LOGIN
المقالات
alshirazi.org
ما يريده الإمام المنتظر عجّل الله فرجه وما نحن إليه ذاهبون
رمز 196
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 12 يونيو 2014
شبكة النبأ: في مسيرة النمو والارتقاء في الحياة، تواكب الإنسان حالتان: الأولى: نفسية داخلية، تتمثّل في الرغبة والحبّ للأشياء، والثانية: تتعلّق بالواقع الخارجي، وتتمثل في جملة من الاستحقاقات والواجبات المترتّبة على ما يريده الإنسان ويطمح إليه. وهذا تبدو مسألة طبيعية، فهنالك الكثير ممن يحملون الطموح والتطلّع لتطوير الحاضر والمستقبل. فيرغبون في زيادة الثراء والتملّك وتحصيل الوجاهة الاجتماعية وحتى المكانة السياسية.. هذه الرغبة والنزعة النفسية تتقدّم ـ ربما من حيث لا يشعرون ـ على المقدّمات والشروط اللازمة لتحقيق هذه الرغبات والطموحات. لذا نلاحظ النجاح يكون حليف أولئك الذين وفّروا القدر الأكبر من تلكم الشروط اللازمة.

وهذا ينطبق تماماً على علاقتنا بالامام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف حيث يعمّ الشعور بالأمل بتحقّق اليوم الموعود والإيذان بالفرج الظهور العظيم، بل في الوقت الحاضر، وفي عصر الغيبة، كل واحد يُمنّي نفسه بلقاء الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لقضاء حوائج عديدة مستعصية، ربما تكون في أحكام الدين، أو قضايا تتعلّق بمصير الأمّة، مثل الأزمات الأمنية والسياسية وغيرها، وحتى لحاجة شخصية، مثل طلب الشفاء من مرض عضال، أو غير ذلك.. لكن هل يتحقّق هذا بالمجان ودون شروط ومقدّمات مسبقة؟

سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يذكّرنا بالاستحقاقات إزاء الامام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف لتحقيق الهدف المنشود بلقائه وتكحيل الناضر بمرآه.. ففي فصل خاص بالإمام الحجّة، من كتابه (نفحات الهداية) يؤكّد سماحته على ما يتوجّب علينا فعله قبل التفكير بتلك اللحظة التاريخية، فإنّ (الأمل بزيارة حضرته في عصر الغيبة، لهو مطلب مهم، لكنه رغبة عظيمة، فمن وفّق لها فقد نال مقاماً شامخاً وشرفاً رفيعاً، ولكنها تبقى دون الوظيفة..). وفي مكان آخر يتسائل سماحته: (هل هذا ما يريده الإمام منّا؟).

مسؤولية طلب العلم

يتصوّر البعض أن مسيرة طلب العلم، أي علم.. لا تقبل سوى شريحة معيّنة من المجتمع، أو من لهم مواصفات معيّنة، ربما تكون منها الإمكانية المادية، أو الظروف الاجتماعية والمحيط الأسري المساعد، أو عوامل وظروف أخرى، وهناك من يتذرّع بعدم توفّر هكذا شروط، فإنّه معذور من مواصلة الدراسة وتحصيل العلم.. نعم؛ ربما يكتفي ببعض المراحل الأولية التي يتقن فيها القراءة والكتابة، ربما لتسهيل أمر معيشته وأن لا يقع فريسة النصب والاحتيال خلال ممارسته الأعمال الحرّة وكسب لقمة العيش.. فما الذي يدفعه لأن يكون طبيباً أو مهندساً أو محامياً ـ مثلاً ـ أو عالم دين أو حتى مثقّفاً وواعياً بأمور السياسة والفكر والقضايا الكبرى في المجتمع والأمة، ما دام قادراً على كسب مردود مالي جيد يقضي به أيّام حياته ويسدّ به حاجته وحاجة أسرته؟

ويصرّح سماحته بوضوح إلى أن (الطموح للقائه عجّل الله تعالى فرجه الشريف ليس هو الواجب، لأن الواجب مقدّم على الرغبة، والواجب هو معرفة الواجبات الشرعية والعمل بها وتحديد المحرّمات والاجتناب عنها، تجاه النفس والآخرين. وتعليم الجاهلين كل حسب قدرته ومعرفته. والسعي لكسب المزيد من المعرفة على هذا الطريق).

نحن نتكلّم عن الأزمات والفتن المحيطة بنا، والتي تحرك فينا دائماً مشاعر الشوق للقاء الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف والاقتراب منه والاستضاءة بنوره والاهتداء بإرشاداته التي نعتقد أنّها طوق النجاة الوحيدة، لكن ربما تغيب عنّا أسباب ومناشئ هذه الأزمات.. انها من الجهل حيناً، ومن غياب الحقائق حيناً آخر، وأيضاً من المحاولات والمساعي المحمومة للتضليل والتغرير التي نشهدها في الساحة بما تذكي نار الفتن السياسية والطائفية، بحيث تجعل البعض من الناس يهرولون نحو الموت راغبين طائعين!

وعلى الصعيد الاجتماعي، نلاحظ تداعيات خطيرة للجهل بالأحكام والتعاليم، وتشوّه للقيم والمفاهيم، فهنالك القراءات والأفهام المتعدّدة، وكلٌ له رؤيته الخاصّة ليس فقط بالنسبة للنصوص الدينية، بل حتى في المفاهيم الأخلاقية والإنسانية، فهو يفهم التعاون والتكاتف وتقارب وجهات النظر بما يحقّق مصالحه الخاصّة لفترة معيّنة ولظروف خاصّة، ولا علاقة لها بالبناء الاجتماعي ومستقبل المجتمع والأمّة.

لذا نجد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يؤكّد في سياق حديثه عن علاقتنا بالإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف على ضرورة تحصيل العلم والمعرفة وتعليمه الناس، ليس لفئة معيّنة أو لمحيط معيّن، إنما يشمل كل أفراد المجتمع وفي جميع شؤون الحياة، فهي (مسؤولية تقع على عاتق الرجل والمرأة والزوج والزوجة، والأولاد والآباء والأمّهات، والأساتذة والتلاميذ، والباعة والمشترين، والمؤجّرين والمستأجرين، والجيران والأرحام، وفي كل الظروف والأحوال).

إنّ معرفة الإنسان الواجب تجاه نفسه والآخرين، تمثّل خطوة الأساس لتكريس القيم والمفاهيم التي من أجلها ينهض الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف وإلاّ كيف يمكن أن يكون شخصاً ما سبباً في غياب الأخلاق والإنسانية ـ بشكل أو بآخر ـ ثم يتوقّع أن يظهر له الإمام الحجّة المنتظر؟! هذه المعرفة هي التي تمهّد الطريق لمعرفة الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف وما يريده منّا حقّاً.. وهو معرفة الإسلام، تلك المعرفة الحقيقية الشاملة، وأن يكون هذا الدين، ليس فقط شعارات أو كلمات أو طقوس ومفاهيم قشرية، إنما منظومة متكاملة للحياة، يسعد بها الإنسان في شتى الظروف والأحوال. هذه المعرفة ـ بدورها ـ ستقلّل من نسبة الانحراف والخطأ في تعاملاتنا اليومية، سواء على صعيد الأسرة والعلاقات الاجتماعية، أو على صعيد المعاملات التجارية أو حتى الحياة السياسية وغيرها.

مسؤولية التغيير

ربما لا يختلف معي الكثير، في وجود ظاهرة التواكل في أمر التغيير الاجتماعي والسياسي، رغم وجود الأزمات الخانقة، فكل من تراه يعدّ نفسه دون المستوى المؤثّر في الأحداث والواقع، فهو ليس سوى مواطن بسيط وفرد عادي في المجتمع، إنما المسؤولية تقع على المسؤول في الدولة، أو عالم الدين أو الشخصيات المتنفّذة في المجتمع والدولة. ومردّ هذا إلى القبول بالمستوى الثقافي والعلمي المتواضع لدى شريحة واسعة من المجتمع. من هنا يرى سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، في أمر التغيير الشامل، مسؤولية جماعية، وليست فردية فقط. وينقل رأياً من الفقهاء (بأن على كل شخص أن يسعى للحصول على ملكة العدالة في نفسه). بمعنى أن يكون لدى كل فرد في المجتمع طموحاً علمياً ومعرفياً عالياً تمكّنه من تحصين نفسه من الانزلاقات، سواءً في الأحكام الدينية أو القيم الأخلاقية والإنسانية.

وهنا يبيّن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله القيمة الحقيقية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف يكون واجباً كفائياً، عندما ينسبه إلى العلم بدرجة (الوجوب المطلق وليس المشروط، ولكنه واجب كفائي، فإذا لم يكن من فيه الكفاية صار واجباً عينياً عليه أيضاً، أي ان على كل شخص مكلّف أن يتعلّم الواجبات والمحرّمات التي عليه وعلى الآخرين العمل بها وتعليمها والأمر بها للوصول إلى حدّ الكفاية).

هنا نفهم؛ أن المجتمع الذي يسوده طلب العلم والتعليم ثم التغيير، لن يجتاحه المنكر والانحراف وأي نوع من أنواع الفتن والمحن، فالواجب الكفائي الذي يتحدّث عنه سماحته، يكون في إطاره الصحيح، عندما يكون الجميع ـ أو لنقل غالبية المجتمع ـ على مقدرة تامّة لصدّ وتغيير ذلك المنكر والأمر والدعوة إلى المعروف والإحسان وكل المفردات الأخلاقية والإنسانية، والنتيجة تكون تراجع المنكر والانحراف لصالح المعروف والخير والصلاح، وهذا تحديداً ما يريده منّا الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.