بعد أن أحيوا مراسم ذكرى استشهاد سيّد الكائنات، مولانا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وكالسنوات السابقة، حضرت جموع غفيرة من العلماء والفضلاء والمؤمنين والمعزّين من العديد من المدن والمحافظات الإيرانية, في بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بمدينة قم المقدّسة، عصر يوم الجمعة الموافق للثامن والعشرين من شهر صفر المظفّر 1434 للهجرة، فألقى سماحته فيهم كلمة قيّمة بخصوص هذه الذكرى الأليمة, قال فيها:
هذا اليوم هو ذكرى استشهاد أشرف الأولين والآخرين, مولانا رسول الإسلام صلى الله عليه وآله, وهو يوم المصيبة الكبرى, والكبرى, والأكبر. وبهذه المصيبة الكبرى أرفع التعازي إلى مولانا المفدّى بقيّة الله الإمام المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
كما اُعزّي جميع المؤمنين والمسلمين والمستضعفين والمهضومة حقوقهم في كل مكان, سواء في البلاد الإسلامية أو غيرها.
وقال سماحته: في هذا اليوم حلّت مصيبة أخرى هي بمستوى مصيبة فقد النبي صلى الله عليه وآله, وهي إزالة القوم لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله, وتحريفهم الإسلام عن مساره الصحيح. ومن هذا اليوم الذي وقعت فيه مصيبتين عظميين: مصيبة استشهاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله, ومصيبة تحريف الإسلام, بدأت المآسي والتعاسة والضلالة والجهل والفقر والمظالم تلقي ظلالها على الأمة الإسلامية, كما صرّحت بذلك الروايات الشريفة عن المعصومين صلوات الله عليهم. وأسأل الله تعالى أن يعجّل في فرج مولانا بقيّة الله الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف, وأن يزيل ببركة الإمام أرواحنا فداه, ويرفع عن الناس في الدنيا كلّها, الآلام والمشاكل.
بعدها أكّد سماحته, بقوله: أوصي الجميع, بالأخصّ الشباب والشابّات, بقراءة وحفظ خطبة مولاتنا السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها التي ألقتها في مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله, ثم التدبّر فيها جيّداً ومعرفة مضامينها الراقية. وهنا اُشير إلى قضية تاريخية مهمة جدّاً, قد ذكرتها السيّدة الزهراء صلوات الله عليها في خطبتها الشريفة, مخاطبة من كانوا يسمّون أنفسهم ويعدّونها بالخواص والداعين إلى الإسلام ومن الأكابر والوجهاء والزعماء, وهو قولها صلوات الله عليها: (يامعشر النقيبة وأعضاد الملة وحضنة الإسلام! ما هذه الغميزة في حقّي والسِّنة عن ظلامتي؟).
واعتبر سماحته هذا الكلام من السيدة الزهراء صلوات الله عليها بأنه عميق جدّاً وله دلالات مهمة, حيث بيّنت فيه تقصير المدّعين بزعامة المسلمين, وقال: لم يك متوقعاً من عامة الناس في ذلك الزمان أن يقوموا بعمل ما أو ردّة فعل, لأن الناس معظمهم من العوام, وكما قال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: يميلون مع كل ريح, ولكن المشكلة الرئيسية هي في الخواص وأصحاب الفهم والعقل الذين لم يحرّكوا ساكناً وسكتوا وأغمضوا أعينهم. ولهذا ترى أن العذاب الإلهي بالآخرة يكون بالغالب نصيب أصحاب الفهم والعقل الذين لا يبالون ولا يهتمّون بأصول الدين ويغضّون طرفهم ويغمضون أعينهم عن الباطل, ويسعون إلى تحقيق مكاسبهم ومطامعهم الدنيوية فقط. فبهؤلاء تمتلئ نار جهنّم ـ والعياذ بالله ـ كثيراً.
بعد ذلك أشار سماحته إلى المتظاهرين بالعلم والقداسة عبر التاريخ, وذكر أحدهم, وهو الزهري الذي عاصر مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه, وكان يحضر عند الإمام ويستفيد من علمه صلوات الله عليه, وكان من قضاة بني مروان, وقال: قال الإمام السجّاد صلوات الله عليه للزهري (مضمون الحديث): لماذا تصحب بني مروان؟ فقال الزهري: أستفيد منهم للأيتام والمظلومين. (وهذا منطق الكثير ممن يتظاهرون بالعلم والقداسة اليوم أيضاً). فقال له الإمام: إنّ ما يستفاده بنو مروان منك, هو أكثر مما تستفيده أنت منهم للأيتام والمظلومين. فهشام بن عبد الملك وبسببك جعل الكثير من الناس منحرفين وضالين, وهو يستفيد منك في تثبيت وتأييد ملكه, فصحبتك لهشام ذنب كبير, لا يجبره الألوف من الأعمال الحسنة.
وعقّب سماحته, بقوله: إنّ مثل ما كان يقوم به الزهري هو كالصلاة بلا وضوء, وكالتوضّؤ بماء نجس! فلا فائدة من علم بلا تقوى. فقد قال مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه: (...فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلاّ كُفْراً وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلاّ بُعْداً).
كما إنّ رجل الدين البسيط هو أفضل من غيره الذي يعمل الحسنات والصالحات كثيراً, كما ذكرت الأحاديث المتواترة. ورجل الدين السوء أسوأ من شارب الخمر ومن الزاني!
وأضاف سماحته: ووصل الأمر بالزهري أنه ابتعد عن أهل البيت صلوات الله عليهم وانحرف عنهم, مع أنه كان عالماً وواعياً بمقام ومكانة الإمامة. فقد نقل عنه أنه قال: لم أر أفضل من عليّ بن الحسين, ... فلما أن مات شهد جنازته البرّ والفاجر وأثنى عليه الصالح والطالح وانهال يتبعونه حتى وضعت الجنازة, فجاء تكبير من السماء فأجابه تكبير من الأرض وأجابه تكبير من السماء فأجابه تكبير من الأرض ففزعت وسقطت على وجهي, فكبّر من في السماء سبعاً ومن في الأرض سبعاً. ولكن هذا الزهري ابتعد عن اتّباع الإمام صلوات الله عليه. فعندما استشهد الإمام السجّاد صلوات الله عليه وتمّ تشييع جثمانه الطاهر (وكان هذا التشييع هو أول تشييع علني في تاريخ أهل البيت صلوات الله عليهم) جاءوا بالجثمان الطاهر إلى البقيع للصلاة عليه, فامتنع الزهري عن الاقتداء بالإمام الباقر صلوات الله عليه, وقال: أذهب إلى المسجد النبيّ, لأنه أحبّ إليّ! فلم يوفّق للصلاة على الجثمان الطاهر للإمام المعصوم صلوات الله عليه.
وبعد حديثه عن الشخصية المتذبذبة للزهري, عدّ سماحته الزهري بأنه من علماء السوء في ذلك الزمان, وقال: من الأفضل أن لا ترى الدنيا عالماً بلا تقوى. فالعالم فاقد التقوى يبتعد عن الله تعالى كل لحظة, ويبتعد عن المعصومين صلوات الله عليهم الذين هم مصباح هداية البشرية.
وفي سياق حديثه تطرّق سماحته في كلمته إلى الحديث عن أبي أيوب الأنصاري, ودعا المجتمع الإسلامي إلى التدبّر بتوجيهات السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها المذكورة في خطبتها الشريفة المعروفة, وقال: كان أبو أيوب الأنصاري هو من نزل عنده (أي في داره) رسول الله صلى الله عليه وآله حينما وصل المدينة مهاجراً من مكّة, وأول من نال معجزة وكرامة من النبي صلى الله عليه وآله, وهي ردّ البصر لأمّه التي كانت عمياء. وشارك في العديد من الحروب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يصلّي خلفه ويحضر بين يديه. ولازم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بعد استشهاد النبيّ صلى الله عليه وآله وقاتل في ركاب الإمام في الحروب الثلاث: الجمل, وصفّين, والنهروان. ولكن بعد استشهاد الإمام الحسن صلوات الله عليه, إي في زمن إمامة مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه, انطوى تحت راية معاوية, حيث التحق بجيش معاوية بقيادة يزيد في إحدى المعارك وقتل فيها, وكانت عاقبته أن صلّى عليه يزيد! أي صارت عاقبته إلى سوء.
وأردف سماحته مبيّناً أهمية التوعية الفكرية وضرورتها وأهميّتها في المجتمع, وقال: إنّ قضية التوعية الفكرية وهداية المجتمع قضية مهمّة جدّاً, حيث أن السيّدة الزهراء صلوات الله عليها ضحّت بنفسها الطاهرة في هذا السبيل, وضحّت بجنينها سيّدنا المحسن سلام الله عليه, الذي لو لم يقتل لكان عدد ذريّة السادة أكثر مما هو عليه الآن. وهذه التضحية من مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها هي حجّة على النخبة وعلى المدّعين بالإسلام كافّة. وهذه الحجّة تصدق في كل العصور, وفي يومنا هذا, وإلى يوم القيامة.
بعدها أكّد سماحته أهمية الدعاء إلى الله تعالى والتوسّل إليه بالأئمة الأطهار صلوات الله عليهم لطلب ونيل حسن العاقبة في الدنيا, وقال: علينا أن ندعوا الله تعالى كثيراً ونتوسّل إليه كثيراً بأن لا يجعل ولا تكون عاقبتنا كعاقبة أبي أيوب الأنصاري, وهذا الأمر بحاجة إلى التوسّل والتعقّل والحيطة والحذر. فالسيّدة الزهراء صلوات الله عليها كانت ترى وتعلم أبعاد ما سيحدث وما سيقع بالنسبة للمدّعين بزعامة المسلمين من بعد استشهاد النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله, ولذلك خاطبتهم بذلك الخطاب.
ثم أشار سماحته إلى تشكيك إبليس والشياطين بالقضية الحسينية المقدّسة, قال: من المؤسف أن بعض الجهلاء قصدوا التشكيك بالزيارة الحسينية الأربعينية المقدّسة بقولهم: كيف يمكن أن تكون زيارة الأربعين من علامات المؤمن؟
في حين, ومن الباعث على التعجّب أنهم لم يشكّكوا ولم يستشكلوا على باقي العلامات التي ذكرها الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه للمؤمن, كالجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وصلاة إحدى وخمسين, ولم يبحثوا عن أدلّتها!
إنّ منشأ هذا التشكيك وأمثاله بدأ من يوم استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه أيضاً, الذي عزم فيه إبليس ودعا أعوانه الشياطين إلى التشكيك بالشعائر الحسينية وبالزيارة الحسينية المقدّستين.
وقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: لقد أرادت السيّدة الزهراء صلوات الله عليها أن يستيقظ الناس ويفيقوا. فالجهل أسوأ شيء. فقد جاء في العديد من زيارات مولانا سيّد الشهداء صلوات الله عليه: (وَبَذَل مُهجَتَه فِيك لِيستَنقِذَ عِبادَك مِنَ الجَهالَة وحَيرَة الضَلالَة). فالسيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها كانت تعلم أنه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله سوف لا يستمر المسير الصحيح للإسلام, ولكنها ألقت الحجّة عليهم. فلو كان قد بقي المسير الصحيح للإسلام لما وجدت المظالم والمآسي, ولأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم, كما قال مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
إذن, فعلى الناس جميعاً أن يعلموا ممن يأخذوا العلم والدين, كي لا يكون نصيبهم الخسران.
وأبدى سماحته اعتراضه على بعض الدول الإسلامية التي تظهر إسلاماً طبقاً لما يحلو لها ولذائقتها, وخاطب الشباب, بقوله: ما الذي حدث كي يقوم الشاب المسلم الذي ولد من أب مسلم ومن أمّ مسلمة, وكان لا يفارق الصلاة والصيام وقراءة القرآن, إلى الابتعاد عن الإسلام وتركه, ويولّي وجهه شطر دين آخر؟
فما هي علّة الابتعاد عن الإسلام؟
وأجاب سماحته, قائلاً: العلّة هي أنه من المؤسف له أن الشباب لا يميّزون بين العالم الحسن وعالم السوء, ويحسبون ذنب واحد يصدر من علماء السوء على جميع العلماء. وهذا ليس هو الواقع وغير صحيح.
وأوضح سماحته: إنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه, ويزيد, من ناحية الملبس, كانا يتشابهان, وكانا يتعمّمان بالعمامة, لكن من غير الممكن أبداً مقارنة يزيد بالإمام الحسين صلوات الله عليه, فكيف بأن نضعهما جنباً إلى جنب.
إذن, فمن مسؤولية العلماء أن يفهموا الشباب, وأن يعينهوهم على معرفة العلماء, وتمييز الصالح والسليم من المتظاهر بالعلم وبالقداسة.
وانتقد سماحته بشدّة حال بعض الحكومات الإسلامية, وقال: إنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه, في أيام حكومته, وبإقرار حتى المؤرّخين الكفرة, بنى سجناً واحداً فقط, وذلك للذين كانوا يستحقّون السجن فعلاً. وكان حائط هذا السجن قصيراً وبلا سقف, كي يتنبّه السجين لتصرّفاته, ويعيد النظر في أفعاله!
لكن, ومن المؤسف له, تعالوا وانظروا الآن إلى الدول الإسلامية. فهذه الدول تعمل جهاراً بخلاف القرآن, ويبنون السجون ويودعون فيها الألوف من الناس. فقد نقلوا أنه في بعض الدول الإسلامية يودع السجون يومياً (1600) شخص. أي في السنة يودع السجن أكثر من نصف مليون شخص!
فهل هذا هو إسلام النبيّ صلى الله عليه وآله الذي وعد الناس به, وبأنه يسعدهم في دنياهم وآخرتهم؟
فبأيّ وجه من الوجوه وعلى ماذا يعتنق اليهودي أو النصراني هكذا إسلام؟
ثم هل يظلم اليهود بعضهم بعضاً كالظلم الذي نراه بين المسلمين في البلاد الإسلامية؟
لا يخفى أن الكثير والكثير من اليهود والنصارى صاروا مسلمين ببركة الكثير من العلماء الصالحين والأكابر المخلصين.
وخاطب سماحته الشباب, ذكوراً وإناثاً, بقوله: أيّها الشباب راجعوا التاريخ واقرأوه بتدبّر, ولا تكتفوا بالسماع والاستماع, لتعرفوا جيّداً الحقّ من الباطل, ولتعرفوا من هو مثل أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه, ومن هو مثل أبيّ أيوب الأنصاري.
ثم تطرّق سماحته إلى الحديث عن بركات شهري محرّم وصفر, وقال: لقد انتهى شهر محرّم وشهر صفر لهذه السنة أيضاً. وفي هذين الشهرين نال الكثير من الناس توفيق التقرّب إلى أهل البيت صلوات الله عليهم, واهتدوا, وعملوا صالحاً, فيجب عليهم أن يسعوا إلى الحفاظ على هذا التوفيق إلى شهري محرّم وصفر من السنة القادمة. وبعض, في شهري محرّم وصفر, وبسبب عرقلتهم للشعائر الحسينية وتشكيكهم بها, وبسبب ما اقترفوه من الظلم والذنوب, انحرفوا وصاروا من أصحاب النار وجهنم.
بعد ذلك أعرب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله عن تقديره وإجلاله الكثيرين للتجمع البشري المليوني للزائرين الحسينيين في الزيارة الأربعينية في كربلاء المقدّسة, وقال: إنّني أدعو لكل الذين ساهموا وشاركوا في زيارة الأربعين وأشكرهم, سواء الذين ذهبوا إلى الزيارة مشياً على الأقدام, ولزيارة المولى سيّد الشهداء صلوات الله عليه مشياً لها فضائل عجيبة, وسواء الذين لم يقدروا على المشي وذهبوا ركباناً, ونالوا توفيق الزيارة في مناسبة الأربعين المقدّسة.
إنّني واقتداء بالإمام الصادق صلوات الله عليه, أدعو لزوّار الإمام الحسين صلوات الله عليه, جميعاً. وأشكر أيضاً كل الذين أقاموا مسيرات المشي في يوم الأربعين في المدن والبلدان الإسلامية والكافرة.
وبيّن سماحته بعض الأمور والمصاديق حول الشعائر الحسينية المقدّسة, وقال: إن ملاك الشعائر الحسينية هو كل ما عدّ تكريماً للإمام الحسين صلوات الله عليه. وليس بالضرورة أن يكون مما قام به المعصوم صلوات الله عليه, وحتى إن لم يقوم به الإمام المعصوم صلوات الله عليه, أو لم يقوم به الناس في زمن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم, ولا تحتاج الشعائر الحسينية إلى دليل ولا إلى رواية.
إذن, فتشييد الضريح وبناء المرقد وتشييد القبّة, وكذلك الحضور والتجمّعات في الكثير من دول العالم في يوم الأربعين ومسيرهم, سيراً مهيباً, من مكان إلى آخر, هو كلّه من الشعائر الحسينية المقدّسة, وتحظى بالتأييد من الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم.
كما أشكر كل الذين أقاموا الشعائر الحسينية, واُشجّعهم وأقول لهم إن كل أنواع العزاء الذي اُقيم في مدينة كربلاء المقدّسة, وفي غيرها, من قبل الرجال والنساء, والشيوخ والشباب والأشبال والأطفال, والأغنياء والفقراء, وبأيّ وجه كان, بعنوان الشعائر الحسينية, إنّ كل ذلك هو من الشعائر الحسينية المقدّسة.
وأكّد سماحته أهمية إقامة العزاء والمجالس الحسينية, وقال: كل ما نقدّمه ونعطيه للإمام الحسين صلوات الله عليه, وكل ما يقدّم في العالم كلّه, فهو قليل. فتعالوا إلى أن لا نحرم بيوتنا من إقامة العزاء الحسيني فيها, يومياً, أو اسبوعياً, أو شهرياً. حتى وإن اقتصر العزاء الحسيني في بيوتكم عليكم أنتم مع نسائكم وأبنائكم فقط, مهما استطعتم, وبقدر إمكاناتكم المالية. واوصيكم بقراءة الكتاب الثمين: الكامل في الزيارات, لتعرفوا ماذا قال النبي الكريم صلى الله عليه وآله, وماذا قال أهل البيت صلوات الله عليهم حول القضية والشعائر الحسينيتين المقدّستين.
وتحدّث سماحته حول التمسّك بالمعصومين الأربعة عشر صلوات الله عليهم, وقال: إنّ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله أمرنا بالتمسّك بالقرآن وبأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم. وبيّن لنا أن القرآن وأهل البيت صلوات الله عليهم توأمان, ولا ثالث لهما. فلا فائدة من التمسّك بالقرآن لوحده, وكذلك لا فائدة من النبوّة لوحدها.
قال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (إنّ الله لا يقبل توحيده إلاّ بالاعتراف لنبيّه صلى الله عليه وآله بنبوّته, ولا يقبل ديناً إلاّ بولاية من أمر بولايته). فعلينا أن نتّبع القرآن والعترة وهم المعصومون الأربعة عشر صلوات الله عليهم, معاً, فشرط النجاة رهين هذين المجوهرتين الثمينتين.
كما تطرّق سماحته إلى الحديث حول ضرورة التبرّي من أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم, ولعن أعدائهم, وقال: بعض يستشكل ويقول: لا تسبّوا من انحرف عن أهل البيت صلوات الله عليهم, لأن القرآن الكريم يقول: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) ولأن أهل البيت صلوات الله عليهم لم يصدرهم منهم مثل ذلك.
أقول: إن المقصود من الآية الكريمة الآنفة الذكر هو: عدم سبّ الأصنام وليس عدم سبّ المنحرفين والكافرين. ففي أي مكان نهى القرآن عن السبّ بنحو مطلق؟ فهذا التشكيك هو تبليس إبليس.
وأضاف سماحته: ألم يقول القرآن الكريم: (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ)؟
أليس هذا سبّ؟ فراجعوا التفاسير لتعرفوا معنى العتل والزنيم.
ثم إنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً, ولكن هناك من يعمل ببعض القرآن ويتركه بعضه, أي يؤمنون ببعض القرآن ويكفرون ببعضه. فالقرآن الكريم أمرنا أن لا نسبّ الأصنام ولم يأمرنا بعدم سبّ الكافرين والمنحرفين.
أو يقولون: إن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين.
أقول: ألم يستعمل الإمام صلوات الله عليه, السبّ, كما هو مذكور في كلامه صلوات الله عليه في نهج البلاغة؟
ألم يقل الإمام الحسين صلوات الله عليه في عاشوراء: فإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؟ والدّعي يعني من لا أب له.
أسأل: أليس هذا سبّ؟
وشدّد سماحته مخاطباً المؤمنين جميعاً, بالخصوص الشباب, وقال: اعرفوا أمثال هذا الأمور وهذه القضايا من العلماء الصالحين فقط, وخذوها من عندهم, لا من غيرهم.
إنّ الله تبارك وتعالى سبّ ولعن أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم, فواجب علينا أن نمتثل للقرآن الكريم ولروايات المعصومين صلوات الله عليهم, بالتبرّي من أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم.
في ختام كلمته القيّمة, أعرب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله, عن شكره لجميع الهيئات الدينية, ودعا الله عزّ وجلّ أن يتقبّل تعزّيهم وعزائهم.
يذكر, أنه تم بثّ كلمة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله, عبر القنوات الفضائية: الإمام الحسين صلوات الله عليه العربية والفارسية, وسلام الفارسية.