكمالات) فعّالة ومؤثرة عندما تستعمل وتفعّل مع الذات، في حين أنها عقيمة وخاسرة للغاية عندما تستعمل وتفعّل مع الآخرين.
ـ الجنس البشري اسير بشدة لاساليبهم وعصّي على التأثيرات الخارجية الاساسية وهي ثلاث: 1) المنهج المنطقي العقلاني الثقافي 2) المنهج العاطفي المشاعري الاحاسيسي 3) المنهج القانوني. وقد قال تعالى: «قُلْ كُلٌّ يعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ» فكلمة «يعمل» اشارة الى العصيان المطلق على التأثيرات، بمعنى أن العمل على الشاكلة رغم كافة العوامل المؤثرة، مجبول عليه الانسان ومرغوم.
ـ لو نظرنا الى ما حولنا لوجدنا أنّ 1) اللامنطقية واللاعقلانية 2) والانفعالية والاهتياج والاضطراب النفسي وثورة الغضب 3) واللاانضباطية السلوكية والفوضوية والتسيّب تملأ الخافقين ولا توجد بضاعة اكثر وفرة من هذه العناوين، بل اكاد أن اقول: ليس في الوجود مفهوم إلاّ وهو مما يندرج تحت هذه العناوين ولا يوجد في الوجود لمفهوم الانضباط عينٌ ولا أثر والله العظيم.
ـ البشر كائنات اجتماعية مفروض عليهم العمل الجمعي والنشاط المتبادل والحياة المشتركة، ومن خلال هذا القانون الكوني تضيع كافة محاولات وجهود الإنضباط المبذولة لدى الاسوياء.
ـ المساعي المختلفة تجاه احداث الكمالات في الآخرين، دائماً تقوم على (غايات نبيلة وأهداف شريفة) للوهلة الأولى، لكنها في النهاية تنجرف عن مسارها وتتحول الى ممارسات فظيعة وديكتاتورية وتخلق روح الهيمنة وفرض السيطرة وبالتالي تؤدّي الى القضاء على مبدأ المشاركة والمساهمة وتفشّي الممارسات الفاشية القائمة على التحكّم في الجزئيات والتفاصيل وسرايتها الى الآخرين.
ـ مبدأ «المرساة» حسب تصوري القاصر يقوم على ركيزتين: 1) الانتباه والتنبيه للتفاصيل ومحاولة تعديل المسار بشكل مستمر 2) مجانبة التحكم والتحكيم في التفاصيل وفرض الرأي في الجزئيات.
ـ المرساة، قطعة تستقر في قاع البحر لتبقى السفينة عائمة على سطح البحر، اذ لا غرض يرتجى من استقرار السفينة في قاع البحر، فالمصالح رهينة كون السفينة على سطح البحر، وهكذا شأن الناس حيث إن تحررهم من قيود الانضباط يحرّر طاقاتهم الجبارة والهائلة والبنّاءة للفرد وللمجتمع وعلى جميع الأصعدة، وما يهدر بهذا التحرر يمكن تداركه وتفاديه بفعل المرساة.
ـ مبدأ «المرساة» ماكنة هائلة صنّاعة للمشاكل والاضطرابات والاستنزافات اللانهائية في كافة مجالات ونواحي العمل، فضلاً عما يحصل من الهدر بشكل طبيعي نتيجة العمل الجماعي الذي هو بدوره كثير جداً.
اكثر المعادلات والبروتكلات استراتيجية في الحروب هي: «تجنب كسب المعارك على حساب خسارة الحرب» فيجب التفريط بالمعارك والسواتر والاقتتال بغرض كسب مجمل الحرب، وبما أن الحياة بجميع أبعادها صراع وحرب ومعارك، فانّ الضمان القرآني بقوله تعالى: «لَا يضُرُّكُمْ» أقوى دليل على ان الخسائر الحتمية الحاصلة في مبدأ المرساة لن تطال العمل.
ـ مثال خاص: في مثل يومنا هذا أو يوم أمس كان استشهاد حمزة سيّد الشهداء عليه السلام وكان أعظم الايام مصيبة على رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قتل عمّه بتلك البشاعة وقد مثّل بجسده الطّاهر، وقد عرضت «هند بنت عقبة» على عبدها «وحشي بن حرب» العتق والحرية في قبال اغتيال رسول الله أو أمير المؤمنين أو حمزة عليهم السلام فأبدى عجزه عن الاقتراب من النبي وأمير المؤمنين عليهما السلام لشدة انتباههما بما يجري من حولهما حتى عندما يُحمى الوطيس ولا تضيع عليهما مجريات الامور وما يحدث من حولهما وسط المعركة، بخلاف حمزة حيث اعتقد انه اذا اشتدت الحرب والاشتباك تضيع عليه الامور.
ـ النتيجة: أعظم دروس الحياة هو:
1) تجنّب التعويل والاعتماد على: 1) كفاءة الآخرين 2) انتباههم 3) ضماناتهم، فإنها رهانات خاسرة للغاية.
2) وتجنّب التصدّي لإصلاح الاخرين.
ـ مثال عام: اذا كان كل افراد المؤسسة فوضويين غير منضبطين أو كان كل افراد العائلة انفعاليين ثوريين أو كان كل افراد الشركة مبتذلين، فيكفي لحماية المصالح الاساسية أن لا اكون مثلهم.