شبكة النبأ: يحتاج المجتمع والفرد إلى نظام طبي ناجح، لضمان مستوى صحي جيد يقي الناس من الأوبئة والأمراض، والصِّحَّة هي مستوى الكفاءة الوظيفية والأيضية للكائن الحي، أما عند الإنسان فالصحة لدى الأفراد والمجتمعات وفقا لتعريف منظمة الصحة العالمية، هي حالة من اكتمال السلامة البدنية والعقلية والاجتماعية وليس مجرد غياب أو انعدام للمرض أو العجز.
لكن هذا التعريف تعرَّض لانتقاد كبير وذلك لتنافيه مع الحياة الواقعية خاصة مع استخدام كلمة اكتمال السلامة، وهو ما دفع بالعديد من المنظمات إلى استخدام تعريفات أخرى من بينها، إن الصحة هي الحالة المتوازنة للكائن الحي والتي تتيح له الأداء المتناغم والمتكامل لوظائفه الحيوية بهدف الحفاظ على حياته ونموه الطبيعي.
أما الطِّبُّ أو فن العلاج؛ فهو العلم الذي يجمع الخبرات الإنسانية في الاهتمام بالإنسان، وما يعتريه من اعتلال وأمراض وإصابات تنال من بدنه أو نفسيته أو المحيط الذي يعيش فيه، ويحاول إيجاد العلاج بشقيه الدوائي والجراحي وإجرائه على المريض. كما يبحث الطب في الظروف التي تشجع على حدوث الأمراض وطرق تفاديها والوقاية منها، ومن جوانب هذا العلم الاهتمام بالظروف والأوضاع الصحية، ومحاولة تحسينها.
لكن الملاحَظ في عالم اليوم هناك تدنٍّ كبير في الأنظمة الصحية، وفي التعاملات الطبية، مما تسبب في زيادة مستويات المرض، وانتشار الأوبئة، بالإضافة إلى سوء تعاملات الكوادر الطبية مع المرضى، بسبب تصاعد ظاهرة الجشع، وحب اكتناز الأموال، على حساب قيمة الإنسان وسلامته، وهو ما يتناقض مع نظرة الإسلام للطب، ولقطاع الصحة، وللدور الكبير الذي كان يتصدى له إبّان حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله).
فنظام الطب في الإسلام كان له الاهتمام الأبرز كونه يتعلق بصحة الإنسان فاشتمل على خطط مهمة لاقتلاع المرض من جذوره، ولهذا اهتمت التعاليم والأحكام والقرآن والأحاديث بالجانب الصحي للإنسان اهتماما كبيرا، فقد قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ في القرآن آية تجمع الطب كله: كُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ).
أما سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) فقد تناول هذا الموضوع الحيوي في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الإسلام) قائلا:
إن (الإسلام وضع خططاً حكيمة لاقتلاع جذور المرض من أطراف الدولة الإسلامية كلها ومن عامة المسلمين. لذلك نجد في قائمة الأحاديث الشريفة المأثورة عن رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) وعن أهل بيته الأئمة الأطهار(عليهم السلام) المئات بل الألوف منها مخصّصة لبيان الأمور الصحّية).
لماذا يزداد المرضى والأطباء معا؟
هذا ما يفسر قلّة المرضى المسلمين آنذاك، مع قلة ملحوظة في الأطباء والمستشفيات لعدم الحاجة لها، لأن الإسلام كان يكافح الأمراض قبل وقوعها، ويعتمد قاعدة أو أسلوب (الوقاية خير من العلاج) استنادا إلى التوجيهات الصارمة في هذا الخصوص. (لذلك قلّما يجد الإنسان ـ في ظلّ الحكم الإسلامي ـ مرضى كثيرين وأمراضاً متفشية. وكانت الصحّة العامّة ترفرف بأجنحتها على الدولة الإسلامية العريضة) كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي.
ويضيف سماحته (دام ظله): إن (البلد الواحد ذو مائة ألف نسمة ـ مثلاً ـ كان يكفيه أطباء قليلون، وكنت ترى يومياً بعضهم بلا مراجعين، أو قليلي المراجعين يعدّون عدّاً بالأصابع).
من الغرابة بمكان أن يتضاعف المرضى، مع كثرة أعداد الأطباء وكثرة المستشفيات والأماكن المخصصة للتطبيب، وأية مقارنة بين أرقام اليوم من المرضى بالمقارنة مع عهد الإسلام الأول، فإن الفارق كبير بل وهائل، فمع كل الإمكانيات التي يتمتع بها الطب حديثا، لكن العجز بات واضحا في قضية المعالجات وكبح الأوبئة والأمراض.
ولعل تجربة البشرية القريبة مع وباء كورونا، تؤكد البون الشاسع بين النظام الصحي الطبي قديما في عهد الإسلام، وبين ما يجري اليوم في ظل عجز علاجي واضح، يتسبب في مضاعفة أعداد المرضى وأعداد الأطباء والمستشفيات في وقت واحد.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(نحن حين لا ننكر ما للطب الحديث من التقدّم في بعض المجالات، نتساءل: لماذا أصبح الطب اليوم ـ بما أوتي من حول وطول ـ عاجزاً عن معالجة المرضى، ومكتوف الأيدي أمام هذا العدد الهائل من الأمراض؟، ففي كل بلد يكون كبيراً، ترى المرضى يعدّون بالألوف.. والأطباء بالمئات.. والصيادلة ومخازن ومستودعات بيع الأدوية والعلاج بالمئات. ولو قسنا هذه الكمية الكبيرة بعهد الإسلام وعدد المرضى فيه لكانت النسبة واحداً بالمائة، أو أقل بكثير).
ما هو النظام الصحي الضامن؟
مما يدعو للأسف أن جميع المؤشرات تؤكد فشل السياسة الصحية المعاصرة، حتى على المستوى العالمي، فهناك أرقام مهولة لأعداد المصابين بشتى الأمراض، ويرافق ذلك عدم قدرة على مواكبة هذه الأوبئة والتصدي لها ومنعها قبل حدوثها، على عكس السياسة الصحية عند الإسلام، والتي تدل على نجاح هذه السياسة في التصدي للأمراض بكل أنواعها.
ألا يؤكد لنا ذلك أن نظرة الإسلام للطب والصحة نظرة أساسية في بناء الإنسان، وتطوير المجتمع، مع التركيز على الدور الإنساني للملاكات الصحية وما تقدمه من خدمات طبية للمرضى، فالأصل ليس الربح المادي وإنما حضور الدافع الإنساني عند الطبيب، مما يجعله يتعامل بإنسانية عالية مع المريض استنادا لما يتلقاه من توجيها وأحكام إسلامية تحثّه على ترك الطمع والجشع، وتقديم الفعل الطبي الإنساني على سواه.
إن جميع الدلائل تشير إلى فشل النظام الطبي والصحي القائم، لأسباب كثيرة أكبرها ويتقدم كل الأسباب، البحث عن المال والربح بفعل الطمع والجشع واحتداد النزعة المادية وتسللها إلى نفوس الأطباء، مما جعل الطبيب يفضل المادة على العمل الإنساني، بالإضافة إلى فشل الأنظمة الصحية المعاصرة التي تزيد من أعداد المرضى والأطباء على حدّ سواء.
يتساءل سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بهذا الخصوص قائلا:
(أليس ذلك دليلاً على رشد الإسلام في سياسته الصحّية، وفشل غير الإسلام في هذا المجال؟ فالأطباء يضاعف عددهم سنوياً بالألوف، والمستشفيات في ازدياد، والتجارب الصحّية في تقدم. والمرضى ملء الدنيا. والأمراض طبقت البلاد. فهل هذه سياسة صحّية رشيدة؟)
هناك خلل واضح في الالتزام بالتعاليم الصحية للإسلام، والسبب أما قلة الاطلاع عليها، أو التعتيم عليها، وفي كل الأحوال هناك مشكلة صحية واضحة وكبيرة، نتيجة لفشل النظام الصحي، وعدم مراعاة التعاليم الصحية التي يركز عليها الإسلام لتجنب كثرة المرضى، وهذا يؤكد أهمية إعادة النظر بالنظام الصحي بسبب فشله، والتأكيد على دراسة وفهم تعاليم الإسلام الصحية، كونها السبيل إلى صنع نظام صحي إنساني متوازن.
فيقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) تأكيدا على هذا الموضوع:
(يمكنك استطلاع هذه الحقيقة بالتحقيق عن المصحّات والمستشفيات ودور الصحّة، فإنك تجد نسبة المتدينين والملتزمين بتعاليم الإسلام الصحّية فيها أقل بكثير من غير المتدينين وغير الملتزمين بالتوجيهات الإسلامية في مجال الصحّة العامة).
إذًا هنالك نظام صحي إسلامي محدّد وواضح، عبر تعاليم واضحة أيضا، ينبغي الالتزام به، وفق الرؤية والمنظور الإسلامي للنظام الصحي والطبي، وفي حال تحقق ذلك، فإننا سوف نكون في مأمن من الانزلاق في هاوية الأمراض والأوبئة التي باتت تهدد البشرية متى ما شاءت، مما يؤكد الحاجة إلى التمسك بنظام صحي وفق المنظور الإسلامي الضامن.