LOGIN
المقالات
alshirazi.org
خصائص الخطاب الإعلامي في مهمّة التبليغ
رمز 1129
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ 1 رجب الأصب 1445 - 13 يناير 2024

شبكة النبأ: (على الأخوة المبلّغين أن يفتحوا صدورهم للناس) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

مفردة التبليغ تعني توصيل المضامين للآخرين، وهذه المضامين قد تكون فكرية أو ثقافية أو دينية أو غيرها، أما كيفية إتمام التبليغ، فإن وسائل الإعلام المختلفة هي التي تقوم بهذه المهمة، لاسيما أن عالم اليوم فتح بوابات الاستقبال والتوصيل الإعلامي بأوسع ما يكون، لهذا أصبح التبليغ مهمة ممكنة وسريعة في ظل التطور الإعلامي الهائل.

الخطباء في الغالب تقع عليهم مهمة التصدي لعملية التبليغ، وكذلك رجال الدين، حتى يتم توضيح مضامين الأحكام الإسلامية للناس، بأوضح صورها، ولعل أكبر مهمة يتصدى لها التبليغ اليوم والمبلّغون هي توضيح الإسلام الحقيقي (المحمدي) لكل أرجاء العالم، لأن مساحة التوصيل باتت مفتوحة ولا تحدها حدود.

ولكي تكون مهمة التبليغ عملية ناجحة، فهذا يعود إلى الخطيب أو رجل الدين الذي يقوم بمهمة تبليغ الناس بالمضامين الدينية المختلفة، وبالأحكام الشرعية، وبالقضايا التي يطرحها الدين لكي تنتظم حياة الناس في ظل قيم العدالة والاستقامة والإنصاف، لهذا هناك خصائص للخطاب الإعلامي تختلف بحسب الأدوار التي يقوم بها الخطيب.

فإذا خاطب جمهور المثقفين فهو يحتاج إلى خطاب بمستوى يختلف عن الخطاب الذي يتوجه به إلى بسطاء الناس، ولكن في كل الأحوال يبقى الهدف أن تتم عملية التبليغ بنجاح، من خلال توصيل الدين بشكله ومضمونه الصحيح وإقناع الناس بما يطرحه هذا الخطاب.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في الكتاب القيم (من عبق المرجعية):

(قد تختلف أدوار التبليغ ووسائله باختلاف الحضور وتنوعه؛ فالخطيب إذا تحدث إلى جمهور من المثقفين تحدث بأسلوب يختلف عما إذا كان حديثه إلى أناس أميين، لكن يبقى التبليغ يحظى بالأهمية في كل حالاته).

الخطيب أو المبلّغ لا يتخصص بشريحة أو فئة دون غيرها، فهو يخاطب عقول الجميع، بغض النظر عن مستويات الثقافة أو الوعي أو التفكير لديهم، لهذا ليس صحيحا أن يتوجه بخطابه إلى المثقفين ويترك الآخرين، لذا عليه أن يضع في حساباته توجيه الخطاب الديني الإعلامي لجميع العقول، بكل مستوياتها، ولعل حاجة بسطاء الناس تكون أكثر.

مخاطبة المستويات الثقافية المختلفة

لهذا فإن الخطيب لابد أن يهبط إلى أدنى المستويات، وأن يفسر القضايا الدينية بما يحقق الفهم التام من قبل الناس، حتى تحدث عملية الفهم والاقناع، لأن الإنسان بطبيعته قلّما يؤمن بشيء يجهلهُ أو لا يفهمه، فالناس كما يُقال أعداء ما جهلوا.

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (على المبلّغ ألا يقصر تبليغه على فئة معينة من الناس كالمثقفين مثلا دون غيرهم، بل عليه أن ينزل إلى كل فئات المجتمع وطبقاته).

وحين يتوجّه الخطيب بخطابه إلى الناس، فهو لا يعلم من العقل المتميز الذي سوف يستقبل خطابه ويفهمه ويدفعه في طريق الاستقامة، وبهذا فإن المبلّغ هنا كالزارع الذي ينثر بذوره في الأرض ثم ينتظر ما يثمر منها، كذلك هو ينثر خطابه على العقول ولا يعرف أي عقل سوف يحوّل هذا الخطاب إلى علم يفيد به الآخرين.

أشار سماحة المرجع الشيرازي إلى هذه النقطة قائلا:

(ما دام المبلغ لا يدري أية تربة ستثمر فيها الكلمة الطيبة أكثر، فعليه إذن أن يسعى لبذر الكلمة الطيبة في كل مكان ومع كل إنسان).

وهناك خصائص تتعلق بالخطاب الإعلامي الديني، لابد للخطباء والمبلّغين أخذها بعين الاعتبار، ومنها الاستعداد لاستقبال الأسئلة بمختلف أنواعها ومضامينها، فهناك من يطرح أسئلة ذات عمق وفطنة وأهمية عالية، وهناك من يطرح سؤال هو نفسه لا يعرف معناه ولا مضمونه، وبعضهم يقدم أسئلة لا هدف من وراءها.

لذا لابد أن يتحلى الخطيب بسعة الصدر، وبالحنكة، والاستيعاب، والحكمة، والتعامل بصدر رحب مع جميع المستويات بغض النظر عن كونه مثقفا أو بسيطا، وهذه من أهم خصائص الخطاب الإعلامي الموجَّه إلى الناس الذين يجهلون الدين وتعاليمه وأحكامه.

وقد أكد سماحة المرجع الشيرازي على هذه النقطة قائلا:

(على الإخوة الذين يتوجهون إلى التبليغ التأهب والتهيؤ للأسئلة المتنوعة التي قد يواجهون بها، وأن لا يبرموا حتى من الأسئلة الساذجة وربما السفيهة التي قد يواجهون بها أحيانا).

صفات الخطيب والمبلّغ الناجح

لذا من الصفات المهمة والأساسية التي يتسم بها الخطيب أو المبلّغ الناجح هي سعة الصدر، وتقبّل ما يطرحه الناس من استفسارات قد يكون بعضها بلا معنى، فالمهم هنا أن يكون الخطيب عارفا بمهمته، ومستوعبا للعقول بمستوياتها المتباينة. إذ (على الإخوة المبلّغين أن يفتحوا صدورهم للناس، فليسوا كل الناس سواء)، كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله.

كما أن لشخصية الخطيب تأثير مهم وكبير على جمهوره، سواء كان حضوريا أو مستمعا عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهذا ما يجب التركيز عليه في نشر الخطاب الإعلامي لتوصيل الإسلام الحقيقي وأحكامه ومضامينه إلى أبعد نقطة في العالم.

فشخصية المبلّغ وصدقه في قوله وسلوكه، والتطابق بين ما يدعو إليه وما يفعله في حياته، له تأثير مباشر على الناس، لهذا لابد أن يهتم المبلّغ بهذا الجانب المهم الذي يتعلق ببناء الشخصية، والسعي الحقيقي والتام للتأثير الإيجابي بالناس.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(إن لأسلوب المبلّغ وسلوكه أكبر الأثر في التبليغ، فمن الطبيعي أن يتناسب تأثّر الناس بنا مع أعمالنا وتصرفاتنا وصدقنا ومطابقة عملنا لقولنا).

من القضايا التي تتعلق بشخصية الخطيب، تلك الجوانب الحساسة التي تتعلق بسلوكه وطبيعة شخصيته، وملامح وقسمات وجهه، والبشاشة التي ينبغي أن يتحلى بها دائما، فالناس عادة لا يرغبون بالوجه المتحجّر، بل ينشرحون عادة للوجه البشوش المستبشر، حتى تكون كلماته وخطابه مقبولا من الناس وليس العكس.

ولكن هذا لا يعني فقدان التوازن المطلوب في السلوك، بل على العكس من ذلك لابد أن يكون المبلغ وقورا محترما ومتوازنا ومقنعا للناس في أقواله وأفعاله المختلفة.

لذا (ينبغي للمبلّغ أن يكون طلق الوجه بشوشا، ولكن هذا لا يعني أن يكون مفتوح الفم دائما يضحك ويقهقه لأتفه الأسباب، لأنه كما ينبغي للمبلغ أن لا يكون عبوسا، ينبغي له أيضا أن يكون وقورا ولا يكون مبتذلا) كما يرى سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، حيث يوجّه سماحته الكلام للمبلغين قائلا:

(أخي المبلّغ... ربّ شخص قد لا يكون له شأن أو ثقافة اليوم يهديه الله على يديك ويأتي يوم ترى مسجدا أو مدرسة دينية فيها حوزة علمية تخرج منها علماء أسّسها ذلك الشخص الذي كانت هدايته على يديك).

الخلاصة إن الهدف المطلوب هو استثمار الانفتاح الإعلامي عالميا، وتنوع وسائل التوصيل وإمكانيات شرح مضامين الدين وأحكامه وتوصيلها إلى أبعد نقطة في الأرض، فنحن نعيش في الحقيقة فرصة نموذجية لنشر الإسلام المحمدي، وتغيير النظرة الخاطئة في عقول ربما لم يصل إليها الخطاب الإعلامي الديني الصحيح، وبهذا يتحقق النجاح في قضية استثمار الجوانب الإعلامية الإيجابية التي تصب في صالح نشر الإسلام في عموم أرجاء العالم.