شبكة النبأ: الإنسان الناجح هو الذي يحرص على بناء نفسه بنفسه، فلا يترك شؤونه بأيدي غيره من حيث الإدارة والتنفيذ، لا يعني هذا عدم الاستفادة من خبرات الآخرين، لكن عندما تتحول المساعدة في بناء النفس والبيت والوطن إلى حالة ابتزاز واستغلال، حينذاك لا خير فيها، وعلى مستوى الدول وبنائها، عانى العراق كثيرا من هذا الأمر، حيث غالبا ما تتغلف المساعدات والمبادرات الخارجية بالطمع وبأهداف تعود بمصلحة هؤلاء المبادرين للبناء، فيما يُحرَم العراقيون من ثرواتهم وخيرات بأساليب كثيرة، من ضمنها استغلال ثرواته وشعبه وشبابه بأساليب مرفوضة، منها زج الشباب في مختلف دروب الانحراف، من خلال غسيل الدماغ وإدخال الأفكار الفَضَّة والثقافات المنافية لثقافتنا ونواميسنا وأخلاقنا وقيمنا أيضا.
لذلك لابد أن ينهض العراقيون بهذه المهمة الكبرى، ويتصدون بأنفسهم لقضية بناء بلدهم ماديا وثقافيا، عمرانيا وأخلاقيا، ولا يسمحوا للآخرين من أصحاب الأجندات المشبوهة بالتدخل في هذا، فلا فائدة بالسماح لأعداء العراق بالتدخل في قضية البناء المادي والفكري، لأن ظاهر ما يطرحه الأعداء جيدا في شكله، لكنه يضمر في جوهره أعمالا استغلالية كبيرة تهدف إلى تدمير البنية الفكرية الأخلاقية للمجتمع العراقي وخصوصا شبابه، لذلك من الأفضل دائما أن يقوم العراقيون بأنفسهم في عملية بناء بلدهم وترميم وتطوير قدراتهم في كل المجالات.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية):
(يجب علينا أن نقوم بدور مسؤولية بناء العراق، فإن مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة إلى جهود كثيرة وكثيرة).
ومن بين أهم المعنيين بعمليات البناء الكوادر العلمية الجامعية والخبراء والمثقفين، على أن يبادر بذلك جميع التخصصات التي يمكنها إبداء أعمال البناء والتطوير، على أن يتم ذلك بأيدي العراقيين أنفسهم وعقولهم، حتى لا يحتاج العراق إلى غيرهم، ممن يبدي حرصه على بناء العراق، لكنه في الحقيقة يخطط لنهب وسلب خيرات البلاد وثرواتها، وبات العراقيون حتى البسطاء منهم على علم ومعرفة بأهداف أولئك الذين ينظرون للعراق وشعبه وثرواته على أنهم كعكة يجب أن يتقاسموها بالتفاهم فيما بينهم وعقد الصفقات السرية بل وصل بهم الأمر إلى الإعلان في وسائل الإعلام عن أهدافهم الخبيثة بخصوص العراق.
فإذا تصدى العراقيون لعمليات البناء في المجالات العمرانية والفكرية بأنفسهم، سوف تضيع فرصة نهب الثروات العراقية على أيدي المتربصين به، لهذا يطالب سماحة المرجع الشيرازي بأن يلتزم العراقيون هذه المهمة بأنفسهم.
إذ يقول سماحته: (على طريق بناء العراق الجديد... تعقد آمال كبيرة على الجامعات، بأساتذتها الأكارم وطلبتها الأماجد، أن يقوموا بمهمتهم الأساسية بإغناء الأمة بخيرة الخبراء والمثقّفين الملتزمين، في جميع التخصّصات، لكي لا يحتاج هذا الشعب الأبي إلى غيرهم).
الطامعون بالعراق يحبون أنفسهم
من الواضح أن هناك من هو طامع بالعراق وثرواته، لذلك يسعى لاختراقه ثقافيا وتدمير هويته الخاصة حتى تسهل السيطرة على الشعب من خلال فرض الثقافة الأخرى التي تسعى لتغيير القيم الضامنة لحاضر ومستقبل العراقيين، لهذا تجد هؤلاء على استعداد دائم لتولي الاقتصاد العراقي وتسييره وتوجيهه مثلما يريدون وبحسب مصالحهم لا بحسب مصالح العراقيين، لكن كيف يمكنهم السيطرة على الاقتصاد ومن ثم إخضاع المنظومة السياسية والثقافية والإعلامية لصالح أهدافهم.
تُرى لماذا يعلنون عن استعدادهم لبناء العراقي، ولماذا يقولون إن الشعب العراقي يهمهم كثيرا!؟ في الحقيقة السبب واضح لمن يمتلك بعض الذكاء والحنكة من العراقيين، إنهم في كل الأحوال لا يحبون سوى أنفسهم، لأنهم طامعون بخيراته، وهذا السلوك بالغ الوضوح للجميع، لذا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي (هل هم يحبون العراق والعراقيين؟)، كلا بالطبع إنما هم يحبون مصالحهم ويسعون لتحقيقها بكل الأساليب المتاحة وغير المتاحة لهم، وهذا ما يوجب على العراقيين (النخب) وغيرهم، التنبّه بقوة لهذه الأساليب الناعمة ومقارعتها بقوة وفضحها وعدم السماح لها بالتدخل في الشؤون العراقية مما يعني العراقيين حصراً.
يقول سماحة المرجع الشيرازي مخاطبا العراقيين:
(غيرنا وغيركم وغير العراقيين من الآن ومن قبله يتجهّزون لأن يكونوا هم الذين يتولّون اقتصاد العراق، وثقافته ونشاطاته، فهل هم يحبّون العراق والعراقيين؟ كلا، هم يحبّون أنفسهم).
إن هؤلاء الطامعين بالعراق يخططون لإدخال الفساد في البنية العراقية، في السياسة والمجتمع، وتوسيع المجالات التي يمكن من خلالها تدمير الفكر الشبابي، من خلال محاولات الإغواء السرية والعلنية، وعبر جميع الوسائل، خصوصا ما تقدمه العولمة وأدواتها في هذا المجال كي ينحرف الشباب، وينشغلون بالتوافه وصغائر الأمور، وخاصة القضايا المادية واللهو والموضة وكل ما من شأنه أن يلهي الشباب عن أهدافهم ويجردهم من أصالتهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(هم يأتون إلى العراق في المستقبل بالفساد وبلغة الفساد، هم يأتون إلى العراق في المستقبل بإغواء الشباب وحرف أفكارهم عن أصول الدين، وأحكام الشرع المبين، وعن أخلاق الإسلام وآدابه).
توحيد الصفوف وجمع الكلمة
يطرح سماحة المرجع الشيرازي خطوات عملية للبناء، وليس أمنيات أو تصريحات كما يفعل بعض الساسة، فهناك وفق رؤية وطرح سماحة المرجع الشيرازي خطوات عملية تتمثل بإنشاء مجالس متخصصة تعمل من أجل مستقبل العراق، لكي تدرس الأوضاع والشؤون العراقية بدقة، على أن يتم تأسيس لجان مختلفة التخصصات يكون دورها متنوعا في عمليات البناء، وكل يقوم بدوره كما يجب، لتكون النتيجة توفير جميع احتياجات الشعب، وخصوصا الخدمات الأساسية، ومن ثم تطوير الوعي والثقافة والقدرة على التفاعل الجاد في البناء في شقّيه المادي والفكري، على أن تتنوع أعمال تلك اللجان ولا يصح أن تكون متشابهة في أهدافها ونشاطاتها.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي:
(من الضروري أن تنشأ مجالس من أجل مستقبل العراق، بغية تدارس أوضاع الشعب العراقي، وتؤسّس لجان ذات مهام وتخصّصات مختلفة، بحيث تعطي احتياجات هذا الشعب، دون أن يفكّر أحد بأن هناك جهات أخرى قامت بتأسيس لجان مشابهة).
إن هذا الهدف المصيري الكبير، لا يمكن أن يتحقق من خلال إثارة التفرقة والفتن بين المكونات العراقية، فالتناحر وإثارة التناقضات بين أبناء الشعب الواحد هو أحد أهم وسائل أعداء العراق كي لا تكون لديهم فرصة حقيقية لبناء بلدهم، لذلك يكمن الحل المثالي الصائب وفق رؤية سماحة المرجع الشيرازي من خلال هدف أساس وبالغ الأهمية، وهو أن يتوحد المؤمنون في الكلمة والصفوف وأن لا يمنحون أعداهم الفرص التي تمكنهم من استغلال ثرواتهم وتمزيق بلادهم وتدمير ثقافتهم، كل هذا سيكون من السهل للأعداء القيام به إذا نجحت خططهم في زرع الفرقة والأحقاد بين أبناء العراق المؤمنين.
إما في حال تنبّه العراقيون لخطط وأفعال من لا يريد الخير لهم، ويرفضون التدخل في شؤونهم، ويعتمدون على قدراتهم ومؤهلاتهم وأنفسهم، من خلال العمل بحكمة وحنكة ومثابرة، مع نبذ كل ما من شأنه أن يثير الفتن والأحقاد فيما بينهم، فإن هزيمة الأعداء سوف تكون محققة، وأن بناء العراق سوف يتم بعقول وأيدٍ عراقية وبقرار عراقي مستقل يشارك في صياغته وصنعه العراقيون المتوحدين في كلمتهم وصفوفهم، مع عدم التهاون والتفريط.
كما يعلن ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله:
(أدعو المؤمنين الكرام في العراق العزيز إلى جمع الكلمة وتوحيد الصفوف ومواصلة الأعمال بالحكمة والحنكة والمثابرة، ونبذ كل ما يمكن أن يؤدّي إلى التهاون والتفريط).