شبكة النبأ: التحمّل مفردة تعني قدرة الإنسان على مواجهة المصاعب والمشكلات التي تعترض طريقه في الحياة، وطالما أن الهدف الأساسي للإنسان الجيّد، هو النجاح في تحقيق أحلامه وطموحاته بما يرضي الله تعالى، فإنّ العوائق التي سوف يواجهها لن تكون سهلة ولا قليلة، وهناك نسبة تصاعدية في المصاعب، فكلما عظمت أهداف الإنسان وتميّزت بالسمو، كلما كانت المصاعب التي تعترض تحقيقها كبيرة وجديّة، تتطلّب قدرة مضاعفة ومتميّزة أيضاً على التحمّل، حتى يمكن للإنسان أن يقطف ثمار كفاحه وجهده من أتجل ما يطمح وما يريد ويخطّط له.
ومن بداهة القول أن الطبيعة علمَّت كائناتها، بدءاً بالإنسان وحتى أصغر كائن، أن الحصول على النتائج الجيّدة التامّة المكتملة، لن يأتي من دون قوّة التحمّل التي يجب أن يتحلّى بها الكائن، فبعض الثمار مثلاً، لا يمكن أن تنضج إلاً بعد أن تتعرّض إلى موجات قاسية من الحرّ اللافح، كما هي الحال مع التمور مثلاً، وغيرها من الثمار أيضاً، وهذا دليل واحد من بين المئات أو الآلاف، تقدّمه الطبيعة للإنسان لكي تقول له، إذ أردت أن تقطف ثمار الكفاح والجهد من أجل هدف ما، عليك أن تتسم وتتصف بالتحمّل، حتى تجني ما تريد كاملاً مكتملاً.
إنّ العظماء هم أصحاب التحمّل، وهم أولئك القادرون على التصدّي للمشكلة الكأداء بروح وقلب وإرادة لا تلين، حتى تتحطم عليها جميع المصاعب والعوائق التي تواجه الإنسان وهو يعدّ الخطى نحو قمّة العظمة.
لذا يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، وهو يبيّن طرق تقوية الإيمان والصبر والتحمّل والاستمرار بالعمل: (يمكن للإنسان أن يكون من العظماء، بلا شكّ، وحقيقة إنّه لباعث على التأسّف أن تخلص دنيا الإنسان، وحينها يرى أنه كان بإمكانه أن يكون عظيماً فيها. وهذا الأمر لا يحتاج إلاّ إلى العزم وتحمّل المشكلات).
المثابرة والجدية في العمل
لا يكفي بطبيعة الحال، أن يقول الإنسان إنني تحمّلت الكثير لذا يجب أن أقطف نتائج هذا التحمّل، فربما يكون التحمّل أحياناً غير مصحوب بالتصميم والسعي والتخطيط المبرمج لتحقيق الهدف المطلوب، بمعنى أن الإنسان لا يكفي أن يتحمّل الشدائد والمصاعب، ويبقى مكتوف الأيدي، بل لابدّ أن يرتفق مع سمة التحمّل والتصدّي للمشكلات الجمّة والمصاعب الكبيرة، والاستعداد المسبق والقدرة على التخطيط الصحيح، ومن ثم التنفيذ الدقيق، وكل هذا يتمّ بحضور التحمّل الحقيقي، والإرادة الصلبة، وعندما تجتمع كل هذه العوامل والظروف، سوف يكون نجاح الإنسان مضموناً في الوصول إلى أهدافه المشروعة بطبيعة الحال.
وهنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: (على الإنسان أن يكون عزوماً في كل ما يعتقده ويؤمن به. كما عليه أن يصمّم ويعزم، ويحترم تصميمه وعزمه). هكذا يغدو بالإمكان تحقيق النتائج المرتقبة للتحمّل والإصرار والمطاولة، أي لابد أن يضع الإنسان في حسبانه وتخطيطه، قضية السعي المتواصل والمدروس، مع حضور التحمّل في الشخصية والإرادة التي تتصدّى للمشكلات بأنواعها المختلفة.
فالعارفون، وأهل الحكمة والحنكة، وأصحاب الكنوز الفكرية، والتجارب الثرية، كلهم يجمعون على أن نجاح الإنسان يستدعي جملة من الملكات والصفات والظروف، تتقدّمها جميعا قدرات الإنسان نفسه ومواهبة، وأولى هذه القدرات طاقة التحمّل التي يملكها الإنسان في التصدّي للمصاعب التي تواجهه في حياته، على أن تكون هذه الطاقة مدعومة بالعوامل المساعدة، لكي تتحقّق أهداف الإنسان في حياته، وهي في مجملها، تحقيق النجاح بشقّيه المادي والمعنوي، ولكن بما يتفق ومرضاة الله، من خلال اعتماد الأساليب المشروعة لتحقيق ما يصبو له الإنسان.
ثلاث كلمات
ولعلّنا نتفق على ان كل شيء يتصدّى له الإنسان، ويسعى إلى تحقيقه، يتطلّب معرفة الطريق الذي يؤدّي إلى ذلك الشيء، فهو عندما يريد أن يقوّي صفة التحمّل في شخصيته، لابد له أن يفهم الطرق والسبل والخطوات التي تساعده على تنمية التحمّل في إرادته الشخصية، وحتماً عندما يرغب الإنسان في ذلك، يمكنه البحث عن المعرفة التي تقوده بدورها إلى ما يريد التعرّف عليه.
فعندما سأل أحد المؤمنين سماحة المرجع الشيرازي هذا السؤال: (كيف يمكن للإنسان أن يقوّي إيمانه، ويقوّي صبره وتحمّله للمشاكل، ويقوّي استمراره ومثابرته في العمل؟). أجاب سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
على الإنسان (أن يلتزم بثلاث كلمات موجودة في القرآن الكريم بتعبيرات مختلفة، وهي: الأولى: الدعاء. فعلى الإنسان أن يدعو الله تعالى يومياً، ويطلب منه جوامع التوفيق، حيث قال تبارك وتعالى: - قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُم-. الثانية: التوسّل بالمعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. الثالثة: العزم. فقد قال تبارك وتعالى: - فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ-. وقال: - وََمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الامُورِ-).
هذه الكلمات الثلاث التي أشار إليها سماحة المرجع الشيرازي، تساعد الإنسان حتماً، على تنمية طاقة التحمّل لديه، وهو يخوض في غمار الحياة، ويتعرّض للمشكلات بصورة يومية، وتعترضه المصاعب بصورة يومية أيضاً، فطالما يعمل الإنسان ويسعى ويجّد، ويتعب من أجل تحصيل رزقه وعائلته أولاً، فإنه لابد أن يتعرّض لعوائق شتى، وكلما كان السعي والأمل والطموح أكبر، كلما كانت المشكلات أكثر وأصعب، فهل على الإنسان أن يتراجع، ويقبل أن يبقى على هامش الحياة؟
كلا، من طبيعة الإنسان انه لا يكتفي بواقع الحال، كما أن عينه وفكره وعقله يتابع الآخرين، ويراقب ماذا حقّقوا، وعندما يتطوّر فرد أو جماعة أو مجتمع ما، فإنّ الآخر ينظر ويتابع، ويرغب أن يحقّق التقدّم إلى أمام ويطوّر حياته، وهذا الهدف والطموح - كما ذكرنا سابقاً- لن يتحقّق من دون توافر جملة من الشروط، من بينها طاقة (التحمّل)، التي أكد عليها سماحة المرجع الشيرازي، وأهمية سعي الإنسان لتطويرها في ذاته وإرادته كونها من صفات العظماء.