LOGIN
أخبار المراكز
alshirazi.org
المؤمن الإيجابي
رمز 26612
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 1 رجب الأصب 1443 - 3 فبراير 2022

شبكة النبأ: (على المؤمن أن يكون مدارياً وإيجابيّاً في تعامله وكلامه مع الناس) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

ما أعظم القيم التي تعلِّم الإنسان أن يراعي (أخاهُ في الدين ونظيره في الخلق)، فإذا كان المقابل أخ في الدين فهو مؤمن ويستحق التعامل الإيجابي معه، ولكن ماذا عن الإنسان غير الإيجابي، ومثال ذلك غير المؤمن والمنافق وغيرهما، فبماذا يوصي الإسلام والنبي صلى الله عليه وآله، والأئمة الطاهرين عليهم السلام في هذا المجال؟.

إن هذه التعاليم والتوصيات تنصح المؤمن وتنبّهه بل وتطالبه بالتعامل مع الآخر بعيدا عن الكراهية، والحرص على إظهار التعامل اللائق والملائم مع الآخر، سواءً كان مؤمنا أو غير ذلك، وأن تُراعى طريقة الكلام واختيار المفردات، بما لا يُظهر أية مشاعر سلبية قد تكون مترسبّة في لا وعي المؤمن، بمعنى لابد أن يتعوّد التعامل الإيجابي مع الآخرين.

فبمثل هذه القيم والأخلاقيات والتعاملات تُبنى الأمم الناجحة، والشعوب الراقية، والشخصيات الإيجابية الفاعلة، وبهذه الأخلاقيات العالية تُمحى الكراهية من قلوب الناس، ويُصبح المؤمن نموذجا للناس في تعامله الجيد، بحيث يتأثرون به وتعلمون منه، ويُصبح مثالا لهم في الأخلاق والتعامل الإيجابي الخالي من أية ترسّبات للكراهية.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، ينقل لنا في كتابه القيم الموسوم بـ (العلم النافع) هذه الرواية الشريفة عن كيفية تعامل المؤمن مع الآخرين:

(في رواية عن الإمام الصادق سلام الله عليه يرويها الشيخ الصدوق في «من لا يحضره الفقيه»، ويؤكّد صحّة سندها المجلسي الأوّل في «روضة المتقين» وفيها: إنّ إسحاق بن عمار ـ أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ـ يقول: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «يا إسحاق، صانع المنافق بلسانك، وأخلص ودّك للمؤمن، وإن جالسك يهوديّ فأحسن مجالسته).

أمرٌ متوقَّع من المؤمن أن لا يحب المنافق، كونه يخالفه في كل شيء، ومع ذلك فهو مطالب بالسيطرة على مشاعره، وعلى أعماقه، وعليه أن يتعامل تعاملا إيجابيا مع الآخرين، حتى المخالفين له، وأن يخفي كراهيته، من خلال اعتماد أسلوب المجاملة في الحديث، وعد إشعار المقابل بكل الكراهية التي يشعر بها تجاه المخالفين له.

هناك صعوبة نفسية كبيرة قد تواجه الناس في كتم مشاعرهم تجاه الآخرين، ولكن أئمة أهل البيت كما في الراوية عن الإمام الصادق عليه السلام، ينصحون بالتصرف الإجابي مع الآخرين، حتى لو جاء بالضد مما في دواخلهم ومشاعرهم، وهذا يعني أن على المؤمن أن يدرّب نفسه وشخصيته على التعامل الإيجابي مع الناس حتى لو كان هذا التعامل بالضد من مشاعره، ومما يكنّه لهم، المهم بالنتيجة أن يتصف المؤمن بالإيجابية في تعاملاته.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حول هذه النقطة:

(من الطبيعي أنّ المؤمن لا يحبّ المنافق بل يبغضه ويكرهه، إلا أنّ الإمام يأمره هنا بأن يصانعه بلسانه، أي يجامله في الحديث؛ لأنّ من الأخلاق الحميدة للمؤمن أن لا يظهر كلَّ الكراهية التي يحملها في قلبه للشخص الذي لا يتوافق معه على حال، وإن كان منافقاً، فكيف إذا كان مؤمناً؟).

الاختلاف لا يُبطل التعامل الإيجابي

من المشكلات التي قد يواجهها المؤمن، تتمثل في اختلاف عادات وأذواق وصفات الناس الذين يتعامل معهم، حتى لو كانوا مؤمنين مثله، سواء يلتقي بهم في العمل أو الدراسة أو البيئة الاجتماعية أو سواها، عليه في هذه الحالة أن يسيطر على نفسه وآرائه في الآخرين، وأن يتجاوز ما يكنّه من كراهية لهم، كونهم يخلفون معه، لأن المطلوب من المؤمن هو التعامل الإيجابي أولا.

فهذه الفوارق متوقَّعة بين الناس، لأن الأذواق ليست واحدة، والنظرة إلى الأشياء مختلفة، والقناعة لا يمكن أن تكون متشابهة، من هنا فكل مؤمن عليه التركيز على مهمة استيعاب الآخرين المختلفين، من خلال أسلوبه وكلامه وسلوكه الكيِّس مع الناس، لكي يصبح بالنتيجة مثالا لهم.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(قد يختلف المؤمن عن أخيه المؤمن في أسلوبه أو خلفياته أو عاداته أو ذوقه أو بعض صفاته، إلا أنّ هذه الفوارق ليس من شأنها أن تسلب المؤمن التزامه بالتعاليم الإسلامية).

أعظم ما في هذه القيم أنها لا تفرِّق بين بني الإنسان، لا على أساس دين ولا لسان ولا شكل ولا ذوق، حتى تربية الإنسان الخاصة لا يصح أن تتدخل في تدمير التعاملات الإيجابية بين الناس، وإذا كان هنالك أناس تفرض عليهم تربيتهم السلوك المسيء للآخرين، فهذا يجب أن لا ينطبق على المؤمن.

لماذا؟، لأن كلمة المؤمن ليست صفة، أو لفظة، أو عنوان للإنسان، بل هي سلوك إيجابي وأخلاقي يرتفع عاليا بالمؤمن، ليصبح النموذج الأفضل للآخرين، وفي حال تساوى المسيء سلوكا مع سلوك المؤمن (لا سمح الله)، فما هي ميزة المؤمن على غيره من الناس، لذا يجب أن يكون المؤمن متميزا بسلوكه الإيجابي.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:

(لا ينبغي للمؤمنين أن يتباغضوا فيما بينهم؛ ولذا أوصى الإمام سلام الله عليه هنا بقوله: «وأخلص ودَّك للمؤمن»، أي عامله بما هو مؤمن، وأظهر حبّك له بغضّ النظر عن شكله ولونه ولسانه أو ذوقه أو تربيته الخاصّة التي لا منافاة فيها مع الموازين الإسلامية).

موازين ترتقي بالأمم

حتى المنافق لا يستثنيه الإمام عليه السلام من التعامل الإيجابي الذي يجب أن يبديه المؤمن تجاهه، وإن كان جاء ذلك على شكل كلمات معسولة منمقة يقولها المؤمن رغم أنها لا تتطابق مع مشاعره الحقيقية، فالمهم بالأمر أن يكون المؤمن إيجابيا مع الجميع، لكي يتقدّم عليهم جميعا.

هذا هو طريق الإسلام ومنهجه وأخلاقياته، وهو يطالب الجميع أن يتحدثوا ويتعاملوا مع الآخرين بالحسنى، نعم حتى المؤمن محكوم بمشاعر وآراء شخصية لكنه يجب أن يسيطر عليها، ويقدم ما يطالبه به الدين والأئمة عليهم السلام من أخلاق وتعاملات إيجابية مع الناس سواء كانوا مؤمنين أو منافقين.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكّد ذلك في قوله:

(أمّا المنافق وهو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، فإنّ الإمام يوصينا بمجاملته: «وصانع المنافق بلسانك»، فهذا هو الخطّ العـام للأخلاق الإسـلامية، وهو أن تتـحـدّث وتتعـامـل مع الناس. مؤمنهم، ومنافقهم، وكافرهم ـ بالحسنى)

حتى اليهودي مشمول بهذا التعامل الإيجابي من قبل المؤمن، بحسب التعاليم والقيم التي وضعها الإسلام، وعمل بها أهل البيت عليهم السلام، فطالما كان هذا البشر نظيرا لك، فحتى لو اختلف معك في السلوك أو المشاعر أو حتى الأفكار، فأنت مطالَب بالتعامل الأخلاقي الإيجابي معه.

هذا ما يشير إليه سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله في قوله):

(الذي يجب أن نفهمه في الخطّ العامّ هو أنّ على المؤمن أن يكون مدارياً وإيجابيّاً في تعامله وكلامه مع الناس، حتّى مع غير المؤمنين كالمنافقين، واليهود الذين وصفهم الله تعالى بأنّهم أشدّ الناس عداوة للمؤمنين) .

بهذه القيم والأخلاقيات والمبادئ العظيمة، أضاء الإسلام تلك الظلمات التي كانت تقبع فيها الأمم والبشرية أجمع، وبهذه القيم ترتقي الأمم، وتتقدم وتتطور وتعتلي سلّم المجد والكرامة، وتصبح فنارا عاليا متوهجا، يضيء الطريق للبشرية، لصناعة عالم متآخٍ منسجم متكافل ومتعاون، تسوده العدالة والإنصاف والحرية.