كالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة، بالتجمّ النسوي السنوي الكبير، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، مساء يوم الجمعة المصادف للتاسع من شهر رمضان العظيم 1444 للهجرة (31/3/2023م).
ضمّ التجمّع المذكور، مؤمنات، وناشطات ثقافيات، واستمعن إلى التوجيهات الثمينة لسماحة المرجع الشيرازي دام ظله التي بيّنها في نصّ كلمته الكامل أدناه:
تعريب: علاء الكاظمي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين
أرفع التعازي إلى المقام الشامخ والرفيع والمنيع للإمامة الكبرى والحجّة العظمى، مولانا بقيّة الله، الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بذكرى رحيل أمّ المؤمنين السيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. واُعزّي كافّة المؤمنين والمؤمنات في أرجاء العالم أيضاً.
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يعجّل في ظهور مولانا بقيّة الله صلوات الله عليه وعجّل في فرجه الشريف، لكي ينجو العالم من المشاكل والأزمات المختلفة، وحتى تنجو الدول الإسلامية وغير الإسلامية من دوّامات الصعوبات والبلايا التي ابتليت بها.
عظيمة هي
في مقام الحديث عن عظيمة نساء الإسلام، السيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليها، الكل يعلم بأنّها وقبل زواجها من النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، كان لها المقام الرفيع في المجتمع بالجزيرة العربية حينها، وكانت من أهم وجهاء ذلك المجتمع وتلك الرقعة. ومن جانب آخر، كان التجّار والمتمكّنين في الجزيرة العربية، بالأخص قريش وبني هاشم، من زمرة العاملين لها سلام الله عليها. ولكن تغيّرت الأوضاع بعد زواجها من النبي صلى الله عليه وآله، فمن الناحية الدنيوية فقدت كل ثروتها المالية. ومع انّ الكثير من الأشخاص كانت لهم القرابة مع السيّدة خديجة سلام الله عليها، لكنهم تركوها بعد زواجها، ولم يعيروا لها أي احترام ولا اعتبار. وخير دليل على مظلومية وغربة هذه المرأة العظيمة هي وحدتها في أيّام ولادتها للسيّدة الزهراء صلوات الله عليها، حيث لم يعينها أية امرأة من نساء قومها أو أقاربها وحتى جيرانها.
إنّ السيّدة خديجة سلام الله عليها كانت أثرى الأشخاص في الجزيرة العربية، وصرفت كل ثروتها وأموالها في سبيل الله تعالى ولنصرة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله، وكتب المؤرّخون في أحوالها أنّها رحلت عن الدنيا في شعب أبي طالب وهي جائعة. ويكفي في غربتها سلام الله عليها، أنّ هذه المرأة العظيمة والأثرى والأغنى في تلك المنطقة، لم يك بين يديها ما تأكله وما ينقذها من الجوع.
في شعب أبي طالب
قبل أن نخوض في واقعة شعب أبي طالب، نلقي نظرة على هذا التعبير وهو بأنّ المعروف عند العرب، إذا كانت المسافة أو الفاصلة بين جبلين أكثر من مئة متر، فتسمّى بالمسيل، لأنّها تكون مكاناً لعبور ومرور السيل الناتج من الأمطار. وأما إذا كانت المسافة أو الفاصلة أكثر من كيلو متر وإلى كيلو مترين، فتسمّى تلك المسافة من الأرض في اللغة العربية بالشعب. وكذلك إن كانت المسافة أكثر من عشرة كيلو متر، فتسمّى بالوادي.
كانت جغرافيا مكّة المكرّمة ذلك الزمان بشكل، يوجود سلسلة من الجبال الأخرى بين سلسلة الجبال المتّصلة بمكّة وبالأراضي بعدها، وكان المكان بين تلك السلسلتين من الجبال، يسمّى بشعب أبي طالب، لانتسابه إلى السيّد أبي طالب عليه السلام والد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
بعد سنين من محاربتهم للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وإلحاقهم الأذى بالمسلمين، تعاهد الكبار من مشركي مكّة واتّفقوا فيما بينهم وتعاهدوا على على طرد رسول الله صلى الله عليه وآله وكل من آمن به وحتى الذين يحامونه ويدافعون عنه، من مكّة، وأن يجعلونهم في شعب أبي طالب ويقاطعونهم اقتصادياً، ويكون القتل نصيب كل من يخالف هذه المعاهدة. ووقّع كبار مكّة على هذه المعاهدة، واضطرّ النبي الكريم صلى الله عليه وآله والمسلمون مع نسائهم وأبنائهم على ترك مكّة والسكن في الشعب. وطالت هذه المحاصرة قرابة أربع سنوات، عانا وقاسى المسلمون فيها أشدّ الظروف وأصعبها، في حرّ الصيف الشديد وفي برد الشتاء القارص، وبأقلّ الإمكانيات.
مقاطعة مجرمة
حول الوضع المأساوي للمسلمين في الشعب، كتب التاريخ أنّهم منعوا إيصال حتى ماء الشرب للشعب وأعلنوه جرماً، فاضطرّ المسلمون إلى تجميع مياه الأمطار في حفر ليستفيدوا من مائها، وكانت تشرب منه حتى الحيوانات. وقد أشارت السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها في خطبتها الشريفة بمسجد المدينة إلى هذا النوع من الماء بقولها: (الطرق). ومنع المشركون حتى إيصال المواد الغذائية للمحاصرين في الشعب، وكان بعض الناس يوصلون وبخفية كميّات من الغذاء والماء. وفي هكذا وضع صعب وجنباً إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله وسائر المسلمين في الشعب، عاشت السيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليها، وبالنتيجة رحلت عن الدنيا وهي في الشعب.
وصيّتي لجميع مَنْ التاريخ في متناولهم بأي شكل، أن يطالعوا وقائع شعب أبي طالب وأيّام محاصرة المسلمين فيه، في موسوعة بحار الأنوار. فمن الصعب جدّاً والعسير، أن يقرأ المرء الباب الخاص بتلك الوقائع، ويطّلع على الصعوبات التي ابتلي بها رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمين والسيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليها في أيّام الشعب، ولا تسيل دموعه. فالسيّدة خديجة الكبرى سلام الله عليها، وبعد عزّها وعظمتها، ابتليت بهكذا حال ووضع، وصبرت في سبيل الله تعالى.
لهذا جعلها الأحبّ
ذلك الجهاد كلّه من السيّدة خديجة سلام الله عليها، صار سبباً لازدياد تعلّق النبي الكريم صلى الله عليه وآله بهذه المرأة المضحّية، يوماً بعد يوم. وحسب ما نقله التاريخ، وبعد سنين هاجر النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة. وفي أيّام زواج السيّدة الزهراء صلوات الله عليها، كان بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله حاضرات عنده، فصار الكلام عن السيّدة خديجة سلام الله عليها، فتغيّر حال النبي صلى الله عليه وآله وجرت دموعه، فقال له بعض زوجاته: لقد مرّت السنين على وفاة خديجة ولكنك ما تفتأ تذكرها وتبكي لها؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في مدح السيّدة خديجة سلام الله عليها، كلمات لم أر أنا شخصياً أنّه صلى الله عليه وآله قد قالها بحقّ أي أحد سوى المعصومين صلوات الله عليهم، كأمير المؤمنين والسيّدة الزهراء والحسنين صلوات الله عليهما. فقد قال صلى الله عليه وآله: (أَيْنَ مِثْلُ خَدِيجَةَ؟ صَدَّقَتْنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَازَرَتْنِي عَلَى دِينِ اللهِ وَأَعَانَتْنِي عَلَيْهِ بِمَالِهَا).
اكتبن عنها
يقال في اللغة العربية حول ذاك السياق والنوع من الكلام بـ(إنكار إبطالي). ويعني أنّه لا يوجد في الدنيا مثيل وشبيه للسيّدة خديجة سلام الله عليها. ولم يك كلام النبي صلى الله عليه وآله حول السيّدة خديجة سلام الله عليها لأنّها زوجته، بل لسيرتها. وهذا غيض من فيض المقام الرفيع للسيّدة خديجة سلام الله عليها. وأوصي جميع السيّدات اللاتي يتمتعن بالقدرة، بمراجعة التاريخ المنقول عن أهل البيت صلوات الله عليهم، لا المنقول عن المنافقين، وأن يجمعن تاريخ السيّدة خديجة سلام الله عليها. وخير مصدر لهذا العمل وأنسبه هي موسوعة بحار الأنوار. فأنتنّ أيّتها السيّدات بإمكانكنّ مراجعة تلك الموسوعة، لتجمعن ما كتب وما ذكر فيها حول السيّدة خديجة سلام الله عليها، وتكتبوها بلغة اليوم، وهذا العمل سيكون سبب عزّكنّ ووجهاتكنّ في الدنيا والآخرة، وبين يدي الله عزّ وجلّ وأهل البيت صلوات الله عليهم.
وصيّة رمضانية
وصيّتي لكنّ أيتها السيّدات المكرّمات، بالأخص الشابّات منكنّ والفتيات، في ما تبقّى من شهر رمضان العظيم، هي الوصيّة نفسها التي ذكرتها للإخوة المؤمنين في كلمتي قبل أيّام بتجمّع المبلّغين على أعتاب حلول شهر رمضان العظيم. فحالياً عليكنّ بواجبين عينين، بل هو واجب على الجميع، رجالاً ونساء، وكباراً وشباباً، ومتزوّجين وعزّاباً، وغيرهم. والواجب الأول هو التحلّي بالورع بالنسبة للجميع. وللورع مراتب ودرجات مختلفة، وتتلخّص أول درجاته، في قاعدة علمية واحدة تسمّى بقانون الاشتراك. ويعني بأنّ كل ما يترتّب من الأحكام على الرجال، تترتب على النساء أيضاً، وبالعكس، كل الأحكام المترتبة على النساء، هي ضرورية للرجال. وفيما بين هذه الأحكام، منها ما يخصّ الرجال فقط أو النساء فحسب، وهذه مستثناة من ذلك القانون. فعلى سبيل المثال: يجب على الرجال الجهر بالقراءة في صلوات الصبح والمغرب والعشاء، ولكن ذلك يستثنى منه النساء. أو لا يجوز للرجال أن يكونوا تحت سقف حال الإحرام، لكن لا مانع منه للنساء. ولعلّ مثل هذه القوانين الاستثنائية لا تكون بنسبة عشرة بالمئة من الأحكام، وفي باقي الأحكام، يتساوى الرجال والنساء.
من الواجب
من الأحكام الواجبة على كل رجل وامرأة، تعلّم العقائد الصحيحة، كالتوحيد، والعدل، والنبوّة، والإمامة والمعاد. وربّ سائل يسأل: وهل يوجد التوحيد غير الصحيح؟ نعم، التوحيد غير السليم أو الخطأ، هو الذي انتشر عبر المنافقين بين المسلمين، ويبيّن صورة كاذبة عن الله تعالى للمسلمين. ومن ذلك التوحيد المشوّه الذي جعله أهل النفاق في الإطار الإسلامي، هي أكاذيبهم بأنّ الله تعالى له جسم، ويد، أو أنّه مذكّر، وله محاسن وأمثالها. فالمقصود من التوحيد غير السليم وغير الصحيح، هي هكذا عقائد بالنسبة إلى الله تعالى. فالتوحيد الصحيح والنظيف والخالي من الأكاذيب، هو التوحيد الذي ينبع من القرآن الكريم أو من النبي الكريم صلى الله عليه وآله أو من عترته الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين. وهذا النوع من التوحيد، يجب واجباً عينياً، على كل رجل وامرأة، أن يتعلّموه ويعتقدوا به. والأيّام المتبقية من شهر رمضان العظيم، هي خير فرصة للتعلّم. ولذا على النساء المكرّمات أن يسعين فيما تبقّى من الشهر الفضيل، إلى العمل على تصحيح عقائدهنّ، بالأخص الشابات منهنّ والفتيات، اللاتي يدرسن أو ربّات البيوت. والنساء اللاتي لا يقدرن على القراءة والكتابة، وإن كنّ بنسبة قليلة في العصر الحالي، يجب عليهنّ تصحيح عقائدهنّ بالسؤال من الآخرين. وهذه الموارد، وبالاصطلاح العلمي، من مقدّمات وجود الواجب.
مرتبة ثانية للورع
العمل بالواجبات وترك المحرّمات هي المرتبة الثانية من الورع. ويعني أن لا يرتكب الرجل والمرأة أي حرام، وأن يتوبا إن تسلّط عليهما الشيطان أو النفس الأمّارة بالسوء ودعوهما إلى ارتكاب الحرام.
علماً بأنّ للتوبة ثلاثة أقسام: الأول: الندم على الذنب. والثاني: العزم على عدم تكرار الذنب، أي يصمّم المرء على عدم ارتكاب الذنب مرّة ثانية. وحتى لو غرّه الشيطان أو النفس الأمّارة بالسوء وارتكب الحرام مرّة ثانية وثالثة وحتى عاشرة، يتوب أيضاً، ويصمّم بجد على عدم تكراره. والقسم الثالث هو الاستغفار وطلب المغفرة من الله تعالى. والاستغفار ليس بحاجة إلى لفظ أو تعبير خاص، فبمجرّد أن يطلب الإنسان من الله تعالى التوبة بلسانه، أو يعاهد الله سبحانه على عدم ارتكاب الذنب، تتحقّق التوبة.
إذن القسم الأول والثاني من التوبة، أي الندم على الذنب، والعزم على ترك الذنب، هي حالة قلبية، والاستغفار الذي هو القسم الثالث من التوبة، هي حالة لسانية وباللسان، وهذه هي أقسام التوبة. وهكذا إذا ارتكب المرء الذنب والعياذ بالله، عليه أن يتوب.
المراتب الرفيعة للورع
ما تمّ ذكره هي المراتب الواجبة لنيل الورع. وللورع مراتب رفيعة ودرجات عالية أيضاً، فيجدر بالمؤمنات والمؤمنين أن ينتبهوا إليها، ويسعوا إلى تحصيلها، ومنها ترك المكروهات. فيجدر بالمرء أن يصمّم على اجتناب المكروهات إلى جانب تركه للمحرّمات. وتشمل المكروهات كل الأفعال التي ليست في مورد رضا الله سبحانه ونبيّه الكريم صلى الله عليه وآله وأهل البيت صلوات الله عليهم، ولكنّها ليست في زمرة المحرّمات. فالمكروهات هي مقياس لمدى التزام العباد برضا الله جلّ وعلا والمعصومين صلوات الله عليهم. ولذا يجدر بالمرء أن يسعى إلى نيل المراتب الرفيعة من الورع. وحتى لو ارتكب المكروه عليه أن يتوب ويطلب المغفرة من الله تعالى. علماً بأنّ الاستغفار من المستحبّات وليس بواجب.
لنيل الكرامة
المرتبة التالية هي أن يسعى المؤمن إلى إلزام نفسه بالعمل بالمستحبّات التي هي مورد الابتلاء ولا يتركها. فإن وصل إلى هذه المرحلة، فقد نال المراتب الرفيعة من الورع، ويقترب إلى مصداق الحديث الشريف عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه الذي يقول فيه: (ليس منّا ولا كرامة، من كان في مصر فيه مئة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه). فوفقاً للحديث الشريف أعلاه، إن عاشت شابّة أو فتاة أو متزوّجة أو عزباء أو صاحبة أولاد أو بلا أولاد في مدينة نسمتها ألف أو أكثر، وكان فيها امرأة أورع منها، فهذا يعني أنّها لا مكانة لها عند أهل البيت صلوات الله عليهم ولا منزلة. ولا شكّ، لا يرضى أي أحد منّا بهكذا أمر، ولكن يمكننا أن ننال ذلك بالعزم والسعي، بأن نكون الأورع في مدينتا ومحلّ سكنانا. وهذا أمر ممكن، ومن البديهي وجود الأورع من الكل في كل مكان. فكيف ينال المرء هذه المرتبة وهو غير معصوم؟ّ والجواب: إنّ ذلك يتمّ بالتصميم الجاد لنيل تلك المرتبة. فكم هو من الجدير أن تكوني أنت أيّتها المرأة وأيتها الشابّة والفتاة الأورع.
طريق الموفقيّة
لقد اعتبر مولانا الإمام الكاظم صلوات الله عليه في حديث شريف له، أنّ التصميم هو طريق نيل الموفقيّة. فإذا صمّم الإنسان تصميماً قاطعاً على الوصول للهدف، وتحمّل الصعوبات في هذا السبيل، سيوفّق. ولذا، أنتنّ المؤمنات، اعزمن على أن تكوننّ الأورع من بين أمهاتكنّ أو بناتكنّ. وكل واحدة منكنّ عليها أن تلتزم بهذا التصميم، واعزمن على أن تكوننّ الأورع من كل أقاربكنّ وأرحامكنّ، كالعمّة والخالة وبناتهما. وكذلك اعزمن على أن تكوننّ الأورع من بين نساء الجيران وفتياتهنّ وزميلات الدراسة والعمل. والاستعداد لهكذا تصميم وعزم، يوصل إلى الموفقيّة أو إلى قربها، وشهر رمضان العظيم خير فرصة لذلك.
الواجب الثاني
كما علينا بواجب ثان في هذا الشهر الفضيل، ووجوب هذا المورد هو بالعرض، وأساساً في زمرة الواجبات الكفائية، وهو الدفاع عن مقام القدس لله تبارك وتعالى، والنبي الكريم صلى الله عليه وآله والسيّدة الزهراء صلوات الله عليها والأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين. فهذا الأمر، وبسبب عدم وجود من فيه الكفاية، صار اليوم من الواجب العيني. فالعالم الافتراضي اليوم في متناول الجميع، ونشهد فيه الإهانات الكبيرة لقدسية الله تعالى وللقرآن الكريم والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسائر المعصومين صلوات الله عليهم، بدءاً من الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه والسيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وإلى مولانا الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف. فهل تبقى هذه الإهانات بلا ردّ وبلا جواب استدلاليّين؟ وأنت أيّتها المرأة واحدة ممن عليها القيام بذلك. فأنت أيّتها المرأة، سواء كنت في المدرسة أو الجامعة أو مكان العمل أو حتى في البيت، ورغم كل النواقص التي تعانين منها، يمكنك أن تستفيدي من فهمك وعلمك ومستوى إدراكك، وجنباً إلى جنب القدرة والاستطاعة التي منّ الله تعالى بها عليك، أن يكون لك الدور في ذلك السبيل. فالاستفادة من الفنون الحديثة والوسائل الجديدة، بالأخص في العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، هي اليوم في متناول الجميع، وهي فرصة جيدّة للدفاع عن المقدّسات. فدافعن قدر استطاعتكنّ وقدرتكنّ عن الله عزّ وجلّ والنبي الأعظم وسائر المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، إن رأيتم التهم والأكاذيب في العالم الافتراضي، تنسب إلى الله تعالى ونبيّه وآله الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.
خيانات بني أميّة وبني العباس
من الفعاليات الضرورية التي نشعر بفقدانها اليوم، فضح بني أميّة وبني العباس. وهذا القضية واجبة اليوم عينياً على الجميع، ولا ربط لها بمسألة عدم وجود من فيه الكفاية. فتلك الفئتان قد شوّهتا الإسلام، ولحد يومك، ومع الأسف، تسمّى حكومتيهما بحكومة إسلامية. فقد ارتكب بنو أمية وبنو العباس، في طول التاريخ، وفي مدّة تسلّطهم، جرائم عديدة، باسم الإسلام، وكان أكثرها بحقّ النساء. وأذكر لكنّ بعض تلك الجرائم، وأدعوكنّ إلى الاطّلاع على المزيد منها بمراجعة التاريخ النظيف من التحريف، ومطالعته بأنفسكنّ.
المجرم معاوية
كان معاوية بن أبي سفيان من الحكّام الأمويين، وقد ارتكب الكثير من الظلم بحقّ المسلمين، وبالأخص الشيعة، بعد استشهاد مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وقتل الكثير من النساء والرجال، أو سجنهم أو عذّبهم أو قضى عليهم. ومن الذين ظلمهم معاوية، عمرو بن الحمق الخزاعي، أحد الأصحاب المقرّبين للإمام علي صلوات الله عليه. فقد أصدر معاوية أمر القبض عليه وصاروا يطاردونه، وكان عمرو ينتقل من بلد إلى آخر لفترة طويلة. ولأجل القبض عليه، قام معاوية بأسر زوجة عمرو ونقلها إلى الشام من سجن الكوفة. فقضت هذه المرأة الصالحة، سنتين من عمرها في سجن معاوية وتعذيبه. وبالنتجية ألقوا القبض على عمرو بن الحمق الخزاعي، واستشهد بعد أن أذاقوه أنواع التعذيب والعذاب الشديدين. وقطعوا رأسه بعد استشهاده وألقوه في حضن زوجته، فلمّا رأته قال لجلاوزة معاوية: (غيّبتموه طويلاً وأهديتموه إليَّ قتيلاً).
من المدفونين في جوار مزار حجر بن عدي، أطراف مدينة دمشق، هو عمرو بن الحمق الخزاعي، وقد وفّقت أنا شخصياً لزيارته مرّات عديدة. فاولئك الأكارم لهم المزار والحرم في تلك المنطقة، ولا أيّ أثر لقبر معاوية، وهذه يد الانتقام الإلهية، فالله تعالى خير منتقم. فهكذا شخص، أي معاوية، يوصف بخليفة الله ورسوله صلى الله عليه وآله، ويعرّفونه للعالم بالممثّل عن الإسلام. وما قام به معاوية بحقّ عمرو بن الحمق الخزاعي، هو غيض من فيض جرائمه، وسجّل التاريخ الكثير من نظرائها عن معاوية.
نصيحة جزاؤها الموت!
من قوم بني مروان وأحد خلفاء الأمويين، هو الوليد بن عبد الملك. فهذا وكسائر خلفاء بني أميّة اعتبر نفسه خليفة الله ورسوله صلى الله عليه وآله. وذات مرّة نصحه شخص بقوله له: (اتّق الله) فاغتاض الوليد وغضب وأمر جنوده بضرب الشخص ضرباً مبرحاً ودهسه إلى أن مات. وكان هذا الفعل جزاء من ينصح الوليد! أي نصيحة ثمنها الموت.
إذن، ألا يجدر بنا أن نفضح هكذا أشخاص، ونبيّن للعالم حقيقتهم؟! وإلى متى يبقى العالم في جهل، ولا يعرف الفرق بين كالوليد ومعاوية، والنبي الكريم صلى الله عليه وآله؟! فالجرائم المذكورة هي من سيرة وطريقة بني أميّة وبني العباس، وكان الأبرياء ضحايا جرائمهم من الذين يسمّون اليوم بالمجرمين السياسيين.
مرّة أخرى، أدعو السيّدات والشابّات والفتيات، بالأخص طالبات الجامعة والحوزة، اللاتي يمتهننّ مهنة القلم والتحقيق، وأوصيهنّ باستخراج مثل تلك الأمور من بطون التاريخ، وإيصالها للعالم عبر وسائل اليوم، ومنها القنوات الفضائية، حتى ينجو العالم من الجهل، ويعلم ويعرف جيّداً بأنّ بني أميّة وبني العباس لا يمثّلون الإسلام أصلاً. وهذا العمل من الواجبات العينية، ومن مقدّمات وجود الواجب المطلق.
ومن جرائمهم أيضاً
من جرائم بني أميّة وبني العباس الذين كانوا يعرّفون أنفسهم بالخلفاء الإسلاميين، بحقّ المعارضين لهم والمخالفين، أيضاً، هو (التكحيل بالنار). فكانوا يحمون قطعة من حديد، ويمرّرونها على أعين المخالفين والمعارضين فيصابون بالعمى، والكثير من هؤلاء الضحايا ماتوا إثر هذا النوع من التعذيب، الذي كان من أنواع التعذيب في ممارسات بني أميّة وبني العباس.
من التعذيب الآخر، الذي ابتلي به نساء الشيعة أونساء المعارضين لحكم بني أميّة بني العباس، تعليق المرأة من صدرها. فكانوا يعذّبون نساء المخالفين، كالقصّاب الذي يعلّق لحم الغنم، بتعليقها على قطعة حادّة من حديد، ويعذّبونها، أو يعلّقونها بواسطة حبل من صدرها، وكانت تموت إثر هذا النوع من التعذيب. واليوم، ومع بالغ الأسى، يسمّى الذين ارتكبوا مثل تلك الجرائم، في العالم الإسلامي وغير الإسلامي بالخلفاء الإسلاميين، الذين كان ضحاياهم من المسلمين وأبرياء. فهل تليق الخلافة الإسلامية لمثل أولئك؟ أي الذين كانوا خلفاء الشيطان وخلفاء النفس الأمّارة بالسوء.
تفنّنهم بالتعذيب
من أنواع التعذيب الأخرى التي احتفظ بها التاريخ، دقّ الرجال والنساء على الجدران بالمسامير، بدقّ أرجلهم وأيديهم بالمسامير على الجدران وتركهم على هذه الحالة إلى أن يموتوا.
كذلك من الجرائم التي مورست بحقّ نساء المخالفين المسلمين، من قبل بني أميّة وبني العباس، جعل النساء في الكنيف (بيت الخلاء). فكانوا يحبسون النساء في الكنيف مع مقدار قليل من الماء والخبز، ويعذّبوهنّ. ومن جرائم الحكّام المتظاهرين بالإسلام أي بني أميّة وبني العباس، بحقّ النساء أيضاً، التعذيب والقتل بواسطة (القفّة)، وهي واسطة نقل نهرية دائرية الشكل والمقطع، تصنع من القش أو ألياف الأشجار، فكانوا يشدّون النساء السجينات فيها، ويلقون القفّة في النهر لتسير في الماء، إلى أن يموت من فيها من النساء.
إذن، من مسؤولية كلّ من يتمتع بقدرة الكتابة أو اللسان أو صرف الأموال، أن يفضح اولئك الذين ارتكبوا الجرائم باسم الإسلام. وإن لم تعرفوا تلك الأمور، فعليكم بالتحقيق والبحث والمعرفة، لتُطلعوا عليها العالم. وهذه مسؤولية على الجميع.
السيرة العلوية المشرقة
كما يذكر التاريخ، اعترض بعض أهالي منطقة تفليس في أذربيجان، على المتوكّل وتكلّموا ضدّه. فأرسل الأخير جنوده إلى تلك المنطقة، فأحرقوا ثلاثين ألف من أطفال ونساء تلك المنطقة وهم أحياء.
بالمقابل تعالوا وانظروا إلى سيرة مولانا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وتعامله في حادثة حرب البصرة أو ما تسمّى بحرب الجمل. فقد كانت هذه الحرب من أكبر المعارك التي فرضت على مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه رغم مساعي الإمام صلوات الله عليه لعدم وقوعها ومحاولته بالابتعاد عنها. فقد اضطرّ الإمام صلوات الله عليه وأجبر على هذه الحرب، بعد أن قتل جيش الأعداء، فئة من أفراد جيش الإمام وعذّبوا بعض أصحاب الإمام صلوات الله عليه. وبالنتيجة كان النصر حليف الإمام علي صلوات الله عليه في هذه الحرب، وانكسر جيش الأعداء ورضي بخسارته للحرب. وبعد انتهاء الحرب، تظاهر بعض نساء جيش العدو ضدّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو الحاكم في الحكومة الإسلامية حينها، وتجاسرن على الإمام وتكلّمنّ بالبذيء من الكلام. وكما يشهد التاريخ، لم يتعرّض لهنّ الإمام علي صلوات الله عليه أصلاً ولم يصدر منه أي ردّ فعل، ولم يحبسهنّ ولم يقتل حتى واحدة منهنّ، ولم يعذّب أيّ منهنّ، بل لم يسمح الإمام صلوات الله عليه بالتعرّض لأيّ واحدة منهنّ، أو يتعامل بعنف معهنّ أو بحدّة.
عليكنّ بالفعاليات التوعوية
كما بينّا، إنّ سيرة بني أميّة وبني العباس واجهتا السيرة العلوية، ولا زال العالم الإسلامي مبتلياً بتبعات تلك المواجهة. وشهر رمضان العظيم الذي تُضاعف فيه أجور الأعمال الصالحة وثوابها، خير فرصة لأجل القيام بالفعاليات التوعوية. فيجدر البدء بهذه الفعاليات من شهر رمضان العظيم الحالي، للدفاع عن القرآن الكريم ونبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسائر المعصومين صلوات الله عليهم. وهذا العمل بحاجة إلى همّة عالية. ففضح بني أمية وبني العباس هو من الواجبات بالعصر الحالي، ومن لم يقم بهذا الواجب قدر استطاعته، فقد ارتكب الحرام. فمن الواجب الكبير في زماننا الحالي، تبليغ الإسلام الحقيقي لا الإسلام بالاسم فقط. فقد قال نبي الإسلام صلى الله عليه وآله بأنّه: (سيأتي زمان على أمّتي لا يبقى من الإسلام إلاّ اسمه) وهذا ما نشهد تحقّقه اليوم. فالإسلام الذي نراه اليوم في كل مكان من العالم، هو الإسلام بالاسم فقط، ولا علامة من الحقيقة فيه أو عليه.
جوهر الإسلام وروحه
جوهر الإسلام وروحه هو إمكان القيام بالمظاهرات ضدّ الرئيس الأكبر والأهم في الحكومة، وعدم التعرّض للمتظاهرين. وهذه الفضيلة من خصائص حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله. فقد تظاهروا ضدّه وضدّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما كثيراً، ولكنهما صلوات الله عليهما لم يتعرّضا لأي أحد من المتظاهرين أصلاً. ولا يسعنا الوقت حالياً لذكر مثل تلك الأمور.
إذاً، عليكنّ أيّتها النساء المكرّمات، الغور في التاريخ، وتجميع النماذج الموجودة فيه بالخصوص المذكور، لعرضها على العالم اليوم. فتتبع سيرة النبي الكريم والإمام علي صلوات الله عليهما لهما الموضوعية لأنّهما قد حكما، وأظهرا للعالم الصورة الناصعة الحقيقية للحكومة الإسلامية.
أسأل الله تبارك وتعالى أن تكون الأيّام المتبقيّة من الشهر العظيم، مباركة على الجميع، وأن يوفّقهم إلى العمل بالواجبات والمستحبّات، واجتناب المحرّمات وترك المكروهات. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.