LOGIN
المقالات
alshirazi.org
"تأصيل الشعائر الحسينية"
الحلقة الثانية : الضرر وإلقاء النفس في التهلكة (2)
رمز 164
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 4 نوفمبر 2013
تقدّم منّا في الحلقة الأولى ذكر أن من أبرز الإشكالات الواردة على إقامة الشعائر الحسينية بشتى أنواعها هو الضرر وإلقاء النفس في التهلكة، وأن الضرر والإلقاء في التهلكة لا ينافي ولا يعارض أقسام العزاء الحسينيّ بثلاثة وجوه، وقد تقدّم الوجه الأول.

وأما ما يتصوّر من الوجه الثاني في دفع إشكال الضرر وإلقاء النفس في التهلكة فهو:

عدم انفكاك الضرر الشخصيّ لأحكام الشعائر الحسينيّة، بمعنى أن في إقامة الشعائر الحسينية أو بعضها هنالك ضرر شخصي داخل على من يقيمها والقاعدة المتسالم عليها عند العلماء والعقلاء تقول: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) وكما هو الحال في بعض أحكام الشريعة المقدّسة المبتنية على الضرر وأنه لا ينفك عنها كما في الحجّ والخمس والجهاد وغيرها من الأحكام التي يلازمها الضرر وإلقاء النفس في التهلكة.

ومبنى مشهور الفقهاء والعلماء أنّ قاعدة: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» حاكمة على الأدلّة الأوّليّة، وهي لبّاً من باب التزاحم لا من باب التخصيص.

بمعنى أن دليل (لا ضرر) رافع للحكم الأولي في الموضوعات، فلو كان المكلّف يتضرّر ضرر شخصي من استعمال الماء للوضوء مثلاً فيرفع الحكم الأولي وهو الوجوب لاستعمال الماء، وهكذا إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة ملازمة لوجود الضرر ولو ببعض أشكاله، فإنّ هذا الضرر رافع للحكم الأولي في حرمة إيذاء النفس مثلاً، وهي من باب التزاحم بين حكمين كما هو رأي مشهور الفقهاء الأصوليين لا من باب التخصيص، أي أن لا ضرر يخصّص الحكم الأولي ولا يرفعه كما في التزاحم.

وقد اتّفق الفقهاء على أن ليس أيّ درجة من الضرر أو الحرج أو بقية العناوين الثانويّة تُزيل كلّ حكم من الأحكام الشرعيّة الأوّليّة وإن بلَغت أهميّة الحكم إلى درجة قصوى . . ليس الحال كذلك . . مثلاً الحرج والضرر الذي يُزيل وجوب الوضوء هو غير الحرج والضرر الذي يزيل حرمة أكل المَيتة . .

فاختلاف مستويات ودرجات الضرر أو الحرج الرافع للأحكام الأوّليّة هو من متفرّعات مبنى مشهور الفقهاء والأُصوليّين.

بل سواء بنينا على مبنى المشهور في «لا ضرر» كما قدّمنا أو على المبنى غير المشهور، في أن قاعدة لا ضرر من باب التخصيص على كلا التقديرَين يمكن أن نستدلّ على أنّ الشعائر الحسينيّة من حيث الأهميّة في أقسامها تفوق أهميّة دفع الضرر بشواهد مسندة روائيّة وغيرها، بل عند بعضهم أن الضرر وإن بلغ درجة التلف العضويّ أو تلف النفس، فهو لا يغيّر حكم الشعائر، كما هي فتوى بعض العلماء الأعلام ومنهم: الشيخ خضر بن شلاّل قدّس سرّه الشريف، وهو من تلاميذ الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وتلاميذ السيّد بحر العلوم، وله مقام خاص، وقد نُقل قبره الشريف من حيّ العمارة في النجف الأشرف إلى وادي السلام، ووضعوا له ضريحاً خاصّاً، وله كتاب قيّم اسمه أبواب الجنان، ذكر هذا الحكم فيه، كما ذكر غير مرّة سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الشريف بعض الشواهد على هذا خصوصاً في خطابه الشهير قبل أيام بمناسبة حلول شهر أحزان آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين حيث قال دامت بركاته:

(إنّ الأئمة الأطهار، من الإمام السجّاد ومن بعده صلوات الله عليهم أجمعين، وكذلك التابعين للأئمة، أي أعاظم فقهاء الإسلام عبر التاريخ، لم يكن تعاملهم مع الشعائر الحسينية المقدّسة كتعاملهم مع أعظم الواجبات من بعد أصول الدين، أي التوحيد والنبوّة والإمامة والعدل والمعاد).

وقال أيضاً في إشارة منه لواقعة الحرّة والثورة ضد يزيد:

(اقرأوا عن واقعة الحرّة بشكّل جيّد، فهي موجودة في بحار الأنوار، وفي تواريخ العامة كالطبري وابن الأثير وابن خلدون الملعون، وتأمّلوا: لماذا لم ينه الإمام زين العابدين صلوات الله عليه عن الثورة ضد يزيد لعنه الله؟

ألم يكن الإمام زين العابدين صلوات الله عليه عالماً بالقرآن؟ وهل غاب ـ والعياذ بالله ـ عن الإمام السجّاد صلوات الله عليه قوله تعالى: ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)؟ ولماذا لم يعدّ الإمام صلوات الله عليه، الثورة ضد يزيد لعنة الله عليه بأنها إلقاء النفس في التهلكة؟

فإذا لم يقل الإمام السجاد صلوات الله عليه حول ثورة أهل المدينة بأنها (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، لماذا صار البعض يردّدها الآن؟

فنحن قرأنا ونقرأ في الأصول والفقه بأن تقرير المعصوم حجّة وهكذا قول المعصوم وفعل المعصوم. فما يعني إقرار الإمام السجاد صلوات الله عليه وسكوته وعدم نهيه عن الثورة؟) انتهى كلامه رفع مقامه.

فيتّضح من ذلك أنّ الضرر الذي يرفع أهميّة الشعائر الحسينيّة ليس هو الضرر اليسير أو المتوسّط فقط، بل وذهب بعض الأعلام إلى أنّ الضرر لو كان على المذهب فله صلاحيّة أن يزيل رسماً أو قسماً أو لوناً أو طريقة من رسوم أو أقسام أو ألوان أو طرق الشعائر الحسينية . . أما الضرر الشخصيّ - وإن بلغ لحدّ النفس - فليس بمزيل للشعائر . .

هذا هو الوجه الثاني، فلا بدّ من تناسب الضرر مع حجم أهميّة الشعائر الحسينيّة ليمكنه أن يرفعها، وإلاّ فإنّ الضرر الشخصيّ على اختلاف درجاته ليس بمزيل ولا مؤثّر على الشعائر الحسينيّة. 
 
صالح المنيان ـ قم المقدسة 29 / 12 / 1434 هـ.