في ليالي شهر رمضان المبارک يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين علي بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة.
وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلي ما يتفضل به سماحته من وصايا و توجيهات.
سأل احد الفضلاء الضيوف: اذا اراد احد الاشخاص ان يغسل يده اليسري مرة ثانية للاطمئان اکثر، وبعد ان غسلها المرة الاولي حصل له الاطمئنان الکامل بان الماء وصل إلي جميع اجزاء اليد، بالطبع فان النية الثانية التي أتي بها لم تکن من باب الاستحباب او المرة الثانية، وانما من باب زيادة يقينية، فهل في هذا اشکال؟
أجاب سماحته: يبدو انه لا اشکال فيها باعتبار ان واحدة من الامور المستحبة غسل اعضاء الوضوء وکذلک الاتيان بالاستظهار في الغسل (وتخليل مايصل إليه الماء استظهاراً) وان الاستظهار في الحکم معناه الغسل الاول، واما النهي عن الغسل التالي وامثاله او ان يکون الماء من الغسل البعدي فهي امور غير موجودة عرفاً.
وعقب احد الفضلاء قائلاً: ان الاطمئنان حجة وان العمل خلاف الاطمئنان لا يعني العمل خلاف الاحتياط؟
قال سماحته: ان الاستظهار هو الاطمئنان الاکثر ولا اشکال فيه بشرط عدم وصوله إلي مرحلة الوسواس، ومن الممکن ان يکون فيه اشکال فلسفي دقيق ولکن من الناحية العرفية فلا اشکال فيه.
وطرح احد الفضلاء سؤالاً قال فيه: هل يمکن الاتيان في الصلاة المستحبة وبدون عذر بسجدتين متتاليتن احدهما بعد الاخري ومن غير الاتيان بالجلسة والجلوس؟
قال سماحته: ان وضع الجبهة رکن في حالة السجدة، واما بقية الامور والتي من جملتها الجلوس بين السجدة فهي ليست من مقوم ومفهوم السجدة، نعم هي من واجباتها، بالطبع يجب هنا الاشارة إلي نقطة مهمة وهي:
ان الاصل العام يقول کلما کان في فريضة الصلاة واجباً يکون في الصلاة المستحبة شرطاً، ولکن ليس له الوجوب التکليفي ومعني ذلک هو وجوب ان تکون الصلاة المستحبة في جميع اجزائها وشروطها مثل الصلاة الواجبة.
وأضاف سماحته: ان المرحوم الحاج رضا الهمداني رحمه الله ذکر ذلک في اواخر مبحث الصلوات المستحبة بشکل تفصيلي واکثر من صاحب الجواهر، وبيّن تلک المسألة بشکل عرفي، حيث ذکر في البداية مسألة الحج وان الشارع قد ذکر اجزاءه وشروطه والموانع وقواطعه ثم قال بعد ذلک من المستحب ان يذهب الانسان إلي (حجة الاسلام) والذهاب مرة اخري إلي الحج، ويکون هذا الحج الاستحبابي في جميع اجزائه وشروطه وموانعه وقواطعه مثل الحج الواجب.
ان الصلاة المستحبة مثلها مثل الصلاة الواجبة في جميع الامور، الا تلک الامور التي استثناها الشارع، من قبيل الجلوس في الصلاة الاستحبابية حيث يجوز اختياراً، واما اذا شککنا هل ان هذا المطلب جائز ام لا في الصلاة المستحبة، فاذا کان غير جائز في الصلاة الواجبة فيصبح هذا شرط في الصلاة المستحبة ويکون ايضاً غير جائز فيها، وليس بعنوان حکم تکليفي لان المستحب من کل عبادة هو مثل واجبه الا ان ياتي شيء من الشارع المقدس فيغيره، علي سبيل المثال: حسب الفتوي التي اصدرها الشيخ عبد الکريم الحائري وعدد من الفقهاء يجوز اداء الصلاة المستحبة اختياراً في حالة النوم ومن الواضح فان الشارع المقدس قد رخص في الصلاة هذه عدم رعاية اتجاه القبلة اختياراً، ولکن لا يمکن بدون الاتيان بالوضوء وقراءة سورة الحمد القيام بها، والفرق في ذلک هو ان هناک دليل خاص علي التسامح في القبلة، بينما الشيء الذي لم يکن فيه دليل بالخصوص فان قاعدته تکون مثل الواجب، لذلک فان الجلسة بين السجدتين ووضع الاعضاء السبعة علي الارض عند السجدة في صلاة الفريضة واجب وتکون قاعدة ذلک هو انه يکون شرطاً في صلاة النافلة والمستحبة، نعم انه الاستنباط من التوسعة العديدة التي اعطيت في صلاة النافلة وايضاً في الصلاة المستحبة، وهکذا امور لا اشکال فيها، نعم اذا شک احد الاشخاص فيما نحن فيه فحسب القاعدة نقول ان الصلاة المستحبة تکون مثل الصلاة الواجبة.
وسأل احد الفضلاء: لقد جاء في الروايات: (لاصلاة لمن لم يقم صلبه في رکوعه وسجوده)، فهل ان (قيام الصلب) الوارد في الرواية يشمل التشهد والتسليم ايضاً حيث لا يمکن الجلوس منحنياً ام ماذا؟
أجاب سماحته قائلاً: ان هذا الرواية تشمل الرکوع والسجود فقط واما اذا کانت مطلقة فحينئذ تنصرف إلي القيام، ومعني هذا عدم الاعوجاج والاستقامة في القيام، وان الصلب هنا معناه الظهر.
وسأل آخر عن الرواية التي تقول: (ان الاسلام يجبّ ما قبله) فهل فيها اطلاق، اوانصراف، او ان القدر المتيقن هو الملاک ها هنا؟
أجاب سماحة المرجع الشيرازي: لها اطلاق الا ما خرج بدليل، واما القدر المتيقن فانه يأتي في محل حيث يکون هناک شک في نفس الاطلاق.
وسأل آخر: هل من اللازم والضروري ان ياتي تخصص اکثر؟
أجاب سماحته: اذا جاء تخصص اکثر فهو مستهجن، واما موارد التخصيص المسلمة بها قطعاً، فانها لا تکون مسلتزمة للتخصيص اکثر من ذلک. وللمرحوم السيد الحکيم رسالة مختصرة وجامعة حول هذه الرواية الشريفة في المستمسک وفي آخر بحث النکاح بعد اتمام العروة.
وسأل احد الفضلاء: عادة ما تقام صلاة القضاء في ليالي شهر رمضان جماعة، فاذا لم يکن الشخص يعلم ان الاشخاص الذين بينه وبين امام الجماعة يصلون صلاة القضاء الاحتياطي او صلاة القضاء الحقيقي، فکيف يمکن له تصحيح صلاته؟ باعتبار ان الکثير من هؤلاء المصلين ليس في ذمتهم صلاة القضاء وانما ياتون بها من باب الاحتياط؟
أجاب سماحته دام ظله: اذا کان من باب الاحتمال العقلائي ففيها اشکال، الا ان تصحح بواسطة اصل الصحة.
وسأل احد الفضلاء سؤالاً قال فيه: اذا شککنا ان المصلي کان علي وضوء او لا، فانه تجري هنا اصالة الصحة، واما ما نحن فيه فان صلاة الاحتياط فانها صحيحة يقيناً وان الاشکال الوارد هنا هو لا يمکن ان يکون هذا المصلي واسطة بين الجماعة في صلاة الجماعة، فما مدي صحة ذلک؟
أجاب سماحته موضحاً: في هذه الحالة ياتي المصلي بالصلاة بنية الرجاء وتکون صلاته صحيحة علي فرض بطلان صلاة الجماعة، کذلک فان معظم الناس ليس لديهم تلک الدقة العقلية لذا فان صلاتهم صحيحة، واما الشخص العالم والذي لديه تلک الدقة المتناهية فيجب عليه ان ياتي في ذلک الفرض المذکور بالصلاة بنية الرجاء.
ثم اضاف سماحته قائلاً: کما يبدو فان (اصالة الصحة) هي امر موسع، فعلي سبيل المثال: اذا احتمل في صلاة الجماعة ان احد الاشخاص الذين هم واسطة بينه وبين المصلين يصلي صلاة الاحتياط، وفي الواقع فان هذه الصلاة لم تکن بذمته، فتجري في هذه الحالة (اصالة الصحة) وتکون هذه الاصالة هي اعم من المورد الذي اذا طبقت فيه حدثت المعصية ام لم تحدث، ومثال ذلک هو: انک تري تشييع جنازة احد الاشخاص ولا تعلم هل انه تم الصلاة عليها ام لا، او هل تم تغسيلها او لا؟ فان اصالة الصحة تشمل هذه الموارد وليس من الواجب الکفائي عليک الذهاب والسؤال عن ذلک، وينطبق هذا الامر حتي في الشک في اصل الصلاة بانه هل صلّوا عليها ام لا، ويکون مثله مثل ذلک ذلک القروي، حيث من الممکن ان يکون غير عالماً بهذه المسائل.
واما المثال الثاني الذي يمکن ان يصدق علي ذلک هو النکاح، فهل ياتري ان هذا الشخص القروي قد قرأ عقد النکاح ام لا؟ حيث انه من الممکن ان لا تقرأ عقود النکاح في هذه المناطق.
ونأتي بمثال ثالث: احد الاشخاص يشتري إناء من الحليب او اللبن من احد افراد البادية والذين عادة ما ياتون إلي المدينة لبيع منتوجاتهم من الألبان فيها، فيقول الشاري: ان الشخص الذي کنت اشتري منه کان اکثر منک نظافة؟ فرد البائع قائلاً: ان ذلک الشخص کان لديه کلباً يلسع الصحون والاواني، واما نحن فليس لدينا کلب لذا فان اوانينا وسخة، ولاجل ذلک الاحتمال فان صاحب العروة يذکر هذه المسألة ويقول: (مايوخذ من أيدي اهالي البوادي والقري محکوم بالطهارة وان ظن بنجاسته)، ففي ذلک المورد تجري اصالة الصحة.
وسأل احد الفضلاء قائلاً: اذا شککنا في الاتيان بعمل ما، فکيف يمکن ان تجري فيه اصالة الصحة؟ فعلي سبيل المثال: لم نکن نعلم هل تم الاتيان بصلاة الميت ام لا، لا اننا نشک في صحتها او بطلانها؟
أجاب سماحته قائلاً: لقد قال النبي الأکرم صلي الله عليه وآله: (ضع امر اخيک علي احسنه) وذلک في زمن کان اکثر الناس فيه لا يعلمون بتلک المسائل.
وسأل احد الفضلاء: هل يوجد اطلاق في اصالة الصحة ام لا؟
أجاب سماحة المرجع الشيرازي: حسب احد الاقوال انه يوجد في الادلة اللفظية إشکال سواء من ناحية السند او اشکال من ناحية الدلالة، ثم ان هذا الدليل يحسب علي انه من الادلة اللبية، فاذا کان ذلک فيجب في هذه الحالة الرجوع إلي السيرة والاطلاع علي مقدار العمل بها.
وسأل احد الفضلاء: شخص قرآته صحيحة بالکامل، هل يمکن له الاقتداء باحد الاشخاص الذين تکون قرأته وتلفظه غير دقيقة؟
اجاب سماحته: اذا کان الشخص الذي تم الاقتداء به يبدّل الحرف إلي حرف آخر والسبب يعود في عدم استطاعته ومقدرته علي العربية او بسبب لغته الفارسية، فمثلاً يبدل الشخص العربي العين همزة، او الشخص الفارسي الذي يلفظ الضاد (زاي) فهکذا شخص لا يمکن الاقتداء به والصلاة خلفه، واما اذا کان هذا الشخص لا يعلم ان قرأته صحيحة ام لا؟ يمکن الاقتداء به والصلاة خلفه، والاکثر من ذلک ما نقله صاحب الجواهر حين قال: اذا کان شخصان احدهما يختلف عن الآخر في القبلة، فيمکن اقتداء احدهما بالآخر.
لذلک فان مسألة مخارج الحروف من الحلق هو امر تکويني حيث يختلف ادائها، ومثلها مثل بقية الامور التکوينية الاخري، کما هو الحال في اللون الابيض فان له مراتب وانواع متعددة، ولکن جميع مراتبه بيضاء، وان حرف الضاد له مراتب کثيرة ويمکن ان تصل إلي عشرين مرتبة فهناک ضاد غليظة جداً ومن ثم تبدا تلک الغلظة لتصبح اقل، الواحدة بعد الاخر« حتي تصل إلي حالة التغير کلياً، ويمکن الاقتداء بالشخص إلي الوقت الذي لم يمحو صورة الضاد وتکون قراءته للحروف الاخري صحيحة، واما اذا لم يعلم انه لم يسمع قراءته فهنا تجري اصالة الصحة.
وسأل احد الفضلاء: ان الرواية التي تفضلتم بنقلها وهي: (ضع امر اخيک علي احسنه) تدل علي وجود امر ما، وحمله علي الصحة، وليس عدم وجوده وحمله علي الصحة؟
أجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله قائلاً: لقد جاء في حاشية الملا عبد الله: (ان الامر اوسع الاشياء) وان اوسع الاجناس هو الشيء، والذي اوسع من الشيء هو: (الامر)، فمثلاً يقال: ان امر فلان مريب حيث يمکن ان يکون الامر المريب الصادر منه هو نيته او من الممکن سکوته او من الممکن ان يکون المقصود من الامر هو ترک العمل الصادر منه، واما المقصود من الامر هنا فانه لا يمکن ان يکون في حال من الاحوال في مقابل النهي.
وفي نهاية هذه الجلسة المبارکة قام احد العلماء القادمين من مدينة النجف الأشرف وأحد علماء مدينة قم المقدسة ممن لهما قريحة في الشعر بإلقاء أبيات شعرية، إليکم بعضها:
مرجعنا السيد الصادق *** هذا الذي في فضله فائق
تري الجماهير باصنافها *** تقصده من کل شاهق
وکيف لا وهو سليل النبي *** محمد سدده الخالق