في ليالي شهر رمضان المبارک يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين علي بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة.
وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلي ما يتفضل به سماحته من وصايا و توجيهات.
في مجلس هذه الليلة (الليلة الثانية عشرة من شهر رمضان المبارک 1432 للهجرة) طرحت مواضيع مختلفة للنقاش، وأسئلة عديدة، فسأل أحد الحضور من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
يقول بعض الفقهاء: ان موارد التسبيب مختلفة وحکمها يکون مختلف کذلک مثل القتل الذي فيه ادلة صريحة وواضحة علط حرمته، واما في غير هذا المورد من قبيل التسبيب في اکل النجاسة فان حرمتها غير معلومة لأنه اولاً: غير متعلق بالتکليف المنوط بنا، وثانياً: لاتکليف للشخص مقابل الجاهل، فما رأي سماحتکم في هذا الخصوص؟
أجاب سماحته: ليس لدينا دليل خاص في خصوص التسبيب، وان هذه المسالة هي من المسائل السيالة حيث انها تجري من اول الفقه إلي آخره ولها فروع کثيرة ويکون حکم التسبيب علي صورتين هما:
1- اذا تم الاستفادة في مورد ما وعن طريق الادلة الخاصة من قبيل الاجماع والارتکاز والدليل العقلي وامثالهم، وان الشارع المقدس لا يريد في اي حال من الاحوال ان يقع هذا الحرام في الخارج، مثل قتل النفس المحترمة واراقة دم الانسان البريء، وفي هذه الصورة فان کل تسبيب وحتي ذلک البعيد فهو غير جائز، مثلاً: بيع السکين الي الشخص الذي يريد ان يقتل انساناً مظلوما ًمع ان بيع السکين في نفسه حلال وليس للبايع اي علاقة بما يريد ان يفعله المشتري، بل حتي اذا کانت السکين ملک للقاتل فيجب هنا علي الشخص العالم والقادر أن يمنع من الاستفادة من هذه السکين للحيلولة دون وقوع القتل.
2- اما اذا لم يتم الاستفادة من الادلة علي ان الشارع أراد بشکل کلي ان لا يقع الحرام في الخارج، ففي هذه الحالة فان جميع الموارد متساوية، عليي سبيل المثال: هل ان صنع حلقة الذهب للرجل جائز ام لا؟
فقال احد الفضلاء: ان المعصية حرام وذلک من باب المقدمة.
قال سماحة المرجع الشيرازي: تکون مقدمة المعصية علي قسمين:
اذا تم الاستفادة من الادلة الواردة علي ان الشارع المقدس اراد ان لا يقع لبس الذهب في الخارج بالنسبة الي الرجال في اي وقت من الاوقات، فان هذه المقدمة حرام ليس کونها مقدمة، بل بسبب الاستفادة من الادلة في هذه المسألة، واذا لم يتم الاستفادة منها فان صنع ذلک جائز ولا اشکال فيه.
وأضاف سماحته: جاء شخص الي الإمام علي عليه السلام وقال له: ( هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمراً)، وهي رواية صحيحة (ويعمل بها عند الفقهاء)، فتقول الرواية ان الامام علي عليه السلام قال له: (انما بعته حلالاً)، حيث لم يستفيد من الادلة علي ان الشارع اراد عدم ايجاد المقدمات الاولية لعملية صنع الخمر في الخارج بتاتاً حتي بالنسبة الي تلک المقدمات البعيدة، ويمکن القول انه اذا لم يتم الاستفادة من الادلة فان ذلک البيع حلالاً مع ان عمله فيه اشکال وحرام.
واما حول مسألة الطعام الذي تنجس وليس فيه ضرر کبير او ليس له ضرر في الاصل، فاذا تناوله الطفل الصغير فلا اشکال فيه، واما اذا اعطيت انت ذلک الطعام مباشرة فانه غير صحيح وفيه اشکال، ومن باب المثال: اذا تنجس مقدار کبير من عصير البرتقال بواسطة قطرة من الدم ففي هذه الصورة لا يمکن الاستفادة منه وتناوله، ولا يمکن کذلک بيعه إلي المشتري من دون اخباره، والقول بما انه لا يعلم نجاسته اذن فأنا غير مکلّف باخباره، ويکون مصوغ لبيعه، ويعتبر هذا العمل غير جائز باعتبار هو تسبيب في وقوع الحرام في الخارج، ولم يکون هذا من المصاديق التي تدخل في باب (بعته حلالاً) ويجب في الواقع ان تتحقق فيه جميع الشروط في (بعته حلالاً) وتنطبق عليه حتي يرتفع عنه الاشکال الشرعي، نعم اذا قمت ببيع احد الاشخاص ماء وتعلم انه سوف ينجسه ويشربه، ففي هذه الحالة فان بيعک له لا اشکال فيه، ولکن اذا بعت له الماء المتنجس وهو لا يعلم بذلک فان هذا الفعل يکون من باب التسبيب وغير جائز شرعاً، لذلک فان لم تعلمه بنجاسته فانک تکون المتسبب واما اذا اعلمته وشربه فلا اشکال عليک.
وسأل احد الفضلاء في هذا الخصوص قائلاً: هناک بعض الادلة في هذه المسألة دالة علي الاطلاق من قبيل الآية الشريفة التالية: «ولا تعاونوا علي الاثم والعدوان».
أجاب سماحته: ان کلمة (تعاون) غير کلمة (الاعانة) باعتبار ان الاعانة هي عمل شخص واحد وتکون من جانب واحد واما کلمة التعاون فهي تکون بين شخصين وطرفين وتکون من باب التفاعل.
ان البحث العلمي الدقيق هنا هو: هل ان الاعانة لها نفس حکم التعاون ام لا؟ بالطبع فان الغالب الاعم من الفقهاء يقول ان الاعانة لها نفس حکم التعاون وذلک بسبب وجود الروايات الواردة التي تؤکد ذلک.
واستمر سماحته بحديثه قائلاً: ان السبب الذي يعود في حصول الاختلاف بين الفقهاء في مسألة التسبيب هو الاستنباطات المختلفة من الادلة، والا فاننا لانملک الدليل الخاص للتسبيب الذي فيه العمومية بحيث يتم الاستفادة من عموميته في حالة وجود موارد للشک.
سأل احد الفضلاء سؤالاً قال فيه: لقد جاء في احکام کثير السفر اذا بقي الشخص في مکان واحد عشرة ايام متتالية فان سفره الاول يکون قصراً، فما هو المقصود من العشرة في هذه الرواية الشريفة؟ وهل ان قصد الاقامة عشرة ايام في مدينة او بلد غير وطنه له نفس هذا الحکم او لا؟
قال سماحته: ان استنباط الفقهاء من هذه الروايات هو علي شکلين: لقد استنبط بعض الفقهاء منها ان المقصود من العشرة هو الوطن، ومعني ذلک اذا بقي واقام في مدينته او بلده عشرة ايام حتي وان کان قاصداً من البداية عدم البقاء فيها عشرة ايام فانه يصلي في سفره الاول وبعد العشرة قصراً وکذلک اذا نوي الاقامة في مدينة غير مدينته عشرة ايام وصلي تماماً، فله نفس الحکم يعني يصلي في سفره الاول ومابعد العشرة قصراً، واما اذا لم ينوي الاقامة في مدينة اخري عشرة ايام او اکثر إلي مدة الشهر فانه يعتبر من اولئک الاشخاص الذين تنطبق عليهم من هم کثير السفر ولذا فان صلاته في سفره الاول وما بعد العشرة لم تکن قصراً ويجب عليه في هذه الحالة الاتمام.
واما بعض الفقهاء فان استنباطهم من تلک الروايات يکون علي النحو التالي: ان العشرة ايام المذکورة في الروايات لها اطلاق وانهم تمسکوا بهذا الاطلاق، ويبدو معني ذلک هو: ان الروايات غير ناظرة إلي الفرق بين الوطن عن غيره او قصد الاقامة عشرة ايام او بدون القصد، بل القول ان الاقامة في مکان ما عشرة ايام حتي وان کان المکلف غير قاصداً العشرة فان صلاته في السفر الاول بعد العشرة تکون قصراً.
ثم أضاف سماحته: ولاجل التمسک بالاطلاق الوارد في الروايات يجب ان تکون هناک قرينة تصرف عن الاطلاق وتکون من اوضح الواضحات واظهرها، في الوقت الذي نحن فيه لم يتحقق ذلک، حيث قال الإمام عليه السلام: (اذا بقي في مکان عشرة ايام) اذ ان هذا اللفظ يکون اعم من الوطن وغير الوطن او القصد او بدونه، ولذا فان البقاء والاقامة عشرة ايام مع القصد او بدون القصد في الوطن او في غير الوطن فانه يوجب الاتيان بالصلاة قصراً بعد تلک العشرة وذلک في سفره الاول.
خلاصة القول: تعود هذه المسالة إلي (الاستظهار) وحينما تصل إليه (انقطع الاستدلال).
ثم طرح سماحة المرجع الشيرازي مسألة جديدة وقال: ان واحدة من المسائل التي هي محل ابتلاء والتي قمنا بالبحث والدراسة عنها في کتب القدامي والمتأخرين ولکن لم نري ان احداً منهم قد تعرض لها هي مسألة الغرغرة، حيث جاء التعبير عنها في الروايات باسم (يعبث)، فإذا قام شخص بالغرغرة وهو في حال الصيام وکان حريصاً ان لا يدخل الماء إلي حلقه فهل صيامه باطلاً ام لا؟ وبما ان حرف الغاء من الحروف الحلقية وحين القيام بالغرغرة فان الماء يصل إلي مخرج الغين ولکنه لايدخل فيه، فما حکم صيامه؟
ان ما جاء في الکتب الفقهية هو ان الفقهاء قد اجازوا وصول الماء إلي مخرج حرف الخاء واما اسفل منه فلم يجوزوه في الوقت الذي يکون فيه حرف الغاء اسفل من حرف الخاء واما حروف الحلق فهي بالترتيب من الاعلي إلي الاسفل کالتالي: خ، غ، ح، ع، ه، أ، وتکون الهمزة هي الحرف الاخير من حروف الحلق واسفل من بقية الحروف الاخري، وان الخاء هو الحرف الاول من طرف الحلق.
فسأل احد الفضلاء: هل ورد في الروايات الشريفة ان الماء يجب ان لا يتجاوز مخرج الخاء؟
اجاب سماحته: هذا هو تعبير الفقهاء، ولم يرد ذکر عدم تجاوز الماء عن مخرج الخاء في الروايات الشريفة ، وانما ذکر صاحب العروة هذا الموضوع وتطرق إليه بقية العلماء الاعلام.
نعم هناک رواية توجد لدينا تقول: (او کنس بيتاً فدخل في انفه أو حلقه)، ولکن يمکن ان يکون مراد الرواية هو وصوله إلي الحلق ثم ارجاعه، وان في الغرغرة يصل الماء إلي مخرج الغين وارجاعه، في حين ان الشيء اذا وصل إلي الحلق فانه عادة ماينزل، ومن غير المعلوم ان هذه الرواية مطلقة وتشمل الغرغرة، مضافاً إلي ذلک فان عدد من الفقهاء لا ياخذ بهذه الرواية.
وسأل آخر عن کلمة (في أنفه) في الرواية بأنها تخدش الاستدلال، باعتبار ان دخول الغبار في الانف غير مبطل للصيام؟
أجاب سماحته قائلاً: ان کلمة (في أنفه) الوارد في الرواية المذکورة لا تخدش الاستدلال، لان الدليل لا يقول ان ما في الانف هو وحده المبطل، بل ان ذکر الانف هنا هو من باب المقدمة وليس له ذلک التاثير والمدخلية المباشرة.
بعد ذلک سأل احد الفضلاء وقال: اذا افطر الصائم قبل ان يسافر، يقول بعض العلماء ان الجاهل المقصر هو فقط من تجب عليه دفع الکفارة، واما البعض الآخر منهم فيقول لا تجب الکفارة سواء علي الجاهل القاصر والمقصر، وذلک بدليل الرواية الواردة عن عبد الصمد بن بشير التي يقول فيها: (اي رجل رکب أمراً بجهالة فلا شيء عليه) حيث ان هؤلاء لا يرون الاتمام في القاعدة التي تقول: (ان الجاهل المقصر في الحکم عامد)، اذ ان القاعدة اذا کانت تامة فانها لا توجب الاختلاف بين العلماء في ذلک، اذن فان هذه القاعدة لم يجمع عليها العقلاء، ومؤيد ذلک هو: قول بعض الاصولين وجميع الاخباريين، ومع ان القائلين بهذه القاعدة يبررون ذلک بقولهم: ان عقوبة المقصر في الاخرة هي بمنزلة العالم ويعاقب في ذلک اليوم لانه لم يتعلم احکام دينه وعندما يقال له: لماذا فعلت ذلک العمل فيقول: لم اعلم، فيقال له: (هلا تعلمت).
فأجاب سماحة المرجع الشيرازي في جواب ذلک: ان الملاک في البرائة العقلية هو (قبح العقاب بلا بيان) ومعني ذلک ان العقاب يکون قبيحاً من جانب المولي حينما يحکم العقل بالبرائة، والسؤال المطروح هنا مع وجود التقصير، فهل يکون العقاب من جانب المولي قبيحاً؟ وهل ان الجهل التقصيري هو عذر عند العقل؟ ان من المعلوم ان العقاب في حالة التقصير ليس قبيحاً، باعتبار ان العقل لا يري الجهل الناتج من التقصير عذراً وعقلاً فان استحقاق العقاب يکون فرعاً من عدم العذر، لذا فان المقصر عقلاً غير معذور، هذا هو من لحاظ البرائة العقلية واما من لحاظ البرائة الشرعية فان الاطلاق او عموم ادلة البرائة الشرعية من قبيل: (رفع ما لاتعلمون) لا تشمل الجاهل المقصر، وان الجهل التقصيري هو عذر غير مقبول لدي الشارع المقدس ولم يشمله الخطاب اللفظي لادلة البرائة.
لذلک فان الجاهل المقصر غير مشمول بادلة البرائة سواء کانت البرائة العقلية او البرائة الشرعية، ويکون عمله باطلاً بسبب عدم انطباق (الماتي به) مع (المامور به) ويترتب علي ذلک البطلان ما ذکر من اثر، نعم في مورد الکفارة التي جاء ذکرها في الروايات فقد اضيف لها کلمة (عمداً)، والسؤال هنا هل يمکن ان يطلق علي الجهل التقصيري عنوان العامد ام لا؟ هذا هو منشأ الاختلاف الحاصل بين الفقهاء في هذه المسألة.
فقال بعض الفضلاء: ان الجاهل المقصر هو جاهل في کل الاحوال ولا يصدق عليه انه عامداً؟
قال سماحته: نعم يصدق عليه العمد باعتبار ان العمد ليس في مقابل الجهل، اذ ان العلم هو الذي يکون في مقابل الجهل وان العمد هنا يکون في مقابل السهو والنسيان، وهذا هو منشأ الاختلاف في المسألة، وليس هنا مورداً للقول اننا نشک وعند الشک نرجع إلي الاصول العملية ونقول ان الشک في البطلان وان القدر المتيقن لذلک هو العقاب ولا يوجب الاعادة او القضاء، نعم لا شک فان الجاهل المقصر يستحق العقاب لانه لا عقله يعذره ولا الشرع ولا تشمله الادلة اللفظية للبرائة او اننا علي الاقل نشک في ظهور تلک الادلة، ففي هذه الصورة لن تکون حجة بالنسبة إلي الجاهل المقصر.
ثم تابع سماحته حديثه قائلاً: ان بعض موارد الکفارة هي محل بحث کما اشار إلي ذلک (صاحب الجواهر) و(المرحوم اخي) وذلک باعتبار ان (العمد) يکون عرفاً في مقابل النسيان والسهو وانهما يتفککان من الناحية الدقة العقلية ويقابل حسب هذه الدقة العمد، النسيان والسهو وليس الجهل واما اذا رجعنا إلي العرف فهو يقول غير ذلک.
وطرح احد الفضلاء السؤال التالي: ذهب احد الاشخاص إلي الحج ولم يتعلم اي حکم من احکام الحج ولم يسأل عن ذلک، فهل يقال لهکذا شخص مقصراً؟
أجاب سماحته: ان القاصر والمقصر يعتبران امراً نسبياً، واحياناً يکون ناتج من العامل النفسي والداخلي، فنري في بعض الاوقات ان هناک شخصاً قد تربي وترعرع في عائلة عبر عنها القران الکريم بالمستضعفة (والمستضعفين من الرجال والنساء)، ولا شک فقد کانت ام ايمن هي واحدة من المصاديق التي تنطبق عليها تلک الآية، لذا نري ان الامام الصادق عليه السلام قد عبر عنها بتعبير في غاية الروعة حيث قال للراوي: (ان ام ايمن التي شهد لها رسول الله بالجنة کانت تعرف ماتعرفه) واحياناً نري ان احد الاشخاص قد تربي في عائلة علمائية وفي وسط العلم والعلماء ولکنه يعاني من استضعاف فکري وهذا ليس معناه قلة عقله ولکن لم يخطر علي ذهنه السؤال.
واضاف سماحته: علي سبيل المثال ان هناک امراة عالمة بامور دينها وتقوم بصلاتها وصيامها وعبادتها باحسن وجه ممکن ولکنها لم تذهب بتاتاً إلي السوق کي تشتري الحاجات المنزلية وفي يوم ما ونتيجة لضرورة خاصة ذهبت إلي المخبز لشراء رغيف من الخبز ولم تکن تعلم سعره فسألت من الخباز عن سعره فقال لها: لايسأل احد عن سعر الخبز، فان سعر کل رغيف هو 10 دراهم فردت عليه المرأة هل يمکن ان تبيعه لي بسعر اقل؟ فقال لها الخباز: لا احد يطلب الحسم في شراء الخبز!
ولاشک فان هذه المرأة هي قاصرة وعندها استضعاف فکري تجاه الشراء والتسوق.
ومن الواضح فاننا لا يمکننا الاستفادة من صحيحة عبد الصمد بن بشير، علي ان الشخص اذا قال انني لا اسأل اذن فهو مقصر.
فسأل احد الفضلاء سؤالاً بهذا الخصوص وقال: لقد قال صاحب العروة: لا يوجد اي فرق بين القاصر والمقصر؟
اجاب سماحته: لقد کان هو في بعض الموارد يضع فرقاً بينهما.
وسأل احد الفضلاء: هل القول ان کل مقصر هو بمنزلة العامد العالم، اذن فتجب عليه الکفّارة؟
قال سماحته دام ظله: اننا لا نقول بوجوب الکفارة، انما نقول ان المقصر مثل العالم فانه غير معذوراً عقلاً، وان الادلة الترخيصية کما انها لا تشمل العالم فانها کذلک لا تشمل المقصر.
وعدم المعذورية تعني عدم انطباق (الماتي به) مع (المامور به) وهذا هو ملاک البطلان في الحکم الوضعي، واما في مورد الکفارة فقد ورد في الرواية کلمة (العمد) ومن الممکن ان يشمل هذا التعبير عرفاً بعض موارد التقصير.
وسأل أحد الضيوف: هل لنا ان نضع امکانية السؤال وعدمه کملاک في التقصير؟
اجاب سماحته: ان اتاحة السؤال ووجود امکانية له هو واحد من اسباب التقصير، لقد کان لأم ايمن (التي شهد لها رسول الله بالجنة) المجال مفتوحاً للسؤال، لانها کانت في زمن وجود النبي الاعظم صلي الله عليه وآله ولکن يمکن ان تکون هناک الکثير من الاسئلة التي لم تخطر علي بالها کي تسأل عنها.
وکذلک يمکن ان يکون هناک احد الاشخاص علمه کثير وفعّال ولکن لم يخطر علي باله انه يجب عليه السؤال عن المسألة الفلانية في المورد الخاص.
وسأل احد الفضلاء عن مسألة هي: لقد جاءت في بعض الروايات انه لا يوجد شخص مستضعف في زماننا الحاضر؟
قال المرجع الشيرازي: ان هذه الروايات التي تتحدث عنها وامثالها کانت هي قضايا خارجية وليست قضايا حقيقية.
وفي ختام هذه الجلسة العلمية سأل احد الفضلاء: لماذا اذا استيقظ الشخص في شهر رمضان ولم يعلم هل طلع الفجر ام لا، يجب عليه الفحص وليس له حق ان يجري الاستصحاب، ولکن اذا شک المسافر هل انه وصل إلي حد الترخيص ام لا، يستطيع ان يجري الاستصحاب؟
أجاب سماحته: يقول الشيخ الانصاري رحمه الله وصاحب العروة رحمه الله حول صلاة المسافر: يجب الفحص وعدم الاستصحاب.
وسأل احد الفضلاء: ان الشخص کثير السفر وحسب مبني سماحتکم هو الذي يکون في حالة السفر دوماً ويسافر کراراً لاجل عمل ما، فاذا اراد السفر فيه هل يستطيع من القيام به وهل تکون صلاته قصراً ام لا؟
اجاب سماحته: اذا کان في غير ذلک السفر فلا اشکال فيه وتکون صلاته قصراً.
وسأل آخر: ماهو المقدار الاقل الذي يصدق عليه عنوان کثير السفر؟
أجاب سماحته: اذا استمر سفره لمدة شهراً واحداً کأدني حد فيصدق عليه هذا العنوان، واما اذا تعددت سفراته واستمرت شهراً بکامله فهو لا يعتبر من الذين ينطبق عليهم عنوان کثير السفر. فعلي سبيل المثال: سافر هذا الاسبوع ليتفقد الفقراء، وقال لا بأس أن أذهب في الاسبوع القادم مرة اخري، واذا استمر علي هذا المنوال إلي مدة شهر واحد فانه لايعتبر کثير السفر، نعم اذا سافر الاسبوع الذي يلي الشهر بهذه الطريقة ولو سفره واحدة فان صلاته تکون تماماً.
ثم اضاف سماحته: کان لأحد من المراجع الذين وافاهم الأجل جلسات علمية کثيرة، اصر ان يضع الکسب والعمل شرط في تحقيق عنوان (کثير السفر) ولکن قبل سنوات من وفاته قرأت عنه في احد الصحف فتوي له حول الاشخاص الذين يذهبون لزيارة مسجد جمکران قال فيها: يصدق عليهم عنوان کثيروا السفر وبذلک فقد عدل عن رأيه السابق والقائل بوجوب تحقق الکسب والعمل في عنوان کثيري السفر.
وأردف سماحته: يبدو من التحقيق في هذه المسألة الفقهية ان الرواية التي تقول: (اذا توقف عشرة ايام في مکان ما فان صلاته في سفره اللاحق تکون قصراً) حيث لها علة وناظرة إلي المعني القائل ان الشخص کثير السفر عليه ان لا يبقي في مکان واحد عشرة ايام وان مسألة (عمله في السفر) او (عمله السفر) غير مشروطة فيه بل انهما معدان له.
وسأل احد الفضلاء وقال: اذا کان قصد الشخص کثير السفر في أسفاره الجمع بين العمل والقيام بصلة الارحام فما هو حکمه؟
اجاب سماحته دام ظله: يجب النظر إلي انه اي منهما الاصل واي منهما الفرع، لان الاصل الاولي في السفر هو القصر، وان کثير السفر قد استثني من هذه القاعدة.