LOGIN
الأخبار
alshirazi.org
الحشد الشعبي والعقيدة صنوان لا يفترقان
رمز 17983
نسخة للطبع استنساخ الخبر رابط قصير ‏ 13 ربيع الثاني 1437 - 24 يناير 2016
شبكة النبأ: العقيدة سبقت الحشد الشعبي بالوجود والتداول، كونها ترتبط بالدين والمذهب والأفكار والقيم، وأصل العقيدة في اللغة مأخوذ من الفعل عقد، والعقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين وتصحّ معه الأعمال، وهي ما يؤمن به الإنسانُ ويعقد عليه قلبَه وضميرَه، ويتّخذه مذهباً وديناً يدين به، فإذا كان هذا الإيمان الجازم والحكم القاطع صحيحاً كانت العقيدة صحيحة.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته القيمة الموجّهة لأبطال الحشد الشعبي وللمسلمين: (إن مسألة العقيدة هي مسألة مهمّة جدّاً، بل هي أهم المسائل عند خالق كل شيء، وأهم المسائل عند رسل الخالق، وأهمّ المسائل عند أوصياء الرسل).

أما الحَشد الشعبيّ ويعرف أحيانا بالحَشد الوَطنيّ، فهو عبارة عن قوات شبه عسكرية رديفة للجيش العراقي، وتعمل معه، تم تشكيلها في ظرف طارئ، وهي تابعة للمؤسسة الأمنية العراقية، برزت في سياق التعاون على محاربة تنظيم داعش، بعد الفتوى المعروفة التي أطلقها سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله، والتي أُطلِق عليها بفتوى (الجهاد الكفائي) لتحرير العراق من داعش، بعد أن شكّلت هذه التنظيمات خطراً كبيراً على العراق، حيث تم احتلال الموصل وصلاح الدين والرمادي والفلوجة، وأصبحت هذه العصابات على مشارف سامراء وبغداء وكربلاء المقدّسة.

وما أن تم إعلان فتوى الجهاد الكفائي لسماحة المرجع السيستاني، حتى هبّت الجموع من كل الفئات العمرية ومن مختلف المحافظات والمدن العراقية في الجنوب والوسط، وبلغت أعداد المتطوّعين بالآلاف، حملت السلاح ودخلت ساحات التدريب ومن ساحات المعركة، تاركة الأهل والعمل والمصالح وكل مغريات الحياة، وباشرت بالدفاع عن أمن العراقيين، وأمّنت عدم وصول عصابات داعش إلى المراقد المقدسة ووضعت حدّاً لزحفه السريع، وما كان لهذه النتائج الباهرة أن تتحقّق لو الإيمان العميق لأبطال الحشد الشعبي بالدين والعقيدة.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: (إنّ الحشد الشعبي الذين وضعوا أرواحهم على أكفّهم فداء للإسلام وللدين، وفداء للحرمات، وفداء للكرامات، ولكل القيم والفضائل، هؤلاء يجب أن لا يرحل حتى واحد منهم إلى الآخرة وفي عقيدته ثغرة ما).

وهكذا صار الحشد الشعبي والعقيدة صنوان متلازمان فانطلقت قوات الحشد الشعبي بمطاردة عصابات داعش الإجرامية وبدأت بتحرير المدن والمحافظات والقرى واحدة تلو الأخرى، مقدمة أرقى صور القتال العقائدي، ومجسّدة أروع المواقف الإنسانية البطولية، فقدّمت آلاف الشهداء على طريق تحرير الأرض العراقية والدفاع عن المقدّسات وعن المواطنين العراقيين، وقد أجبرت فلول داعش على الفرار والانكسار مراراً، والهروب خارج المدن المحرّرة.

الحشد الشعبي لم يبدأ بقتال العدو
من مزايا الحشد الشعبي أنه لم يبدأ العدو بالقتال، وإنما هبّ لصدّ عصابات داعش، ووضع حدّ لاجتياحها مدن وأراضي العراق، والتجاوز على حرماته، وكانت ولا زالت غايتهم الإساءة للمقدّسات، ولكن هيهات منهم ذلك، فدونهم ودون مراقد الأئمة الأطهار ملايين الأرواح المؤمنة وبحار من الدماء التي لا تنضب، نعم قوات الحشد لا تبدأ العدو بالقتال، ولكنها بقوة العقيدة والإيمان، تمتلك مطاولة لا حدود لها، كونها مستمدة من الجذور الإسلامية العتيدة.

ولهذا يشبّه سماحة المرجع الشيرازي بين ما تقوم به قوات الحشد الشعبي، وبين ما قامت به جحافل المسلمين في العصر النبوي الشريف، يقول سماحته في هذا المجال: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله هو أشرف الأولين والآخرين، وقد واجه من مشركي مكّة حروباً ضروس ومتكرّرة ومتعاقبة وذلك لإبادة الإسلام ولقتل رسول الله صلى الله عليه وآله، فدعا صلى الله عليه وآله المسلمين إلى الجهاد دفاعاً، كما يقوم به الآن الحشد الشعبي، حيث لم يبدأ صلى الله عليه وآله بقتال أبداً).

إنّ الجنوح إلى السلم هو من المسلمات التي يدعو إليها الإسلام في تعاليمه، وقد وردت الكثير من النصوص القرآنية المباركة التي تدعو إلى السلم، ولكن هناك حدّ معين يتوقّف معه السلم، عندما تكون روح الإنسان مهدّدة بالموت والإزهاق وممتلكاته معرّضة للتدمير وأرضه للسلب وعرضه للتجاوز والامتهان، عند ذاك لابد أن يهب للدفاع عن مقدّساته، ولابد أن يتحصّن بقوة العقيدة، حتى يكون قادراً على المطاولة والقتال ضد مجرمي داعش، علماً أن قوات الحشد الشعبي لم تبدأ عدوّها وعدو المسلمين بالقتال، وانما اضطرّت لخوض الحرب دفاعاً عن النفس والعرض والمقدّسات، ومثالها في ذلك الإمام علي عليه السلام.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في كلمه نفسها قائلاً: (وهكذا كان الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسين صلوات الله عليهما، أي لم يبدؤوا بقتال أبداً، وهذه مفخرة للبشرية كلّها، وهي أنه كان هنالك بشر تمكّنوا ولكنهم لم يبدؤوا بقتال. وهكذا هم الحشد الشعبي، أيضاً).

أهم شيء في قانون الله ورسلهِ
هناك صفات مهمة لشخصية المقاتل المسلم في عهد الرسول صلى الله عليه وآله، وهذه الصفات تتكرّر اليوم في شخصية مقاتل الحشد الشعبي، وأهم هذه الصفات الإيمان المطلق بقضية المسلمين، والمشاركة في القتال من أجل نصرة الإسلام وليس لأي هدف آخر، بمعنى لا يجوز للمقاتل أن يدخل أرض المعركة ضد أعداء الإسلام من أجل تحقيق مكسب مادي أو غنيمة معيّنة أو مصلحة ملموسة، بل ينبغي القتال بدافع الإيمان بالعقيدة لا غير.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (دافع المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وآله، وسقط بعض المسلمين شهداء، وصلّى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله، واحداً واحداً، وتأسّف عليهم وبكى لهم، ولكنه لم يصلّي على واحد منهم، ممن كان قد قاتل تحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله، وتحت راية الإسلام، بل أمر صلى الله عليه وآله بأن لا يصلّي عليه أحد من المسلمين. فسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وآله عن سبب ذلك، فقال صلى الله عليه وآله: إنه شهيد أمّ جميل! وأمّ جميل هي امرأة كانت في صفوف المشركين، وكان قد رغب بها ذاك المقتول من المسلمين، فجاء يقاتل لكي يحصل عليها غنيمة).

لذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي قادة الحشد والقائمين على شؤونه، إلى تسليح المقاتلين بالعقيدة الصحيحة، وتربية المقاتلين تربية سليمة، وزرع الإيمان في نفوسهم وقلوبهم، حتى يكون بمقدورهم مقارعة أعداء الإسلام والفوز عليهم في ساحات الوغى دفاعاً عن المقدّسات والأرض والعرض، كما نلاحظ ذلك في قول سماحته: (حاولوا تصحيح العقائد وتقويتها، خصوصاً الشباب في قوات الحشد الشعبي الذين وضعوا بكل إخلاص، أرواحهم على أكفّهم. وحاولوا في لملمتهم وتربيتهم).

وينبغي تنبيه المقاتلين إلى القانون الإلهي الذي يدعو أولاً إلى تزكية النفس، فهذا ركن أساس من الأركان التي تقوم عليها شخصية المسلم المقاتل في سبيل الحق، وكذلك هناك أمر ثاني ينبغي الالتزام به ألا وهو (هداية الناس)، فهذه الجوانب ينبغي أن تشكّل شخصية المسلم المؤمن بالعقيدة، والساعي دائماً وأبداً للدفاع عن المقدّسات والحرمات.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (عليكم أن تعلموا أنه أهم شيء في قانون الله تعالى، وأسلوب الله تعالى في كل الأديان الإلهية، وكذلك عند كل الرسل الذين بعثهم الله تعالى، هما أمران مهمّان أهم من كل شيء آخر: الأول: تزكية النفس، حيث قال عزّ وجلّ: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) سورة الشمس: الآية 9. والثاني: هداية الناس).

 

  • لا يوجد تعليق لهذا الخبر