LOGIN
الجلسات العلمية
alshirazi.org
"بين يدي المرجع"
الليلة الأولي
رمز 17
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ 6 رمضان العظيم 1432 - 6 أغسطس 2011
في ليالي شهر رمضان المبارک يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين علي بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة.

وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلي ما يتفضل به سماحته من وصايا و توجيهات.

 

 
هلّ هلال الشهر المبارک وقد کان طلاّب الفضيلة والعلم يحسبون اللحظات ليوافيهم هذا الشهر المبارک ويتجدّد لقاءهم ببحث ليالي الشهر المبارک الذي يتم بحضور من المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله. فاجتمعوا في بيته المتواضع، فرحّب سماحته بهم وبارک لهم حضور هذا الشهر العظيم، ودعا لهم وللجميع بالتوفيق والتقوي.

ثم استعدّ للإجابة علي أسئلة الفضلاء والحضور ومناقشتها معهم، فکان أصل البحث العلمي في الجلسة الأولي من شهر رمضان المبارک حول اختلاف الافق وطول النهار في بعض البلدان والمناطق کالبلاد الأوروبية، وکيفية الصوم في تلک النقاط من العالم. فسأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلاً:

يکون النهار في بعض البلاد طويلاً، خصوصاً في فصل الصيف حيث يکون طول النهار 21 ساعة أو أکثر، فکيف يصوم أهل تلک البلاد؟

أجاب سماحته: في البلاد التي يکون فيها النهار غير متعارف کما إذا کان أکثر من 18 ساعة فإن أهل تلک البلاد يصومون حسب أفق البلاد المتعارفة مثل العراق أو إيران. وذلک بأن يصوموا حسب فجرهم ويفطروا بعد مضي ساعات نهار کربلاء المقدسة ـ مثلاً ـ وإنّما حدّدناه بأن يکون أکثر من 18 ساعة، لأن النهار المتعارف في البلاد المتعارفة قد يصل ساعات النهار فيها إلي ما يقرب من 18 ساعة.

وسئل سماحته: لماذا خصّصتم غير المتعارف بکونه أکثر من 18 ساعة؟

قال سماحته: إنّ منشأ الخلاف هو: هل ان موضوعات الأحکام لها إطلاق، وهل تشمل المتعارف وغير المتعارف، أم تخصّ المتعارف فقط؟ علي سبيل المثال: قوله تعالي: «أَتِمُّواْ الصِّيامَ إِلَي الَّليلِ»، فهل المقصود إدامة الصيام إلي الليل هو کل نهار وکل يوم متعارف أم غير متعارف، أم أنه يشمل المتعارف فقط؟

وما الحکم في بعض مناطق الکرة الأرضية التي تکون ستة أشهر فيها نهاراً، وستة أشهر ليلاً؟

أو بالعکس، فإن في بعض المناطق يکون النهار فيها في فصل الشتاء ثلاث أو أربع ساعات، فهل يصوم أهل تلک المناطق ثلاث أو أربع ساعات فقط؟ إنه لأمر مضحک أن يصوم الإنسان ثلاث أو أربع ساعات في اليوم فقط، فإنه مخالف لحکمة الصوم، فإن بعض الراويات تقول: «جعل الصيام ليتحسّس الغني بجوع الفقير وعطشه».

فلا بد من أن يکون المقصود من النهار هو المتعارف، لا الطويل جدّاً ولا القصير جدّاً، وقد اتفق الفقهاء جميعاً علي ان الاحکام کلّها مترتبة علي الأمور المتعارفة، فتقدير الکرّ بالشبر، والنزح بالدلو يعني: الشبر المتعارف، والدلو المتعارف، وهکذا.

وعليه: فإن الأصل العام هو المتعارف، لأن الناس سيقعون في الحرج إذا طالت مدّة الصيام إلي 21 ساعة. وحتي أهل تلک المناطق يعلمون أن هکذا مدة (21 ساعة) هي مدّة غير متعارفة، لأن طول النهار في تلک المناطق في بعض فصول السنة يکون أربع ساعات، وأحياناً عشر ساعات. ولکن في البلاد المتعارفة يصل طول النهار أحياناً إلي ما يقرب من 18 ساعة.

وسئل سماحته: لماذا يجب أن يکون بداية الصيام في تلک المناطق من أول فجر المناطق ذاتها؟

أجاب سماحته: قال الله تعالي في کتابه الکريم: «کلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتّي يتَبَينَ لَکُمُ الْخَيطُ الأَبْيضُ مِنَ الْخَيطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ». فلا شکال أن يکون الإمساک من بداية النهار ومن أول الفجر، لأن الفجر يعني النور الذي يشع باقتراب الشمس من الأفق، وهذا العنوان حاله کحال «الغروب» لا يعدّ غير متعارف، وأما «اليوم» فهو غير المتعارف وکذلک «الليل».

وعقّب سماحته موضّحاً أيضاً: إن الأدلة کقوله تعالي: «أَتِمُّواْ الصِّيامَ إِلَي الَّليلِ» منصرفة إلي اليوم والنهار الکامل المتعارف. ولذلک إن کان طول النهار 19 أو 20 ساعة فسيکون غير متعارف، وفي غير المتعارف يجب أن يکون الصيام بالمقدار المتعارف. وخلاصة القول: هنا مسألتان:

الأولي: في الصيام متي يجب الرجوع إلي النهار المتعارف؟

الجواب: عندما يکون النهار غير متعارف، أي إذا کان النهار ثلاث أو أربع ساعات، أو بالعکس بأن کان النهار أکثر من 18 ساعة کما لو کان 21 ساعة أو أکثر، يعني ان المناطق التي يکون النهار فيها الآن 21 ساعة، ففي فصل الشتاء يکون النهار ثلاث ساعات، بحيث إن الشمس لا ترتفع حتي إلي وسط السماء، وتشرق من زاوية، وبمجرد أن ترتفع قليلاً تغرب من زاوية اُخري قريبة لزاوية طلوعها.

الثانية: في المناطق التي يکون النهار فيها غير متعارف، کم ساعة يجب أن يکون الصيام؟

الجواب: يشرع بالصيام من فجر تلک المناطق وبمقدار ساعات نهار إحدي المدن الإيرانية أو العراقية أو مدن الحجاز. لنفرض أن مدّة صيام أهل المناطق التي يکون النهار فيها متعارفاً هو 15 أو 16 أو 17 ساعة، فيکون الصوم بحسب طلوع فجرهم من حيث الإمساک بأن يمسک قبله ولکن يفطر بعد مضي تلک الساعات، مخيّراً بينها بأن يختار ساعات يوم کربلاء المقدّسة ـ مثلاً ـ .

وأردف سماحته: کان لي حديث مع أحد المرحومين من المراجع، قبل وصوله للمرجعية، بأنه: ما الحيلة في الأيام التي يکون النهار فيها ثلاث أو أربع ساعات؟ فقال: علينا أن نصوم تلک الثلاث أو الأربع ساعات. قلت له: أليس مضحکاً أن يقال لکم أمسکوا عن المفطرات لمدّة ثلاث ساعات أو أربع؟ وکون هذا الأمر مضحکاً يعني أنه غير متعارف.

وانبري أحد الفضلاء وسأل من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلاً: بما إن الإسلام هو دين عالمي، ودين لکل الأزمنة وإلي يوم القيامة، لکنه لا توجد آية أو رواية تشير إلي ذلک، کما إن الفقهاء قد اختلفوا في هذا المجال؟

أجاب سماحته: أولاً: لم تکن هذه المسألة حينها محل ابتلاء.

وثانياً: جاء في الروايات الشريفة عن أهل البيت صلوات الله عليهم: «علينا إلقاء الأصول وعليکم التفريع»، وإن اختلاف فتاوي الفقهاء هو في اختلاف استظهارهم منها، والاختلاف مسألة طبيعية، کمسألة اختلاف الأطباء في بعض المسائل الواضحة. وقد أرجع الفقهاء الاختلاف إذا کان مرتبطاً بالموضوعات الخارجية في أي مورد کان، أرجعوه إلي المتعارف. فعلي سبيل المثال: تکرّر في «الجواهر» کلمة : «عرفاً» أو «المتعارف» کثيراً، ولکن لم يوجد في الروايات الشريفة أثر لها.

وسئل سماحته: هل من باب الاضطرار ومن جهة العسر والحرج نقول بأنه: يکون ساعات الصيام في المناطق التي نهارها أکثر من 18 ساعة حسب ساعات نهار البلاد المتعارفة؟

أجاب سماحته قائلاً: کلا، لم نقل ذلک من باب الاضطرار ولا من جهة العسر والحرج، لأنه في الموارد المشابهة لمورد بحثنا، مثل:«الشِبر» نقول بأن الملاک هو المتعارف أيضاً، في حين اننا في هذا المورد لسنا مجبرين ولم يکن هناک اضطرار ولا حرج.

مثال آخر:

جاء في الأدلة بأنه علي الإنسان أن يغسل في الوضوء وجهه من قصاص الشعر إلي الذقن ومادارت عليه الإبهام الوسطي. فإذا کان الشخص «اَغَم» أو «أصلع»، وهما موردان لم يرد ذکرهما في الأدلة، فإن الفقهاء يقولون: يغسل وجهه بالمتعارف عليه. مع ان الدليل يقول: «قصاص الشعر» وهو مطلق ولکن لا يشمله الإطلاق، وإنما يجب عليه أن يغسل وجهه بالمقدار المتعارف، لأن الخطاب ملقي إلي العرف، فيکون قصاص الشعر العرفي هو الملاک، وذلک لأن نسبة «الاَغَم أو الأصلع» في الناس لا تتجاوز العشرة أو العشرين بالمائة، وهذا الملاک يکون لجميع الموارد.

وکذلک الفاصلة بين اصبعي الإبهام والوسطي في غسل الوجه، فإنها الفاصلة المتعارفة، فإذا کانت تلک الفاصلة عند شخص ما کبيرة بحيث تخرج من نطاق اُذنيه، فلا يلزم عليه أن يغسل وجهه بمقدار هذه الفاصلة غير المتعارفة، وکذلک العکس بأن کانت الفاصلة عند شخص ما قليلة بحيث لا تتجاوز وجنتيه، فإنه يجب عليه غسل الوجه بالفاصلة المتعارفة، هذا مع انه ورد في الروايات الشريفة: «ما دارت عليه الإبهام والوسطي» ولکن لا نعمل بهذا الإطلاق، ونقول بأنه يعمل بالمتعارف عليه.

وأضاف سماحته: لقد أشکل أحد العلماء الأعلام علي مثل هذه الفتيا وقال أن هذه الفتيا خلاف الإرتکاز. فقلت في جواب إشکاله: ليست خلاف الإرتکاز، بل هي غير مأنوسة، وعدم الاُنس بها إنما هو لأجل أنه لم تطرح هذه المسألة من قبل، أو لم يکن لها مصاديق، لذا فهي غير مأنوسة، وليست بخلاف الإرتکاز، لأن الإرتکاز يکون في مورد يکون عندنا إرتکاز علي خلافه.

وسأل أحد الفضلاء الحضور من سماحة المرجع الشيرازي وقال: قد يکون سبب تعجّبنا أو استغرابنا من القول بصيام ثلاث أو أربع ساعات في المناطق التي يکون النهار فيها ثلاث أو أربع ساعات، هو لأننا لم نأنس ذلک، فلو أن هذا القول کان هو جواب رسول الله صلي الله عليه وآله لمن استفسر عن ذلک لکان متعارفاً؟

أجاب سماحته: الصوم أوجبه الله تعالي علينا في النهار، والنهار من حيث عدد الساعات مختلف علي ثلاثة أقسام، وشمول الإطلاق لکل هذه الأقسام الثلاثة غير متعارف.

وسأل آخر: هل الملاک للوقت المتعارف هو وقتنا وزمننا، أو المتعارف في زمن رسول الله صلي الله عليه وآله؟

أجاب سماحته قائلاً: الملاک هو النهار المتعارف، وليس النهار في زمن المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

وسأل آخر: إذا جاء زمن صارت فيه أيدي الناس کبيرة وصار «الشِبر» کبيراً، أي أکبر من المعهود في زمننا، فما هو الواجب؟

أجاب سماحته: إن أصبح المتعارف هو الشبر الکبير فيجب العمل بالمتعارف، لأن الملاک هو المتعارف.

وسأل أحد الفضلاء الحضور قائلاً: ماذا سيکون المتعارف بالنسبة إلي الصلاة في المناطق التي يکون النهار فيها ستة أشهر، والليل ستة أشهر، هل سيکون المتعارف خلال السنة الواحدة هو الصلوات الخمس ليوم واحد؟

قال سماحته: ذکر هذه المسألة في العروة ولم تطرح من قبل، ووافق عليه أکثر العلماء وقبلوا هذا القول من صاحب العروة، إلاّ اثنين حيث خالفا.

واستمر السائل بقوله: کيف تکون الصلاة لمن يعيشون في هذه المناطق؟

أجاب سماحته: يقيمون الصلاة حسب المناطق المتعارفة، أي يقسمون خمس صلوات علي 24 ساعة، ولذلک فإنه لا يمکن عدّ اُفق تلک المناطق ملاکاً، ولا يشمله الإطلاق. ولذا قال بعض الفقهاء کالمرحوم الشيخ في مسألة رؤية الفجر، في قوله سبحانه: «حَتَّي يتَبَينَ لَکُمُ الْخَيطُ الأَبْيضُ مِنَ الْخَيطِ الأَسْوَدِ» أنه إذا کان لشخص ما عين غير متعارفة وقويّة کعين «زرقاء اليمامة» التي کانت تري الشيء من بُعد أربعة فراسخ، فإن مثل هذا الشخص قد يري الفجر قبل الجميع بنصف ساعة، فهل عليه أن يمسک قبل الجميع؟ أو يعمل بالمتعارف عليه؟ وکذلک إن کانت عين أحد الأشخاص ضعيفة، فهل يمسک بعد إمساک الجميع بنصف ساعة لأنه يري الفجر بعد مرور نصف ساعة من رؤية باقي الناس، ولا أحد يسمح لنفسه أن يقول له: أمسک بعد إمساک الجميع، مع ان الآية الکريمة تقول: «حتي يتبيّن لکم»، وهذا الشخص من المسلمين ولم يتبيّن له. إلاّ أنه لم يقل له أحد من الفقهاء ذلک مما يعلم بأن هذا الملاک هو الذي عمل به الفقهاء جميعاً.

وأضاف سماحته: دلوک الشمس يعني وصول الشمس إلي قمة الرأس، بينما في المناطق التي نهارها ثلاث أو أربع ساعات لا ترتفع الشمس فيها إلي قمة الرأس، بل الشمس بعد شروقها من زاوية ترتفع قليلاً وتغرب في زاوية اُخري دون أن تصل إلي قمة الرأس، وفي بعض المناطق بعد أن تطلع الشمس ترتفع بمقدار قليل جدّاً وتتحرّک بين الآفاق وتغرب في الاُفق بنفس الزاوية، ولا ترتفع ولا تصل إلي وسط السماء، ويکون النهار الواحد في تلک المناطق بمدة ستة أشهر من شهورنا المتعارفة، وکذلک بالنسبة لليل في تلک المناطق فإنه يکون الليل الواحد بمقدار ستة أشهر فلا يکون لهم دلوک أصلاً، ومع هذا کله لم يقل الفقهاء: بما أنه لا يوجد دلوک فلا تجب عليهم الصلاة.

وسأل أحد الفضلاء أيضاً: في المناطق التي نهارها 20 ساعة، فهل علي أهل تلک المناطق أن يصلّوا فريضة المغرب أو العشاء مثلاً في النهار علي أساس حساب المقدار المتعارف للمدن الاُخري؟

أجاب سماحته: هذا هو أصل بحثنا العلمي، ولکن في مقام الفتوا قد يوجد حل في بعض الموارد، وفي بعضها لا يوجد حلّ. وهناک حلّ بالنسبة إلي الصلاة وهو ان علي من يعيش في الآفاق غير المتعارف نهارها أن يصلّوا بوقت الصلاة بحسب شروقهم وغروبهم حتي وان تأخر مثل صلاة المغرب والعشاء عن نهار البلاد المتعارفة، فإنه يجب عليهم أن يؤخّروا وقت أداء فريضتي المغرب والعشاء إلي ليلهم کي تطابق الوقت الشرعي مع اُفق بلدهم.

إذن بما أن هذه الألفاظ منصرفة إلي المتعارف، فيجب العمل بالمتعارف. وإذا صار المتعارف هو الملاک، وکان باستطاعة الشخص أن يصوم 20 ساعة فإنه يجوز له أن يصوم النهار کله وهو الأحوط استحباباً.

أما إذا لم نقل بذلک، فإنّ علينا أن نقبل أحد الأمرين التاليين اللذين قال به بعض:

1ـ يجب عليهم الهجرة من تلک المناطق، ولا يجوز لهم البقاء فيها.

2ـ أن نقول لهم لا تصوموا في مثل هذه الأيام، واقضوا ذلک في الأيام القصيرة.

لکن کلا الأمرين فيهما إشکال واضح.