بمناسبة اليوم العالمي للتلفاز، أصدرت مؤسسة شيرازي وورلد فاونديشن، بياناً، أدناه نصّه:
اعترافاً بدور التلفاز في صنع الرأي العامّ وتوجيهه نحو القضايا التي تمسّ السلام والأمن، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة (في قرارها 51/205 المؤرخ 17 كانون الأول/ديسمبر 1996) يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر يوماً عالمياً للتلفاز، احتفالاً بذكرى اليوم الذي انعقد فيه أول منتدى عالمي للتلفاز، بمشاركة كبار الشخصيات الإعلامية وبرعاية المنظمة الدولية، لمناقشة الأهمية المتزايدة للتلفاز في عالم اليوم المتغير والتداول حول سبل تعزيز التعاون المشترك.
التلفاز في عصرنا الحاليّ، لم يعد مجرّد جهازٍ يجمع بين الترفيه والتسلية والمعلومة، بل أضحى فلسفةً تقوم على نشر الفكرة في قالب محتوىً بصريٍّ جذّابٍ لاستقطاب أوسع شريحةٍ من المشاهدين حول العالم. وعزّز التطوّر التكنولوجيّ الهائل مبدأ التلفاز كفكرة، وطوّره كأداة، من خلال شاشات أصغر في أجهزة اتصال”تلفزيّة” ذكيّة قابلة للحمل التي أضحت من أهمّ وسائل هندسة الأفكار وبرمجتها وأبرز أدوات التغيير الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ. ولاندري ماذا يخبّئ لنا المستقبل من تقنيات في هذا المسار؟!
إنّ “تلفَزَة الحياة” واقعٌ يجب أن نعترف به، وهي تمثّل محطّةً للوقوف على الحالة التي وصلت إليها البشرية عن كثب؛ إذ كشفت إخفاق التكنولوجيا في ملئ الخواء الروحيّ الذي يعاني منه الإنسان؛ الأمر الذي يدعو للتعامل مع التلفاز بعين العقل بعيداً عن الانجراف وراء المؤثّرات البصريّة المبهرة التي قد تدسّ السمّ بالعسل. وفي النص المنقول عن الإمام علي عليه السلام أنه لمّا مرّ بآثار كسرى وهو في طريقه إلى صفين، انبهرأحد أصحابه بروعة ما رأى حتى تمثّل ببيت من الشعر. فقال الإمام علي عليه السلام أفلا قلت: (كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوما آخرين، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين). إنّ هؤلاء كانوا وارثين، فأصبحوا موروثين، وإنّ هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية، فإيّاكم وكفر النعم، ولا تحلّ بكم النقم.
إنّ التلفاز بمختلف أشكاله الفضائية والشبكية، فرصةٌ لا تقدَّرُ بثمنٍ لنشر المحتوى الذي يسهم في الارتقاء بالإنسان على مختلف الصعد، وهو ميدانٌ مفتوح أمام الجميع لعرض ما لديهم، ما يحمّل الجميع لا سيما أصحاب الفكر السليم مسؤولية أخذ زمام المبادرة لأداء الدور المنوط بهم؛ فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إذا أقبلت الدنيا فأحقُّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها، ومؤمنوها لامنافقوها).
في هذا السياق، نستذكر المرجع الكبير الراحل آية الله العظمى السيّد محمّد الحسيني الشيرازي رضوان الله عليه، الذي كان نموذجاً للعالِم الذي سبق عصره لابمجرّد إبداعه وموهبته فحسب، بل لجرأته ونظرته المستقبلية في مقاربة قضايا العصر والدفع لإنجاز أطروحاته المبتكرة بيقين الواثق وثقة الموقن؛ إذ في أواسط عقد التسعينات من القرن الماضي ووسطَ مجتمعٍ غارقٍ في تفاصيله اليوميّة وأفكاره النمطيّة التي كانت عصيّةً على التغيير؛ انبرى رحمه الله لطرح مشروع إطلاق الفضائيات الشيعية التي تنشر فكر أهل البيت (عليهم السلام) معبّراً عن أسفه آنذاك لضعف حضور أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الميدان قائلاً: (أين نحن من عالم الفضائيات؟ ولماذا نترك هذا المضمار لمن هبّ ودبّ من أصحاب الأفكار المنحرفة؟ ولا ريب أنّ العلماء هم المعنيّون بالدرجة الأولى بتحمّل المسؤولية كي يكون لنا دورٌ في هذا الأمر).
لم يكتفِ المجدّد الراحل بمجرّد طرح الفكرة، أو إهدار جهده في خوض جدل عقيم حول تقبّل أو رفض تلك الوسيلة الإعلامية الصاعدة، بل بادر لشرح المزايا والتحذير من المخاطر، مؤكّداً على أهمية الاستثمار في منافعها لصالح قيم الإسلام الحقيقية النابعة من تعاليم أهل البيت(عليهم السلام)، فأثمرت جهوده ومتابعته إطلاق قنوات فضائية شيعية أدخلت هذه الطائفة الإسلامية عصر الفضائيات.
إننا إذ نحتفل باليوم العالميّ للتلفاز، نؤكّد على أهمية استثمار هذه الوسيلة لما ينفع الإنسانية وقيمها النبيلة، وضرورة الحفاظ على مبدأ التلفاز الملوّن بتنوّع الثقافات والرؤى والأفكار البنّاءة، وعدم الرجوع القهقرى لفكرة التلفاز الأبيض والأسود ذي القناة الوحيدة. ومن الله التوفيق والسداد.