شبكة النبأ: على الرغم من أن العنف لا يزال حاضراً في عالم اليوم، كما أنه يشكّل ظاهرة بارزة من الظواهر التي تؤثّث المشهد البشري اليومي، إلاّ أننا ينبغي أن لا نستسلم لهذا الداء الخطير، وعلينا دائماً أن نبذل كل ما في وسعنا لنبذ العنف، وطرد هذه الظاهرة بعيداً عنّا، والتفرّغ للبناء والانشغال بما هو مفيد للإنسان في المجالات كافّة.
من بين سبل محاربة العنف، معرفة الأسباب التي تقف وراءه، إذ لابد أن يسعى المعنيّون الى كشف هذه الأسباب ووضع المعالجات الكفيلة لها، ولا شكّ أن القمع والاستبداد والتطرّف والفكر التكفيري هو أخطر وأقوى المسبّبات التي تساعد على نشر العنف بكافّة أشكاله بين بني البشر، من هنا لابدّ من مكافحة آفة الاستبداد السياسي وسواه، فهناك أنواع أخرى من الاستبداد الذي يعمل بقوّة لنشر العنف بين الدول، وبين الجماعات والتنظيمات الإرهابية وبين الأفراد أيضاً.
من أسباب انتشار العنف أيضاً، قلّة الوعي وضعف الثقافة وهيمنة الجهل على الناس، ما يؤدّي الى الفهم الخاطئ للدين وبالتالي يؤدّي الى تناحر واقتتال ديني طائفي بين الشعوب أو بين مكوّناتها أيضاً، كذلك تشترك الحكومات المستبدّة في نشر العنف بسبب غياب العدالة الاجتماعية، والفشل في إرساء القواعد القادرة على نشرها وتثبيتها.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، كما يرد ذلك في كتاب (من عبق المرجعية): (تكمن جذور العنف في الجهل والعصبية، والفهم الخاطئ للدين، والاستبداد والديكتاتورية والحرمان الاجتماعي، والظلم من قبل الحكومات والأفراد الذي يولّد العنف المضاد، وغلق قنوات الحوار البنّاء، أو ضيق هذه القنوات).
لذلك لابدّ من التنبّه الى أساليب القمع، وفرض الرأي بالقوّة، ومصادرة الحريات والتجاوز على الحقوق، فهذه كلها عوامل مساعدة لانتشار التطرّف والعنف، كذلك من أسبابها تواجد الحكومات الدكتاتورية على رأس السلطة في الدولة، فمثل هذه الأنظمة السياسية لا تسمح بحرية الآراء ولا تقبل بالرأي المعارض الذي ينبّه الحكومة على أخطائها، لذلك يحدث ردّ فعل عنيف يتمثّل بانتعاش أفكار العنف بدلاً من الاستقرار والسلام والتفرّغ للإبداع.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (في أجواء الكبت والإرهاب والاستبداد والدكتاتورية تنمو الاتجاهات المتطرّفة والحركات التدميرية).
العنف يشوّه صورة الإسلام
من المهمات الأساسية لكل مجتمع، أن يتصدّى للعنف، أما المجتمع الاسلامي فإنّه لابدّ أن يتحرّك لردع كل من يحاول أن يسيء لمبادئ الدين بحجج لا ترقى الى القبول والواقعية، علماً أن الوقوف بوجه أعداء الاسلام ينبغي أن يكون بوسائل تتفق مع المبادئ الإنسانية للإسلام، وليس عبر نشر العنف وإثارة الرعب بين الأبرياء.
إنّ مثل هذه الإعمال التي يدّعي رعاة العنف قيامهم بها وتفضيلهم لها لحماية الإسلام، إنما هي تشوّه صورة الإسلام ولا تخدم مبادئه وليست من تعاليمه، فضلاً عن كونها أعمال مسيئة للمسلمين جميعاً، وقد تحقّق مثل هذه الأعمال بعض المكاسب الآنية لأصحابها، إلاّ أنها بالنتيجة لا تساعد على تثبيت أسس العدالة ولا تصبّ في صالح الإسلام والمسلمين.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذه القضية: إنّ (العنف ضارّ بالأهداف المقدّسة الكبرى على المدى البعيد، وإن فرض أنه حقّق بعض المكاسب الآنية السريعة).
(من أضرار العنف.. أنه يشوّه صورة الإسلام في الأذهان، ويعطي ذريعة للأعداء كي يسمّوا الإسلام بالعنف والهمجية والوحشية، ويخلقوا حاجزاً نفسياً بين الناس والإسلام).
من هنا ينبغي أن يتجنّب المسلمون مثل هذه الأعمال، وأن لا يحاولوا تبرير مثل هذه الأفعال كونها لا يمكن أن تساعد المسلمين على العيش بسلام، كما أنها تضاعف من انتشار العنف، وتضعف في ركائز العدل الاجتماعي، وغالباً ما تعود نتائج أعمال العنف معاكسة لما يعلنه القائمين بالعنف أو المروّجين له أو الذين يعتمدونه كأسلوب في مواجهة أعداء الإسلام.
لأنّ العنف هو أسلوب خاطئ في المواجهة، وغالباً ما يعود بنتائج عكسية على الإسلام والمسلمين، لهذا فإنّ أعمال العنف تعطي صورة مسيئة للإسلام ولا يمكن أن تصبّ في صالحه، وغالباً ما يتّخذها أعداء الإسلام ذريعة ضدّ تعاليمه الإنسانية التي انتشلت الإنسانية من قعر الظلام لتنقلها إلى ربوع النور بشهادة الجميع.
لكن مع ذلك ورغم وضوح الصورة لمن ينتهج العنف، إلاّ أنّهم يصرّون على هذا الطريق الذي لا يخدم الإسلام ولا المسلمين، على الصعيدين الخارجي والداخلي، لأن انتشار أسلوب العنف يضعّف المجتمع من الداخل ويضعّف الدولة أيضاً، ولا يمكنها من مواجهة الأخطار سواء كان مصدرها خارجي أو داخلي.
لذلك يضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلاً حول هذا الموضوع: (لا يصحّ استخدام العنف الذي قد يتّخذ منفذاً للهجوم على الإسلام ولو في مواجهة العنف).
أهمية تعميم ثقافة اللاعنف
بعد أن تبيّن للجميع فشل أساليب العنف في بناء الدولة والمجتمع، وتشويهها لصورة الإسلام وجوهره، بات على المعنيّين من المسلمين أن يبحثوا عن الأساليب التي تسهم في نبذ العف وطرده خارج الحدود، بعيداً عن المسلمين وعن الدول الإسلامية التي تتخذ من الإسلام ديناً لها، ويمكن أن يتحقّق هذا الهدف الكبير من خلال نشر ثقافة اللاعنف.
ولابدّ أن يعرف الجميع أن العنف يطول الجميع بمخاطره، ولا يستثني أحداً كذلك، حتى من يصنع العنف سوف يحترق بناره، علماً أن الأضرار التي يصنعها العنف تطول الجانب النفسي للإنسان أيضاً، فضلاً عن تضرّر المجتمع برمّته بذلك، وسبق أن شرحنا كيف يتضرّر الدين من ذلك، لهذا ليس هناك بديلاً عن منهج محاربة العنف ومحاصرته وتجفيف منابعه، ومن ثم توفير الحريات وحمايتها، وتثبيت الركائز التي تقوم عليها دعائم العدل الاجتماعي.
كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب عندما يقول: (يمكن مكافحة العنف في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيح أن العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحداً، وبيان مضار العنف النفسية والاجتماعية والدينية، وتوفير الحريّة للمجتمع وإرساء دعائم العدالة الاجتماعية).
كذلك تسهم سياسة نبذ العنف ومحاصرته في تحقيق جوانب ايجابية كثيرة، على أن توضع خطط متخصّصة ومدروسة لعزل منهج العنف وتطويق هذا الفكر المدمّر، ومحاصرة دعاته وأصحابه في زاوية ضيّقة، وهذا يستدعي القيام بخطوات عملية تساعد على إطفاء جذوة العنف منها خلق فرص عمل متكافئة للجميع من دون استثناء.
فالفقراء يمكن أن نكسبهم الى جانب الاعتدال عندما نوفّر لهم لقمة العيش بكرامة، وعندما نساعد في حفظ حقوق المحرومين والضعفاء، فإنّ ذلك يسهم بصورة قاطعة بمحاصرة أفكار العنف وأصحابه ونضمن محاربة الفقراء له، وعلى العكس من ذلك فيما لو تم إهمال الفقراء، كذلك على الجهات والمنظّمات المعنيّة بمحاربة العنف وأصحابه، أن تتّخذ الخطوات الفعلية والعملية لدرء مخاطر العنف، عبر فتح قنوات الحوار ونشر أسلوب التفاهم والاحتواء بدلاً من أساليب المواجهة والاقتتال، فالحوار يمكن أن يساعد على إطفاء العنف، ويقرّب بين الأطرف المختلفة حتى لو كانت دولاً أو مجتمعات.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: ينبغي (توفير الفرص للجميع، وإعطاء حقوق الفقراء والمحرومين، وبالرقابة الاجتماعية، وقيام الأنظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف، وفتح قنوات الحوار البنّاء بين الأفراد والمجتمعات).