كتب: ياسر محمّد
تتعدّد الرؤى والأفكار الاجتماعية والدينية والسياسية في كل مجتمع من المجتمعات، وما يؤصّل لنجاح أيّ فكرة من الأفكار وجود جمهور واسع لها على أرض الواقع, يتقبّلها ويعمل على إشاعتها والدعوة لها. وأول ما يعطي الفكرة رواجاً وقبولاً وجود تعريف وأساس واضح يبيّن المسار الذي ستسير فيه وتعطي للمجتمع ثقة تامّة بحقيقة المشروع ووضوح رؤيته.
ومن الأفكار التي ينادى بها بشكل متكرّر وبعيداً عن مراكز اتّخاذ القرارات في السنين الأخيرة، الوحدة الإسلامية في العالم الإسلامي, ولكن دون وجود تعريف نهائي وصريح تنتهي عنده مشكلة الأطروحات الفردية التي تردف امتعاضها من أيّ فكرة أو ممارسة دينية أو عقدية بأنها تقف ضد مشروع الوحدة, وعلى المجتمع الكفّ عنها وتجاوزها. فهناك الوحدة السياسية, وهناك الوحدة الدينية, وهناك الوحدة الاجتماعية، فأيّ تعريف تذهب له الوحدة الإسلامية اليوم؟
وقد دار الحديث حول رأي المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي قدّس سرّه الشريف, في موضوع الوحدة الإسلامية بوضعه قبالة الكثير من المعتقدات والدعوات الدينية الحديثة بأنها ليست من متطلباته وبعيدة عن رؤاه الفكرية والدينية. وخلال هذه القراءة السريعة نتطلّع لمعرفة رأيه حول الوحدة الإسلامية في واحد من أهم المصادر المعروفة ألا وهو: من فقه الزهراء صلوات الله عليها.
حيث يتحدّث في جزئه الخامس حول قضية الزهراء صلوات الله عليها ووجوب تبيين الحقائق مفصّلاً، فـ(لا ينبغي الإصغاء لمن يردع عن ذلك بدعوى أنه مخلّ بالوحدة) (1). ويبرّر إلى ذلك بأربعة أمور.
فيرى أنه (لا تعني الوحدة عدم البحث والحوار والدفاع عن المعتقد، بل تعني التنسيق والتعاون في قبال العدو المشترك وفي نقاط الاشتراك، بل إن الوحدة المبنية على فتح باب الحوار بحريّة تامة ستكون أعمق وأوثق، وستدفع نحو التقارب الثقافي والفكري أكثر فأكثر، وغيرها ليس أكثر من تظاهر ونفاق عادةً، وبعبارة أخرى ينبغي أن تتكامل قيمة الوحدة مع قيمة الحريّة لا أن تلغيها) (2).
ويبرّر المرجع الشيرازي الراحل بأن ما يقال من أن الحديث حول بعض الأمور بأنه منافٍ للوحدة بأنه (لو صحّ ذلك لكان الرسول صلى الله عليه وآله أول مخلّ للوحدة عندما عيّن أمير المؤمنين عليّاً صلوات الله عليه، وأخذ يعدّد مناقبه وخلافته وهو يعلم بأن العديد سوف لا يستجيبون، لأنهم بينهم وبينه ثارات بدر وحنين، ولغير ذلك) (3). مضيفاً بأن (نفس كلام الصدّيقة الكبرى صلوات الله عليها, هذا وسائر ما احتجّت به عليهم دليل على أن الوحدة المطلوبة لا يصحّ أن تمنع الإنسان عن بيان معتقده ورأيه (4).
وقد وضّح المرجع الراحل نوع الوحدة التي يذهب إليها وما إذا كان السكوت عن بعض الحقائق مطلباً لإنجاح مشروع الوحدة مبيّناً بأنه (لا يمكن إهمال مثل: الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأدلة النهي عن المنكر، وتنبيه الغافل، وإرشاد الجاهل، وما إلى غير ذلك، وتفصيل الكلام في محلّه. ومن الواضح أن الوحدة لا تشمل المعتقدات، بل تشمل -في الجملة- الأمور السياسية وما شابهها بحسب الموازين الشرعية). (5)
ومما سبق وبقراءة مختصرة يتضح مطلب الشيرازي أعلى الله درجاته ورؤيته حول موضوع الوحدة الإسلامية, فيما يعطي دلالة صريحة على أن ما يذهب إليه بعض المثقّفون من طرح الوحدة الإسلامية في الوقت الراهن ودعواتهم لعدم الخوض في التاريخ, بأن ذلك من منهج الوحدة الإسلامية لدى الشيرازي الراحل لا يتفق مع الأفكار والمطالب التي تمّ التطرّق لها في هذه القراءة السريعة.
ـــــــــــــــــ
(*) العنوان مقتبس من عنوان فرعي في موسوعة: من فقه الزهراء صلوات الله عليها, ج5.
(1-5) الشيرازي، محمد الحسيني- موسوعة: من فقه الزهراء صلوات الله عليها، المجلّد الخامس.