في ليالي شهر رمضان المبارک يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين علي بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة. وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلي ما يتفضل به سماحته من وصايا و توجيهات.
في هذه الليلة وهي الليلة الثالثة من شهر رمضان المبارک وفي مجلس حاشد بالضيوف الکرام تباحث الفضلاء والعلماء الکرام مع المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، تباحثوا حول مسائل فقهية مختلفة وفي مواضيع متنوعة. فقد سأل أحد الفضلاء سماحته قائلاً:
بالنسبة لقضاء صيام النذر، في صورة عدم قدرة الناذر علي الوفاء بنذره: کما أنه إذا نذر أن يصوم في کل يوم اثنين، فصادف أحد أيام الاثنين مع عيد الأضحي المبارک حيث يحرم الصوم فيه، فهل يجب علي الناذر أن يقضي صوم هذا اليوم أم لا؟
أجاب سماحته: إن سبب ترک الصيام في الأيام التي تم تعيينها في النذر، علي قسمين:
الأول: أن يکون ترک الصيام لمنع الشارع المقدّس عن صيامه کما في الأيام التي تتزامن مع عيد الأضحي. وفي هذه الحالة لا قضاء علي الناذر وإن کان الأحوط استحباباً ذلک.
الثاني: أن يکون ترک الصيام لوجود مانع آخر غير الشارع المقدّس، کالسفر لغير الضرورة، فهنا يجب علي الناذر أن يقضي صيام ذلک اليوم، بل عليه الکفّارة أيضاً، علي الأحوط وجوباً.
عندها واصل السائل کلامه مستشهداً بمضمون الرواية الشريفة المروية بطريق معتبر عن الإمام الصادق صلوات الله عليه، والتي جاء فيها:«قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيام کلها، ويصوم يوماً بدل اليوم» وقال: نستنتج من ظاهر الرواية أنه إذا تزامن الصيام المنذور مع عيد الأضحي، فيترک صيامه ويقضيه في يوم آخر.
فقال سماحته في الجواب علي ذلک: إنّ حجّيّة الروايات الشريفة المروية عن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم وکذلک معذّريتها ومنّجزيّتها، مشروطة بخمسة شروط وهي:
1ـ أن يکون سندها معتبراً.
2ـ أن تکون ظاهرة الدلالة.
3ـ أن لا يوجد لها معارض.
4ـ أن لا تکون معرَضاً عنها، سواء الإعراض السندي أو الدلالي.
5ـ أن تکون أصالة الجد تامة فيها.
لذلک يوجد هناک الکثير من الروايات الصحيحة السند والظاهرة الدلالة ولکن ظهورها ليس حجّة، مثل عشرات الروايات التي استخدم فيها صيغة الأمر حيث الوجوب فيها ظاهر، ولکن الفقهاء فهموا منها الاستحباب وأفتوا بالاستحباب.
علي سبيل المثال: ورد في رواية صحيحة السند الأمر بأن يکرّر المسافر الذي يصلّي الصلاة الرباعيّة قصّراً ثلاثين مرّة قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر، بعد الصلاة وذلک عوضاً عن الرکعتين.
وأضاف سماحته: مع ان هذه الرواية صحيحة السند والوجوب فيها ظاهر لوجود صيغة الأمر، لکن لم يحکم الفقهاء بظاهرها، وحملوها علي الاستحباب. وهذا يعني: إن الرواية لوحدها غير کافية للحکم علي الشيء.
وسأل أحد الفضلاء عن مشروع المسعي الجديد وتوسعته مؤخّراً، فقال سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في جوابه: لا إشکال في ذلک، لأن المستفاد من بعض الأدلة هو أن جذور الجبل ممتدة بحيث تشمل هذه التوسعة الجديدة.
وأضاف سماحته قائلاً: لقد تشرّفت لحجّ بيت الله الحرام عام 1380 للهجرة، وکان قد تم تهديم بعض البنايات التي کانت علي الصفا والمروة، وقد التقيت وقتها بالمعمّرين من أهل مکّة، فسألتهم عن الجبل وجذوره، فاستنتجت من جوابهم وکذلک من الخرائط القديمة المختصّة بالجبل، وهکذا من شهادات المعمّرين الذين کانوا قد تشرّفوا للحجّ وشاهدوا جذور الجبل، بأنه لا إشکال بالسعي في المسعي الجديد.
وحول بعض أحکام العمرة المفردة سأل أحد الفضلاء من المرجع الشيرازي دام ظله، وقال: شخص أتي بالعمرة المفردة، وقبل أن يأتي بطواف النساء هل يجوز له أن يحرم لعمرة اُخري؟ حيث قال بعض الفقهاء بأنه: إن عمل بذلک عن جهل فلا إشکال عليه، ويکفيه طواف نساء واحد.
أجاب سماحته قائلاً: يرجع الحکم في هذه المسألة إلي مدي الاستفادة من الروايات الخاصّة بطواف النساء وأنه هل يستظهر منها التداخل في هذا الطواف أم لا؟، فإذا لم يستظهر ذلک منها أو صارت محلّ شک، فالأصل هو عدم التداخل. ومع أن طواف النساء أمر مستقل وخارج الحجّ والعمرة، إلاّ أن الإحرام للعمرة الثانية قبل الإتيان بطواف النساء محلّ إشکال.
بعد هذا الجواب من سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، تناول الفضلاء الحضور مع سماحته البحث حول الظهور الشريف لمولانا المفدّي الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالي فرجه الشريف وحکومة الحق والعدل التي سيقيمها الإمام صلوات الله عليه، فسأل أحد الفضلاء قائلاً:
إن سماحتکم تفضلتم بالنسبة إلي کيفية حکومة الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالي فرجه الشريف بأنه صلوات الله عليه يحکم بين الناس علي ظاهر الأمر وليس علي واقعه، والروايات التي تحکي خلاف ذلک نجدها قد أتت عن طريق محمد بن علي الکوفي الذي قيل في وصفه: ماأکذب منه. ولکني قرأت في کتاب الشيخ الصدوق رواية صحيحة السند تقول بأن الإمام المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف يحکم بين الناس علي واقع الأمر لا علي ظاهره؟
أجاب سماحة المرجع الشيرازي علي السؤال قائلاً: جاء في الروايات الشريفة أن الإمام صلوات الله عليه: «يحکم بحکم داود»، فعلينا أن نبحث لنعلم کيف کان حکم داود علي نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام؟ فالروايات الشريفة هکذا تقول: بأن الله تعالي خاطب النبي داود بقوله سبحانه: «فاحکم بين الناس بالحق»، فقال النبي داود عليه السلام: «جاهل بين عالمين»، فقال الله تعالي: «أضفهم إلي اسمي فحلفهم واطلب منهم البيّنة»، وهذا هو حکم داود. وبالنتيجة فإن «الواقع» يعني: «الواقع الذي جعله الله سبحانه وتعالي في باب القضاء» لا الواقع الذي يعلمه الناس أو يجهلونه، والذي يستطيعون إقامة الحجّة عليه أو لا.
فعندما تذکر الرواية الصحيحة کيفية حکم النبي داود عليه السلام، وتقول رواية صحيحة اُخري بأن مولانا الإمام بقيّة الله عجّل الله تعالي فرجه الشريف يحکم بحکم النبي داود عليه السلام، فهذا يعني أن الرواية الأولي تبيّن الرواية الثانية وتوضح المقصود من حکم داودالذي جاء فيها، وأنه بالمعني الظاهر وليس المعني الواقع.
إضافة إلي ذلک، توجد روايات صحيحة تقول بأن الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالي فرجه الشريف «يسير بسيرة جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله» وروايات اُخري تقول: أنه صلوات الله عليه «يسير بسيرة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولا شکّ أن الرسول الکريم والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما کانا يحکمان بين الناس علي ظاهر الأمر وليس علي واقعه.
ثم أنه لا يصحّ القول: بأن الإمام المهدي عجّل الله تعالي فرجه الشريف يسير بخلاف سيرة آبائه الطاهرين، إلاّ إذا کان علي ذلک دليل خاصّ، ولا يوجد لدينا مثل هذا الدليل.
نعم، يمکننا أن نستنتج من مجموع الروايات، وبعنوان الموجبة الجزئية وليس الکبري الکليّة، بأن الإمام المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف يتعامل بالواقع مع بعض الناس. فإذا جاء هذا المعني في بعض الروايات العامة فنحمله علي أن المراد هو البعض.
وأضاف سماحته: يوجد في القرآن الکريم وفي الروايات الشريفة للمورد الذي مرّ ذکره من ذکر العام وإرادة الخاص منه نظائر کثيرة ومتعدّدة. فمثلاً: نزل قوله تعالي: «إنما وليّکم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزکاة وهم راکعون» في حقّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، والإمام هو واحد لکن جاء التعبير عنه في الآية الکريمة بصيغة الجمع فقال: «الذين يقيمون الصلاة ...».
ثم أضاف سماحته قائلاً: إن هذا المعني وارد في اللغة العربية وحتي في العرف أيضاً، فإنه أحياناً تقتضي المصلحة عدم ذکر الشخص، کعدم المصلحة في ذکر اسم أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم، فيکتفي ببيان ذلک علي نحو العموم.
مثلاً: في قوله تعالي: «الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لکم فاخشوهم فزادهم إيماناً» تقول الروايات الشريفة في تفسيره: بأن المقصود من کلمة «الناس» هنا هو شخص واحد.
کما ذکرت بعض الروايات الشريفة أن أشخاصاً کانوا يأتون إلي النبي الأکرم صلي الله عليه وآله أو إلي الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وکانوا يشکون من فلان بأنه ضرب زوجته، فکان النبي صلي الله عليه وآله يرتقي المنبر ويطرح هذه القضية علي الناس بهذا الأسلوب ويقول: أن الذين يضربون زوجاتهم لهم من العذاب کذا وکذا. وهذه من الأمور المتعارفة حيث يمتنع عن ذکر الخصوصية لمصالح تقتضي ذلک، ويکتفي بذکر العموم، في حين ان المقصود هو قضية خارجية شخصية.
وقال سماحته: ومثل هذه الروايات: تلک الروايات الواردة عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بخصوص ذمّ النساء، التي قال بعض بأن الإمام صلوات الله عليها قالها بعد حادثة الجمل، کقوله صلوات الله عليه: «النساء نواقص العقول، نواقص الإيمان» حيث إن المقصود من کلام الإمام صلوات الله عليه مع القرائن الداخلية والخارجية هي تلک المرأة التي تسببت حرب الجمل وقتل کثير من الناس من الفريقين.
کذلک تکون الروايات التي تتحدث حول الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالي فرجه الشريف بأسلوب العموم، فإنها موجبة جزئية في قضية خارجية وليست قضية حقيقية. هذا ولا يخفي ان محمد بن علي الکوفي قد نقل أموراً عجيبة اُخري، ومنها قوله بأن الإمام صلوات الله عليه: «يبقر بطون الحبالي». فمثل هذه الروايات إما: لا سند لها أو مقطوع بعدم صحّتها، أو أنها تعارض الروايات الصحيحة، وتعارض سيرة الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم.