LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الحاكم الأعلى ومواساة الأضعف من الرعية
رمز 139
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 26 مايو 2013
شبكة النبأ: المسؤولية إزاء الناس تكون على شكل مراحل ومراتب متدرّجة، منها السهل البسيط، حيث لا يكون العبء فيها كبيراً، ولا تشمل قرارات المنصب عامة الناس، ومنها الذي يهمّ حياة الناس بصورة عامة، وهذا يتعلّق بالحاكم الأعلى وبصناعة القرار عموماً، ولكن يبقى الموظّف الأدنى، مهما كانت مرتبة منصبه ودرجة مسؤوليته، يبقى ممثّلاً للحاكم الأعلى وينبغي أن يكون أميناً في أداء المسؤولية لأنه ممثّلاً للحاكم، فالتقصير الذي ينتج عن تقاعس الموظّف الأدنى، سيعود بالضرر على سمعة الحاكم الأعلى.

هذا الأمر يحتّم على القائد الأعلى أن يختار مساعديه وموظّفيه، والولاة بطريقة تنم عن حرص كبير وتدقيق مهم في قدرات وإمكانيات هؤلاء، فضلاً عن درجة إخلاصهم وأمانتهم في أداء مسؤولياتهم إزاء الناس عموماً، كذلك ينبغي أن يكون القائد نفسه نموذجاً راقياً للآخرين في الفكر والسلوك وطبيعة التعامل مع الشعب.

عناية الإسلام بانتخاب القائد
لهذا السبب أولى الإسلام أهمية قصوى لقضية اختيار وانتخاب القائد الأعلى للحكومة أو للأمة، كونه يمثّل نموذجاً في الإدارة الناجحة والقرارات الصائبة، فضلاً عن السلوك الأفضل والأنسب للرعية.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه القيّم الموسوم بـ(السياسة من واقع الإسلام) في هذا المجال: (من الأمور التي اعتنى بها الإسلام بالغ الاهتمام في تعديله وإصلاحه هي -الهيئة الحاكمة-، ونعني بها: الذي يحكمون الناس، من مثل: الرئيس الأعلى للبلاد الإسلامية).

إنّ الأهمية التي أولاها الإسلام لاختيار الحاكم تؤكّد بما لا يقبل الشكّ، أهمية هذا الاختيار كونه يتعلّق بحياة المجتمع عموماً لاسيما الفقراء والضعفاء الذين ينبغي أن يكون الحاكم عوناً لهم أكثر من غيرهم، لأن القوي والقادر على العيش بكرامة ربما لا يتعرّض إلى العوز ولا يسحقه الفقر، أما الفقير فهو أولى من غيره برعاية واهتمام الحاكم، لهذا السبب كانت التعاليم الإسلامية دقيقة وواضحة جدّاً بخصوص انتخاب واختيار الحاكم.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الشأن بكتابه المذكور نفسه: (انظر إلى الإسلام كيف يعيّن هؤلاء، وكيف أتقن في أمورهم. فالرئيس الأعلى، يجب عليه أن يلاحظ جميع حاجات المسلمين، فيسدّها ويغيث الضعفاء والمضطهدين، ويستمع إلى الفقراء والمساكين).

كذلك على الحاكم الأعلى أن يعي الأهمية القصوى التي تنطوي عليها مسؤوليته إزاء الناس، فالمنصب القيادي للحكم أو السلطة أو الرئاسة، لا يرفع من شأن الإنسان فحسب، بل يضعه إزاء امتحان صعب وعسير جدّاً، يجعله معرّضاً للانتقاد والحساب الدنيوي كما هو معروف، فضلاً عن الحساب الإلهي الذي ينتظره بعد رحيله عن هذا العالم.

يذكر سماحة المرجع الشيرازي في كتابه حول هذا الموضوع قائلاً: (في مفتتح خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الظاهرية بعد مقتل عثمان خطب الإمام عليه السلام خطبة ذكر فيها مسؤولية الرئيس الأعلى في الإسلام، جاء فيها ما يلي: إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أيما وال ولي أمر أمّتي من بعدي أقيم يوم القيامة على حدّ الصراط، ونشرت الملائكة صحيفته، فإن نجا فبعدله، وإن جار انتقض به الصراط انتقاضة تزيل ما بين مفاصله حتى يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة مائة عام، يخرق به الصراط، فأوّل ما يلقى به النار أنفه وحر وجهه).

مع الأضعف من الرعية
من الصفات المهمة للقائد الأعلى ولمن يمثّله من الولاة والموظّفين عموماً في عصرنا الراهن، أن يقف مع الأضعف دائماً، وأن يتم إثبات هذا الأمر فعلياً من خلال طبيعة الحياة التي يعيشها الحاكم وموظّفوه، بمعنى لا ينبغي للحاكم ومن يمثّله أن يبذخوا ويعيشوا حياة مرفّهة، وهناك أناس ينهشهم الفقر ويطيح بهم المرض والحرمان والجهل.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً حول هذا الأمر: (من تكاليف الرئيس الأعلى للدولة الإسلامية، أن تكون معيشته الشخصية ـ في مسكنه، وملبسه، ومأكله، وغير ذلك ـ مثل أضعف الرعية اقتصادياً. وهذا ما لا يوجد إلاّ في الإسلام. فإنك لا تكاد تجد لذلك من نظير في غير الإسلام. فقد طبّق ذلك في سيرة الرسول صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام).

وقد طبّق الإمام عليّ عليه السلام هذا الأمر على نفسه أوّلاً، لكي يواسي أضعف الناس حالاً، إذ نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه المذكور حول هذا الموضوع: (لقد طبّق أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام هذه الحكمة الخالدة على نفسه عندما تسلّم أزمّة الحكم في البلاد الإسلامية. فقد ورد في الحديث الشريف أنّه عليه السلام كان لا يأكل اللحم في السنة إلاّ مرّة واحدة فقط وذلك في عيد الأضحى عندما يأكل جميع المسلمين اللحم).

ولم يكتف الحاكم الأعلى بهذا الجانب فقط، بل يجب أن يكون هناك متابعة ومراقبة للولاة والموظّفين والمعاونين له، إذ ينبغي محاسبة من يخطئ منهم، فضلاً عن التوجيه المستمر لهم، لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (محاسبة الولاة والعمّال كانت في سيرة الإمام عليّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، لكي لا يستغل بعضهم منصبه ومقامه فيجمع الأموال من أي طريق حصلت, ويظلم النّاس).

كذلك مطلوب من المعاونين والموظّفين أن يقوموا بمهامهم ووظائفهم على أفضل وجه، وإن كانت مسؤولياتهم أقل من الحاكم الأعلى، وحسابهم أقل أيضاً، ولكن عليهم أن يقتدوا بسيرة الإمام عليّ عليه السلام، كونه نموذجاً إنسانياً فذّاً للحكم والتعامل مع الناس عموماً لاسيما الضعفاء والفقراء منهم.

لذلك نقرأ في الكتاب نفسه، لسماحة المرجع الشيرازي قوله في هذا الصدد: (أما الولاة, وعمّال الولاة, وإن كانت أحكامهم أخفّ من الإمام عليه السلام، ولكن يجب عليهم أيضاً أن يتّخذوا مسلك الإمام عليه السلام ويسيروا بسيرته. فإذا كان وال أو عامل لا يمضي على حكم الإسلام كان يعزل).