LOGIN
المقالات
alshirazi.org
"قبسات من فكر سماحة المرجع الشيرازي دام ظله"
الاستغفار وتزكية النفس كنزان معنويان
رمز 1094
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ 19 ذوالحجّة الحرام 1444 - 8 يوليو 2023

شبكة النبأ: (إن الله تبارك وتعالى يقبل التوبة ويعفو عن الذنب بالاستغفار) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

من العجائب والغرائب التي تضج بها هذه الدنيا، أنها تغدق على الإنسان ما لذّ وطاب من مغرياتها، حتى توقع به، وتجعله متعلقا بها، فتطيح بالنفس الضعيفة التي تستجيب للإغراء الدنيوي الشيطاني، فيلهث صاحب النفس الضعيفة نحو هذه المغريات وينغمس فيها، ويرتكب الذنوب تلو الذنوب، فتتلوث نفسه ويغرق في بحور الفساد التي لا حصر لها.

الخطايا والانحرافات، وسائلها وأسبابها ودوافعها موجودة ومتاحة لجميع الناس، لكن صاحب النفس المزكّاة لا يقترب منها، ولا يسمح لنفسه تتلوث بالذنوب، ويقف أمامها بقوة المؤمنين الصادقين المتقين الذي آمنوا بأحكام الله واتكلوا عليه تعالوا، وتدربوا على مكافحة الذنوب، ومجافاة الوساخة الدنيوية بكل أنواعها، وكل هذه التدابير مهمة لكل البشر ولا يمكن تحقيقها إلا عبر طريق واضح ومهم جدا ألا وهو طريق محاسبة النفس يوميا.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يذكر في إحدى محاضراته التوجيهية القيمة حول هذا الموضوع المهم قائلا:

(إنّ الطريق والسبيل الوحيد للفلاح والصلاح، تزكية النفس. أي تنظيف النفس وتصفيتها من التلوّث بالذنوب والمعاصي، وهذه كلها تأتي من طريق محاسبة النفس فقط. فمحاسبة النفس، توجب النظر إلى الأعمال أكثر، وتجعل الإنسان يدقّق بأن لا يترك أي واجب، ولا يرضخ لأي ذنب وإثم، ولا سمح الله، إن تلوّث بذنب، يتوب فوراً)؟

الخطوة المهمة الأولى التي يجب أن يوليها الإنسان كل اهتمامه، هي تزكية النفس، وهذه المهمة لا يمكن تحقيقها إلا عبر محاسبة النفس ومراقبتها ومتابعتها وردعها ومنعها من أن ترتكب الذنب وتزج بصحابها في أتون الوسخ الدنيوي، فتتلوث النفس وتلوّث صاحبها بالمعاصي، ولهذا أصبحت تزكية النفس من الواجبات العينية المطلوبة من الإنسان.

فمثلما يؤدي صلاته وصيامه كواجب عيني، عليه أن يزكي نفسه ويحافظ عليها ويحميها من الانزلاق في مسالك الانحراف والأبواب الخطيرة المفتوحة أمامه، إذن تزكية النفس واجب عيني، يتحقق عبر مراقبة النفس و وضعها بشكل يومي أمام محكمة الحساب الذاتي، فالإنسان عليه أن يدرب نفسه على الزكاة والنظافة والتخلص من حالات التلوث الكثيرة التي تحيط بالبشر ليلا ونهارا وفي كل لحظة وكل زمان.

التوبة هي الخلاص

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إن تزكية النفس واجب على الجميع، كصلاة الصبح، أو صوم شهر رمضان العظيم. فإن كان من الواجب على المكلّفين أن يصلّوا صلاة الصبح ويصوموا شهر رمضان العظيم، كذلك يجب علينا نحن أيضاً أن نصلّي فريضة الصبح ونصوم الشهر الفضيل. وهذا معنى الواجب العيني، وتزكية النفس واجب عيني).

إن صراع الإنسان يبدأ منذ أن يعي الأشياء والمغريات، فتبدأ نفسه بالتطلع نحو الانحراف، حيث يبدأ الشيطان مهمته العتيدة في استدراج النفس نحو المعاصي والمهالك، فإذا لم يكن الإنسان محصَّنا من الخطايا التي تحيط به من كل الجهات، فإنه من السهولة أن يقع ضحية لألاعيب الشيطان، وما عليه في هذه الحالة إلا التوبة، فهي سبيل الإنسان لمواجهة ومعالجة الأخطاء التي يقع فيها.

هكذا يجب على الإنسان أن يتمسك بالتوبة، كونها الباب الأهم الذي يمكن من خلالها معالجة النفس الضعيفة، والقضاء على حالات التلوث التي تصيبها، لاسيما أن الشيطان يكون حاضرا وعاملا على الدوم على جرّ النفس الضعيفة نحو المعاصي والشهوات الشيطانية التي تركب الإنسان وتسيطر عليه وتغرقه بالمحرمات، لذلك على الإنسان التمسك بتزكية النفس عبر التوبة المستمرة فهي سبيله نحو الخلاص.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يشير إلى هذه النقطة فيقول:

(تزكية النفس مقدّمة للإنسان بأن لا يترك واجباً، لا سمح الله، وأن لا يبتلى بالذنب، بل يكون القادر على ضبط نفسه. وكما قلنا، أنّ من آليات تزكية النفس هي التوبة. فالإنسان بطبيعته معرّض للخطأ، ومعرّض في كل لحظة إلى تأثّره بالنفس الأمّارة بالسوء وإلى مكائد الشيطان، وهو العدو الذي أقسم على معاداته للإنسان).

الحذر من أدوات الشيطان

هناك أطراف يعادون الإنسان ولا يريدون له الخير، ومن هؤلاء أو في المقدمة منهم الشيطان، وتؤازره في ذلك أساليب الاحتيال والخداع والإغراء، فيسعى الشيطان بكل الوسائل والأدوات التي تضع نفسها في خدمته لكي يوقع بالنفس، بعد أن يستدرجها بالوسائل المذكورة ويوقع بالنفس والإنسان معا، وبهذا يكون قد حقق الهدف الذي أعلنه بأنه سوف يغوي البشر جميعا، لهذا على الإنسان أن يحذر، وأن لا يكون ضحية للشيطان.

الذنوب كثيرة وكبيرة في متناول أي إنسان، لهذا عليه أن يحذر منها، وإن وقع فيها، وارتكبها وتلوث بها لا سمح الله، عليها بالعلاج الشافي الوافي الفوري وهو التوبة، ودعمها بحالات الاستغفار المستمر، فهذا هو السبيل الأهم والأقوى لإفشال ما يرومه الشيطان من إيقاع بالنفوس الضعيفة وإسقاطها في مستنقعات الفساد والذنوب.

كما على الإنسان أن يفهم بأن الذنوب تدمر معنويات الإنسان، وتجعله ضعيفا مهزوزا، ومستعدا للتنازل والانهزام في كل لحظة، لذا عليه أن يزكي نفسه ويحميها بالاستغفار والتوبة والتقوى ومقارعة أسباب الانحرافات المختلفة، لأنه إذا تقاعس في ذلك وتردد عن التوبة سوف يسقط في حبائل الشيطان، ويُهزَم نفسيا وروحيا ولا يتوفق معنويا.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(إن احتمالات خطأ الإنسان واقترافه للذنب كمثيرة. ولكن يمكنه وسط هذه المعمعة أن يتسلّط على نفسه الأمّارة بالسوء وعلى الشيطان، بتزكية نفسه عبر التوبة. فإذا تلوّث الإنسان بالذنب، يجب عليه التوبة فوراً، لأنّ الذنب يؤثّر سلبياً على معنويات وروح الإنسان، إن لم ينظّف نفسه من أثر الذنب. فإن لم يقم بذلك ستتبعه آثاراً سلبية تمنع من رقيّه ومن توفيقه المعنوي).

الناس في هذه الدنيا غالبا ما يكونون في مواجهة الأخطاء والذنوب، لأنها تحيط بهم من جميع الجهات، فإنهم ليسوا مخيّرون في هذا الجانب، ولهذا عليهم التمسك بالتوبة والإسراع إليها والاحتماء بها، وإعلان الاستغفار في جميع الأوقات، وعلى الإنسان بعد إعلان توبته الفورية أن يعاهد الله تعالى أن لا يعود لارتكاب هذه المعاصي وأن يتجنبها بشكل مطلق.

هذه التوبة المباشرة الآنية التي تلي ارتكاب الذنب مباشرة، هي السبيل الأفضل للإنسان كي يحمي نفسه من الانحدار السريع في صفوف الشيطان، وبالتالي خسارة الدنيا والآخرة، في حين يمكنه أن يتجنب ذلك عبر التوبة الفورية والاستغفار الدائم.

سماحة المرجع الشيرازي يؤكد هذه النقطة بالقول:

(يجب الإسراع في التوبة، في كل لحظة ودقيقة. وأكّد العلماء كثيراً على التوبة الآنية، أي إن اقترف المرء الذنب في الساعة الخامسة، فلا يؤخّر التوبة منه إلى الساعة الخامسة ودقيقة واحدة أو دقيقتين، بل يندم على ما فعله باللحظة، ويعاهد الله تعالى على أن لا يعود للذنب).

إذًا جميع الناس يواجهون نفس الخطر، وجميعهم يقفون في مسافة واحدة أمام مغريات الدنيا والشياطين، وجميعهم أيضا هم المعنين بتخليص أنفسهم من هذه المستنقعات الخطيرة التي تتجمع فيها أوساخ الدنيا، إنك أيها الإنسان مسؤول عن تزكية نفسك وتأمين نظافة من التلوث الشيطاني، فأنت قادر على ذلك بالتوبة الصادقة والاستغفار.