LOGIN
المقالات
alshirazi.org
عيوب الإنسان بين القصور والتقصير
رمز 249
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 7 أبريل 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: الإنسان كائن معرَّض للعيوب، والناس أنواع، منهم من يسعى لتجنّب العيب، بغضّ النظر عن طبيعته أو تصنيفه، فهناك عيوب شرعية، وأخرى عُرفية أو سواها، وهناك إنسان يحصّن نفسه من العيب بالعلم والحيطة والحذر من الوقوع في فخ المعاصي، وآخر يجهل العيب في نفسه فلا يهتم له، ومنهم من لا يتنبه للعيب أصلاً، وعلى العموم معظم عيوب الإنسان، تنتج تحت طائلة القصور، أو التقصير، بمعنى إمّا يحدث العيب بسبب قصور الإنسان، لأمور خارجية، كالظروف التي تمرّ به وما شابه، أو بسبب تقصيره الذاتي، وهذا النوع من أخطر مسببات العيوب في الإنسان، كونه هو الذي يتسبّب بحدوثها بسبب تقصيره.

وهناك خصال معيبة، قد تتواجد في الإنسان لكنه لا يعلم بوجودها في شخصيته، أو أنه يعرف بوجودها، لكنه لا يصنّفها ضمن الخصال المعيبة، فيصبح تأثيرها واضحاً في سلوكه، ومع ذلك هو لا يظن أنها من العيوب، أما الآخرون فإنهم يلاحظون عيوب الآخر، كونها غالباً ما تكون خارج المتعارَف أو المألوف، فيكون الإنسان عرضة للانتقاد، فضلاً عن تجنّب الناس له، بسبب عيوبه التي تؤذي الآخرين، لكنه لا يعرف بذلك!

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه القيّم الموسوم بـ(حلية الصالحين)، حول هذا الموضوع تحديداً: (ربّ خصال معيبة فينا ولا نعلم بها أو نعلم بوجودها ولكنّا لا نعلم أنّها معيبة). ويضيف سماحته قائلاً في المجال نفسه: (قد تكون في الإنسان خصلة ولكنّه لا يعلم بوجودها، وقد يعلم بها ولكنّه لا يعلم أنّها عيب يوجب التعيير، وقد يعلم بها ويعلم أنّها عيب ولكنّه قاصر عن إصلاح نفسه والتخلّص منها)، ولعل الفقرة الأخيرة من قول سماحته تشكل التحدّي الأكبر أمام الإنسان.

والتي نعني بها تحديداً: (وقد يعلم بها ويعلم أنّها عيب ولكنّه قاصر عن إصلاح نفسه والتخلّص منها)، وعندما يكون الإنسان قاصراً عن إصلاح عيوبه، ولا يستطيع أن يتخلّص منها، لكونه قاصراً عن ذلك، فهذه في حقيقة الأمر مشكلة كبيرة، فلو أن الإنسان ينطوي على عيوب في أفكاره وأفعاله ويعرفها، ويبادر بمعالجتها وتصحيحها، فهذا ما ينبغي أن يتم، وهو المسار السليم الذي ينبغي للإنسان أن يسير عليه، ولكن عندما يحدث العكس، أي عندما يعرف عيوبه ويفشل في معالجتها بسبب قصوره الذاتي، فهنا سوف تكون القضية أكثر تعقيداً وخطورة، إذ يحتاج الإنسان هنا إلى الإصلاح المزدوج، وليس إصلاح الخطأ أو العيب فقط، بمعنى أن الإنسان بالإضافة إلى معالجة العيوب الموجودة لديه، يحتاج أيضاً إلى حالة العلم بالعيوب التي يعاني منها.

العيوب تتضاعف بسبب الجهل
إنّ الجهل هو السبب الأساس في العيوب التي قد تتلبّس شخصية الإنسان، فإذا كان جاهلاً في بعض الأمور، لا شكّ أنه سيكون عرضة للعيوب التي تجعل شخصيته محط نقد وانتقاد الآخرين، لأن الجهل يقود الإنسان إلى الخلل والزلل من حيث لا يدري، وأحياناً قد يكون عارفاً بالعيب ويرتكبه بسبب جهله، لذلك يوجد سببان يقفان وراء جهل الإنسان بالعيب، السبب الأول يتمثّل بقصور الإنسان إزاء الفهم، أي انه غير قادر على فهم العيب، وهنا يكون الجهل بسبب القصور، أما السبب الثاني، فربما يكون عارفاً للعيب لكنه يتعمَّد عدم التصحيح، وهنا يكون التقصير هو سبب الجهل، أي أن الإنسان لا يبادر بنفسه لمعالجة العيب.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في كتابه (حلية الصالحين) على: (أنّ الإنسان يعاب عليه الجهل. ولكن قد يكون جهله عن قصور، لأنّه لم يسعْهُ أن يتعلّم، وقد يكون مقصّراً، كما لو أمكنه التعلّم ولكنّه تلكّأ عن الأمر؛ فعلى أيّ من هذه الحالات يعاب؟ الجواب: يعاب عليها كلّها؛ لأنّ الإنسان لا يعاب على التقصير فقط، بل قد يعاب على القصور أيضاً). من هنا سوف تتضاعف العيوب بسبب الجهل بأنواعه كافّة، ولا ينحصر العيب في مجال معيّن، فقد يكون الإنسان الجاهل عرضة لأنواع عديدة من العيوب.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (قد يكون العيب شرعياً كارتكاب الحرام والمكروه، أو عرفياً أو أخلاقياً مثل العجلة وعدم التأنّي، والغضب، والتكاسل وما أشبه). وقد تأتي معرفة الإنسان متأخّرة لإحدى الخصال المعيبة فيه، ومنهم من يتجاوز الخمسين من العمر أو أقل بقليل، فيعرف هذا العمر المتأخّر، بإحدى الخصال المعيبة في شخصيته، وعند ذاك ليس أمامه سوى الحسرة وربما الندم، على الرغم من انه لم يكن مقصّراً في هذا الجانب.

أي أن سبب جهله بالعيب هنا هو القصور وعدم المعرفة وليس التقصير، ومع ذلك من حقّه أن يتحسّر على ما فاته من عمر، وهو مرهون بالسلوك الخاطئ أو التفكير المعيب من دون أن يعي ذلك، ليس متعمّداً بطبيعة الحال، ولكن ربما بسبب عدم فهمه أو بالأحرى، بسبب جهله لتلك الخصلة المعيبة الموجودة فيه.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (ربّما يتنبَّه المرء بعد خمسين سنة أو أقلّ أو أكثر إلى أنّه كان مبتلى بخصلة معيبة طيلة العقود الماضية من عمره، فيندم ويتألّم، وحقّ له ذلك، لأنّ القصور والجهل بالعيب ليس مانعاً من الحسرة والندامة).

احذروا الغفلة والقصور
الغفلة تعني عدم تنبّه الإنسان لما يدور حوله، وعدم تفكيره في حياته الأولى، وكيفية تجاوزها بسلام، إلى الحياة الأخرى، وهي الحياة الأهم بطبيعة الحال، فالغفلة تقود الإنسان إلى ارتكاب الأخطاء، والقصور في الفهم أيضاً يساعد على ذلك، أي عندما يعيش الإنسان حياته تحت وطأة أو حالة الغفلة والقصور، فإنه لا ريب سوف يقع في معاصي كثيرة، وهذا ما يجعله تحت طائلة الحساب، لأن الخصال المعيبة إذا تلبّست شخصية الإنسان، سوف تعرّضه لذنوب لا حصر لها.

لذلك من الأفضل لنا أن نشجّع الآخرين على تعريفنا بعيوبنا وليس العكس، فالملاحظ في مجتمعاتنا، أن الافراد ينسون أو يتناسون عيوبهم، وفي نفس الوقت يذكّرون الآخرين بعيوبهم، أو أنهم لا يتورّعون عن وصم الآخر بالعيوب، في الوقت الذي يغضّون النظر عن عيوبهم على الرغم من أنهم يعرفونها ويرونها في أنفسهم، من هنا علينا أن نشجّع من يحيط بنا في العمل أو السكن أو المجتمع بصورة عامة، على تذكيرنا وتعريفنا بأخطائنا وعيوبنا، حتى نبادر بتصحيحها ومعالجتها فوراً.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (علينا أن ننتبه جيّداً ونحذر من الوقوع في الجهل والغفلة والقصور فضلاً عن التقصير، ونشعر بأهمّية النصيحة والنقد البنّاء الموجّه لنا، ونشكر من يدلّينا على عيوبنا لإصلاحها، ونكون طيّعين مع الناس في تعاملنا معهم لنشجّعهم على أن يهدوا إلينا عيوبنا).

وأخيرا، ليس أمام الإنسان سوى تجاوز حالة الجهل بعيوبه، وأن لا يعبر من حالة القصور إلى التقصير، وذلك من خلال اعتماده على السبل المتاحة التي تجعله قادراً على رصد العيوب، وفهمها ومراقبتها قبل استفحالها في ذاته، وعندما يحاسب الإنسان نفسه على نحو مستمر، وبشكل يوميّ، وعندما يخصّص وقتاً من يومه للاستغفار، ومعرفة ما تقترفه اليد والنفس والجوارح من أخطاء، عند ذاك سيكون قادراً على وأد العيوب وهي في مهدها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (لابدّ للمؤمن أن يخصّص وقتاً من كلّ يوم للاستغفار ومحاسبة النفس؛ لئلاّ يتعدّى حالة القصور إلى التقصير والعياذ بالله).