LOGIN
المقالات
alshirazi.org
قدسيّة العلم من واقع الإسلام
رمز 171
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 12 ديسمبر 2013
شبكة النبأ: يتصوّر البعض منّا، وهو يتقلّب بين المنتجات التقنية الحديثة من وسائل اتصال وإعلام ومستلزمات بيتية، وغيرها، مما تصدّره لنا الدول الصناعية المتقدّمة، أننا على مسافة بعيدة جدّاً مع العلم، ربما يخاله البعض أنها بين الأرض والسماء، بسبب تأخّرنا عن الركب، واكتفائنا بالاستهلاك، وبذل الأموال الطائلة لاستيراد مختلف أنواع السلع التي نحتاجها في حياتنا.

في حين مطالعة بسيطة للنصوص الدينية وتراث أهل البيت عليهم السلام، نجد أننا كنا نقف ذات يوم، في قمّة العلم والمعرفة، وكانت تنهمر من علمائنا ومن مدارسنا الاختراعات والنظريات الرائدة، لاسيما في عهد الإمام الصادق عليه السلام. وهذا يستند على قاعدة رصينة من وحي السماء، حيث جاءت التأكيدات على العلم والمعرفة في القرآن الكريم، فقد جاءت أكثر من (1500) آية كريمة تتحدث عن العلم والمعرفة، والتعقّل، والتذكّر، والتدبّر، وكل ما يرمز إلى العلم والثقافة، وإذا عرفنا أن كل ما في القرآن الكريم من آيات هي: (6400) آية، وهي تتحدّث عن شؤون الإنسان العديدة في الحياة، من طب واجتماع وسياسة واقتصاد وعلاقات اجتماعية ومعاملات وعبادات، وأيضاً عن الكون والحياة الآخرة والأحكام، بمعنى أن الحديث عن الثقافة بشكل عام، يحظى بنسبة الربع فيما يتضمّنه القرآن الكريم، أما عن المعصومين عليهم السلام، فالأحاديث كثيرة ومتواترة، لاسيما عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله.

وعندما تصدر الأهمية للعلم، من الإسلام نفسه، وليس من بنات أفكار العلماء والمفكّرين والمخترعين، كما هو السائد في بلاد الغرب، نعرف أن هنالك ما هو أكثر من الاهتمام والحرص، إنما قدسيّة كاملة.

وهو ما يسلّط عليه الضوء سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله، في كتابه (السياسة من واقع الإسلام)، حيث يفرد فصلاً عن سياسة الإسلام في الثقافة، فيؤكّد أن العلم والثقافة، ليس فقط مما يدعو إليه المعصومين عليهم السلام، والقرآن الكريم، كما هو جارٍ على مسائل اجتماعية وسياسية، واقتصادية وأخلاقية، إنما هنالك مكانة خاصّة للعلم والثقافة والمعرفة في حياة الإنسان، لابد أن يعيها ويمنحها منزلة خاصة في حياته، ويضيئ لنا بالتفاتة ذكية مستوحاة من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام، حيث يقول: (الناس موتى وأهل العلم أحياء)، فلا يخفي سماحته إعجابه بهذا الحديث، ويقول: (.. وهذه الكلمة من أروع التعبير. فالناس ـ إن لم يكونوا علماء ـ فهم أموات، والأموات لا حقّ لهم في هذه الحياة، وأهل العلم هم أحياء وهم الذين يستحقّون الحياة. فالجاهل وإن كان حيّاً في هذه الدنيا، فهو بحكم الميّت، بينما العالم، وإن كان ميّتاً منذ قرون فهو بحكم الحي).

نعم؛ هذه حقيقة يعرفها الجميع، إذ نجد آثار العلماء والمبتكرين في حياتنا اليومية، بل لهم فضل كبير في مسيرة التطوّر التي يطويها الإنسان في العصر الحاضر، ولولاهم لما تمكّن الإنسان من تبادل الأفكار والآراء أينما كان، ولما تمكّن من التنقّل والاستفادة من تجارب الحياة والتأثير عليها. بل لما تمكّن من تحقيق السعادة والرفاهية التي يعيشها اليوم. وكذلك يمكن أن نلاحظ هذه الحقيقة أيضاً في العلوم والمعارف التي خلّفها لنا علماؤنا الأفذاذ في مجالات شتى، فإلى جانب العلوم الدينية، هنالك علوم الهندسة والفلك والطب والمعمارية. وما تزال آثار هذه العلوم ماثلة أمامنا، ولو أنها مجرّد أطلال وملامح، لكنها تبقى مؤشّرات ودلائل لهذا الجيل وكل الأجيال على ضرورة إيلاء العلم أهمية بارزة في طلبه والاجتهاد في تحصيله ثم نشره في الآفاق.

سماحة المرجع يحكم الربط بين كون العلم عامل حياة للإنسان، وبين القدسيّة التي يولّيها الإسلام، وهي علاقة مفهومة ومنطقية، فلو لم تكن له هذه السمة العظيمة، لما كان مقدّساً، حيث يشير سماحته إلى الوجوب الكفائي لتعلّم كافة الصناعات والحرف، ويوضّح سماحته معنى الوجوب الكفائي بمعنى أن (لو ترك المسلمون جميعاً صنعة أو حرفة فتعطّلت عندهم أجهزة الحياة ـ ولو نسبيّاً ـ اشترك الجميع في الإثم والعصيان والمسؤولية أمام الله تعالى..). وينقل عن الشيخ مرتضى الأنصاري ـ قدّس سرّه ـ وهو يُعدّ من أعلام الفقه الشيعي، ويسمّى بالأستاذ الأعظم، وذلك في كتابه المنهجي (المكاسب) ما نصّه: (وللواجب بالصناعة الواجبة كفاية خصوصاً إذا تعذّر قيام الغير به..). ويستنتج سماحته بناءً على هذه القاعدة، بأن صناعة الطائرات ـ مثلاً ـ يُعدّ واجباً مقدّساً في الإسلام، وأيضاً صناعة المكائن والالآت الثقيلة، وحتى تعلّم صنع الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية وكيفية فلق الذرّة، وغيرها.. كلّها تعدّ من الواجبات المقدّسة في الإسلام.

وربما نلاحظ أن سماحة المرجع الشيرازي يعني بالإشارة إلى صناعات تكنولوجية متقدّمة جدّاً في مجال العلم، ولم يذكر صناعات خفيفة وبسيطة في متناول أيدينا، لأنه يريد أن يؤكّد على اننا يجب أن نتطلّع إلى أبعد نقطة في عالم التطوّر والتقدّم العلمي، ولا مجال لليأس والتخاذل والشعور بالإحباط والهزيمة النفسية، عندما تتعلّق المسألة بالحكم الشرعي والأمر السماوي، كون القدسيّة نابعة من أن التخلّي عن طلب العلم والترقّي في سلّم التطوّر والتقدّم، بمعنى إلحاق الضرر بالإسلام، وجعله متخلّفاً ومتأخّراً أمام الأمم والشعوب، وهذا ما لا يرتضيه لنا الله تعالى، بل يشكّل معصية غير مباشرة.

وإذا نلاحظ الحرص والاهتمام لدى أبناء الجيل الحاضر بالدراسة الأكاديمية، لاسيما في اختصاصات لها مكانة ومنزلة في المجتمع والدولة، مثل الطب والهندسة والقانون والاقتصاد والسياسة، ونيل الشهادات العليا في هذه الميادين، فانها يجب أن تكون مؤشّراً إيجابياً على وجود رؤية مستقبلية لتقدّم البلاد وتطوّره، ولو بعد حين، وهذا بحاجة إلى مزيد من التكثيف في الجهود وتحديد في الرؤية وإخلاص النيّة وشدّ العزيمة لتحقيق الأهداف العليا والسامية التي تتجاوز المصالح المادية والشخصية، لتصل إلى مصالح البلد والأمة، وهذا تحديداً من مفاتيح التقدّم التي حملها علماء الغرب في القرون الماضية، فقد فكّروا لأن تكون إنجازاتهم وابتكاراتهم في الطاقة الكهربائية والآلة والهاتف والطب وعلاج الأمراض، لكل البشرية، وليس له شخصياً أو لأبناء بلده، يكسب من ورائه المال والسمعة أو المنصب الزائل.