في ليالي شهر رمضان المبارک يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين علي بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة.
وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلي ما يتفضل به سماحته من وصايا و توجيهات.
بعد أن رحّب سماحة المرجع الديني آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي دام ظله بالعلماء والفضلاء الضيوف الذين وفدوا علي بيت سماحته في هذه الليلة، وهي الليلة التاسعة من شهر رمضان المبارک 14320 للهجرة، تبادل سماحته مع الفضلاء الحضور الآراء ووجهات النظر حول مسائل ومباحث فقهية عديدة، إليکم بعضها:
سأل أحد الفضلاء وقال:
اذا کانت زيارة الامام الحسين عليه السلام تؤدي الي عدم صوم المکلّف وإفطاره بعض ايام شهر رمضان المبارک، فأيّهما له الارجحية الصوم ام الزيارة؟
أجاب سماحته: لاشک ان زيارة الامام الحسين عليه السلام لها الاولوية والارجحية، باعتبار ان القرآن الکريم قد صرّح: «فمن کان منکم مريضاً أو علي سفر فعدّة من ايام اُخر» حيث ان الشخص المريض او المسافر يقدر علي قضاء مافاته فيما بعد، ويعني ذلک ان للصوم بديل، واما زيارة الامام الحسين عليه السلام فلابديل لها.
فعقّب أحد الفضلاء قائلاً: هناک رواية شريفة عن الإمام المعصوم عليه السلام جاءت بهذا المضمون وهو أنه سئل من الإمام عن مثل ذلک، فقال عليه السلام: يبقي ويذهب بعد عيد الفطر؟
فأجاب سماحته: ان الروايات العديدة الواردة في فضيلة زيارة الامام الحسين عليه السلام لم ترد علي نحو القضية الحقيقية والدائمية، وانما جاءت علي نحو القضية الخارجية.
وفي هذا النطاق قال احد الفضلاء: إن العلامة المجلسي رحمه الله بعد ان ذکر الاجر والثواب الوارد في زيارة الامام الحسين عليه السلام في ليالي القدر، وروايات اهل البيت عليهم السلام وحثّهم علي الزيارة، حمل هذه الرواية علي التقية. وقال صاحب الحدائق: ان الشارع المقدس قد استثني الصوم في شهر رمضان من بعض الامور من قبيل توديع ومشايعة المؤمن حتي وان کان ذلک يستلزم الخروج من المدينة بمقدار المسافة الشرعية. وقال صاحب الحدائق أيضاً: ان عدم استثناء زيارة الامام الحسين عليه السلام من ذلک محمول علي التقية.
بعد ذلک أعرب سماحة المرجع الشيرازي عن تأييده لما اورده صاحب الحدائق واوضح نقطة في غاية الاهمية حيث قال: لعل اهم استثناء فقهي في زيارة الامام الحسين عليه السلام هو: انه في الوقت الذي تکون هذه زيارة غير واجبة حسب رأي المشهور من العلماء ومن الامور المستحبة ولکن نري ان اهل البيت عليهم السلام يحثون الناس عليها رغم وجود الأخطار في طريق الزيارة کالموت مثلاً أو القتل.
وسأل أحد الفضلاء: ان الامام المعصوم عليه السلام قد استدل في الرواية المذکورة علي ذلک عبر الآية الکريمة التالية: «فمن شهد منکم الشهر فليصمه»، فهل ان الزيارة، ومع وجود هذا التعليل والاستدلال، لها الاولوية؟
قال سماحته: ان الامام المعصوم عليه السلام اراد ومن خلال الاستدلال والتعليل الذي اورده من الآية الکريمة ان يعلم السائل انه اذا سأل هذا السؤال في زمن التقية فکيف يمکن له ان يقنع الطرف الآخر ويوضّح له هذا الامر.
وتابع سماحته الحديث عن فضيلة الاقامة في مدينة کربلاء المقدسة في شهر رمضان، فقال: ان استحباب زيارة الامام الحسين عليه السلام في شهر رمضان مطلقة وتشمل جميع لياليه. ومن الواضح فان حمل الرواية علي التقية يحتاج الي قرينة، ولعل القرينة المهمة التي جعلت بعض الفضلاء، کالعلامة المجلسي رحمه الله الذي يعتبر استاذاً من کبار أساتذة علم الحديث والخوص في بحار روايات اهل البيت عليهم السلام، ان يحمل تلک الرواية علي التقية وأن يجعل الآخرين يقتدون به هو سيل الروايات الواردة في فضيلة زيارة الامام الحسين عليه السلام التي لم ترد حتي في زيارة أئمة البقيع عليهم السلام او رسول الله صلي الله عليه وآله، وهذه الروايات العديدة التي جاءت في فضل الزيارة فانها قرينة ودليل قاطع ومحکم علي انه في حالة وجود التزاحم بين الصوم وحفظ النفس والزيارة، فان الزيارة تکون مقدَّمة عليهما وتکون أهميتها محرزة، ومثل هذا الموضوع لا مثيل له في الفقه الشيعي کله.
ثم سأل احد الفضلاء وقال: مع وجود الروايات التي جاءت في جواز الإتيان بالعمرة المفردة في شهر رمضان المبارک التي من شأنها ايجاد حالة من التزاحم مع فريضة الصوم، من هذا الباب هل نستطيع ان نقول وبطريق اولي بان زيارة الامام الحسين عليه السلام لها نفس هذا الحکم أيضاً، أم أنه لعدم معرفتنا بملاکات الأحکام لا نستطيع ان نستدل بذلک؟
أجاب سماحته: نعم يمکن عن هذا الطريق الاستدلال، حيث اذا تم الاستفادة من الادلة في ملاک الاحکام في ان الزيارة افضل من العمرة، والذهاب الي العمرة افضل من الاقامة والاتيان بفريضة الصوم، اذن فان الذهاب الي الزيارة افضل من البقاء والصوم، ولهذا السبب فلها الاولوية ولا اشکال في ذلک.
بعد ذلک طرح احد الفضلاء مسألة رجالية وقال: ماهو راي سماحتکم بـ(المفضل بن عمرو) حيث ان بعض علماء الرجال قد ضعّفوه، في الوقت الذي انحصرت بعض الاحکام عن طريقه فقط؟
أجاب سماحته: يبدو ان هذا الشخص من الثقاة ، وقد ذکرنا الاستدلال الذي يثبت ذلک في بعض البحوث التي تطرقنا لها.
وسأل احد الفضلاء قائلاً: هل ان الکفّارة وردّ المظالم لهما حکم الصدقة من جانب موارد صرفها؟
قال سماحته: ان مورد صرف الکفّارة هو نفس مورد صرف الصدقة، واما رد المظالم فانه وکما يبدو ملحق بسهم الامام عليه السلام باعتبار الرواية الواردة التي تقول: «والله ليس له مالک غيري»، لذا فان ردّ المظالم تصل الي المجتهد الجامع للشرائط ويصرفها بإجازته علي الفقير حتي ان کان من السادة، وکذلک فانه لا اشکال في اعطاء السادة الکفّارة، ويکون هذا الامر خلاف الاحتياط الاستحبابي فقط.
نعم ان الشيء الوحيد الذي لا يمکن اعطاه من غير السادة الي السادة هو زکاة المال وزکاة الفطرة.
وسأل أحد الفضلاء: اذا لم تنعقد نيّة القربة في الکفّارة فهل تکون مجزية ام لا؟
وقبل أن يجيب علي هذا السؤال تساءل سماحته وقال: ماذا تقول في باب الخمس والزکاة ؟ اذا الشخص زکاته وخمسه لأجل أن يرائي بهما، فهل في هذا اشکال ام لا؟
فکما يبدو ان الاشکال يأتي من جانب الحکم التکليفي وليس من جانب الحکم الوضعي، يعني ان الخمس والزکاة الذي دفعهما قد سجّلا له، ولکن کان من الواجب عليه الاتيان بنية القربة، وبما انه لم يات بها فانه قد ارتکب محرماً ولا يعتبر ما دفعه من الزکاة والخمس باطلاً.
واضاف سماحته: نقلوا ان احد الاشخاص جاء الي مرجعه واعطاه مفتاح صندوق أمواله وقال له: هذا مفتاح الصندوق وقد وضعت فيه کل اموالي التي حصلت عليها طوال حياتي فارجو منکم ان تبعث عدد من الاشخاص الي محل عملي وقل لهم يربطوا يدي ورجلي ويأخذوا خمس أموالي، وقل لهم أن لايکترثوا ولا يبالوا لما سأقوله، لانني لا استطيع اعطاء أموال الخمس بيدي! فلا شک ان مثل هذا الشخص في تلک اللحظة لا ينوي يقيناً القربة في دفع خمسه ولکن لا يمکن القول انه لم يعطه وانه لا يقبل منه؟ نعم من الواجب عليه ان يعقد نية القربة وليس وضعاً، وهذا الحکم ساري وجاري کذلک في جميع الکفارات.
ثم سال احد الفضلاء قائلاً: لقد جاءت بعض الادلة في باب الغناء مطلقة، فهل يمکن ان نقول ان السماع والاستماع کلاهما حرام؟ يعني اذا رکب المؤمن سيارة اجرة وکان السائق يستمع إلي اغنية، فهل علي ذلک المؤمن ان يشغل نفسه وأن لا يرکز سماعه؟ ام ان الاصغاء اليها والتفاعل معها حرام؟
أجاب سماحته: ان بعض الروايات الواردة في هذا الخصوص تدل علي الاطلاق ولکن من غير المعلوم ان تشمل الحرمة السماع والاستماع، ولعل القدر المتيقن منها هو الاستماع، ومن هذا الباب فان النزول من السيارة غير واجب في حالة عدم الاستماع الا ان ينطبق عليه عنوان آخر من قبيل ان رکوب احد العلماء تلک السيارة بمثابة تأيداً لذلک الحرام، ففي هذه الحالة يکون حراماً من باب آخر.
وسأل آخر وقال: سماحة السيد طبقاً للفتوي التي صدرت من سماحتکم، اذا کان في ذمة المکلف قضاء ما فاته من شهر رمضان، وتأخر لعذر ما، کالسفر مثلاً، عن صيامه حتي حلّ شهر رمضان آخر، ففي هذه الحالة يسقط عنه قضاء ايام تلک السنة، وأما إذا کان قد اوجب عليه الصوم بنذره (صوم الدهر) باستثناء الايام التي يحرم فيها الصوم ونذر ان يصوم کل ايام السنة، فهل يسقط عنه القضاء أيضاً او لا؟ وهل تجب عليه کفّارة الحنث في حالة صيامه بنية شهر رمضان ام لا؟
أجاب سماحته: ان هذه المسألة تشبه الفروض التالية: إذا نذر احد الاشخاص الذهاب الي زيارة الامام الحسين عليه السلام في يوم عرفة من کل سنة فاذا حدثت له الاستطاعة هل يکون الحج عليه واجباً ام لا؟ واذا نذرت احدي الفتيات ان تقضي الليل کله في العبادة ثم تزوجت فما حکمها؟ او فتاة تم استيجارها ثم تزوجت فما حکمها؟
لقد ذکر المرحوم اخي وصاحب العروة هذه المسألة في باب الاجارة وباب الحج ولکن وکما يبدو ان ادلة العناوين الثانوية للظهور في الاطلاق لا تکفي وغير قادرة للوصول الي حد تتمکن من ازاحة العناوين الاولية، حتي وان کانت هي الاهم، لذلک فان النذر وبقية الموارد الاخري هي من العناوين الاولية ، واي کانت العناوين الثانوية سواء، کانت مستحبة او واجبة، فانها غير قادرة أن تتغلب علي ادلة الاحکام الاولية من قبيل صوم شهر رمضان والحج الواجب لبيت الله الحرام .
علي سبيل المثال: اذا نذر احد الاشخاص ان يصوم طوال السنة، ومرض في شهر رمضان، فيجب عليه قضائه بين الرمضانين، حيث ان النذر لا يشمل هذا المقدار من صيام القضاء، باعتبار ان اطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر لا يشمل هذا المورد ولا تجب عليه الکفّارة.
بعبارة اخري: ان المورد الذي اوجبه الشارع المقدس بعنوان قضاء شهر رمضان لا يمکن ادخاله في عنوان النذر؛ الا اذا کان تاکيداً بقضية (يوفون بالنذر) ويعني هذا ان الامور غير الواجبة تصبح واجبة من خلال النذر الا في النذر الذي يوجب التأکيد، من قبيل: إذا نذر ان يصلي صلاة الظهر.
وفي هذا السياق سأل آخر: في حالة انعقاد النذر المذکور هل يجب صيامه في شهر شعبان فقط بنية القضاء ام انه مخير بالاتيان به في أي زمان؟
قال سماحته: ان مثل هذا الشخص يکون مخيراً، لان النذرلم يشمل صيام قضاء ايام شهر رمضان علي سبيل البدل، ولا نملک دليلاً علي اسقاط ذلک التخيير.
وسأل أحد الفضلاء عن مطلق الاعذار في النذر المذکور وهل ان هذا النذر يشملها ام لا؟
أجاب سماحته: هناک عدد من الروايات الواردة تشمل (مطلق العذر) وکذلک شمولها غير المرض ايضاً، ففي جميع هذه الموارد لن تتمکن العناويين الثانوية، مع ان لها اطلاق، من ازالة عناوين الادلة الاولية کوجوب القضاء، لذا لم يشمل نذره عدد الايام التي عليه أن يقضيها، وبما ان النذر في الاصل لم يشمل تلک الايام مثل لو انه لم يصوم صيام النذر ويصوم صيام القضاء فانه لا يحتسب ذلک حنثاً لذلک النذر.
مثلاً: اذا کان في سفر فمن غير البعيد ان لا يدخل قضاء الايام ضمن صيام مطلق السنة، وتوجد في هذا الخصوص رواية نقلها صاحب المستند المرحوم النراقي، وقد قبل الشيخ الانصاري بسقوط النذر وفقاً لقاعدة مطلق العذر وعبّر عن ذلک تعبير لايبعد.
وسأل احد الفضلاء قائلاً: اذا کان احد الاشخاص مديوناً، وبعد سنوات من استلامه الدين سقطت القيمة الشرائية للمال الذي استدانه، فما هو المقدار الذي يجب عليه دفعه؟
أجاب سماحته: کما يبدو فان القيمة تحسب من الحيث التقيدي وليس من الحيث التعليلي، ويعني ذلک ان الظهور العرفي في جميع المعاملات هو کون مقدار المال الذي يعطي، له قيمته الخاصة، ولهذا الدليل فإنه لا يعطي اقل او اکثر مما استدان، ولذلک فان الانسان يکون ضامناً بقيد هذه القيمة اذا اصبح الحيث تقيدي. بالطبع ان القيمة المتوسطة هي أن تکون بهذه الصورة: أن يحسب المعدل المتوسط للقيمة والقوة الشرائية لذلک المال، وعادة مايکون الصاغة والبنوک ومحلات الصرافة هم اعرف بهذا.
وأضاف سماحته: توفيت امرأة قبل فترة، فجاء زوجها واولادها عندي کي احسب لهم مقدار مهر هذه المرأة، ليکون الربع للزوج وثلاث ارباع تقسم علي الابناء، فقال الزوج ان مهرها کان قبل خمسين عاماً 25 ديناراً. وصادف بعد مدة أن باحثت هذه المسألة مع احد المراجع في لقاء جمعني وإيّاه فقلت له ماذا تقول حول هذا الموضوع وماهو مقدار مهرها؟ فقال: 25 ديناراً. فقلت له ان 25 ديناراً لا تساوي شيئاً في العراق في الوقت الحاضر ولا يمکن شراء حتي قرص من الخبز بها، في حينه انه في تلک الفترة کان هذا المبلغ يعادل عشرات المثاقيل من الذهب؟ فلم يعقّب علي کلامي بأي کلام.
وأردف سماحته: ان السؤال المطروح هنا هو انه لماذا جعل ذلک الزوج وزوجته المهر 25 ديناراً ولم يجعلاه 30 او 20 ديناراً، فان لهذا الامر ارتکاز عقلي حيث ان 25 ديناراً کانت تساوي مثلاً عدد من الخرفان او ذلک المقدار من الذهب و( العقود تابعة للمقصود) وهذه القضية مسلّم بها من جهة انها کبري کلية، سواء کان ذلک في المهر او في الغصب وامثالهما.
ثم اورد سماحته مثالا ًآخر وقال: قبل فترة وصلتني وصية مکتوبة علي قطعة من القماش، وکان مما ورد فيها هو: خذوا من البستان الفلاني او من الحاصل الفلاني مبلغ 11 ريالاً واصرفوه في دعوة المؤمنين للافطار والسحور لمدة 30 يوماً، والمقدار الزائد منه اصرفوه علي الاعمال الخيرية، فهذا المقدار من المال الذي عيّن في الوصية لا يمکن أن تشتري به الآن قرصاً من الخبز، لذا يجب ان تعرف القيمة الشرائية الحقيقة له في زمانه فتصرف بمقدارها في زمانک.
وسأل احد الفضلاء: هل تسري القوة الشرائية في جميع الابواب الفقهية؟
قال سماحته: نعم الا في باب الخمس وباب منح القرض مع الشرط، الذي يعتبر رباً.
وسأل احد الفضلاء عن رأي سماحته في مسألة ايداع الذهب؟
أجاب دام ظله بقوله: لقد قمنا بدراسة التخريج الفقهي لهذه المسألة، وکما يبدو فانها صحيحة ولا اشکال فيها.