LOGIN
المقالات
alshirazi.org
حاجة الأمّة الإسلامية للقائد العادل
رمز 204
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 27 يوليو 2014
شبكة النبأ: العدل أساس الملك، والدول المستقرّة المتقدّمة والمجتمعات والأمم الراقية، لا تُبنى من دون توافر العدل، متمثّلاً بالقائد العادل، والحكومة التي تسترشد بأفكاره العادلة، وقدرته على ردع نفسه، وكبح رغباتها الدنيوية، وبذل الغالي والنفيس من أجل عامّة الناس، حتى الفقراء والضعفاء منهم، وصولا إلى الهدف الأسمى من الحكم، والذي لا يتحقّق من دون توافر ركيزة العدل في ممارسة الحكم وإدارة شؤون الأمّة.

لذلك يرى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، أن الإمام علي عليه السلام، بعد الرسول صلى الله عليه وآله، هو النموذج الأمثل في التاريخ البشري، للحاكم العادل، وهنا يتساءل سماحته في الكتاب القيم الموسوم بـ(من عبق المرجعية)، قائلاً في هذا المجال: (نتساءل: يا ترى هل سينجب التاريخ حاكماً عادلاً يقتفي أثر الإمام عليّ سلام الله عليه؟).

ويؤكد سماحته بالأدلة والقرائن، أنّ العدل ونبذ السلطة، ورفض مغانم الدنيا بكل أشكالها، تشكّل سمات أساسية لشخصية الإمام علي عليه السلام، لذلك يحتلّ درجة ومكانة عليا، إذ يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في الكتاب نفسه على: إن (الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه هو بعد الرسول صلى الله عليه وآله أعظم آيات الله عزّ وجلّ، ولا تضاهيه آية).

والحاكم العادل يشمل بعدله كل شيء وجميع الجهات والأفراد، حتى في تعامله مع الأعداء يستند إلى العدالة التي تُسهم في نشر السلام، فالعدل يجعل القائد السياسي ذا حنكة وحذق وتروّي وإنسانية عالية، لذلك كان الإمام علي عليه السلام ينبذ الحرب، ويطرق كل السبل من أجل محاصرة نار الضغينة والفتن، وكان عليه السلام، كما تؤكّد مواقفه وأفعاله، وفقاً للتاريخ الحقيقي، يعمل بكل ما يستطيع ويملك من وسائل وحجج على إطفاء الحروب، وإشاعة روح السلام بين الجميع، جاعلاً من العدل منطلقاً للحكم.

لذلك يرد في كتاب (من عبق المرجعية)، ما يؤكّد هذه السيرة المتفرّدة والعظيمة لأمير المؤمنين عليه السلام، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يدفع من ناهضه وبارزه بالنصح والموعظة ما أمكن، وكان يسعى للحؤول دون وقوع الحرب وإراقة الدماء، سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية أو غيرها).

الزهد ورفض السلطة
ما هو القائد الذي تحتاجه الأمّة، وما هي صفاته؟

أسئلة واضحة بحاجة إلى أجوبة واضحة، من صفات القائد العادل، أنه لا يخضع للسلطة وسحرها وإغراءاتها، ولا يكون عبداً لها مهما عظمت السلطة، كما يحدث مع الحكّام الظالمين، لذلك كان الإمام علي عليه السلام زاهداً أشد الزهد بالسلطة وغنائمها، بل زاهداً في الدنيا كلّها، بما تملكه من مزايا ومحاسن مادية مغرية وهائلة، فالسلطة وامتيازاتها، والدنيا بما تحمله من ملذّات، تتمكن من الحاكم الظالم، الذي غالياً ما يقع تحت وطأة المغريات المادية الكثيرة، أما الحاكم ذو الشخصية العادلة الإنسانية المتوازنة والحاذقة، فلا تتمكن منه السلطة بكل ما تملك من مزايا، ولا الدنيا بكل ما تملكه من لذائذ ومغريات، لذلك كان الإمام علي عليه السلام يخاطب الدنيا قائلاً لها: (يادنيا غرّي غيري)، وبهذا تكون الدنيا والسلطة عاجزتين عن استدراج الحاكم العادل إلى الظلم، والاستئثار بالسلطة وبما تملكه من تمجيد للذات.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، حول هذا الموضوع بالكتاب المذكور نفسه: (كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عادلاً في الرعية، قاسماً بالسوية، وزاهداً في حطام الدنيا). ومن يزهد بالدنيا، وينبذ حطامها، ولا تغرّه السلطة، سوف يكون قمّة في العدل والرحمة والإنسانية العظيمة.

ولم تكن السلطة يوماً ما الشغل الشاغل لأمير المؤمنين عليه السلام، بل كانت الوسيلة والأداة التي من خلالها، يقارع الظلم والجوع والجهل، وهي الأداة التي قام عليه السلام من خلالها بصفته القائد الأعلى للدولة الإسلامية، بمحاصرة الجوع، فلم يبق جائعاً واحداً في الدولة الإسلامية الواسعة أبّان خلافته عليه السلام، ومع ذلك لم تكن الخلافة هدفاً له، إلاّ بقدر نشر العدل، وتحقيق المساواة بين جميع مواطني الدولة.

لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي، على أن: (الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه رفض وفضّل أن تخرج الخلافة من قبضته... لا ... بل فلتذهب الدنيا كلها ويصبح العالم كلّه ضده، ولا يتخلّى عن مبادئه). فعندما لا تكون السلطة في خدمة الأمّة، فإنها ستكون ظالمة، وهذا الظلم سوف يكون مصدره القائد، كونه ليس عادلاً، أما سمة العدل فهي أهمّ السّمات لدى الحاكم الناجح في نشر العدالة والمساواة بين أفراد الأمّة، وهذا ما حدث بالضبط أبّان حكم الإمام علي عليه السلام.

العطف والإسلام الصحيح
ومن صفات القائد الذي تحتاجه الأمّة، امتلاكه صفة العطف على الآخرين، والتعامل معهم بالحسنى، وهي من أهم الخصال التي يتحلّى بها المسلم الحقيقي، فكيف إذا تعلّق الأمر بالحاكم المسلم؟!!، انها مسؤولية كبيرة بل ثقيلة جدّاً، تقع على عاتق القائد المسلم، ينبغي أن تتحقّق فيها أعلى درجة من العدل والمساواة والرحمة، ومقارعة الفقر والجوع والجهل، وهذا ما تصدّى له الإمام علي عليه السلام أبّان حكمه.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لمجرّد أن يحتمل الإمام عليّ سلام الله عليه وجود أفراد في المناطق النائية من رقعة حكومته جوعى، لم يكن ينام ليلته ممتلئ البطن، وقد حرّم نفسه حتى من متوسط الطعام واللباس والمسكن ولوازم الحياة العادية).

هذه هي سلطة العدل، وهي أيضاً تستدعي تلازماً وتداخلاً قويّاً بين القول والعمل، فليس القائد المسلم العادل ذو الإسلام الصحيح، من يعد ولا يفي بوعده، أو يقول ولا يقرن قوله بالعمل، بمعنى ان القائد صاحب الإسلام الصحيح، ينبغي أن ينفّذ ما يعد به الناس ويربط دائماً بين القول والفعل.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (إنّ إسلام الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، يعني الإسلام الصحيح؛ أي إسلام القول والعمل، وليس إسلام الاسم فقط).

والقائد الذي يعد ويفي بوعده، ويقرن قوله بالعمل، هو صاحب الإسلام الصحيح، وهو القائد الذي يحمل في تكوينه وشخصيته الرحمة والعطف على الناس، بمعنى ينبغي أن تكون العاطفة الصحيحة، إحدى صفات القائد العادل، أي يكون عطوفاً على الجميع، كما هو الحال مع قائد الأمّة الإسلامية الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إحدى خصال الإمام عليّ سلام الله عليه خاصة في فترة خلافته، تعاطفه مع الناس، ويتجلّى تعاطفه مع أفقر الناس من خلال عمله). وهكذا تتبيّن لنا حاجة الأمّة القصوى للحاكم العادل، ويتبيّن لنا أيضاً ذلك الترابط العميق بين العدل والعاطفة والإسلام الصحيح، وهي من الركائز الأساسية التي تضمن بناء شخصية قيادية متمكّنة وقادرة على إدارة شؤون الأمّة، بما يحقّق العدل والمساواة بين الجميع، مع نشر الأسلوب الإنساني السليم، في التعامل مع الرعية بعطف تام، يجعل الجميع في حالة من الدعة والأمن والسلام.