LOGIN
الجلسات العلمية
alshirazi.org
"بين يدي المرجع"
الليلة الخامسة
رمز 21
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ 20 رمضان العظيم 1432 - 20 أغسطس 2011
في ليالي شهر رمضان المبارک يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين علي بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة.

 

وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلي ما يتفضل به سماحته من وصايا و توجيهات.

 

 

 

 

في جلسة هذه الليلة، وهي الليلة الخامسة من شهر رمضان المبارک 1432 للهجرة، تنوّعت المواضيع والمسائل التي باحثها وناقشها المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله مع العلماء والفضلاء. فکان من ذلک أنه:

سأل أحد الفضلاء من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: زوجان حديثا العهد بالزواج، کانا يجهلان بأن الجماع من المفطرات، فأمسکا في شهر رمضان عن کل المفطرات إلاّ الجماع، والجماع مفطر للصوم، فهل تجب عليهما الکفّارة؟

أجاب سماحته: لقد اختلف رأي الفقهاء في الکفّارة، وبالنسبة لهذين الزوجين فإنه إن کانا مقصّرين، فحسب القاعدة تجب عليهما الکفّارة، وأما إن کانا يجهلان (قاصران) بأن الجماع من المفطرات فلا تجب عليهما الکفّارة. ولکن بعض الفقهاء يقولون بوجوب الکفّارة ومنهم المرحوم والدي. علماً بأنه بالنسبة للموارد التي نشکّ فيها بخصوص التقصير والقصور، فإن مواردها تختلف بالنسبة إلي جريان الأصل، وفي کل الموارد تجري أصالة عدم التقصير أو أصالة عدم القصور.

وسأل أحد الفضلاء: هناک حديث عن النبي صلي الله عليه وآله قاله بحقّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وهو: «لحمک من لحمي ودمک من دمي»(1)، فهل المقصود من کلام النبي صلي الله عليه وآله هو الجانب المادي، أم المقصود نشأة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وتربيته علي يدي رسول الله صلي الله عليه وآله؟

أجاب سماحته وقال: المقصود کلاهما. وفي رواية شريفة اُخري يقول النبي الأعظم صلي الله عليه وآله للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «ياعليّ الناس من شجر شتي، وأنا وأنت من شجرة واحدة»(2) ومعني الجانب المادي من هذه الرواية هو أن النبي والإمام صلوات الله عليهما خُلقا من نور واحد، والنور هو المادة التي خُلقا صلوات الله عليهما وآلهما منها. فقد جاء في الروايات الشريفة أن النور الذي کان في صلب عبد المطلب انقسم إلي قسمين: قسم وضع في صلب أبي طالب والد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقسم في صلب عبد الله والد النبي صلي الله عليه وآله.

وسأل آخر: هل يستطيع المقتول وهو في آخر لحظات حياته أن يعفو عن قاتله، أم ان ذلک من حق الورثة؟

أجاب سماحته: بالدرجة الأولي يحقّ للمقتول أن يعفو، وبالدرجة الثانية وبعد موت المقتول يرجع حقّ ذلک للورثة.

عندها سأل أحد الحضور بقوله: ألا يعدّ ذلک (إسقاط ما لم يجب)؟ لأنه مادام المقتول لم يمت فلا ثبوت للقصاص کي يعفو عن قاتله، وعندما يرحل عن الدنيا فلا وجود له کي يعفو؟

قال سماحته في جوابه علي ذلک: هذا الحقّ يثبت للمقتول لأنه في حال الموت، وهذا هو المستفاد من الأدلة.

وهنا أشکل السائل وقال: ولکن الآية الکريمة تقول: «فقد جعلنا لوليه سلطاناً»(3)، وهذه الآية لها إطلاق؟

أجاب سماحته: هذا منصرف، لأنه في أغلب حوادث القتل يموت المقتول فلا تبقي له سلطة، وسبب الانصراف ليست کثرة الوجود، بل أحياناً کثرة الوجود تسبب انصرافاً مفهومياً. نعم کثرة الوجود ليست ملاکاً.

وقال السائل: هل سماحتکم تلزمون بعکس ذلک؟ مثل أن يقول المقتول قبل موته: اقتصوا من قاتلي، ولکن بعد موته يعفو الورثة عن القاتل؟

قال سماحته: نعم فلا إشکال في ذلک. لأنه إذا لم يقتص من القاتل ومات المقتول فهذا الحقّ ينتقل إلي الورثة، وهذا مثله أن يقول المقتول: اقتصوا من القاتل، لکنه تنازل عن هذا القول قبل تنفيذ القصاص. فمادام المقتول حيّاً فله حق ذلک.

وسأل أحد الفضلاء: يقول علماء علم الکلام بأن صفات الله تعالي هي عين ذاته، بينما نقرأ في خطبة للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه مايلي: «وکمال الإخلاص له نفي الصفات عنه»(4)، فکيف يمکن الجمع بين ذلک؟

أجاب سماحة المرجع الشيرازي بقوله: المقصود من (نفي الصفات) في کلام الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه هو نفي الصفات التي يتصف بها الإنسان. لأنه عندما نقول من باب المثال: زيد کريم، فصفة الکريم هي ليست من ذاتية زيد بل عارضة عليه، لکن يختلف الأمر عندما نقول بأن الله کريم. ثم إن الصفة في الإنسان تستلزم الاثنينية، أما الله تبارک وتعالي فهو منزّه عن ذلک.

واستمر السائل بسؤاله وقال: إذا قلنا بأن صفات الله تعالي هي عين ذاته، وإن قمنا ببيان معني العلم الإلهي أو القدرة الإلهية کما بيّنه أصحاب الکلام، ففي الواقع يعني أننا أدرَکنا الصفات الإلهية، ودرک الصفات الإلهية يعني درک الذات الإلهية، وهذا ما نهت عنه الروايات الشريفة؟

قال سماحته: کل ما يبيّن فهي معاني للألفاظ ولتقريب المعني وليست حقيقية ولا واقعية. نعم إن کان درک الذات الإلهية يعني درک المعني التقريبي الذي بإمکان ممکن الوجود أن يدرکه فلا إشکال فيه. فنحن نعلم أن الله تعالي واحد وليس اثنين، وأنه تعالي أحد ولا مثيل له.

وأضاف سماحته: لا شک أن ممکن الوجود وفي حدود إمکانه يتصوّر أشياء عن الله عزّ وجلّ وهي تصوّرات تخلقها أذهان ممکن الوجود، وترجع إلي ذهنه فيتصوّرها، وهذه التصوّرات ليست مبيّنة للحقيقة الإلهية.

يقول الإمام الباقر صلوات الله عليه: «کلما ميّزتموه بأوهامکم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلکم مردود إليکم»(5). ولا شک أن کل الممکنات لها تصوّرات عن الله تعالي، ففي إدامة الحديث الشريف يقول الإمام الباقر صلوات الله عليه: «ولعل النمل الصغار يتوهم ان لله تعالي زبانيتين»(6).

وسأل أحد الحاضرين وقال: إحدي المسائل الکلامية المختلف فيها مسألة إرجاع الصفات الثبوتية إلي الصفات السلبية، أوبالعکس، وقد جاء في الرواية الشريفة التالية عن صفات الله تعالي: «علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه»(7)، فما هو رأي سماحتکم؟

أجاب سماحته: لا داعي من الإرجاع، ومع انه يجب الإرجاع بدقة، لکن المقصود من الرواية هو: نحن البشر نعلم ولکن علمنا محدود. فعلي سبيل المثال: نحن نعلم بأن هذا المصباح مصباح وهو الآن مضيئاً، والله تعالي يعلم بذلک أيضاً، ولکن نحن البشر لا نعلم أکثر من ذلک، وعلمنا يجهل الکثير من الأشياء، لکن الله سبحانه يعلم بکل شيء، وعلمه سابق لوجود الأشياء، في حين إننا لا نعلم بالشيء إلاّ بعد وجوده. فنحن نعلم ولکن لن نتمکن أن نعلم ماهو علم الله تعالي، وعندما نقول بأن الله تعالي حيّ نعلم بأنه حيّ ولکن لا نعلم حقيقة الحياة الإلهية. فعندما نقول بأن الله تعالي عالم فذلک يعني لنا ونفهم منه أنه ليس لله تعالي معني للجهل. وعندما نقول بأن الله تعالي قادر فهذا نفهم منه أنه لا عجز فيه.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) مائة منقبة: المنقبة الثامنة عشر/ ص40.

2) شواهد التنزيل: من سورة الرعد/ ص375.

3) سورة الأسراء: الآية 33.

4) نهج البلاغة: باب الخطب/ خ1 يذکر سلام الله عليه فيها ابتداء خلق السماء والأرض و.../ ص39.

5) بحار الأنوار: ج66/ باب 37 صفات خيار العباد وأولياء الله.../ ص292.

6) المصدر نفسه.

7) التوحيد للصدوق: باب 10 العلم/ ص137/ ح11.