في ليالي شهر رمضان المبارک يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين علي بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة.
وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلي ما يتفضل به سماحته من وصايا و توجيهات.
في هذه الليلة، وهي الليلة العاشرة من شهر رمضان المبارک 1432 للهجرة، تبادل العلماء والفضلاء مع المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله وجهات النظر في بعض المسائل والمباحث الفقهية، إليکم جانباً منها:
سأل احد الفضلاء قائلاً: اذا تذکر الجاهل او الناسي وعلم قبل الزوال بحلول شهر رمضان، او المريض الذي امسک وتحسنت حالته الصحية قبل الظهر، او المسافر وصل الي وطنه ولم يفطر، فما هو حکم صيامهم؟
أجاب سماحته: لقد صرح الفقهاء ومن ضمنهم الحاج رضا الهمداني بقوله: ان وقت الصيام هو من الفجر وحتي الغروب وان أي مقدار کان من هذا الوقت – حتي ان کان ذلک الوقت بمقدار قليل – من دون الاتيان بالنية، فان الصوم باطل، ومثل ذلک مثل الصلاة حيث انها (مفتاحها التکبير وختامها التسليم) فاذا اتي المکلف بجزء يسير من الصلاة من دون النية، فان الاصل الاول هو بطلانها الا في الموارد التي تم استثنائها من قبل الشارع المقدس، ففي الصلاة والصوم فان الشارع قد استثني بعض الموارد، منها: المسافر الذي لم يتناول الطعام والشراب ووصل الي وطنه او الي المدينة التي يريد الاقامة فيها، واما في الموارد التي لم يسمح بها الشارع فلا يمکن الحکم بصحة الصوم، الا ان يستنبط الفقيه مناطاً وحکماً من الروايات الواردة بذلک ففي هذه الصورة فان ذلک الاستنباط او الحکم يکون بعهدته.
وسأل آخر: اذا عقد احد الاشخاص نية شهر رمضان وذلک في عصر آخر يوم من ايام شهر شعبان المعظم ونام واستيقظ عند اذان الصبح، فهل في صيامه اشکال ام لا؟ باعتبار انه عقد نية الصيام في الوقت الذي لم يتعين تکليف الموضوع والحکم؟
قال سماحته: يکفي في صحة الصوم مجرد العزم والارادة للقيام والاتيان بالصوم، وان النوم لايقطع النية عرفاً، وحسب قول العلاّمة فان (استدامتها حکماً) ومعني هذا انه لا ينوي غيرها، وفي هذا الخصوص فان الکثير من الفقهاء القدماء لم يتعرّضوا اصلاً ولم يذکروا مسألة النية، لان الانسان عادة لايستطيع القيام بالعمل الذي يريده من دون عقد للنية (لا يخلو عنها) خصوصاً، واما حسب اراء اغلب الفقهاء المعاصرين ان النية هي الداعي، ويعني ذلک (مايدعوه الي هذا العمل) حيث تکون السسب والباعث للانسان للقيام بعمل ما، والاکثر من ذلک اذا لم ينوي المکلف ان يوم غداً هو اول ايام شهر رمضان المبارک وصام بنية اخر مثل صيام يوم من شهر شعبان وتبين هذا اليوم ومن باب الخطأ في التطبيق انه اول يوم من ايام شهر رمضان، وهذا معناه عقد نية الصوم في زمان يمکن فيه الاتيان بالنية، وانه لايستطيع التعبير عنها فقط، ولذا وحسب ظاهر الحال فانه قد عقد النية وان ظاهر الحال کان هو آخر شعبان، وفي الحقيقة والواقع فان النية التي في داخله – في حالة العلم بالواقع – هي صيام شهر رمضان.
وسأل احد الفضلاء: اذا افطر احد الاشخاص علي حرام وکان الحرام الذي ارتکبه لاحد له. علي سبيل المثال: انه افطر علي اکل لحم الخنزير، فهل يکون الحد عليه مضاعفاً ام انه يعزر بحدين؟
أجاب سماحته بقوله: ان الحدود لاتداخل فيها، ولکن التعزير حکمها متداخل ويرتبط بالحاکم الشرعي.
بعد ذلک طرح احد الفضلاء سؤالاً قال فيه: اذا عثر احد الاشخاص علي مقدار من المال فهل يستطيع ان يمتلکه بعنوان صدقة ويعطيه الي من هم مستحقّي النفقة من اهله الذين يعتبرون من الطبقة الفقيرة وذلک بعد الاعلان عنه سنة کاملة، ثم اعتبره مال لقطة؟
قال سماحته: يبدو ان اللقطة والأموال المجهولة المالک لهما نفس الحکم من ناحية الادلة الشرعية، وانها تصل الي يد الحاکم الشرعي، ولاشک فان التصدق باذن الحاکم الشرع الي هؤلاء لا اشکال فيه ان کانوا من الفقراء، باعتبار يصدق عليهم عنوان (يتصدق) الا اذا وجد دليل علي عدم جواز الصدقة الذي ينفي ذلک، والظاهر فيما نحن فيه لا يوجد دليل للنفي وهذا في الوقت الذي نقول ان الدليل يشمل الصدقة عليه وعلي من هم مستحقّي النفقة عليه، ولکن اذا شککنا في سعة وضيق الجعل في خصوص المتصدق عليه من قبيل اعطاء احد الاشخاص اموالاً علي ان يوزعها علي العلماء وهو من العلماء ففي هذا الخصوص يقول اکثر الفقهاء: ليس له الحق في اخذ سهم له من تلک الاموال الا اذا کان هناک انصراف خارجي بخلاف ذلک.
وسأل احد الفضلاء عن رواية الخمس التي تقول: «من احللناه من شيعتنا» فهل يوجد إشکال في صحة سند هذه الرواية؟
أجاب سماحته: لقد عمل العلماء بهذه الرواية، لذا فان لها حجية عقلائية وعرفية، باعتبار انه اذا قام عدد من اهل الخبرة ومن الثقاة في ابداء رايهم في خصوص المجال الذي هم فيه، فان العمل بها منجزاً ومعذراً لدي العقلاء، وفي حالة عدم العمل بها والرجوع الي الاصل العملي فان العلماء لا يرونه معذوراً عقلاً، وما يؤيد هذا الموضوع: عمل العلماء الاعلام بذلک منذ زمن الشيخ الطوسي رحمه الله والي زماننا الحاضر فان اکثرهم ومن خلال عملهم قد قبلوا هذا المطلب حتي ان بعض العلماء امثال الميرزا النائيني رحمه الله والذي کان يشکل مفصلاً في الاصول علي مسالة جبر السند فنراه يصدر فتواه في الفقه احياناً في موارد وذلک حسب علة الجبر السندي الناشئ من عمل بعض العلماء مع انه لم يقبل الرواية نظراً للاشکالية الموجودة في سندها.
وضرب سماحته مثالاً لتقريب المعني وقال: اذا شک احد الاطباء في مسألة طبية مثل هل ان هذه العلامات هي للمرض الفلاني ام لمرض آخر، ويجزم ان الاطباء من اهل الخبرة والثقاة يعتقدون بان العلامات الموجودة هي للمرض الفلاني، فاذا قام بتجويز الدواء اللازم وحسب قولهم فانه معذور عند العقلاء، واما اذا عمل بخلاف رأيهم واصيب المريض بأمراض اخري جراء ذلک الدواء، فان الاطباء يرونه غير معذوراً من الجانب العقلي، وعلي هذا الاساس اذا شک احد الفقهاء في احدي المسائل الفقهية ولم يعمل حسب نظر الفقهاء الذين سبقوه فمن غير المعلوم انه يکون معذوراً،ودليل هذا الامر ودليل حجية الظواهر ومن امثال ذلک هو: سيرة العقلاء لان (طرق الاطاعة والمعصية عقلائية) الا اذا قام الشارع المقدس بتضيقها وتوسعتها من قبيل التضيق في القياس، ومع ان العقلاء يعتبرون القياس من الامور المعتبرة ولکن الشارع المقدس يرفض القياس في الدين رفضاً شديداً ولم يجعله حجة، واما المثال الذي يمکن ان يصدق في التوسعة فهو يجري في باب العدل وحسب ذلک فانه ليس کل عادل ثقة کما قال البعض بالوجود الخارجي لهکذا امر، واما نحن فنقول ان الشارع المقدس يري ان الخبر المطلق العدل اعم من ثقة الحجة حيث ان الشارع في هذا المقام قد وسع في الموضوع، نعم لا يجب هنا ان يخالف الرأي الوارد عن الامام المعصوم عليه السلام لذلک فان هناک الکثير من الظهورات الموجودة عندنا لم تکن موجودة في زمان الامام المعصوم عليه السلام، ولکن نراها جائزة مثل (وقف المالية) ومعني ذلک ان في الامور الوقفية هناک اشياء مثل البستان او احد الاماکن يمکن جعلها وقفاً للامور الخيرية، واما اذا تم وقف ثمن وقيمة تلک الاماکن بصورة حيث يکون لمتولي الوقف الحق في تبديل تلک الاشياء والاماکن الي اشياء واماکن اخري حينئذ تنصب ضمن هذا الوقف وتکون غير خارجة عنه.
وسأل احد الفضلاء: مريض لا يستطيع اداء فريضة الصوم لمرض ما فيجب عليه في هذه الحالة دفع الفدية، فهل يتمکن من دفع فديته الي زوجته واطفاله؟
اجاب سماحته قائلاً: لا يحق للانسان الانفاق في الموارد التي تجب عليه النفقة الواجبة بالنسبة الي زوجته واطفاله، فمثلاً لا يمکنه الانفاق من الموارد التي تجب عليه النفقة الواجبة من قبيل المأکل والسکن لزوجة، واما في المقدار الذي يکون اکثر من الواجب عليه، فيمکنه نفقته حين تشخيص ومعرفة ذلک المقدار الاضافي.
وسأل آخر: جاء في القرآن الکريم: «وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ماکتبناه عليهم الا ابتغاء رضوان الله» وذکروا انها نزلت بخصوص المسيح، فهل ان الرهبانية متعلقة الجعل، والدليل علي ذلک هو الاسثناء الوارد في الآية؟
أجاب سماحته: ان الواو الموجودة في هذه الرواية وحسب الظاهر هي واو الاستناف، والا فانها توجب التناقض، وان الاستثناء هنا هو استثناء منقطع.