شبكة النبأ: (إنّ المقصود بالسلامة في الدين هو سلامة الإنسان في دينه وأن يكون على نصيب منه) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
بدءًا لابد أن نتفق على خصوصية شهر رمضان، واختلافه في كل شيء عن الشهور الأخرى، إننا كمسلمين مطلوب منا أن نقرّ بمكانة هذا الشهر عند الله تعالى، وحتما أننا نلاحظ الاختلافات الأخرى لهذا الشهر وانعكاسه المتميز على حياتنا، فنحن نعيش أجواء السلامة والرجاء والاطمئنان النفسي في هذا الشهر أكثر من الشهور الأخرى، لماذا؟
الجواب الديني معروف، فهذا الشهر (شهر الله)، شهر الرحمة الإلهية التي تنزل على الكون بأسرهِ، وتشمل البشرية كلها، وتظهر علامات الرحمة في كل أمر وفعل وقول ومكان، لكن الجواب البشري عن هذا السؤال شيء مختلف، إنه الشعور الذي يحيط بالإنسان الصائم في هذا الشهر، ذلك الشعور بالسلامة والاستقرار والامتنان.
شعور قد لا يعثر عليه الإنسان في أي وقت آخر، شعور مختلف متميز بعمقه المسالم، حيث يُسعَد الناس لأن الهدوء يملأ النفوس، والأجواء الإيمانية تحيط بالنفوس والقلوب، وعمل الخير يشّع في كل مكان، حيث يبادر الجميع لخلق حالة الوئام والتكافل فيما بين الناس، صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، قويّهم وضعيفهم.
لذلك أهم شيء يجب أن يلتزم به الإنسان المسلم في هذا الشهر، هو الحفاظ على سلامة دينه، وهذه السلامة تتحقق عندما يكون الإنسان ملتزما بحدود الله، ومحترِما لحقوق الناس، ومحافظا على جوهر الدين وما يدعو إليه، ومن باب أولى أن يكف بشكل تام عن الأفعال والأقوال الحرام بكل أنواعها.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (نفحات الهداية):
(سأل الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) الرسول (صلى الله عليه وآله) عن أفضل الأعمال في هذا الشهر (رمضان)، أجابه الرسول صلى الله عليه وآله إنه الورع عن محارم الله. وهذا في الحقيقة هو الذي يقرّبنا من سلامة الدين).
سلامة الدين أهم من كل شيء
إذًا الكف عن اقتراف محارم الله، والابتعاد عنها هو الذي يحافظ على سلامة دين المسلم، وهو أمر مطلوب في كل حين، لكننا في شهر رمضان، أهم ما علينا القيام به هو أن نحافظ على سلامة ديننا، وهذا يستدعي النأي بالنفس واللسان واليد عن ارتكاب أي عمل أو فعل أو قول يعدّ من المحارم التي يمنع الله قيامنا بها.
منها سلوكياتنا بين أفراد المجتمع الذي نعيش فيه، وننشط ونتحرك ونسعى للرزق وسواه، هنا لابد أن يكون لنا احتكاك مع الآخرين، وقد يحدث نوع من التضاد في المصالح أو الحركة أو الأقوال والألفاظ، في هذه الحالة علينا أن نحافظ على سلامة ديننا، كيف؟، علينا بالصبر والتحمّل والعفو والتسامح، وإبداء المساعدة لمن يحتاجها، فحتى من يتجاوز عليك لابد أن تتعامل معه بصبرك القوي حتى لا تسمح لنفسك أن تدفعك إلى ما تريده هي، فتُشعل فتيل الصراع والتنازع، وهذا لا يصح ولا ينسجم مع هدف الحفاظ على سلامة الدين.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (لو أن شخصاً أهان واحداً منا، ولم يكن ردّنا له في صالح ديننا فماذا سنفعل؟ إن السكوت في مثل هذه الحالة يتطلب مقدمات كثيرة حتى يستطيع المرء أن يعمل وفق مصالح دينه ويدع أهواءه النفسية جانباً).
نعم عليك أن لا تندفع لما تطلبه نفسك وتدفع بك إليه، عليك أن تشكمها، وتمنع عمّا لا يرضي الله تعالى، وهذا يساعد الإنسان على تحقيق هدفه في سلامة دينه، من خلال (الإيجاد والتكوين والاختيار)، فالإنسان مطالَب بإيجاد السلامة في دينه من خلال الالتزام والاحترام والتمسك بما تطلبه الأحكام والأخلاق والضوابط الثابتة.
كذلك يمكنك تكوين هذه السلامة، وعليك أن تختارها بنفسك، فالأمر اختياري يمكنك التشبث بسلامة الدين، وعدم السماح بالانحدار نحو الملذات أو المغريات الكثيرة التي يسيل لها لعاب (النفس)، ذلك لأنك يمكن أن تختار السلامة في الدين، وبهذه الطريقة من التعامل تضمن أهم شيء يريده الله في هذا الشهر الكريم وهو سلامة دينك والابتعاد عن محارم الله.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إن بلوغ السلامة في الدين أمر ايجادي وتكويني واختياري. آمل أن يكون كلّ منا قادراً على أن يوجد في نفسه السلامة في الدين، في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك).
مراعاة أصول الدين وأحكامه
إذًا المقصود من سلامة الدين، طريقنا في الحياة وأسلوبنا، أي الالتزام بما يحدده الدين من سماح ومقبول، إلى منع ومرفوض، وهي أمور واضحة المعالم، ولا تحتاج إلى كثير من العناء حتى نعرفها، وهي تتطابق مع فطرة الإنسان أيضا، وخلاصة ذلك الابتعاد عن المحرّمات، واعتماد الأخلاق العالية والآداب الكريمة في علاقاتنا وأسلوب حياتنا.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد ذلك حين يتساءل: (ما المقصود بسلامة الدين؟ الدين يعني الطريق والأسلوب الذي إن اعتقدنا به عُدّ من أصول الدين، وإن عملنا به سمّي فروع الدين، أي الواجبات (كالصلاة والصيام) والمحرّمات (كالغيبة والتهمة) والمستحبات والمكروهات والأخلاق والآداب).
كذلك يجب على الإنسان المسلم أن يكون على نصيب من دينه، أي أنه يسير بأحكام الدين، ويلتزم بها، ويراعي ما يرد فيها من مضامين أثناء التطبيق، ولدينا ما يدلنا على ذلك بيسر وسهولة و وضوح، فدليلنا هو القرآن، والنبي (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وما جاء في أقوالهم وأفكارهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(إن القرآن لا عيب فيه، ووصايا الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته سلام الله عليهم وأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم صحيحة وسليمة أيضاً، فما هو المراد من السلامة في الدين إذن؟ إن المقصود هو سلامة الإنسان في دينه وأن يكون على نصيب منه).
هذا ما ينبغي على الإنسان مراعاته والالتزام به، فيجب أن يحافظ على سلامة دينه، وعليه أن لا يستسلم لتلك الأفكار التي تذهب إلى أن فناء الإنسان بعد موته محتوم، وهذا إن صحّ فإن الذي ينتهي هو جسد الإنسان المادي، وليس معناه الثابت في حضوره الأبدي، فالإنسان حتى بعد موته له مكانة معنوية وتاريخ لا يُمحى، حيث تتعالى الروح في آفاق البقاء وما يُفنى هو الجسد.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يوضّح هذا الأمر في قوله:
(صحيح أن عمر الإنسان وكيانه الظاهري - أي بدنه - سائر إلى الفناء والزوال، ولكن جنبته المعنوية وروحه، على العكس من ذلك، تسير نحو العروج والتعالي بدل الأفول والنقصان).
لكن هناك أناس نراهم في الواقع، يتحركون وينشطون في أعمالهم، وينشطون بين الناس، وظاهرهم ينبئ بأنهم ملتزمون ومحافظون على دينهم، بيد أن الأمور ليس هكذا في حقيقة الأمر، فنلاحظ أنهم ينتهون إلى عواقب غير محمودة في نهايات أعمارهم، فتكون هذه العواقب شرا، وهناك على العكس من ذلك.
حيث يشير سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(هناك بعض الأشخاص يبدون ظاهراً أنهم يقضون حياتهم في سلامة من دينهم ولكن عواقبهم في آخر عمرهم تكون إلى شرّ، ويصدق العكس أيضاً).
المهم جدا، هو كيف نحافظ على سلامة الدين، وما هي السبل التي تساعدنا على ذلك، وهي في الحقيقة واضحة ومعروفة وموجودة أمام أعيننا وبالقرب من قلوبنا، وما علينا سوى أن نتمسك بها، وننأى بأنفسنا عمّا يلوّث قلوبنا وأنفسنا، سواء من الأفكار أو الأفعال أو الأقوال، والابتعاد بشكل حاسم عمّا حرّمه الله حفاظا على أنفسنا وقلوبنا وسلامة ديننا.