LOGIN
المقالات
alshirazi.org
تحجيم - الأنا- واحترام الآخر
رمز 179
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 6 فبراير 2014
شبكة النبأ: من أصعب الأمور التي يواجهها الإنسان في حياته، قضية تحجيم النزعة الأنانية في تركيبته النفسية، وتنمية منظومة الأخلاق التي يتعامل من خلالها مع الآخر باحترام، فالسعي لإقامة علاقات متوازنة مع المجتمع، يستدعي الركون إلى هدفين أساسين، الأول يتمثّل بالسيطرة على النفس، وكبح رغباتها وأهوائها بما يجعلها ضمن الحيّز الأخلاقي المتعارف عليه في التعامل مع الآخر، وبعد هذا التحجيم أو السيطرة على الجانب الأناني في الإنسان، لابد أن يتنبّه إلى قضية أساسية أخرى تتمثّل باحترام حرمة الإنسان وقيمته ومكانته، انطلاقاً من رؤية المبادئ الإسلامية لهذا الهدف الأساسي في صناعة المجتمع المتوازن.

إنّ الصراع يبدأ أولاً مع (الأنا)، التي تستميت من أجل أن تدفع بصاحبها إلى جانب حبّ الذات وتمجيدها وتضخيمها، بغض النظر عن المساوئ التي تتولد عن ذلك، لذا لابد من محاربة النفس، والحدّ من طلباتها المخالفة للشرع والأخلاق والأعراف السليمة المتفق عليها بين مكوّنات المجتمع، لذا يتطلّب الأمر صراعاً حادّاً وإرادة متميّزة لمقارعة النفس ومحاربتها.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في الكتاب الموسوم بـ(من عبق المرجعية) في هذا المجال: (لا تصبح الأخلاق ملكة عند الشخص إلاّ بعد أن يحارب نفسه ويخالفها، ثم يخالفها ويخالفها حتى تنمو عنده ملكة حبّ الخير في كل أبعاده). إذاً ينبغي علينا مخالفة النفس بإصرار كبير، وعلينا أن نكرّر هذه الخلاف مع النفس ونعمّقه إذا كان خارجاً عن النسق الأخلاقي السائد والمقبول، من أجل كبح جماح الأنانية المفرطة. وتهذيب النفس وجعلها تحت سيطرة إرادة الإنسان، وليس العكس، لأن تحكّم النفس بحاملها يقوده إلى الانحراف، ومن ثم الانقياد الأعمى للأنا التي ستنظر بتعالٍ للآخر، وهو أمر لا يمت للأخلاق الإسلامية الإنسانية بصلة.

التواضع والوقار والعفو
من الأمور المتعارف والمتّفق عليها، أن احترام الآخر يخفّف كثيراً من غلواء الأنانية، ويساعد الإنسان على إقامة علاقة طيّبة مع المحيط البشري الاجتماعي والعملي الذي يتحرّك فيه، ولكن تعميق هذا الاحترام يتطلّب أن يُفرض على الأنا، حتى تقبل باحترام الآخر، وقضية القبول هذه، تستدعي إرادة تقمع اندفاع النفس نحو المسار الأناني في التعامل مع الآخرين، لذلك لابد من اعتماد التواضع والعفو وقيم أخرى تهذّب النفس وتجعلها أكثر قدرة على احترام الآخرين.

لهذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي، في الكتاب المذكور نفسه، حول هذا الجانب، على أن: (المطلوب من كل واحد منّا تنمية العلاقة مع المجتمع، وذلك عن طريق الالتزام بالأخلاق الإسلامية، كالتواضع والوقار والبشر والكرم والعفو والرحمة وصلة الرحم).

هكذا يتطلّب الأمر التزاماً تامّاً من لدن الإنسان المؤمن، والقادر على ردع نفسه وترويض (أناه)، وعدم السماح لها بالتضخّم على حساب الآخرين، مطلوب منّا جميعاً أن نعي القيمة الكبيرة للإنسان، وأن نضع حرمته ومكانته في مرتبة عالية، لأننا عندما نحترم الآخر، سوف نضمن احترامه لنا، أو على الأقل سنضمن انه سيقوم بخطوات مماثلة، وبهذه الطريقة الإنسانية المتميّزة التي يحثّنا عليها الإسلام ومبادئه وتعاليمه السمحاء، نسهم جميعاً في بناء مجتمع يسوده الاحترام المتبادل، وهذه غاية تطمح إلى تحقيقها كل المجتمعات الراقية.

لذلك يتطلّب الأمر إجبار النفس على نبذ السلوك الأناني، والابتعاد عن التفكير بالمصلحة الذاتية حصراً، لهذا يوجّه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، دائماً على أهمية وحتمية مخالفة النفس، وتكرار هذه المخالفة في كل حين، حتى يضمن الإنسان سيطرته الكليّة على نفسه وليس العكس.

الأخلاق والمثابرة والاحترام
ثمّة قاسم مشترك، ورابط قويّ جدّاً، بين الأخلاق والاحترام، فأينما يوجد الإنسان الخلوق، سنعثر على الاحترام حاضراً في كلامه وسلوكه وتفكيره، بمعنى هناك علاقة طردية تصاعدية بين الأخلاق والاحترام، ولكن الأخلاق الفاضلة تحتاج إلى تربية مثل البذرة التي تغرسها في التربة، وتراعيها حتى تنمو وتكبر وتبلغ أشدّها، بمعنى المثابرة وبذل الجهد العالي في تطوير النفس وقدراتها على هضم واتقان القضايا والمبادئ الأخلاقية التي تعلّم النفس على احترام الناس، على أن يبدأ ذلك في البيت، أي في المحيط العائلي، حيث يتعلّم الطفل احترام الآخرين من أبويه، فضلاً عن المحيط المدرسي، وعندما يصبح الإنسان واعياً، عليه أن يخالف أهواءه.

فمرحلة مخالفة الأهواء هي الخطوة الأولى التي تقودنا إلى السيطرة على الأنا، وتشذيبها من أدران التمجيد الذاتي، وحبّ المصلحة الشخصية، حتى لو جاءت على حساب الآخرين، فعندما تخالف هواك وما ترغب به، إنما تقوم بتربية جيّدة للنفس، تردعها وتسيطر عليها من خلال مخالفة ما ترغب به، وتربّيها على احترام الآخر. وقد ينعكس الأمر، فيقوم الإنسان بإجبار نفسه على القيام بشيء لا ترغب به، بمعنى أن الإنسان يعمل في هذا المجال باتجاهين متعاكسين، فهو يرفض ما تطلبه النفس من جهة، ويجبرها على القبول بأمر ترفضه من جهة أخرى، وبهذه الطريقة تكون هناك سيطرة كبيرة، إن لم تكن تامّة للإنسان على نفسه.

من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال على مخالفة هوى الذات، إذ يذكر في الكتاب نفسه قائلاً: (حاول أن تخالف هواك في كل الأمور، فإن كنت لا ترغب في أمر على الرغم من اعتقادك بصوابه، حاول أن تخضع له بكل رحابة صدر).

على أن لا ننسى بأن الاحترام الذي يكنّه الإنسان للآخر، يأتي من ضمن منظومته الأخلاقية التي تربّى عليها، لذلك يحتاج الإنسان إلى مثابرة وتفرّغ وجد حتى يطوّر أخلاقه، ويجعلها قادرة على دفع النفس وترويضها، للتنازل عن حبّ الذات الخاطئ، واحترام الآخر، ضمن القيمة المتفق عليها، على مكانة الإنسان وحرمته التي لا يجوز أن تُهمل أو يتمّ التعامل معها خارج إطار الاحترام الإنساني المتعارف عليه.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (الأخلاق تحتاج إلى التفرّغ والجدّ والمثابرة، من أجل بلوغ المراتب العالية فيها).