LOGIN
المقالات
alshirazi.org
خلِّدوا أنفسكم مع أهل البيت
رمز 360
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 15 أبريل 2017
شبكة النبأ: لو أننا نعود إلى بداية رحلتنا، سوف نتذكّر أشخاصاً كثيرين رافقونا هذه الرحلة، فمثلاً عندما نتذكّر بدايتنا في الصف الأول الابتدائي وما تلاه من صفوف ومراحل، سوف نتذكّر طلاّباً متميّزين، وهناك من فقدتهم الذاكرة بصورة تامّة، أمّا المتميّزون فيحفرون أسماءهم وأشكالهم في جدران الذاكرة، كونهم كانوا متميّزين، وحقّقوا نتائج متميّزة في رحلتهم الطويلة، ويبقى السؤال الأهم لماذا بعضهم بقي حاضراً في ذاكرتنا وحياتنا، ولماذا انتهى البعض الآخر وهم الأكثرية إلى النسيان التام؟
هناك مرتكزات يقف عليها النجاح، من دونها من المستحيل على الإنسان أن يحقّق النجاح المأمول، ولهذا بعضهم (الأكثرية) ينزوون في قعر الذاكرة، لأنهم لم يستطيعوا الارتكاز إلى القواعد أو الأسس أو المرتكزات التي يتطلّبها نجاح الإنسان وتميّزه في رحلته الحياتية، وهكذا ينجح بعضهم ويتميّز ويحقّق رسوخاً وثباتاً طويلاً بين أقرانه، في حين يفشل آخرون بتحقيق هذا الهدف الذي يسعى إليه الجميع، ولكن هناك من يصل إلى الهدف وآخرون لا يصلون، وكما قلنا السبب في ذلك أن الأكثرية لا تعبأ بالمرتكزات التي تدعم النجاح البشري.
هذه القواعد يحدّدها سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) بما يلي:
1-الإخلاص.
2-الأخلاق.
3-النشاط.
فإذا تمكّن منها الإنسان، ضمن التميّز والتوفيق والنجاح الذي قد يفلح بعضهم في تحقيقه ويفشل آخرون تبعاً لتحقيق المرتكزات الثلاث أعلاه.
وقد جاء في كلمة قيمة لسماحة المرجع الشيرازي وجّهها لعدد من طلبة الحوزة العلمية قائلاً ومذكّراً: (قبل قرابة قرنين، كانت في كربلاء المقدّسة، حوزة علمية، يدرّس فيها الشيخ محمد شريف العلماء قدّس سرّه. وذكروا عن تلاميذه أنّهم كانوا ألفاً من المشايخ والسادة، وكان يدرّس عليهم درس الخارج. وبعد القرنين، الذين بقيت أسماءهم، وبقي علمهم، من أولئك الألف، هم دون العشرين شخصاً، أي أن تسعمائة وثمانين منهم لم يبقى عنهم شيء يُذكر). ثم تساءل سماحته: (لماذا بقي ذكر واسم وعلم القليل من أولئك الألف من تلامذة شريف العلماء، ولم يوفّق الباقي الكثير منهم ولم تبقى حتى أسماؤهم؟).
بعد ذلك نبّه سماحته على أن هذا الأمر: (هذا يرجع إلى أمرين: الأمر الأول: توفيق من الله تعإلى. الأمر الثاني: قال عزّ وجلّ: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) سورة النجم: الآية39. أي يرتبط بسعيكم أنتم).
اقرأوا التاريخ بالتفصيل
ماذا على طالب الحوزة، أو طالب العلم، أو الإنسان عموماً أن يعمل كي ينجح في حياته؟، أليس عليه بالإخلاص أولاً، ثم لابد أن يكون من أصحاب الأخلاق المكتملة، وأخيراً عليه أن يكون نشيطاً ويتحرّك بقوّة نحو ما يريده ويسعى إليه، وعندما تتعلّق حياة الإنسان بالعلم ويريد أن يتميّز في هذا المجال، ألا تترتب عليه مهمات ومسؤوليات تتناسب مع مهنته التي هي غرس العلم والوعي والثقافة في عقول الناس.
نعم لابد لطالب العلم أن يجتهد ويتعب ويسهر ويبذل قصارى جهده كي يزرع الوعي والثقافة في عقول الناس البسطاء حتى يكونوا من المساهمين في إصلاح الحياة، ولا أرقى وأفضل وأجمل من ثقافة الإسلام ومبادئ أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولكن على طالب الحوزة أن يثقّف نفسه أولاً ويزداد من العلم ويقرأ التاريخ جيّداً، حتى يكون قادراً على أداء مهامه بصورة فاعلة.
من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي مخاطباً طلبة العلم: (مدينة بغداد لها تاريخ. وأنا أوصيكم أن تقرأوا هذا التاريخ بالتفصيل، بمشاكل مدينة بغداد وانعطافاتها، وصعودها ونزولها).
ومن مهمات طلبة العلم الإطلاع الدقيق على تواريخ المدن المهمة مثل بغداد، ومعرفة ثقافتها وسلوك مواطنيها والقيم التي يؤمنون بها، فبغداد مدينة مكتظّة بالسكّان في جميع المراحل التاريخية، فهي العاصمة لأكثر من عصر حكومي، وموقعها الجغرافي غاية في الأهمية وهي أيضاً ذات أرض خصبة كثيرة الموارد، وكان لأهلها تقاليد مهمة خصوصاً ما يتعلًق بالمناسبات التي تخصّ أئمة أهل البيت عليهم السلام، كما نلاحظ ذلك في تقاليدهم حول عيد الغدير وكيف يحتفلون فيه بذلك التاريخ الموغل في القِدَم.
من هنا يدعو سماحة المرجع الشيرازي طلبة العلم إلى أهمية مطالعة تاريخ بغداد بصورة دقيقة قائلاً: (لقد ذكروا في تاريخ مدينة بغداد، أنه كان يقام فيها صلاة العيد جماعة في يوم الغدير. وكانت بغداد ذلك اليوم أكثر من خمسة فراسخ طولاً على ضفاف نهر دجلة. وكان يُنصب في شوارع مدينة بغداد آنذاك، في يوم الغدير، موائد حلويات، ويأتي أهل بغداد، رجالاً ونساء، ويأكلون منها، ويملأون الأواني من الحلويات إلى دورهم. ويمسي المساء ولا تزال الحلويات باقية على الموائد).
ما هي مهمّة طلاب العلم؟
إنّ هذه الثقافة التي كانت تتميّز بها مدينة بغداد ومدن العراق المهمة الأخرى خاصة في الوسط والجنوب، قد تناقصت مع الزمن ثم اندثرت حتى غابت على نحو تام، على الرغم من أنهاء جزء من ثقافة أهل البيت عليهم السلام، تُرى لماذا اندثرت هذه التقاليد التي تؤكّد حبّ الناس لأهل البيت، وتربطهم بأفكارهم ومبادئهم التي هي مبادئ الخير والسعادة والنجاح.
إنّ أسباب اندثار أو ضعف أو ضمور هذه التقاليد والفعاليات، تتمثّل بما قامت به الحكومات القمعية التي تعاقبت على حكم العراق، فحاصرت الناس وطاردتهم ومنعتهم من أداء هذه الفعاليات المجتمعية التي تزيد من لحمة النسيج الاجتماعي، وكانت النتيجة هي اندثار هذه التقاليد بين أهالي بغداد بصورة كبيرة، وفي أماكن أخرى من البلاد، والسؤال هو على من تقع مسؤولية إرجاع هذه الثقافة وهذه التقاليد والمبادئ إلى سابق عهدها؟، لا شكّ أن رجال العلم هم أول من تقع عليه مسؤولية إحياء هذه الثقافة وإرجاعها كما كانت.
علماً أنّ هذا الدور لا يمكن أن يقوم به إلاّ من يعتمد المرتكزات والأسس الثلاثة التي سبق الكلام بخصوصها، حيث أهمية توافر الإخلاص والأخلاق والنشاط، عند من يريد أن ينشر ثقافة أهل البيت، ويعيد تلك التواريخ بنكهتها الحافلة بأريج العطر النبوي من خلال أئمة أهل البيت عليهم السلام، وتأثيرهم في الناس وأفكارهم وقيمهم وسلوكهم.
ولذلك يتساءل سماحة المرجع الشيرازي عن عائدية إحياء ثقافة أهل البيت، ومن الذي يتصدّى لها ويأخذها على عاتقه، فيقول سماحته: (من يُرجع هذا التاريخ إلى مدينة بغداد، ليس إلاّ أنتم. ولكن هذا الأمر بحاجة إلى ثلاث كلمات، هي: الأولى: نسبة الإخلاص لله تعإلى وأهل البيت صلوات الله عليهم. الثانية: نسبة الأخلاق الحسنة. أي الالتزام بها. الثالثة: نسبة النشاط عندكم).
وهكذا يطالب سماحة المرجع الشيرازي جميع الطلبة بأن يتميّزوا ويضاعفوا من نشاطهم على الأصعدة كافّة حتى يكون بمقدورهم إنجاز دورهم الثقافي التعليمي الديني الحيوي، كي يصلوا بالنتيجة إلى تلك الأهداف العظيمة التي تصنع الإنسان المتميّز عن أقرانه ليصبح كبيراً في مجال عمله وباقياً في ذاكرة محبّيه ومتابعيه إلى الأبد، بسبب دأبه وتعبه وجهوده المتميّزة في نشر ثقافة وأفكار أهل البيت عليهم السلام.
لذا يطالب سماحة المرجع الشيرازي الطلبة: بـ(الإكثار من النشاط، وحاولوا أن تكونوا عند مسؤوليتكم، وتخلّدوا أنفسكم مع أهل البيت صلوات الله عليهم، كما خلّد أمثال الشيخ الأنصاري وغيره من العلماء قدّس الله أسرارهم).