LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الاختبار.. خطوة ضرورية ما قبل المواجهة
رمز 199
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 26 يونيو 2014
محمد علي جواد تقي

شبكة النبأ: معروفٌ شرط الإعداد والتهيّؤ لخوض مواجهة ناجحة، سواء كانت عقائدية أم سياسية أم عسكرية. هذا الإعداد ربما يكون بالسلاح والمعدّات والأفراد والمال وسائر الإمكانات اللازمة، كما يكون بالاختبار أيضاً، وهي فقرة لا تغيب بتاتاً عن القادة من ذوي الحنكة والحكمة، فما فائدة المعدّات والأفراد، ما لم يتمّ التحقّق من صلاحية المعدّات وجدّية الأفراد وكفاءتهم وإيمانهم.

وكلما كان اختبار الأفراد دقيقاً، كانت نسبة الانتصار أكبر. وهذه ليست فكرة جديدة من إبداع البشر، إنما هي بالحقيقة، من سنن الله تعالى في الحياة، وقد اتّبعها الأنبياء والأوصياء في مواجهاتهم الحاسمة مع قوى الضلال والانحراف. ومن أبرز الأمثلة من تاريخ الأنبياء، ما يرويه القرآن الكريم عن قصة الملك "طالوت" والطاغية "جالوت"، عندما اختبر الملك جنوده في الطاعة، فكانت النتيجة خروج فئة قليلة من الصادقين والمؤمنين، وبهم انتصر في المعركة. ومثالنا الناصع أيضاً في معركة الطف، عندما اختبر الإمام الحسين، عليه السلام، أصحابه بالتخيير بين البقاء معه، أو التسلل في جنح الظلام والانسحاب بعيداً، وكانت النتيجة ظهور بعض الضعفاء المهزوزين، وبقاء الصفوة المؤمنة التي تخلّدت في التاريخ.

والمواجهة التي تخوضها الأمّة، وتحديداً في العراق، إنما هي في حقيقتها مواجهة بين مدرستين ومنهجين، وليس بين الساسة وأصحاب المصالح الاقتصادية. إنها الخط الفاصل الممتد من الأنبياء والأوصياء، مروراً بكربلاء الحسين، عليه السلام، وتشملنا ثم تستمر حتى ظهور الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف. وهذا ما يؤكّده سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في حديثه إلى جمع من الزائرين المؤمنين، بان الاختبار الأول والأخير يكون على العقيدة الصحيحة المستقاة من أهل البيت، عليهم السلام، ويتطلّع سماحته إلى المدى البعيدة في الحاجة لهذا الاختبار، عندما يوصي بالتهيّؤ النفسي الكامل لهذا الاختبار لحاجتنا إليه في اليوم الموعود، وهو يوم ظهور الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

الاختبار.. تجربة ذاتية

إنّ الاختبار الذي أشار إليه سماحة المرجع الشيرازي، وجاء في أحاديث المعصومين غير مرّة بالإشارة إلى "الغربلة" و"التمحيص"، ليس بالضرورة أن يكون ضمن عملية روتينية، كما يحصل في المراكز التعليمية والأكاديمية، حيث يجتمع الطلاب في قاعات خاصّة بالامتحان. إنما القضية شخصية وذاتية، بإمكان أيّ إنسان إجراء هذا الاختبار بينه وبين نفسه، وربما يحتفظ بالنتيجة لنفسه، كما تكون الحالة الأخرى، حيث تكون عوامل موضوعية أو ظروف معيّنة، سبباً في سقوط شخص ما على المحك، فيكون أمام الاختبار العسير، ولا مجال له إلاّ اتخاذ الموقف الحاسم والظهور بما يستبطن من رؤى وقناعات، فعندما يكون التناقض مع الأصول، يكون وقع الفشل مدوياً.

وهذا ما يشير إليه سماحته من أن مرحلة الاختبار تقدّم فرصة للمسيئين بأن يغيّروا من قناعاتهم ومواقفهم، كما هي فرصة أيضاً لاكتشاف بعض السرائر وزوال بعض الأقنعة من الوجوه الحسنة في الظاهر. بيد أن مشكلة البعض تصوّرهم أنهم في غنىً عن الاختبار، فقد بلغ مستوى لا يحتاج معه النظر إلى الخلف أو الخشية من الميول ذات اليمين أو ذات الشمال. وهذا تحديداً، هو نفس الخطأ الذي ارتكبه علماء كبار وشخصيات معروفة، فكان مصيرهم الانحراف والسقوط، بينما نلاحظ السمو والارتقاء في هذا الاختبار من نصيب علماء آخرين.

لكن أين مكمن السقوط في هذا الاختبار؟

إنه تحديداً في الغرور والاعتداد بالنفس، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة. فذاك "الشلمغاني" العالم المعروف في عهد الغيبة الصغرى، لم يتمالك نفسه ونوازعه، عندما سمع باختيار الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف شخصاً آخراً للسفارة الثالثة غيره، وهو "الحسين بن روح"، فأظهر التبرّم والسؤال الاستنكاري عن عدم اختياره، وهو الشخصية المعروفة بين الناس...! فكان ردّ الإمام ـ حسب المصادر التاريخية ـ عنيفاً وقاسياً عليه. بينما نلاحظ "النوبختي" وهو عالم آخر ومن الكبار أيضاً، قدّم نتيجة باهرة في الامتحان، عندما وصلت رسالة الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف وقرأها السفير الثاني "محمد العمري" وهو على فراش الموت، وكان قريباً منه، وعندما سمع بأن "الحسين بن روح" هو السفير الثالث، نهض إليه وبارك له، ودعاه لأن يكون بدلاً عنه قريباً من السفير الثاني، ليكون فيما بعد السفير الثالث.

من هنا جاء التأكيد من العلماء والفضلاء على مداومة تلاوة القرآن الكريم، وسيرة أهل البيت، عليهم السلام وأحاديثهم، ليعرض الإنسان نفسه على الينبوع الصافي فيراه فيه ما إذا كان قد علق به شيء دخيل أو غريب على عقيدته وايمانه فيتمكن من إزالتها، فيكون مصداق الحديث الشريف: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا".

وسائل الاستعداد للاختبار

عندما تتوقّف المسألة على نزعات ورغبات نفسية، فلابدّ من التوسّل بطرق تمكن صاحبها من تحقيق النجاح في هذا الاختبار الكبير، ومنها ما يشير إليه سماحته ضمناً في خطين متوازيين:

الأول: البناء الروحي والمعنوي، بالتقرّب الدائم إلى الله تعالى وطلب العون والمدد على النفس الأمّارة بالسوء، ولنا في ذلك أسوة حسنة بالرسول الأكرم، والأئمة المعصومين، عندما كانوا يجدّون ويجتهدون في العبادة والتضرّع وطلب العفو من الله تعالى في أعمال مندوبة تثير الدهشة والإعجاب حقّاً.. علماً انهم معصومون ولم يرتكبوا شيئاً يدفعهم للتوبة والخوف من العقاب، إنما الدرس في معرفة قيمة الارتباط بالسماء ودوره في الحصانة والمناعة من أيّ زلل في الإيمان والعقيدة، بحيث يجعل الإنسان مطمئناً إلى حدّ كبير طيلة حياته، بأنه لن يخسر الاختبار إذا جدّ الجد، وحانت ساعة الصفر للمواجهة الحقيقية.

الثاني: البناء الاجتماعي الذي يشير إليه سماحته، بـ"التواضع" ، ويستشهد بعلماء كبار في التاريخ، رغم منزلتهم العلمية والدينية وقربهم من الأئمة المعصومين، إلاّ انهم كانوا يعرضون دينهم عليهم لمزيد من التحقّق والاطمئنان.. وهذا ما فعله "عبد العظيم الحسني" تلك الشخصية المعروفة الذي جاء إلى الإمام الهادي، صلوات الله عليه، وقال له: جئتك لأعرض ديني عليك، لأطمئن من صحّته أو سقمه..! كما فعل الشيء نفسه "المنصور بن حازم" الذي كان من أفضل تلامذة الإمام الصادق، صلوات الله عليه، من بين أربعة آلاف تلميذ ـ يقول سماحته ـ وخدم الإمام لسنين طويلة وكان من المقرّبين إليه، فجاء عند الإمام الصادق، صلوات الله عليه أيضاً، وقال: جئتك يابن رسول الله لأعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً أثبت عليه حتى ألقى الله عزّ وجلّ..

هذا الخصلة والملكة في النفوس هي التي تمكّن صاحبها من المراجعة والتصحيح لعدم المضي في الطريق الخطأ ويكون مصداق الآية الكريمة: {..الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً}. وأيضاً حديث الإمام علي، عليه السلام، عن عصر الغيبة: "يضلّ فيها قوم ويهتدي آخرون"، وهي نفسها التي تضمن سلامة العقيدة والإيمان، يقول: سماحته:

"مهما كان الإنسان ـ والعياذ بالله ـ من أهل المعاصي، ولكن إن كانت عقائده سليمة وصحيحة فإنه لا يكون مصداقاً لـ(يضلّ)، مع ان المعصية أمر سيئ ومضرّ، والله يعفو عنها إذا تاب الإنسان منها توبة صحيحة وصادقة".

من هنا تبدو الأهمية كبيرة والحاجة مصيرية للحفاظ على جوهر العقيدة وسلامة الإيمان في الوقت الحاضر وإلى يوم الظهور، أما الاستخفاف بالمسألة أو الاعتداد المطلق بالنفس والترفّع والتعالي يجعل صاحبه بعيداً عن الجذور، فيكون كالخشبة اليابسة سرعان ما تنكسر، أما المرتبط بالجذور فإنّه يكون مثل الشجرة المخضوضرة والمعطاءة. إلى ذلك يوصينا سماحته بأن "العمل بالعقائد النابعة من أهل البيت، صلوات الله عليهم، تهدي عالماً من المخالفين وتجعله في صفّ الموالين والأتباع لأهل البيت، صلوات الله عليهم. إذن علينا أن نحذر من الذين يروجون للعقائد السيئة..".ونوّه سماحته إلى ان انتصار الشيعة في العراق الذين يتعرّضون اليوم لتحدٍّ حقيقي وخطير، يكمن بالدرجة الأولى في قوّة عقيدتهم، مذكّراً بالشباب، الذين يجب أن تكون لهم الأولوية في تقوية العقائد وترسيخها في النفوس. وطالب سماحته مؤكّداً بعدم السماح بانحراف شاب شيعي واحد عن طريق أهل البيت، عليهم السلام. بل شدّد بالحرف الواحد: "اعلموا ان مقتل شيعي واحد، مع انه مصيبة كبيرة ومؤلّمة، لكنها أهون من انحراف شابّ شيعي بسبب ضعف عقائده..".

والمسؤولية هنا جماعية، كما انها فردية أيضاً، فالآباء والمسؤولون الحكوميون والمثقّفون والعلماء والخطباء.. مدعوون لمساعدة الشباب وأبناء الجيل الجديد، كما الناس جميعهم على الحفاظ على عقيدتهم الصحيحة والحؤول دون تسرّب الأفكار الدخيلة والتشكيكات الباطلة وأي نوع من أنواع الاختراق الفكري والعقائدي، الذي يعدّ بالحقيقة في كل الأمم والشعوب، أخطر بكثير من الاختراق العسكري.