كالسنوات السابقة، ألقى المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيّد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كلمة قيّمة بمناسبة قرب حلول شهر رمضان العظيم 1446 للهجرة، بجمع كبير من المبلّغين الدينيين، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، مساء يوم الأحد الرابع والعشرين من شهر شعبان المعظّم 1446 للهجرة (23/2/2025م)، بيّن فيها دام ظله ما يجب اليوم على المؤمنين والمؤمنات كافّة من تزكية النفس والعمل على هداية الناس وإرشادهم، مؤكّداً على أنّ شهر رمضان العظيم هو خير فرصة لذلك.
فيما يلي خلاصة من كلمة سماحته دام ظله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
نحن في الأيّام الأخيرة من شهر شعبان المعظّم ولأجل استقبال شهر رمضان العظيم أذكر لكم بعض المطالب. وأسأل الله عزّ وجلّ أن يعجّل بالظهور الشريف لمولانا الإمام بقيّة الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف حتى تزول كل المشاكل في العالم كلّه.
يقول الحديث الشريف: خير الناس من نفع الناس. ولم أر شخصيّاً هكذا تعبير عن الذين يصلّون كثيراً أو يصومون كثيراً، أو يحجّون أو يعتمرون كثيراً أو الذين يطعمون الفقراء وغيرها. ولكن ورد في روايات شريفة عديدة بأنّ: أفضل الناس أنفعهم الناس.
إنّ أفضليّة كل إنسان بمقدار ما يوصله من النفع للناس. وهذا المقام هو للذي يقضي حوائج الناس الدنيوية، ولكن الأعلى مرتبة هو من ينفع الناس اُخروياً، لأنّ الآخرة لا نهاية لها. وقد ورد بالنسبة إلى الآخرة بأنّ كل يوم منها يعادل خمسين ألف سنة من سنين الدنيا. وأفضل مقام لكل إنسان أن يهتمّ بالأمور الاُخروية للناس، وشهر رمضان العظيم خير فرصة للإنسان لكي يقوم بذلك.
ثم ذكر سماحته دام ظله قصّتان للاعتبار منهما فيما ذكره آنفاً، وقال:
تقع مدينة الدجيل العراقية في طريق الكاظمية المقدّسة ـ سامراء المشرّفة، ويسكنها الشيعة منذ القدم. ونقلوا أنّ المجدّد الشيرازي الكبير مع عالم آخر كانا يحضران درس الشيخ الأنصاري. فجاء شخص من الدجيل إلى النجف الأشرف وأخبر بأنّ أهلها بحاجة إلى من يعلّمهم أمورهم الدينية. فذهب ذلك العالم زميل المجدّد الشيرازي إلى الدجيل ليقوم بذلك. وبعد رحيل الشيخ الأنصاري أسّس المجدّد الشيرازي الكبير حوزة في سامراء المشرّفة، وانشغل بالاهتمام بقضايا الشيعة. فجاء ذلك العالم ذات يوم إلى سامراء والتقى بالمجدّد الشيرازي الكبير. وقال عنه المجدّد الشيرازي الكبير: ليت الله تعالى يعطي ثواب كل أعمالي إلى ذلك العالم، ويعطيني ثواب أعماله بذهابه من النجف الأشرف إلى الدجيل.
كذلك، وقبل قرابة خمسين سنة من عصر المرحوم صاحب الجواهر، نظّم أحد الشيعة قصيدة باسم الاُزريّة، وتحتوي على قرابة ألف بيت، وتختزل هذه القصيدة عقائد الشيعة. ونقلوا عن المرحوم صاحب الجواهر بأنّه قال: كم سأكون مسروراً لو أنّ الله تعالى يعطيني ثواب تلك القصيدة في يوم القيامة، ويعطي ثواب كتاب الجواهر إلى ذلك الشاعر. وتكمن دلالة هكذا كلام في هداية الناس وإنقاذهم من مشاكل الآخرة.
أمّا فيما يلزم العمل به، قال دام ظله: جاء في نهج البلاغة: (قوام الدين والدنيا بأربعة: بعامل مستعمل لعلمه). ويشير هذا الحديث الشريف إلى العالم الذي يستفيد من علمه ويعمل به. وهكذا علم يستلزم هداية الآخرين. ولو يعمل المبلّغون الدينيّون بما يوصون به الناس أيضاً، ينتفعوا هم ويؤثّر كلامهم في القلوب. وخير فرصة لنيل هكذا مقام هو شهر رمضان العظيم.
كما أوضح سماحته دام ظله، بأنّ القرآن الحكيم وأهل البيت صلوات الله عليهم للبشرية عامّة وجمعاء، وقال: لقد استفاد القرآن الكريم والروايات بشكل متواتر من تعابير تخاطب كل الناس، سواء من المسلمين وغيرهم. وهذا يعني أنّه يجب أن تصل معارف القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام إلى البشرية كلّها. ولكن ومع مرور أكثر من ألف سنة لم نحصل على نتيجة في ذلك، ويجب تهيئة مقدّماته. وبهذا الخصوص يقول مولانا الإمام الرضا عليه السلام: (فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا)، وما يلزم البلاغ المبين إيصال ثقافة أهل البيت عليهم السلام إلى كل الناس في العالم. ويجب كفائياً إيصال ذلك إلى البشر كلّهم على ما عندهم من عقائد وإيمان. ولكن بما أنّ ذلك لم يتحقّق اليوم، فيجب على الجميع أن يهتّموا بهذا الأمر، كل حسب قدرته.
إذن، فليحذر من التقصير كل من يمكنه أن يوصل ثقافة أهل البيت عليهم السلام إلى العالم. فيجب على كل أحد، بمقدار استطاعته، أن يهيّئ مقدمات الوجود لهكذا واجب، وذلك بأن يؤسّس حوزة علمية مثلاً، أو يطلق قناة فضائية، وغيرها.
في سياق بيان مسؤولية العلماء والمثّقفين، قال دام ظله: كان الحارث بن المغيرة من الرواة الذين تمّ التأكيد على كونه ثقة. ينقل عن الإمام الصادق صلوات الله عليه بأنّه قد رآه في الطريق فقال له: (لأحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم). ودليل هكذا كلام هو بأنّ العلماء يمكنهم أن يهيّؤوا أرضية الهداية، وإن لم يفعلوا سيكونوا من المقصّرين.
ثم ختم سماحة المرجع الشيرازي دام ظله كلمته القيّمة، بقوله: واجبان عينيّان اليوم وهما: تزكية النفس وإرشاد الآخرين، وشهر رمضان العظيم فرصة مناسبة للاهتمام بذلك. ويقول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله بأنّ أفضل الأعمال في شهر رمضان العظيم الورع عن محارم الله تعالى. وكذلك قال صلى الله عليه وآله: (من أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّق الجميع لأداء هكذا واجب.