LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الإرادة المؤمنة تصنع الحياة
رمز 120
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 28 فبراير 2013
شبكة النبأ: معظم المصلحين والمفكّرين والفلاسفة، ينصحون الإنسان برسم الهدف الذي يبتغيه مسبقاً، ثم يسعى إلى تحقيقه بإرادة عالية وقويّة، مشروطة بانتهاج السبل المشروعة لتحقيق ذلك الهدف، ويؤكّد هؤلاء أن ليس هناك أمراً مستحيلاً، إلاّ ما هو خارج طاقة البشر وقدراته، ولكن إذا توافرت الهمّة الكبيرة والإرادة القويّة، فإن الوصول إلى الهدف المبتغى، سوف يتحقّق آجلاً أم عاجلاً لصنع الحياة الأفضل.

إنّ عالم اليوم مبتلى بأنماط شتّى من الجهل، وعلينا أن نتعامل مع هذا الحال بهمّة الرجال الأقوياء، أصحاب الإرادات الكبيرة، وهناك أسلوب ومنهج ينصحنا به سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، مؤكّداً في هذا الصدد على: (أن عالم اليوم مبتلى بجاهلية من نوع جديد، لكن إذا قمنا بتعريف تعاليم النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، وهي أحسن التعاليم وأفضلها وأرقاها، التي لم تعمل بها أيّ حكومة، فإنّ الناس بالعالم سيعتنقون الإسلام بلا أدنى تردّد).

منهج أهل البيت عليهم السلام
من الواضح ان الهمّة العالية تحتاج إلى دعم تنظيري وعملي، لذلك لدينا منهج حاضر ومتكامل بين أيدينا، ألا وهو المنهج النبوي وأهل البيت عليهم السلام، لأن هذا المنهج يدعم توجّهات الإنسان، ويقف إلى جانب إرادته، كونها إرادة الخير والحقّ والعدالة في الحياة.

لذلك يؤكّد المصلحون، على أهمية الإرادة وتحديد الهدف المبتغى، حتى لا يبقى الإنسان تائهاً لا يعرف ماذا يريد، أو ما هو هدفه في الحياة؟ وهناك وقائع وتجارب تاريخية كثيرة، تؤكّد ان الهمم والإرادات فعلت الكثير، بل أحياناً غيّرت مجرى التاريخ، وأثّرت في الأحداث المستقبلية بصورة واضحة.

لقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي، في مقتطفات من الكلمات التي أفاض بها سماحته، على بعض علماء وأفاضل الحوزة العلمية والخطباء والشخصيّات المعروفة في الوسط العلمي والثقافي قائلاً: (كنت أطالع إحدى المجلاّت ذات مرّة، فرأيت أنها خصّصت إحدى صفحاتها لمناسبة تأسيس دويلة «إسرائيل»، ولفتت نظري صورة لأول رئيس وزراء لهذا الكيان، وهو المدعو بن غوريون، إذ التقطت له الصورة أثناء خطاب له، وكان في الجانب الأعلى صورة هرتزل... منظّر فكرة تأسيس «إسرائيل» والداعي الأول لها. لقد كان هرتزل شاباً مقيماً في ألمانيا، ولم يكن على مستوى عالٍ من الثقافة والعلم والعمل والثروة والحالة الاجتماعية، بل كان شخصاً عادياً وبسيطاً للغاية. ولكن الميزة الوحيدة التي كان يحملها هي همّته، وبهذه الهمّة أسّس الصهيونية العالمية الحديثة والتي يعتبر مشروع تأسيس «إسرائيل» إنجازاً من إنجازاتها).

وهكذا تكون الهمّة والإرادة، هي التي تقف وراء منجزات سوف يخفق في تحقيقها أصحاب الهمم الضعيفة، والدليل كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ شابّاً سيئاً يستطيع أن يكون ـ بهمّته ـ هرتزلاً آخر، كما يمكن لشابّ صالح أن يكون بهمته أيضاً أبا ذر جديد).

ولكن هناك جملة شروط ينبغي أن يلتزم بها الإنسان المؤمن حتى يحقّق أهدافه، منها كما يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي: (لكي يستطيع الشاب أن يخلق في نفسه شخصية أبي ذر رضوان الله عليه، عليه الالتزام بجملة من الشروط وأوّلها: أن يكون كل رجائه وأمله بالله تبارك وتعالى وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وأن لا يسمح للمشاكل والمصائب بتحطيم معنوياته وإيذائه نفسيّاً، لأنه إن كان ذا شخصية انهزامية، هجره الآخرون، ولن يتمكّن من إيجاد أيّة حالة إيجابية في داخله).

وأضاف سماحته مخاطباً جمع الخطباء والمثقّفين والحاضرين: (لقد جاء في التأريخ أن عثمان نفى أبا ذر رضوان الله عليه إلى الشام، وبالتحديد إلى منطقة جبل عامل في لبنان التي كانت جزءاً من بلاد الشام آنذاك. ولكن أبا ذر واجه الفقر والغربة التي نفي إليها، وقام بإنجازات، اضطر معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله إلى الاستنجاد بعثمان قائلاً: إن كانت لك حاجة في الشام، فأرسل إلى أبي ذر... محذّراً إياه من أن أبا ذر سيفسد عليه الشام، ولم يعد قادراً على مواجهة ما يقوم به من توعية الناس وهدايتهم إلاّ بواسطة استدعائه إلى المدينة المنورة).

الإرادة الفردية والإيمان
لا ينحصر تحقيق الأهداف بالجمع، لأن الفرد يمكنه أن يصنع الكثير حتى لو كان معرَّضاً للملاحقة، والنفي والإقصاء وما شابه، والدليل أبو ذر رضوان الله عليه، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي عنه: (إنّ شخصاً يعيش ظروف المنفى، يعجز عن فعل ذلك لو لم يكن مع الله تعالى، وأهل البيت سلام الله عليهم، فيكون على هذا الحجم من الخطورة على الأعداء).

ولابدّ أن يكون صاحب الهمّة والإيمان، مستعدّاً لدعم إيمانه بالفعل والجهد، لأن الشرط الثاني الذي يوجبه سماحة المرجع الشيرازي، حول تحقيق النجاح في الأهداف المطلوبة هو: (بذل الجهد الدائم. فالأئمة صلوات الله عليهم ورغم شأنهم الرفيع، ومنزلتهم وقربهم من الله سبحانه وتعالى كانوا لا يكلّون عن العمل والنشاط، وقد ورد في مضمون رواية عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، حيث أجاب من سأله بخصوص سعيه وعمله الدائم، ولماذا لا يأخذ لنفسه قسطاً من الراحة، قائلاً: إن نمت النهار ضيّعت رعيتي، وإن نمت الليل ضيّعت نفسي).

بمعنى أن الجهد الفردي الكبير، هو الذي يقف وراء الإنجاز الكبير، لهذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: (ينبغي معرفة أن كل من قام بإنجاز كبير، فإنّه قد قام به ضمن جهد جهيد وسعي حثيث. أما أبو ذر رضوان الله تعالى عليه، فلم يكن استثناءً من هذه القاعدة، إذ استطاع بجهود جبّارة أن ينال شرف هداية أغلب سكان تلك المنطقة وتشيعهم على يديه وبروز المئات من العلماء والفقهاء الشيعة من جبل عامل على مرّ التأريخ).

وهناك شرط ثالث لابد أن يتّحد مع الشرطين السابقين، لكي يضمن الإنسان نتيجة محقّقة لنجاحه، بخصوص الأهداف التي رسمها وخطّط لها، وسعى إليها، وفقاً لشروط النجاح التي ذكرها سماحة المرجع الشيرازي، مؤكّداً سماحته على أن: (الشرط الثالث: هو العمل الصحيح، أي أن يقوم الإنسان بما يقوم به - ببصيرة ووعي وإدراك تام).