LOGIN
المقالات
alshirazi.org
مزايا استقلالية السلطة الرابعة
رمز 542
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 11 يناير 2021
شبكة النبأ: يرتكز النظام السياسي للدولة على ثلاث سلطات مستقلة، هي السلطة التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، ولا يمكن أن يكون النظام السياسي ناجحا في إدارته للدولة، ما لم يتحقق الانفصال التام لهذه السلطات عن بعضها بعض، ونظرا لأهمية الإعلام فقد حظيَ بتسمية السلطة الرابعة، وجاءت هذه التسمية من أهمية وسائل الإعلام ومضامينها، واتجاهاتها، وقدرتها على توجيه بوصلة الرأي العام، في الشؤون السياسية وغيرها.

يصف الخبراء المختصون بالإعلام بأنه الأهم والأقدر على الترويج لفكر ما، بغض النظر عن كون هذا الفكر في صالح البشرية، أو ضدّها، ويعتمد هذا على درجة استقلالية ومهنيته، فإن كان تابعاً فسوف تنفرط منه ميزة النزاهة والمهنية، وتلوح فيه بقوة ملامح التضليل، لكن هنالك عقول خيّرة تسعى لنشر الخير والقيم الأصيلة بين سكان الأرض، كي يسود الأمن والاستقرار وينشغل الناس بالعلم والإبداع والابتكار، ويبتعدوا عن الفتن وكل مظاهر الاحتراب.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، انطلاقا من هذه الرؤية، دعا إلى وسائل إعلام خالية من التضليل، مهمتها نقل الأفكار والأشياء الحسنة التي تساعد الناس على الاستقرار والتطور، فقال سماحته في إحدى كلماته القيّمة: (الفكر الحسن إذا وصل للناس وللبشر، فسيأخذون به).

يعتمد هذا الرأي على الفطرة الإنسانية، وعلى التجارب الميدانية التي أكدت على أن الإنسان يسعى إلى ما هو أحسن من سواه، ومن بين أهم المجالات المشمولة بهذا القول هو الفكر الجيد، فسكان الأرض باتوا من الضخامة والتكاثر والتنوع والاختلاف، ما جعل الحاجة إلى الفكر الجيد حاسمة، لتطوير وترسيخ القيم الخلاقة والفكر الراقي.

فالشيعة على سبيل المثال ينعمون بإرث فكري كبير، كله يصطف الى جانب مصلحة الإنسان، ولكن للأسف قد لا يصل هذا الفكر للناس، بل حتى شباب الشيعة ربما لا يستهدفهم هذا الخطاب، فلماذا لا يصل هذا الفكر إلى الآخرين، بل لماذا لا نسعى في تعميمه على العالم أجمع من خلال الإعلام الهادف؟

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (نحن الشيعة لدينا الكثير والكثير من الجيّد والجديد، وليس للعالم كلّه فقط، بل حتى للشيعة، وبالذات لشباب الشيعة الذين لا يعرفون الكثير من هذا الجديد والجيّد). في هذا النقطة بالذات تتبلور مكانة وسائل الإعلام ودورها الدعائي الإيجابي.

وهنا يضرب سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) مثالا مهمّا قال فيه: (هناك كتاب لغاندي اسمه (هذا مذهبي) يقول فيه: أنا لو يكون عندي مائة ألف (روبية هندية) وأريد أن أفتح بها محلاًّ، أخصّص عشرة آلاف منها للبضائع، وتسعين ألفاً الباقية أخصّصها وأصرفها على الدعاية).

أهمية العمل الإعلامي المهني

يمكننا أن نفهم مما ورد في كلام غاندي مدى أهمية الدعاية، لذلك يعد العمل الإعلامي غاية في الأهمية، إذ يذهب العلماء في الحرب النفسية ونشر الإشاعة، إلى أن الهزيمة التي يمكن أن تشنها الجيوش ضد بعضها البعض، تعود في نسبة كبيرة منها إلى الحرب النفسية وحرب الإشاعات عبر ما يسمى بالترويج المخادع أو المضلل، وهذا ما يدعو إلى فرز ما تبثه وسائل الإعلام وتحليله وفهمه وعدم الانخراط مع موجات الخداع.

لذا فإن وسائل الإعلام المهني يمكن أن تصنع قنوات ووسائط إعلامية مختلفة، في إطار منهج مهني لتحقيق نتائج بالغة الأهمية.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) أكد هذه الأهمية، ونوّه عنها في قوله:

(اعلموا إنّ الإعلام عمل مهمّ جدّاً. بلى فيه المتاعب والحرمان والمشاكل وصراعات داخلية وسلبيات، ولكن المهمّ هو أن تخرجوا أنفسكم من السلبيات، حتى يمكنكم العمل، وإلاّ فلا يمكن العمل).

ونظرا لهذه الأهمية القصوى، طالب سماحته بالابتعاد عن السلبيات والانشغال بما هو جاد وفعّال، لضمان النتائج الفعالة للفرد والمجتمع، وقد ضرب سماحته مثالا عن الجهود العظيمة لأخيه الإمام الشيرازي (رحمه الله) في هذا المجال، وإرادته الفولاذية في تجنب الانشغال بالسلبيات أو العقبات، في مقال الاهتمام الكلي والتام بما يستحق من اهتمام، في الفكر والعقائد وتحقيق كل ما هو مفيد للمسلمين والإنسانية عموما.

إذ قال سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): إن (المرحوم السيد الأخ (المرجع الراحل)، دخل الكويت وصنع الكثير من الأعمال والمشاريع حول أهل البيت صلوات الله عليهم. فضادّه بعض الناس، وكتبوا ضدّه، وطبعوا ما كتبوه، وكان السيد الأخ لا يتكلّم حتى بكلمة واحدة ضد من قاموا بذلك. حتى أنّ أحد الأصدقاء المقرّبين قال له ذات مرّة وكان الأخ حينها منشغلاً بالتأليف: سيدنا لقد كتبوا ضدّك الكثير، فلماذا لا تردّ عليهم؟ فقال الأخ: أنا لا يوجد عندي وقتين، وقت أكتب فيه، ووقت أردّ عليهم).

الإعلام وهدف التبشير بالفكر المنحرف

وسائل التوصيل المعادية الهادفة إلى الخداع، وصفها سماحة المرجع الشيرازي بأنها إعلام (معاوية) في إشارة إلى التبشير بالفكر المنحرف، من خلال وسائل الإعلام المضللة، أو ما يُطلق عليها بوسائل الدعاية السوداء، فهي تعتمد المبدأ المخادع الذي يذهب الى الباطل عن طريق سلوك الحق الظاهري، وفق المضمون المعروف بـ (كلمة حق يُراد بها باطل)، وهو أسلوب غالبا ما يلجأ إليه أصحاب الدعاية الصفراء.

في ظل الظروف القاهرة التي يمر بها المسلمون، لابد من التأهب لرصد الإعلام المضلِّل، حيث تلعب الدعاية السوداء دورا محبوكا لزيادة تعقيد الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة كلها. ولكي يتم التخلص من هذا النوع الإعلامي التضليلي، لابد من العودة إلى النبع الثري للقيم الخلاقة متمثلا بالفكر العظيم لأئمة أهل البيت عليهم السلام.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يركّز على هذه النقطة فيقول: (الإعلام المضلّل، أو كما يقولون الدعاية السوداء، يعمل عمله ويؤثّر، كما ما ترون في الوقت الراهن، وجود إعلام معاوية كداعش، لكن بالنتيجة إنّ الأفراد الذين بيدهم مصابيح أهل البيت صلوات الله عليهم، وهم الشيعة، بمقدار عدم انشغالهم بالسلبيات يوفّقون أكثر).

إذاً فإن عمل الإعلام يمكن أن يصب في أحد اتجاهين، إيجابي وسيّئ، وطالما أن المسلمين بحاجة إلى الإعلام الجيد، فهذا يستوجب عدم الانشغال بالتوافه والصغائر والمعوقات الصغير، والإصرار على الخط الفكري السليم، ونشر القيم العظيمة لأهل البيت (ع)، لأن الانشغال بما هو جيد يقود الناس إلى النتائج الجيدة، والعكس يصح، فإذا انشغل الناس بالسلبيات سوف يبتعدون عن ضفة النجاح والتوفيق.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إذا عزم الإنسان على ترك السلبيات فسيوفّق، والعكس بالعكس أيضاً. لأن الذين يشغلونه بالسلبيات لا يدعونه ينال الموفقيّة. كما إذا عزم الإنسان على أن لا يعتني بالسلبيات، قد يُبتلى بها أقلّ وأقلّ).

الخلاصة نحن لسنا بقادرين على محاكاة المنحرفين في أساليبهم المخادعة، فالهدف من الإعلام أولا وأخيرا كشف الحقائق، وتقديمها بأساليب مهنية تربأ بنفسها عن التضليل، وطالما أننا فهمنا جيدا مكانة الإعلام في التوصيل السليم للأفكار والأهداف المختلفة، وقدرته على رفع المعنويات العامة إلى أعلى مراتبها، فإننا لا نمتلك سوى التركيز على المهنية الإعلامية المستقلة، كي تؤدي مهامها بعيدا عن التلاعب والتبعية والاستئجار.