شبكة النبأ: كل النظريات والأفكار والمبادئ النظرية، لا يمكن إثبات صحّتها إلاّ من خلال تطبيقها على الواقع، فإذا تلاءمت مع الإنسان الفرد والمجتمع، وتوافقت مع الظروف التي تحيط بها، أصبحت هناك قدرة على تطبيقها، بما يحقّق مصلحة الإنسان في شقّيْها المادي والروحي ـ المعنوي، بمعنى أن الفكر النظري، قد يكون صالحاً للإنسان ومفيداً له ومحقّقاً لتطلّعاته، وحامياً لحقوقه وكرامته، وقد يحدث العكس، بمعنى قد يكون الفكر سبباً في إلحاق الضرر الفادح بالإنسان الفرد والمجتمع، لذلك يبقى الواقع والتطبيق العملي للمبادئ والأفكار، هو المعيار الأكثر دقّة على الفائدة التي تحقّقها تلك المبادئ للناس.
وثمّة شرط آخر لابدّ من توافره، يتعلّق بأهمية الالتزام بجوهر الأفكار والنظريات والمبادئ، والحرص على التطبيق الأمثل لها، وعدم تشويهها بالأقأويل المنحرفة، حتى لا تتم الإساءة للفكر إذا كان مناسباً وصالحاً للإنسان، ولدينا أمثلة قريبة حول الإسلام، يمكن أن نأخذها من الواقع الراهن لندعم ما ذهبنا إليه، فهناك من يعلن نفسه أنه مسلم وانه حريص على الإسلام، لكن واقع الحال يؤكّد أنه يشوّه الإسلام بأقواله وافعاله، كما حصل مع (العصابات الداعشية مثلاً)، وكذلك ما قامت وتقوم به جماعات تنسب نفسها للإسلام لكنها تسيء له في وضح النهار، فتعطي صورة مشوّهة للعالم أجمع عن الإسلام وهو منهم براء. لذلك لابد أن يكون عمل الإنسان صالحاً، حتى يمكن أن يُنسَب للإسلام الحقيقي.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته التوجيهية، في هذا المجال: (يذكر لنا الباري تعالى في كتابه الحكيم، أنه إذا ما نوى الإنسان على القيام بعمـل صالح، أثبتت له، ولكن إذا نوى سوءاً، ولم ينفّذ نيّته، لم يكتب عليه شيء. هذا من الناحية الشرعية، غير أنه من الناحية الدنيوية، فإنّ النوايا السيّئة تترك آثارها السلبية، فالقلب النظيف والنفس الطيّبة، يتمتّعان بالهدوء والاستقرار).
إذن ليست هناك عقوبة على من ينوي الإساءة للآخر أو لنفسه، إذا لم يقم بها عملياً، ولكن تبقى أضرارها النفسية والإيمانية قائمة، ومؤذية للإنسان، ذلك ينبغي أن يكون فكر الإنسان ونواياه سواءً حولها إلى واقع عملي أم لا، ينبغي أن لا يكون الشر مصدرها، أو المحرك الذي تنطلق منه، بمعنى ينبغي أن يكون الفكر الجيّد والنوايا الحسنة هي المنطلق الفكري الدائمي للإنسان.
الجهاد الأكبر جهاد النفس
إنّ مصدر المواهب والقدرات التي يمتلكها الإنسان، هو الله سبحانه وتعالى، لذلك حتى عندما يعمل الإنسان بجد وينجح ويحصل على مكافآت مادية مجزية ينبغي أن لا يفرح ولا يأسى على ما فاته، لأن الله تعالى هو مصدر النعم كلّها، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله في هذه الكلمة القيّمة: (المطلوب من كل إنسان أن لا يفرح أو يأسى على شيء ما يحبّه ويهواه، وعليه أن يتذكّر دائماً أن كل النعم التي عنده هي من الله عزّ وجلّ، فإن تجدّدت فهي نعمة أخرى ينبغي الشكر عليها، وإن زالت فهذا شأن الدنيا ونعيمها، فكلّها أمانة عند الإنسان لابدّ أن يفارقها يوماً تأخّر أو تقدّم).
لذلك لا ينبغي أن يبقى الإنسان أسيراً للتمنّي، أو الخيال أو الحلم، بل عليه العمل بجديّة لتحقيق النتائج الجيّدة له وللمجتمع عموماً، حتى يكون الله تعالى داعماً له، من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه على أن: (المهم هو العمل، وهذا يحتاج إلى تمرين وتذكّر دائم، والإنسان إذا سار في طريق الله تعالى فإنّه يعينه بلا شكّ، وقد وعد الله المؤمنين ذلك، إذ وعدهم بالنصر إن جاهدوا في سبيله، سواء جهاد العدو الخارجي أو الجهاد للتغلّب على العدو الداخلي وهو النفس، وهذا ما سمّاه النبي صلى الله عليه وآله بالجهاد الأكبر).
ولابد أن يهيّئ الإنسان إرادته وكل قدراته للمضي في الجهاد الأكبر وهو (جهاد النفس)، فالنفس عندما تكون هي القائدة للإنسان سوف تحطمه، لأنها تطالب بتحقيق رغباتها وأهواءها، وسيكون الإنسان ذليلاً أمام نفسه إذا كانت هي التي تتحكّم به وتقوده حسبما تشتهي وترغب، أما إذا حدث العكس واستطاع الإنسان أن يجاهد ضد نفسه ويقودها كما يريد هو، فهذا هو المطلوب وهذا هو الجهاد الأكبر.
لذلك ينبغي على الإنسان أن يطلب العون من الله على نحو مستمر ودائم، وفي الوقت نفسه يستمر في جهاد نفسه، حتى يسيطر عليها ويقودها في الاتجاه الصحيح، الذي يريده الله تعالى، وتطالب به المبادئ الإسلامية، وهذا الاتجاه يخلو من ظلم الآخر أو قمعه أو التجاوز على حقوقه، لأن جوهر الإسلام هو إحقاق الحق، وإزهاق الباطل، وعندما يسود الإسلام الحقّ يسود العدل في العالم كلّه، وعند ذاك سوف يقتنع العالم كله بجوهر الفكر الإسلامي الذي يصب في صالح الإنسان وليس ضده، كما يحاول ذلك جماعات تطلق على نفسها إسلامية، لكن سلوكها العملي وحتى الفكري يشوّه الإسلام ويعطي للعالم انطباعاً سيّئاً عنه، لذا لابد أن يكافح الإنسان نفسه ورغباتها حتى يقودها في الطريق السليم. من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ المؤمن إذا استعان بالله وسار في طريق جهاد نفسه، أتاه المدد والنصر من عند الله عزّ وجل).
العمل لنشر ثقافة الإسلام
إنّ العمل الصحيح، يستوجب منّا أن ننشر الثقافة الإسلامية الصحيحة، ولا يمكن أن يتم ذلك إلاّ من خلال طريقين:
الأول: العمل على مراقبة الذات، ورفض محاولات الاستعلاء التي تقوم بها ضد الآخر، وتحديد رغباتها التي تسيء للإنسان، وأهمية التزام مبادئ وثقافة الإسلام التي تراعي الإنسان كيانة وكرامة مادية ومعنوية.
الثاني: التصدّي لجميع الأفكار والمحاولات والخطوط العملية التي تحاول أن تشوّه الإسلام، بأقوالها وأفكارها وأعمالها، وهي تبغي من وراء ذلك أن تعطي إشارات للعالم أجمع، على أن الإسلام هو فكر متعصّب وثقافة متطرّفة لا تقبل الآخر ولا تسمح بالحوار وما شابه، ولكن الإسلام الصحيح هو الذي يؤكّد أن (لا إكراه في الدين)، وأن الحريّة يضمنها الإسلام في حدود خدمة الإنسان والمجتمع، لذلك علينا جميعا العمل في هذا الإطار الواضح نظراً للظروف الراهن المناسبة القائمة على الأرض.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: إنّ (الوقت الحالي هو أفضل وأنسب وقت لنشر الثقافة والفكر الإسلامي في العالم، وهذا واجب جميع المسلمين).
من هنا لابد لنا من العمل المتواصل والمخطّط له، من أجل نشر ثقافة الإسلام الحقيقية، وليس المنهج الذي يسمّي نفسه بالإسلام ولا يعمل وفق تعاليمه ومبادئه، وبالنتيجة فإنّ الذي لا يتمسّك بجوهر وثقافة الإسلام الصحيحة، سوف يسيء للإسلام وجوهره الإنساني المتسامح، وهذا ما تقوم به فعلاً تلك الجماعات التكفيرية التي تذبح الناس وتنسب أعمالها هذه إلى الإسلام وهو منها ومنهم براء.
لذلك علينا أن نسعى في مسار العمل الصالح، وعلينا أن نبيّن للعالم أجمع، ما هو الإسلام الصحيح، وما هي الثقافة الإسلامية التي تستمد منهجها من القرآن الكريم ومن السيرة النبوية العظيمة وسيرة الإمام علي أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكلمته القيّمة نفسها: (توجد في الدين الإسلامي قوانين وأحكام، إذا اطّلعتْ عليها شعوب العالم، وأدركتْ هذه الشعوب الإسلام الحقيقي، وفهمتْ حقيقة أحكام إسلام الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لانجرّ العالم بأكمله إلى الإسلام وقبل أحكامه وتعاليمه).