LOGIN
المقالات
alshirazi.org
عقوبة السجن من المنظور الإسلامي
رمز 210
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 30 أغسطس 2014
شبكة النبأ: ينظر المشرّعون التابعون للدولة ومؤسساتها في العصر الراهن، إلى عقوبة السجن على انها وسيلة للحدّ من الجرائم المختلفة، ويرون أيضاً أن عقوبة السجن لابدّ منها لحفظ المجتمع من المجرمين، ونزعتهم الإجرامية التي تتشكّل نتيجة لأسباب وراثية أو تبعاً لظروفهم المعيشية وحاضنتهم المجتمعية، وأسباب أخرى كثيرة قد تدفع الإنسان نحو الجريمة، ونظراً للزيادة السكّانية الهائلة وتضارب المصالح الفردية والجمعية، وانتشار النزعة المادية بين المجتمعات والأفراد على حدّ سواء، فإنّ التجاوزات المختلفة وحالات التصادم بين الأفراد والجماعات بل وحتى الدول، أصبحت من الظواهر المألوفة في العصر الراهن، ولعلّ التعقيد الذي تنطوي عليه الحياة البشرية الراهنة تجعل من عقوبة السجن مبرّرة.

فما هي نظرة الإسلام لهذه العقوبة، وكيف تعامل معها، وهل استند قادة الإسلام العظام في بناء دولة والمجتمع إلى عقوبة السجن؟

من الواضح للجميع ان الأدلّة التاريخية تثبت قوّة دولة المسلمين، ابان الرسالة النبويّة وتحت قيادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ولكن بعيداً عن اللجوء إلى عقوبة السجن لبناء الدولة والمجتمع، بمعنى أن هذه العقوبة وفق رؤية الإسلام لا تُسهم في تحقيق ما يصبو إليه المجتمع ولا حتى الدولة، لأن قضية إصلاح الفرد والمجتمع لا يمكن أن تتم بوسائل القوة.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتاب (من عبق المرجعية) حول هذا الجانب بوضوح تامّ: إنّ إصلاح الناس (يتحقّق بالهداية والتربية والتعامل الحسن وليس بالعقوبات). وهكذا فإنّ عقوبة السجن لا يمكن أن تسهم في تخليص المجتمع من مشكلاته المتنوّعة، لذلك يضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا الجانب: (إن الموارد التي تستحقّ السجن في الإسلام هي قليلة جدّاً، ولمعرفة ذلك راجعوا القرآن الكريم وروايات أهل البيت صلوات الله عليهم، وراجعوا الفقه أيضاً). هكذا يمكن لنا متابعة هذه الرؤية الإسلامية بشكل واضح ودقيق لعقوبة السجن.

الإسلام دين الحريات
إنّ السجن كعقوبة، لا تصلح دائماً لزرع التوبة في نفس الإنسان، لذلك يرى الإسلام أن الاسلوب المغاير للسجن أفضل منه، أي أن أسلوب التوعية وتطوير فهم الإنسان للحياة، وشرح التعاليم الإسلامية في مواردها المختلفة، سوف يسهم في خلق إنسان واع متنوّر وفاهم لتعقيدات الحياة، وسوف يكون اكثر التزاماً إذا تم استخدام الجانب التربوي معه بدلاً من عقوبة السجن، هكذا هي رؤية الإسلام، الذي يركّز على بناء الإنسان بالمعرفة والعلم وإصلاحه بالأسلوب التربوي، أفضل من أسلوب العقوبات.

فالإسلام كما يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه هو: (دين الحريّات مبدأً وشعاراً، وواقعاً وعملاً). وقد قدّم سماحة المرجع الشيرازي رؤيته في هذا الجانب عبر مؤلَّف خاص أسماه سماحته بـ(العقوبات في الإسلام)، وهذا الكتاب يمكن أن يغني المعنيين عن أساليب العقوبات الخاطئة، لأن الكتاب مستمدّ من رؤية الإسلام للعقوبات، وكيفية تطبيقها ودرجة الجدوى التي تتحقّق منها، فضلاً عن النتائج الوخيمة التي يمكن أن تحدث عن العقوبات بصورة خاطئة ومتسرّعة، لأن الجانب التربوي والإصلاحي أكثر ملائمة من سواه.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (أنا شخصياً ألّفت كتاباً في كربلاء قبل خمسين سنة، باسم - العقوبات في الإسلام- وتم ترجمته إلى الفارسية وطبع في إيران، وقد بحثت فيه فوائد وأضرار الحبس والسجن من وجهة النظر الشرعية والقانونية). بمعنى ان هذا الكتاب لسماحة المرجع الشيرازي لم يتطرّق للعقوبات من وجهة نظر المشرّع الإسلامي أو الشريعة الإسلامية ورؤية المنهج الإسلامي لأسلوب العقوبات الرادعة ومدى جدواها في بناء الفرد والمجتمع، بل ينطوي الكتاب المذكور أيضاً على رؤية سماحة المرجع الشيرازي للقوانين التي يتمّ تطبيقها كعقوبة لمن يستحقّها، وهكذا يمكن أن تتوفّر للدارس رؤية مزدوجة تشمل الشرع الديني والقانون الوضعي في وقت واحد.

فشل المجازاة بالسجن
لم يكن السجن في الإسلام ابان دولته العظمى، سبيلاً لإصلاح المجتمع، وتخليصه من المجرمين، ولم يكن الحاكم الإسلامي بحاجة إلى هذه العقوبة الرادعة، لكي يضمن سلامة الفرد والمجتمع، بل لا يعاقب الإسلام الناس وفقاً للقوانين الوضعية، كونها قد تتسبّب في الظلم، وانتهاك سمة العدل في المجتمع، فكثيراً من حالات السجن التي يتعرّض لها الأفراد لا تستند إلى العدل، بل هي ظالمة كون أساسها هو الظلم، يحدث هذا في الغالب في الحكومات المستبدّة، وفي ظل الحكّام الذين لا يراعون حقوق الشعب، وغالباً ما يجد مثل هذا الحاكم مبرّرات كثيرة تبيح له معاقبة الناس بالسجن، وهو ليس من استحقاقهم، فكل من يعارض الحاكم المستبد معرّض لعقوبة السجن، وحريته في الرأي مصادرة تماماً، لذلك تخطئ القوانين الوضعية عندما يكون مصدرها الحاكم الطاغية، من هنا يرى الإسلام جدوى في الإصلاح والتربية خيراً من السجن.

لذلك نقرأ لسماحة المرجع الشيرازي قوله في هذا المضمار: (إنّ الإسلام لا يعاقب على مخالفة القوانين المكتوبة، سواء جاءت عن الملك أم الأمير أم البرلمان أم غيرها، بل الإسلام يعاقب على مخالفة القوانين الإلهية فقط، وهي ما ذكرت في الكتب الإسلامية، وبذلك تحصر العقوبات في الجرائم فقط). وهكذا يمكن أن يكون هناك مبرّر لعقوبة السجن في حالات محدّدة تنحصر في ارتكاب الجرائم بحقّ الآخرين، من لدن مجرمين متمرّسين، ربما يمتهنون الجريمة ويرتكبون الكثير من الجرائم الشنيعة بدم بارد.

لذلك فخلاصة الرؤية الإسلامية لعقوبة السجن، يمكن أن نجدها في القول المركّز والمختصر والدقيق لسماحة المرجع الشيرازي، عندما أكّد سماحته قائلاً حول هذا الموضوع: (خلاصة القول: إنّ المجازاة بالسجن في غير مواردها الشرعية، أمر غير مجدي وفاشل). وبهذا ينبغي أن تخضع عقوبة السجن إلى الموارد الشرعية الدقيقة، حتى يمكن تجنّب الإشكالات الكثيرة التي يتعرّض لها المجتمع والفرد في وقت واحد، لاسيما إذا تمّ تدارس الرؤية الإسلامية لهذه العقوبة بصورة متوازنة وعميقة، وعدم التمسّك بالتبريرات التي تستند إلى رؤية واحدة تتمثّل بقضية التعقيد الذي يعيشه الإنسان في المعمورة كلها، وتزايد التصادمات وتضارب المصالح وما شابه، فحتى عندما تكون المجتمعات كبيرة، فإن عقوبة السجن لا تعطي الثمار المطلوبة مثلما يمكن أن تحقّقه التربية والتوعية والإصلاح القائم على الفهم والإقناع.