LOGIN
المقالات
alshirazi.org
المسلم ومسؤولية الإرشاد والتنوير
رمز 206
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 7 أغسطس 2014
شبكة النبأ: من المزايا المهمة التي عُرِف بها الإسلام، أنه جعل من مبدأ التنوير، وفتح الآفاق الواسعة أمام العقل، من أهم الأهداف التي يسعى لتحقيقها، وهذا الهدف المقترن بالسعي، استطاع في بواكير الدعوة النبوية المباركة، أن ينقل المجتمع الجاهلي في الجزيرة العربية، إلى مجتمع إنساني، يعي مسؤولياته، ويلتزم بالقضايا العقلية والفكرية والأخلاقية التي تساعد الإنسان على العيش بطريقة أكثر رحمة وإنسانية، فضلاً عن حالة الاستقرار، التي تساعد كثيراً على صنع الأجواء المساعدة على التنوير والإرشاد.

لذلك لا تنحصر هذه المسؤولية، ونعني بها مسؤولية إرشاد الناس، وتقديم النصيحة الصحيحة لهم، بفرد دون غيره، أو بشخصية دون غيرها، ولا بجماعة محدّدة، فالجميع مسؤولون عن الإرشاد وهداية الآخرين، بمعنى على الجميع بغضّ النظر عن العمر وما شابه من مزايا، أن يشتركوا بهذه المهمة، خاصة أن الإرشاد وتقديم النصيحة للآخرين، يسرّع من حصولهم على الهداية، ووضعهم على الجادة السليمة.

من هنا غالباً ما يركّز سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، على أهمية الإرشاد وتقديم النصيحة لهداية الناس، ويوضّح دائماً على من تقع هذه المهمة؟، فيقول سماحته في إحدى كلماته التوجيهية في هذا المجال: (إنّ الإرشاد والنصيحة وهداية الآخرين هي مسؤولية الجميع. فعلى الجميع، رجالاً ونساء، على العمل على نجاة دنيا الإسلام من الانحرافات والمشاكل. وكل واحد منّا مسؤول في هذا المجال قدر استطاعته، وهي مسؤولية قد جعلها القرآن الكريم على الجميع).

إن مسؤولية مكافحة الانحرافات، وتقليل المشاكل بين المسلمين، واجب يجب أن يتصدّى له جميع المسلمين من دون استثناء، بغضّ النظر عن العمر أو العرق أو الجنس، فالكل هنا وفقاً لما يريده القرآن الكريم، معنيّ بالإرشاد، لكي يسهم بطريقة أو اخرى في مساعدة من يجهل ما يريده الإسلام، وما تدعو إليه مبادئه السمحاء، وما تقدمه المبادئ الإسلامية من تفصيلات دقيقة تتعلّق بحياة الإنسان المسلم، في المجالات كافة. لهذا من غير الممكن أن يتخلّى المسلم أو المسلمة عن التصدّي لهذه المسؤولية، لاسيما أنها تهدف إلى ارتقاء الإنسان، ونقله من سجون الظلام، إلى الفضاءات الواسعة للنور، وهذا هو الهدف الأعظم الذي يسعى الإسلام إلى ترسيخه بين البشر.

التمسك بالمنهج القرآني

لكي نتحاشى الوقوع في الخطأ، ونتفادى السقوط في الفخ، علينا أن نتمسك بالمنهج القرآني، ونستمد خطواتنا الفكرية والعملية، من السيرة النبوية الشريفة، والعترة الطاهرة، ولا يصح أن نعمل بالجزء ونترك الكل، لأن الجزء، يفشل في تقديم الجوهر بصورة كاملة، لهذا السبب، فإن من يعمل بالجزء على حساب المنهج الكلي، فإنه حتماً سيكون عرضة للخطأ، والسقوط في فخ الانحراف والاشتباه.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال قائلاً: (علينا العمل في إطار القرآن والنبي والعترة الطاهرة، وليس العمل ببعض القرآن وترك بعضه الآخر، أو كالذي يتبع القرآن والنبيّ ويترك العترة. فعلينا جميعاً أن نسير على نهج القرآن والنبيّ والعترة صلوات الله عليهم، وأن نعمل بنهجهم، حتى لا نقع في الخطأ والاشتباه والانحراف). هكذا يمكننا أن نتحاشى الوقوع في الأعمال والأفكار الخاطئة، عندما نتمسّك بالكل.

ولابد أن نعرف ونؤمن أيضاٌ، بأننا جميعاً مسؤولون بالتمسك بالجوهر القرآني، وبما تقدّمه لنا السيرة النبوية الشريفة والعترة المطهرة، من تعاليم ونصائح، وخطوات بالغة الوضوح، تتعلّق بالفكر والعمل، حتى يمضي الإنسان في الطريق الصواب، محصّنا من الانزلاق في مهاوي الرذيلة، بسبب الجهل أو عدم المعرفة، وعندما يتسلّح المسلم بالوعي الكامل والمعرفة الدقيقة، فإنه سوف يتفادى حالات الانحراف، وسيكون قادراً على التحرّك بأمان في مجالات التفكير والعمل في الوقت نفسه.

من هنا لا يصح أن يبقى الإنسان المسلم في حالة من العجز، أو الكسل، إزاء مهمة التوجيه والإرشاد، لاسيما إذا كان قادراً على ذلك، فالمسلم الذي يكون قادراً من حيث العلم والظروف والقدرة على الدخول في عالم المعرفة، سيكون مسؤولاً عن نقل ما يعرفه من معلومات تنويرية إرشادية إلى من يفتقر إليها من إخوانه المسلمين، حتى يكون سبباً في تطويرهم، ومضاعفة وعيهم والارتفاع بمستوياتهم الثقافية والمعرفية والدينية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (نحن جميعاً مسؤولون، رجالاً ونساء وشيبة وشباب، وبالأخص الشباب الذين أمامهم مستقبل من العمر، علينا أن لا نكتفي بما يقال، بل علينا أن نرى ماذا يقول القرآن الكريم والنبيّ الأكرم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين).

مسؤولية الدفاع عن المسلمين

إن الجهل هو نوع من أنواع الحرب التي يتعرّض لها الإنسان المستضعف، فغالباً ما يلجأ الحكّام إلى تجهيل الناس، حتى تسهل مهمة السيطرة عليهم، لذلك هنا قرارات مسبقة لتجهيل الناس من لدن الحكومات المستبدة، لغرض ضمان عدم مطالبتهم للحكّام بحقوقهم، وتصل حالات الجهل لدى الناس إلى درجة عدم التفريق بين الحق والباطل في كل ما يتعلّق بحقوقهم، وربما يتصاعد الجهل ليشمل شؤون الدين والشرع، هنا لابد أن تكون هناك حماية للمستضعفين، يتكفّل بها كل مسلم قادر على تنوير الناس، ومكافحة حملات التجهيل التي يتعرّضون لها أيّاً كان مصدرها.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (جعل القرآن علينا مسؤولية الدفاع عن المؤمنين والمسلمين والمستضعفين. والمستضعفون في القرآن الكريم وفي الروايات الشريفة لأهل البيت صلوات الله عليهم هم الذين لا يعرفون ولا يميزون بين الحق والباطل، فيقعون في الفخ). وتدخل هذه الأعمال التي يقوم بها المسلمون المتعلمون والعارفون، ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولابد للمسلم المتنوّر رجلاً كان أو امرأة، أن لا يكتفي بأداء الفرائض، كالصلاة والصيام، بل عليه أن يؤدي واجب تنوير الآخرين الذين يحتاجون إلى المعرفة، حتى لا يسقطون في فخ الجهل.

فالصلاة لا تكفي وحدها ولا الصوم، بل هناك واجبات كثيرة يجب أن يقرنها المسلم بالفرائض، ومنها بل وأكثرها أهمية قضية تقديم النصح والمعرفة لمن يحتاجها، علماً يجب على من يقوم بالتنوير، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، أن يلتزم هو نفسه بالنصائح التي يقدّمها للآخرين، ولا يكفي أن يعلّم الآخرين بها، أو يطالبهم بالالتزام بها، ويستثني نفسه أو شخصه من هذا الواجب. لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص على: (أن المسلم إذا صلّى وصام ولم يأمر بالمعروف ولم ينهِ عن المنكر، فسوف لا يفلح. علماً بأنه يجب أن يكون هو عاملاً بالمعروف ومنتهياً عن المنكر، أيضاً).