في ليالي شهر رمضان المبارک يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين علي بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة.
وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلي ما يتفضل به سماحته من وصايا و توجيهات.
سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله عن رأي سماحته في موضوع تطويق الهلال، فأجاب سماحته:
إن معني تطويق الهلال هي إمکانية رؤيته بالعين المجردة، ويکون طرفيه متصلاً مع بعضه البعض بواسطة هالة من النور القليل والخفيف وهذه الحالة ناتجة بسبب بعض الأوضاع والحالات الفلکية والتي تحدث عادة في الأفق، ولدينا رواية صحيحة السند في هذا الخصوص، ولکن الفقهاء يقولون بأنها تتحدث عن قضية خارجية حدثت في إحدي السنوات ولا يمکن أن تکون بحال من الاحوال قضية حقيقية، ولهذا الدليل فإن الفقهاء يعرضون عن إطلاقها.
وأضاف سماحته دام ظله: بالطبع إن الأصل في کل قضية هو أن تکون قضية حقيقية إلا اذا وجدت قرينة علي خلافها، فعلي سبيل المثال: القضية في الآية الکريمة التالية: «انما وليکم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزکاة وهم راکعون» فبناء علي القاعدة المذکورة آنفاً يجب ان تحمل القضية الموجودة في الآية المبارکة علي انها قضية حقيقية وهذا معناه ان کل شخص يتحقق فيه هذا الموضوع ولديه تلک المؤهلات فهو وليّ أمرک، ولکن توجد هناک قرائن وأدلة متعددة تشير الي ان القضية في هذه الآية هي قضية خارجية وتشمل شخصاً واحداً لا غير وهو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه، ثم الحاق بقية الأئمة الأحد عشر من ولده وأبنائه الطيبين الطاهرين کما بيّنت ذلک الروايات الصحيحة والمتواترة التي جاءتنا.
وأردف سماحته: ان العلماء الاعلام الذين وصلت منهم هذه الرواية أمثال الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيخ الطوسي والشيخ الکليني وبقية الأعلام أعلي الله مقامهم فانهم اعرضوا عن هذه الرواية ولم يعملوا بها في الوقت الذي يعلمون بصحة سندها وهذا دليل وقرينة علي انها قضية خارجية وليست حقيقية .
وقال أحد الفضلاء في مقام تعليقه علي ما ذُکر: إن بعض الفقهاء يقولون بأنه اذا لم نکن نعلم بوجود الاعراض من قبل العلماء يمکن العمل بالرواية الواردة، فهل ياتري بان الاعراض الدلالي يسقط الرواية عن الحجية والظهور کما هو الحال في الاعراض السندي ؟
أجاب سماحته: ان المشهور عند علماء الاصول هو هذا المبني، ولذا فان العلماء أمثال الميرزا النائيني الذي يعتبر من أهم العلماء الاصولين، حينما يقال في القاعدة الاصولية: (ان الاعراض ليس کاسراً) فإنه نفسه لا يستطيع الالتزام والعمل بهذا، فهو في الفقه، مع انه هناک روايات لا يتحقق فيها الاعراض من قبل العلماء ولا يوجد فيها سوي شبهة الاعراض، مع ذلک نراه لا يعمل بتلک الروايات.
إذن فان الفقهاء الذين أشکلوا في بحوثهم الاصولية علي (الکسر وجبر الاعراض والعمل) فانهم لم يتمسکوا بهذا الاصل والقاعدة في مبانيهم الفقهية.
لا شک انه يوجد في کتب الفقه کمفتاح الکرامة، والحدائق، وجواهر الکلام، ومستند النراقي، والفقه للمرحوم الأخ وغيرها العشرات من الموارد في (الاعراض والعمل) حيث تثبت وتدل علي ان العلماء يرون بان اعراض الفقهاء کاسر اً سواء کان ذلک في الاعراض الدلالي او الاعراض السندي ويعتقدون بان عمل هؤلاء بذلک جابراً للسند والدلالة .
مثلاً توجد لدينا العديد من الموارد التي تکون ظاهرها الوجوب ولکنها حملت علي الاستحباب، ومن تلک الموارد: هناک رواية صحيحة السند تقول: (غسل الإحرام واجب)، ومع أن الرواية صحيحة ولاتوجد فيها إشکالية وضعف من ناحية السند وظهورها ولکن نري الفقهاء قد أعرضوا عن ظاهرها وحملوها علي الاستحباب.
نعم هناک احد الفقهاء المتأخرين ممن قال بوجوبها ولکنه ترجع عن رأيه هذا عندما التقيت به قبل سنتين .
بعد ذلک طرح أحد الفضلاء مسألة جديدة وقال: يري بعض العلماء الأعلام في مسألة تطهير الثياب والبدن بالماء القليل هو وجوب الغسل مرتين ولکن في غير هذين الموردين فانه يکفي الغسل والتطهير مرة واحدة ، فمثلاً يکفي في الارض النجسة غسلها مرة واحدة ويستند هؤلاء في رايهم هذا علي الرواية الصحيحة الواردة عن الحلبي: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الصبي، تصب عليه الماء وان کان قد آکل فاغسله غسلاً).
أجاب سماحته دام ظله: ان بعض العلماء قد صرحوا بذلک وتبنوا هذا الامر، ولکن اکثر الفقهاء لايعتقدون بظهور هذا الاطلاق، باعتبار ان الغسل الذي جاء في الرواية وحسب القرينة المقابلة فليس فيه ظهوراً عرفياً، ومعني ذلک ان (فاغسله غسلاً) قد استعملت في مقابل کلمة (الصب)، إضافة الي ذلک فان الامام عليه السلام ليس في مقام بيان عدد الغسلات وانما کان عليه السلام في مقام القول بان الصب يکفي في بول الصبي؛ ولکن في غير هذا المورد فان الصب لايکفي ويجب الغسل.
واستمر سماحته بحديثه قائلاً: يجب ان يکون الاطلاق فيه ظهوراً عقلائياً وعرفياً، وحينما يأتي الاطلاق في مقابل شيء، يشک العرف في ظهوره وبمجرد الشک يجري الأصل، والأصل هو عدم الإطلاق.
نعم اذا شککنا في الاطلاق وهل انه يتطابق مع الارادة الاستعمالية ام لا؟ ففي هذا المورد تجري اصالة الاطلاق، ولکننا اذا شککنا باصل الاطلاق لوجود بعض القرائن فان الاصل هنا هو عدم الاطلاق.
فعلّق أحد الفضلاء وقال: لا توجود الاطلاقات لدينا.
فقال سماحته دام ظله قائلاً: قد يوجد لدينا احياناً الاطلاقات کما صرح بذلک صاحب الجواهر في باب صلاة الجماعة، حيث قال ليس من الضرورة ان يتفق الامام مع الماموم في الاجتهاد أو في التقليد أو اتفاقهم في العمل الخارجي، فمثلاً فقد يعتقد امام الجماعة بان عرق الجنابة من الحرام طاهر بينما يري الماموم بانه نجس، فصرّح الشيخ بجواز اقتداء احدهما بالآخر في صلاة الجماعة.
وطرح أحد الفضلاء سماحته السؤال التالي: امرأة غير متزوجة تعيش مع والدتها. سجّلت للذهاب الي الحج ولکنها اقترضت مقداراً من المال لأجل اکمال المبلغ المطلوب، وقامت ببيع الذهب الذي تملکه لسد شراء الذبيحة، وفي الضمن فانها تملک قطعة من الارض زهيدة الثمن لعدم وجود الماء فيها، فهل ان هذه المراة متوفرة فيها شروط الاستطاعة ام لا ؟
أجاب سماحته بقوله: اذا کان بيع الارض والمال الحاصل منها في الوقت الحاضر - باستثناء مقدار الذهب الموجود عندها – غير قادر علي سد نفقات الحج فانها تعتبر في هذه الحالة غير مستطيعة الا اذا ارادت ان تحصل علي تلک الاستطاعة التي تتم بالنحو التالي: ان المال الذي حصلت عليه عن طريق القرض او بيع الذهب والحلي تهبه الي والدتها او الي شخص آخر، ثم تقوم امها او ذلک الشخص ببذلها لها مرة اخري، ففي فرض هذه الحالة تصبح تلک المراة مستطيعة.
وتعليقاً علي هذه المسألة سأل احد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي وقال: اذا کان هذا البذل غير متعارف عليه فهل تحصل عندها الاستطاعة؟
أجاب سماحته: نعم حتي وان کان ذلک البذل غير متعارف عليه فانه يکون سبباً في حصول تلک المراة علي الاستطاعة ولکن ما اشرت في وجود الاشکال في هذه المسالة فان ذلک الاشکال يرد في مورد الخمس وليس مورده في هذه المسالة المذکورة.
فسأل ذلک الفاضل من سماحته: فاذا عکسنا تلک المسالة يعني قام الشخص المستطيع ببذل امواله واعطاها هدية الي شخص آخر فهل ترفع عنه الاستطاعة؟
قال سماحته: متي ما تحققت الاستطاعة فيجب عليه الحج ولا تسقط عنه، نعم اذا کان البذل قد حصل قبل الاستطاعة فلا اشکال في سقوط الحج عنه إلا اذا کان ذلک البذل من غير المتعارف عليه.
وسأل احد الفضلاء: يعتقد بعض الفقهاء باجتزاء ذکر التسبيحات الاربعة في الرکعة الثالثة والرابعة مرة واحدة، وحسب قول البعض فان ذکره ثلاثة مرات فيه احتياط. وسؤالي هو ما حکم من يقول في ذکره مرتين؟
فتفضل سماحته بالإجابة وقال: ان صاحب المکاسب وصاحب الجواهر قد تناولوا هذا البحث ولکن ماطرحه الحاج رضا الهمداني في هذا الخصوص هو في غاية الروعة والجمالية، وحسب الظاهر فلا اشکال فيه ولکن هناک عدد من الفقهاء ومن جملتهم والدي قدّس سرّه قد أشکلوا علي رأيه ذلک بشدة.
وقال سماحته: اذا ذکر المصلّي التسبيحات مرتين وهو جاهل بذلک فان صلاته صحيحة وغير باطلة باعتباره داخل ضمن حديث (لاتعاد)، واما بقية الفقهاء کالميرزا النائيني الذي لا يري بدخول الجاهل وشموله بحديث (لايعاد) فانه يحکم ببطلان صلاته.
وسأل أحد الفضلاء: اذا بذل الشخص مثلاً ماله الخاص بالحج الي شخص آخر بشرط قيام ذلک الشخص بإنجاز احد الاعمال، او بيعه فلان شيء، او يعطيه بعد مدة من الزمن مقداراً من المال فهل يعتبر ذلک قرضاً؟
أجاب سماحته دام ظله قائلاً: تدخل هذه المسألة ضمن دائرة المصالحة ولا اشکال فيها، نعم ليس واجباً عليه القبول ولکن اذا قبل فانه يکون مستطيعاً، کما انه لا يجب علي الانسان ان يطلب من احد الاشخاص ان يبذل اليه مال حجّه، فاذا طلب ذلک وقبل ذلک الشخص اعطاه المال ففي هذه الحالة يصبح الحجّ عليه واجباً.
وهنا أراد عدد من العلماء الضيوف لقاء سماحة المرجع الشيرازي، لکن نظراً للازدحام الشديد وقلة المکان همّوا بالخروج وقالوا: لا نزاحمکم. فقال لهم سماحته: هذا تفسح وليس ازدحاماً، فقام باجلاسهم الي جنبه بکل احترام وود.
ثم استطرد سماحته قائلاً: بعد وفاة المرحوم آية الله البروجردي رحمه الله ذهبت الي زيارة المرحوم سماحة السيد عبد الهادي الشيرازي، وخلال حضوري عنده جاءه احد الطلبة الافاضل وقال له: لقد توفي والدي وترک لي سهماً من البيت الذي کنا نسکن فيه، وبما انني طالب وغير متزوج وساکن في حجرة في احدي المدارس فلا حاجة لي بهذا البيت سوي انني أقضي بعض الليالي فيه فاذا بعت حصتي منه الي اخواني فهل يمکن الذهاب بذلک المبلغ الي الحج ام لا؟ وهل انني مستطيع في هذه الحالة؟
فقال له سماحة السيد عبد الهادي الشيرازي مجيباً علي سؤاله: ليس واجباً عليک الحج اذ ان نفس رواحک الي ذلک البيت في بعض الاحيان للنوم فيه والمبيت، ولقاؤک بوالدتک واخوانک واخواتک فهو بحد ذاته نوع من صلة الرحم.
فقال ذلک الطالب: ان هذه المسألة کونت لدي شبهة اذ من الممکن ان يکون ذلک الارث زائد علي الشأن العرفي؛ باعتباري طلبة ولدي مکان للسکن وبامکاني العيش به وقادر في أي وقت من زيارة والدتي واخواني والبقاء معهم ولکن ليس بعنوان شريک معهم وان لدي سهم في ذلک البيت؟
فردّ عليه السيد عبد الله الشيرازي قائلاً: مع ذلک فمن غير المعلوم تحقق الاستطاعة.
فقال له الطالب: من أجل رفع هذه الشبهة قمت باقتراض مبلغ من المال کي بعدها أبيع حصتي من البيت واُسدّد ديوني، وبما انني مديون في الوقت الحاضر فاني غير مستطيع، فهل هذا هو الحل المناسب؟
فقال له المرحوم الشيرازي: يمکن ان تبذل ذلک المال الي احد الاشخاص وهو بدوره يبذله اليک. فقال له الطالب: إني أبذله لک حيث لا يوجد شخص افضل منک، واني قد جئت بذلک المال لأبذله اليک الآن. فتبسّم السيد وسأل منه هل بذلت لي المال؟ فرد الطالب: نعم. فقال له السيد: قبلت ذلک. ثم قال للطالب: من باب المزاح لم تکن الهبة هذه من باب المعاوضة أو من باب هبة مشروطة؛ لذا فاني اتمکن من عدم ارجاعها إليک، وتکون داخلة في ملکي، بعد ذلک أرجعها السيد للطالب.
وسأل احد الفضلاء وقال: هناک عدد من الاخوة توفي والدهم، وکان والدهم يمتلک تذکرة الذهاب الي الحج، فاختار الأخوة أحدهم لينوب عن أبيهم، وبما ان ذلک الاخ يمتلک تلک التذکرة فهومن ناحية المال تحققت لديه الاستطاعة لانه لو اراد ان يشتري تلک التذکرة فکان عليه ان يدفع مبلغاً اضافياً وهو لا يملک ذلک، فهل يمکنه ان يؤدي مناسک الحج عنه ثم يأتي بالنيابة الميقاتية عن والده؟
فأجاب سماحته: إذا کان الشخص مستطيعاً فلا يحق له ان ينوب عن شخص واما اذا لم تحصل له الاستطاعة فان حالة الاستطاعة لن تتحقق بمجرد أخذ النيابة عن شخص آخر.
وسأل أحد الضيوف بقوله: هل يمکن الاستدلال من الرواية التالية: «من سمع رجلاً ينادي ياللمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم» علي وجوب انقاذ شخص في حالة الغرق؟
أجاب سماحته قائلاً: ان وجوب انقاذ الغريق داخلة في باب نجاة النفس، وان کلمة (ينادي) هنا لاخصوصية لها وهي طريق فقط، اضافة الي ذلک لن يشترط في عملية الانقاذ ان يکون ذلک الشخص مسلماً.
وطرح احد الفضلاء سؤالاً عن مهر المرأة وقال: اذا اتفق الزوج مع زوجته علي أن يکون مهرها تعليمها القرآن الکريم او سورة من السور القرآنية، وقبل ان يعلّمها توفي هو او توفّت زوجته، فما هو المقدار الذي يمکن ان يحسب مهراً لتلک الزوجة؟
أجاب سماحته: ان الملاک في ذلک هو قيمة تعليم القرآن او تلک السورة، وعادة مايکون ذلک هو مبلغ قليل للغاية، واذا تعذّر مهر المسمي فانه ينتقل الي مهر المثل، بشرط ان لا يکون مهر المثل اکثر من قيمة ذلک المهر، باعتبار ان المرأة رضت بالاقل ويجب الاکتفاء بذلک الاقل.
وأضاف سماحته: يوجد في کتاب التحرير للعلاّمة الکثير من الفروع الفقهية من هذا القبيل وهو کتاب جيد وقيم ولکن لم يذکر فيه الاستدلالات اللازمة ومن غرائب التحرير – وليس بغريب عن العلامة – افتائه بعدم وجوب قراءة سورة الفاتحة في الصلاة المستحبة، ويقول في ذلک ان حديث: (لاصلاة الا بفاتحة الکتاب) يشبه الحديث التالي: (لاصلاة لجار المسجد الا في المسجد).
وسأل آخر: اذا بقي الشخص طيلة السنة عشرة أيام في وطنه، وقضي منها خمسة أيام في مدينة أخري لعمل ما، فما حکم صلاته وصيامه في مدينته طوال الخمسة ايام الاخري الباقية؟
أجاب دام ظله: إذا کان يحسب من أصحاب المسکنين عرفاً، فان صلاته تامة من باب ان ذلک المکان هو وطنه، واما اذا أردنا ان نضعه في باب کثير السفر فان صلاته تکون قصراً، باعتبار قد بقي عشرة ايام في مدينته، والاقامة في مکان عشرة ايام قاطع لحکم کثير السفر.