أرسلت مؤسسة شيرازي فونديشن العالمية في واشنطن، رسالة إلى حكومات ومنظّمات ومؤسسات العالم، بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني، أدناه نصّه الكامل:
إيماناً من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأهمية تعزيز ثقافة التضامن وروح المشاركة لمكافحة الفقر؛ أصدرت قرارها 209/60 المؤرخ في17 آذار/مارس 2006، باعتبار التضامن أحد القيم الأساسية والعالمية التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقات بين الشعوب في القرن الحادي والعشرين، وتقرر، في هذا الصدد، إعلان 20 كانون الأول/ديسمبر من كل عام يوماً دولياً للتضامن الإنساني، والتذكير بضرورة إيلاءالاهتمام وتقديم العون للشرائح البشرية المهمشة من قبل الفئات التي حققت مكاسب هائلة من العولمة.
وأنشأت الجمعية العامة في شباط/فبراير 2003، بموجب قرارها 265/57، صندوق التضامن العالمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويتمثل الهدف منه في القضاء على الفقر وتعزيز التنمية البشرية والاجتماعية في البلدان النامية، ولا سيما بين القطاعات الأكثر فقراً منسكانها.
إنّ إخفاق المجتمع الدوليّ في حلّ الأزمات سلميّاً، يعكس بوضوح الفشل في إدارة الصراعات نتيجة تغليب منطق القوة على حساب قوةالمنطق، الأمر الذي نجم عنه نشوب الحروب العسكرية والاقتصادية و تفاقم المشكلات المالية والمعيشية وانتشار الأزمات الاجتماعية.
إنّ رفض الاعتراف بالتنوّع الإنسانيّ بمختلف أشكاله واقعاً طبيعياً، من أهمّ عوامل تدهور الأوضاع العالميّة؛ إذ أفرز مجموعات بشريّة تعاني من التهميش الثقافي، الفكري، العرقي، الديني والاجتماعي، وتكبدت في داخلها كمية هائلة من الحرمان والحقد، قد تتحوّل لقنبلة موقوتة تنفجر يوماً ما لتضرب الاستقرار و السلام العالميين؛ وهو ما بدأت إرهاصاته تظهر في العديد من بلدان العالم، في تهديد لمستقبل الأجيال القادمة. ولا ريب أنّ استمرار حالة نكران الغير وخصوصياته نتيجة التمسك بأيديولوجيات مؤطّرة منغلقة والانجراف وراء مصالح مادية ضيقة مما يعزز حالة الشك والريبة بين البشر ويحول دون مدّ جسور التواصل بينهم، ليبقي فكرة التضامن الإنساني مجرّد شعارٍ فارغٍ لا يحلّ أزمات البشر، بل قد يسهم في تفاقمها.
إنّ التضامن الإنسانيّ مسارٌ ثقافيّ وتربويّ، ينطلق من قاعدة المجتمع، ولا يتحقق بمجرد إصدار القوانين والتعاميم أو إطلاق الخطابات الرنّانة من قبل النخب السياسية والفكرية والاجتماعية والدينية، بل لا بدّ من إطلاق المبادرات العملية التي تتناسب ومستوى الوعي لكلّ الفئات الاجتماعية من خلال التأكيد على احترام حقوق الإنسان الأساسية ومشاطرة آلامه وآماله ومعايشة همومه، والعمل على تقليل مساحة التهميش بالاهتمام بالمهمّشين وإعطائهم دوراً في الفعاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كي يكون عنصراً فاعلاً في صلب المجتمع وبنائه.
إنّ التراث الحضاريّ الغنيّ الذي تركه لنا الأئمة المعصومون (عليهم السلام) طافحٌ بالحلول العمليّة لتعزيز ثقافة التضامن الإنساني؛ من خلال تحميل كل فرد بالمجتمع مسؤوليته في مكافحة التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فقد جاء في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه):
“وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم، و ولي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك”
حتى إن لدينا من الأحاديث عنهم تحثّ على رفض التهميش الاجتماعي وتشجّع على تحسين الظروف المعيشيّة كي يكون للفرد شأن فيصلب المجتمع وقراراته؛ فعندما استشار أحد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) إياه بترك التجارة بعد أن جمع مالاً يكفيه حتى نهاية حياته، أجابه (عليه السلام) بحزم رافضاً خيار التهميش الذاتيّ قائلاً: “إذنْ؛ يسقط رأيك، ولا يستعان بك على شيئ”.
بل إنّ الروايات التي تمدح الفقر جاءت بهدف رفع معنويات الفقراء ومنعاً لتحوّل الفقر إلى عقدة حقارة تمنع صاحبه من الاندماج في المجتمع، فضلاً عن دفع الأغنياء لمزيد الاهتمام بهذه الفئة.
في اليوم العالمي للتضامن الإنساني، ندعو كافة الحكومات والدول والجهات الرسمية والمنظمات والمؤسسات الأهلية والمجتمع المدني لبذل المزيد من الجهود في سبيل تجسير الهوة بين مختلف فئات المجتمع على أساس احترام حقوق الإنسان والتنوع ورفض التهميش والتعصب والعنف، في سبيل بناء عالم تسوده العدالة والمساواة والحرية.