LOGIN
اللقاءات
alshirazi.org
"سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:"
مسؤولية دم الإمام الحسين وثاره بذمّتنا جميعاً
رمز 17236
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 2 محرّم الحرام 1435 - 6 نوفمبر 2013
تطرّق المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في حديثه مع عدد من الفضلاء والخطباء، الذين زاروا سماحته في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، يوم الخميس الموافق للخامس والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام 1434 للهجرة، تطرّق إلى بيان بعض خصائص مولانا سيّد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه، وقال:
 
 

إنّ الله تبارك وتعالى أعطى للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه خصائص كثيرة، فراجعوا كتاب (الخصائص الحسينية) لتعرفوها. ومن أبرز هذه الخصائص، هي:

لقد جعل الله تعالى الأئمة الأطهار من ذريّة الإمام الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، وهذه خصيصة عظيمة جدّاً، نحن لا يمكننا ولا نقدر على أن ندرك عظمتها وحقيقتها.

كما جعل الله تعالى الشفاء في تربة الإمام الحسين صلوات الله عليه. فالله تعالى حرّم أكل التراب، ولكن بالنسبة لتربة الإمام الحسين صلوات الله عليها أجاز أكلها، بل وجعلها شفاء. وجعل الله تعالى للإمام الحسين صلوات الله عليه خصيصة استجابة الدعاء تحت قبّته الشريفة أيضاً.

وقال سماحته: لكن هناك خصائص أخرى لم يذكرها صاحب كتاب (الخصائص الحسينية)، ومنها كثرة الزيارات بحقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه، وهي أكثر من الزيارات بحقّ باقي المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

ورد في زيارة للإمام الحسين صلوات الله عليه يرويها ابن قولويه القمّي في كتابه «كامل الزيارات»؛ عن الإمام الصادق سلام الله عليه مخاطباً جدّه الإمام الحسين سلام الله عليه: (وضمَّن ـ أي الله تعالى ـ الأرض ومَن عليها دمك وثارك).

يمكنني القطع أنّه لم يرد مثل هذا التعبير في الأدعية والزيارات المرويّة عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين بمثل ما ورد هنا بحقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه، وقد حار العلماء في تفسيرها، ومنهم العلاّمة المجلسي الذي نقل هذه الزيارة في كتابه «بحار الأنوار» عن ابن قولويه.

وبيّن سماحته: لنستطلع أوّلاً معاني مفردات هذه الجملة وأوّلها مفردة «ضمّن». فنقول: الضمان هو أحد أبواب الأحكام العملية الشرعية وقد وقع الخلاف بين الشيعة ومخالفيهم في تحديد صيغته والعمل بمقتضاه. فالمشهور بين العامة أنّه «تبديل الذمّة ونقلها إلى ذمّة أخرى»، أمّا مشهور الشيعة فيقولون: إنّ الضمان «ضمّ ذمّة إلى ذمّة». وأوضح سماحته، بقوله: لو كان في ذمّة زيد مال لعمرو بسبب دَين مثلاً، وضمن خالدٌ زيداً لدى عمرو، فحسب مشهور العامة للضمان، لا يحقّ لعمرو بعد ذلك مطالبة زيد بالمال لأنّ الذمّة قد انتقلت إلى خالد وهو المطالَب حينئذ. أمّا حسب مشهور الشيعّة فإنّ عمراً يمكنه أن يطالب زيداً وخالداً كليهما، وحقّه بمطالبة كلّ منهما ينتفي لو وفّى له أحدهما، فيكون الضامن ـ على كلا الرأيين ـ مسؤولاً أمام صاحب الحقّ، سواء بانتقال المسؤولية إليه وحده، أم بالاشتراك مع المستفيد من ذلك الحقّ.

فالظاهر من عبارة الإمام الصادق سلام الله عليه في قوله وضمّن الأرض ومَن عليها هو: أنّ الله سبحانه وتعالى ألقى على الأرض ومَن عليها مسؤولية دم الحسين صلوات الله عليه، لأنّ ذلك الدم الطاهر أُريق عليها، فأصبح بذمّتها وذمّة مَن عليها فصارت بذلك هي ومَن عليها الضامن والمسؤول عن دم الحسين سلام الله عليه.

وأضاف سماحته: مفاد النصّ ههنا أنّ الله ضمّن الأرض، أي الأرض كلّها، فليس في العبارة ما يصرف لفظة الأرض عن معناها العام إلى بقعة بعينها، مع العلم أنّ كلمة «كربلاء» وهي الأرض التي أُريق عليها دم الحسين صلوات الله عليه موجودة في الروايات والزيارات الأخرى كثيراً، وكذلك كلمة «الكوفة» وهي الأرض التي خرجت منها الجيوش لقتل الحسين سلام الله عليه. ولكن عندما نراجع هذه الزيارة نرى كلمة «الأرض» وردت بإطلاقها، بل يقول النص: وضمّن الأرض ومَن عليها. أي: وكلّ البشر الذين سكنوا الأرض من أوّل الدنيا إلى آخرها.

يقول العلاّمة المجلسي رضوان الله عليه: لعلّ المقصود بـ (مَن عليها): الملائكة والجنّ .

ولكن قد يقال: ولماذا الملائكة والجنّ فقط؟ بل البشر وكلّ شيء أوعز إليه التسبيح لله تعالى أيضاً، لأنّ (مَن) ههنا موصولة وهي ظاهرة في العموم كما هو المشهور بين علماء اللغة والأصول. فتكون معنى العبارة: أنّ الله تعالى ألقى مسؤولية دم الحسين على الكرة الأرضية وكلّ مَن عليها.

وحقَّ للعلماء أن يحاروا في توجيه هذه العبارة التي وردت عن الإمام الصادق سلام الله عليه وهو لا يقول كلمات مهملة؛ لأنّه من أهل البيت سلام الله عليهم الذين هم القمّة في البلاغة ناهيك عن عصمتهم ودقّتهم في كلّ الأمور؛ فلماذا يقول الإمام إنّ الله تعالى جعل دم الحسين في ذمّة الأرض؟ وما شأنها؟

هل هي قتلت الحسين سلام الله عليه؟ وإذا كان المقصود بكلمة الأرض هنا كربلاء فنحن نعلم أن الله تبارك وتعالى رفع شأنها بالإمام الحسين حتى جعلها أشرف من الكعبة ـ وهذه من جملة العطاءات الاستثنائية التي خصّ بها الإمام الحسين ـ ولكن الإمام سلام الله عليه لم يخصّص أرض كربلاء بل قال: ضمّن الأرض. أي كلّ الأرض، فإذا كان الإمام الحسين قد قُتل على بقعة من الأرض، فلماذا حمّل الله الأرض كلّها مسؤولية ذلك الدم الطاهر؟

وأردف سماحته: نعم، لقد حار العلماء في فهم هذا المقطع من هذه الزيارة، فقال جماعة: بما أنّه قُتل الإمام الحسين على الكرة الأرضية فإنّ الله تعالى جعلها كلّها مسؤولة عن تعذيب قتَلة الحسين وخاذليه حيثما دُفنوا وفي أيّ بقعة منها، وهذا هو ضمان الله على الأرض، وهو مائز ميّز الله تعالى به الحسين صلوات الله عليه وخصيصة خصّه بها، وكشف عنها الإمام الصادق سلام الله عليه. أما كيف تنفّذ الأرض هذا التكليف الإلهي فهذا ليس من شأننا معرفته، وهي تعرف تكليفها ونحن يكفي أن نعرف في المقام أنّها مكلّفة وأنها تؤدّي تكليفها.

النقطة الأخرى الجديرة بالتأمّل في هذه الزيارة قوله: «ومَن عليها». وهذا يعني أننا نحن أيضاً وآباؤنا وأبناؤنا وأجيالنا اللاحقة ممّن سيعيش على هذه الأرض، جميعاً مسؤولون عن دم الحسين والثار له سلام الله عليه، فأنا وأنت بذمّتنا دمه وكذا من يعيش اليوم وغداً في أقصى نقاط العالم.

هنا قد تسأل وتقول: نحن لم نكن موجودين في زمن بني أمية ولا شهدنا مقتل الحسين سلام الله عليه فكيف نكون مسؤولين، وعمّ؟ فكيف يقول إذاً: ضمّن الأرض ومن عليها دمك وثارك؟

إذاً لابدّ أن يكون لذلك معانٍ أخرى فلنحاول الوقوف عليها.

وبيّن سماحته أيضاً: نستنتج من كلّ ما تقدم أنّ الله أعطى للإمام الحسين صلوات الله عليه ما لم يُعطِ أحداً من العالمين؛ إذ ربط دمه بعالم التكوين، فألقى مسؤولية دمه على الأرض كلّها، وعلى كلّ مَن عليها.

يقول النصّ: «ضمّن الأرض ومَن عليها دمك وثأرك» فإنّ الدم شيء والثار شيء آخر. الثار يعني الانتقام للدم المراق.

ربما استغرب العلاّمة المجلسي قدّس سره من المعنى الحقيقي الظاهر لهذه العبارة، ولعلّه اعتبره منافياً للعدل الإلهي، فكيف يحمّل الله تعالى الأرض وكلّ من عليها المسؤولية وفيهم مَن لا يرضى بقتل الحسين سلام الله عليه ويلعن قاتليه ويتبرّأ منهم؟! بل فيهم الأنبياء والأولياء وأهل البيت سلام الله عليهم؟!

هذا الأمر جعل العلاّمة المجلسي يأتي بمعانٍ مجازية للعبارة؛ منها: أنّ معنى العبارة أنّ الأرض تعذِّب قتلة الحسين سلام الله عليه عندما يُدفنون فيها، فهذا هو الضمان الذي ضمّنه الله الأرض.

بمعنى أنّ المسؤولية الملقاة على عاتق الأرض والجمادات هي مسألة تكوينية. كما أنّ مسؤولية مَن جعل الله له العقل والشعور كالإنسان والجن والملك هي مسؤولية تشريعية. وبالتالي يكفي أن نعرف أنّ الله جعل دم الحسين في ذمّة الكرة الأرضية، ولا بأس في ذلك. ولكن الشقّ الثاني هو الذي يحتاج إلى تأمّل وهو كلمة «ومَن عليها»؛ فظاهر العبارة أنّ كلّ مَن على الأرض يتحمّل مسؤولية دم الحسين صلوات الله عليه، مع أنّ من بينهم أحبّاء الحسين سلام الله عليه ـ كما قلنا ـ فكيف يستقيم ذلك؟

وأوضح سماحته، مشيراً إلى قول الفقهاء، بقوله: يقول الفقهاء: إذا ورد حديث صحيح وفيه صيغة أمر مثلاً، فظاهر صيغة الأمر هو المعنى الحقيقي ـ أي الوجوب ـ إلاّ إذا كانت هناك قرائن على عدم إرادة الوجوب، فننتقل إلى الاستحباب.

وهنا أيضاً لما كان المعنى الحقيقي لا يمكن إرادته من العبارة لأنّ ذلك يقتضي توجيه العقوبة حتى على الذين لم يشتركوا ولم يرضوا بقتل الإمام الحسين سلام الله عليه، وهذا يتنافى مع منطق العدل؛ لذا لا يمكن حمل العبارة هنا على المعنى الحقيقي، فنبحث عن أقرب المجازات، إذ الحكم العقلي لصرفها عن المعنى الحقيقي موجود بسبب العدل الإلهي.

وختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، حديثه، مؤكّداً: إنّ الله سبحانه جعل دم الإمام الحسين صلوات الله عليه وثأره على عاتق الأرض ومَن عليها أجمعين، وهذا هو معنى: ضمّن الأرض ومَن عليها دمك وثأرك. ولا يقصد بالثأر قتل قاتله فقط بقدر ما يعني تفاعلاً تكوينيّاً، وفي الإنسان يعني المسؤولية التي ينبغي تحمّلها تجاه قضيّته سلام الله عليه.

إذن، علينا جميعاً أن ننصر الإمام الحسين صلوات الله عليه وقضيته المقدّسة بكل ما لدينا من إمكانات وقدرات، باللسان والجوارح، وبالقلم والمال والفكر والعقل، وبالحضور والمشاركة في الشعائر الحسينية المقدّسة والتشجيع على إقامتها، ونحو ذلك. كل حسب ما يستطيع، وحسب قدرته.

علماً إنّ قتل الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه لا يمكن جبره أبداً في هذه الدنيا.