LOGIN
المقالات
alshirazi.org
العراق وشبابهِ عصب التشيّع
رمز 317
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 30 يوليو 2016
شبكة النبأ:إنّ جذور فكر أئمة أهل البيت عليهم السلام، تستقي مضامينها من الدوحة المحمدية، فالقيم التي آمن بها أئمة أهل البيت وطبّقوها في حياتهم، مأخوذة من الفكر المحمّدي الذي يشجّع على التعايش والتكافل والتراحم وحبّ المعرفة والاطّلاع والتعلّم، فضلاً عن القيم الأخلاقية التي تيسّر حياة الإنسان، وتجعل من شبكة العلاقات الإنسانية المتبادلة عنصراً للتوازن والتطوّر والاستمرار بسيادة العدل والإنصاف والمساواة.
هذه القيم نجدها في التعاليم والثقافة التي أسّس لها وثبّت جذورها أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم، وبات من اللازم أن يتم نشرها في بين المسلمين والعالم أجمع، ولكن هنالك شرط أساس في هذا الخصوص، إذ من المهم أن يكون شباب العراق هم النموذج للآخرين، لذا ينبغي مساعدة الشباب العراقيين على اكتساب هذه الثقافة لسبب واضح ومهم أيضاً، فالعراق بأهله وشبابه هو المكان والرمز القادر على التأثير في الآخرين.
فإذا قام المعنيّون بنشر وتثبيت ثقافة أهل البيت لدى شباب العراق، هذا يعني بالمحصّلة النهائية إمكانية انتقال هذه الثقافة إلى العالم أجمع، حيث يعدّ العراق قاعدة انطلاق للفكر المحمّدي من خلال ثقافة أئمة أهل البيت التي ينبغي إيصالها إلى الجميع دون استثناء، وهذا يعني أن ضمان نشر فكر أهل البيت وترسيخه لدى الشعب العراقي وشبابه على وجه الخصوص، سوف يؤدّي بالنتيجة إلى انتشار فكر أئمة أهل البيت عليهم السلام بين المسلمين وإلى العالم أجمع.
يؤكّد هذه الحقيقة سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمته الموجَّهة إلى المسلمين، وقد جاء فيها: (إذا تمّ تربية شباب العراق، وبالأخص شباب كربلاء المقدّسة، وفق تعاليم وثقافة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، فإنّ هذه التربية تنعكس على العالم لا شكّ).
علماً أن مركز الفكر الحسيني ينطلق من أرض العراق، لذلك إذا نجح المعنيّون بتعبئة الطاقات هنا في هذه الأرض، وإذا تمكّنوا من نشر ثقافة أهل البيت هنا، فهذا يعني انتشار هذا الفكر في العالم أجمع، بسبب التأثير الإيجابي لأهل العراق على الزائرين الكرام، كونه يحتضن مراقد أئمة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، فهو النموذج الأنسب والأفضل للمسلمين وللعالم أيضاً.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته التي ألقاها مؤخّراً بحضور عدد من المسلمين: (إنّ العمل في العراق ينعكس في العالم، والعمل في أيّة نقطة أخرى غير العراق لا ينعكس على العالم. فيجب تعبئة الطاقات في مجال التربية وفق تربية أهل البيت صلوات الله عليهم).
قمّة التشيّع في أرض كربلاء المقدّسة
كربلاء المقدّسة دخلت التاريخ الإسلامي والإنساني من أوسع أبوابه، بعد أن احتضنت ضريح الإمام الحسين صلوات الله عليه سبط الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، الذي قدّم دماءه وذويه قرباناً لسموّ الإسلام وثباته، وإنقاذه من الانحراف على أيدي السلاطين الأمويين الطغاة المنحرفين، لذا فإنّ عصارة الفكر المحمّدي الحسيني ينطلق من هذه الأرض، في كربلاء المقدسة.
وطالما أن هذه الأرض المقدّسة محط أنظار المسلمين من دول ومناطق الدول في العالم كلّه، فإنّ الشباب العراقي الكربلائي ينبغي أن يمثّل النموذج الإسلامي لهؤلاء القادمين من أرض بعيدة من أنحاء المعمورة، حتى تنعكس أخلاق أهل البيت عبر الإنسان المقيم في كربلاء والعراق لينتقل إلى الزائر الذي يقوم بدوره في نقله إلى بلده وشعبه، وهذا يشمل جميع زوّار أبي عبد الله الحسين والمراقد المقدّسة المنتشرة في ربوع العراق.
حيث يزور مدينة كربلاء المقدّسة ملايين الزوّار على مدار العام، ويجد هؤلاء الزوّار النموذج الإسلامي الحسيني في كربلاء، ومن هذا الحضور والاحتكاك والملاحظة والرؤية سوف ينقل الزوّار فكر أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم إلى أبعد مدن العالم، لذلك ينبغي العمل على نشر وتثبيت الفكر الإسلامي المحمّدي الحقيقي هنا في هذه أرض كربلاء المقدّسة، كونها تعكس قيم أهل البيت صلوات الله عليهم إلى العالم أجمع.
كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ الذي يأتي إلى كربلاء المقدّسة من أوكرانيا مثلاً أو أميركا أو أفريقيا وغيرها من دول وقارات العالم، ويلتقي بأهالي كربلاء، كالعطّار والبقّال وسائق الأجرة وخادم الحرم الشريف والبائع وغيرهم، فسوف يكوِّن انطباعه من هؤلاء).
ولهذا السبب يمكن أن نعدّ العراق عصب التشيّع من دون أدنى شكّ، فمن هذا البلد، من مدنه المقدّسة بأئمة الدوحة المحمدية، من أرض كربلاء المطهّرة بدم الإمام الحسين صلوات الله عليه ينطلق التشيّع إلى عموم أمم وشعوب العالم، بالقيم العظيمة التي يحملها، أما السبب في ذلك فهو واضح ومعروف للقاصي والداني، لأننا في هذه الأرض نكون على تماس مباشر مع الأفكار والقيم والأخلاق العظيمة لأهل البيت صلوات الله عليهم، التي أخذوها عن جدّهم الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله.
لهذا السبب يرى سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (إنّ العراق عصب التشيّع لا غيره، بلا شكّ).
وفي الواقع أن هذا التوصيف الدقيق والصادق والحسّاس، لا يحتاج إلى إثبات، فهذه الأرض التي تضمّ في ثراها أطهر الدماء وأقدس الأضرحة كونها تضمّ أئمة ينتمون إلى سلالة الدوحة المحمّدية، وهذه الأرض، هذه التربة المقدّسة الطاهرة، تصلح بلا أدنى شكّ أن تكون نقطة انطلاق للإسلام الحقيقي المحمّدي إلى ارجاء العالم كافّة.
العاقبة للمتّقين
وثمة سؤال يدور بين العراقيين أنفسهم، وأيضاً يتساءل الآخرون، لماذا تتكالب دول الجوار على أرض العراق، مع أن هذه الدول مكتفية من حيث الموارد وسعة الأرض وما شابه من مزايا، لماذا تأتي هذه الدول إلى العراق لتفتعل الصراعات فوق أرضه، ولتجعل من أرض العراق ساحة لتصفية الحسابات، والتكالب على المصالح وما شابه.
لماذا تتنازع هذه الدول فيما بينها فوق أرض العراق، ولماذا تحرم شعبه من العيش بسلام، أليس العراقيون مسلمين، ألا يستحقّ العراقيون العيش كما تعيش شعوب الجوار؟، بماذا يختلف العراقيون عن الآخرين، أليست هذه الدول تمتلك من الثروات ما يفوق ثروة العراقيين من نفط أو زراعة أو صناعة أو موارد مختلفة، اذاً لماذا هذا التكالب الغريب على هذه الأرض؟؟
سماحة المرجع الشيرازي، يشير إلى هذه القضية في كلمته نفسها فيقول: (مع شديد الأسف إنّ دول الجوار ودول أُخر تتكالب على أرض العراق، وتتنازع وتتعارك على أرض العراق. ومع ذلك فإنّ القرآن الكريم بشّرنا بقوله تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) سورة الأعراف: الآية 128).
لا يزال الوقت متاحاً لدول الجوار، حكومات وشعوب، أن تعي حجم المشكلات التي تتسبّب بها للعراقيين، عندما تتنازع فوق أرضه، وتثير الفتن والنزاعات، وتنشر الصراعات وعدم الاستقرار في هذا البلد، وهو بلد أئمة أهل البيت الأطهار الذي لا يستحقّ كل هذه الأحقاد من دول الجوار التي تتكالب عليه باستمرار، وكأنها تستكثر على العراقيين المسلمين أن يعيشوا في بلادهم بأمن واستقرار وسلام، وأن يستفيدوا من ثرواتهم ويوظّفوها لخدمة الاسلام والمسلمين وخدمة أنفسهم أيضاً.
لا شكّ أن حكومات الدول المجاورة للعراق، تعي تماماً أنها لا يحقّ لها اختلاق الفتن والصراعات فوق أرض العراق، ولا يحقّ لها أن تتجاوز على أرضه أو على حقوق شعبه، وعليها أيضاً أن تؤمن بقواعد الجوار الصحيحة، وأن تنظر إلى أهل العراق على أنهم إخوانهم في الدين والإنسانية، وهم مسلمون مثلهم، لذلك ينبغي الوقوف إلى جانبهم بدلاً من التكالب عليهم.
في كل الأحوال، وكما تذكر لنا تجارب التاريخ الماضية أن العراق والعراقيين تعرّضوا لمثل هذه الانتهاكات والتجاوزات، وأنهم بالنتيجة يعبرون المخاطر ويتخلصون منها، ليعيشوا الحياة الآمنة التي تليق بهم، وتبقى هذه الأرض مناراً للمسلمين أجمع، وتبقى الأرض التي تعكس ثقافة أهل البيت صلوات الله عليه إلى أبد الآبدين.
كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: (إنّ العراقيين أثبتوا بأنهم قادرون على أن يعبروا المخاطر).