شبكة النبأ: من حسنات التأريخ، أنه غالباً ما يوثّق الأدلة التي تثبت كثيراً من الحقائق، على الرغم من حالات التزييف التي تطولها، ومما أثبته التاريخ والواقع لنا، بالأدلة القاطعة التي لا تقبل الشكّ، أن الشعائر الحسينية المقدّسة، باقية لا تزول، وتزداد انتشاراً وثباتاً وتأييداً مع كل يوم جديد من عمر البشرية، بينما يزول كل من يعارضها ويقف بالضدّ منها ويحاربها، لسبب بسيط وواضح أنها تقف إلى جانب الخير، وتخدم الإنسان أينما كان، وتحمي كرامته وحقوقه وتزيده وعياً ورفضاً للظلم، وتحثّه على الإصرار في محبّته وتمسّكه بمنهج وسيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهي مستمدّة بالكامل، من السيرة النبوية الشريفة التي تشكّل منبعاً ثرياً، ينهل منه المسلمون ما بقيَ الإنسان والعالم أجمع على قيد الحياة.
لذلك لن تتأثّر الشعائر الحسينية بأيّ معارض مهما كبر حجمه وازداد خطره وتعاظم بطشه، وقد عرفنا جميعاً أولئك الحكّام الطغاة الذين حاولوا، بل استماتوا من أجل أن يمحوا تضحيات الإمام الحسين عليه السلام، وبذلوا كل ما في وسعهم من أجل إلغاء الشعائر الحسينية، واستخدموا أعلى درجات البطش والتعذيب والقتل والتشريد، ضد جميع أتباع أهل البيت عليهم السلام، والمؤيّدين لهم والسائرين على منهجهم، ولم تبق وسيلة إلاّ واستعملوها وطرقوها لكي يحاربوا الشعائر الحسينية المقدّسة، ولكن بقي الحسين عليه السلام مناراً عاليا للمحبّة والخير والسلام، وصوتاً صادحاً ضد الظلم وطريقاً سالكاً لحرية الإنسان وحثّه على محاربة الظلم، لهذا كانت ولا تزال ملايين البشر من عموم المعمورة، تتوجّه إلى مرقده الشريف، فيما ذهب المحاربون والمبغضون من الطغاة وأتباعهم إلى مصيرهم المعروف.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته القيّمة حول الشعائر الحسينية المقدّسة: (إنّ القضية الحسينية والشعائر الحسينية المقدّستين لا تتأثران بشيء مهما كثرت محاولات التعرّض لهما). ولذلك فشلت جميع المحاولات التي بذلها الحكّام الطغاة وغيرهم، لإلغاء الشعائر الحسينية المقدّسة، وبقي الفكر الحسيني شاخصاً متوقّداً وهادراً يهزّ عروش الظالمين أينما كانوا. حيث يضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: (انظروا إلى الذين حاربوا ويحاربون القضية الحسينية من يوم عاشوراء وإلى يومنا هذا، من الحكّام وغيرهم، ماذا حلّ بهم وأين صاروا؟ علماً بأنهم ليسوا إلاّ كالشيء أو المتاع الذي يُستعمل لمرّة واحدة ثم يلقى في المهملات).
اهتموا بمن ضلَّ السبيل
من الوصايا المهمة التي يدعوا إليها سماحة المرجع الشيرازي، هي إتاحة الفرصة لمن يخطئ أو يشطّ ويخرج عن جادة الحقّ، فعندما يسيء أحدهم بسبب سوء أخلاقه أو فساد عقيدته، يرى سماحة المرجع الشيرازي بأهمية الصبر عليه وتنويره ومنحه فرصة إعادة النظر بسلوكه الخاطئ وتفكيره وأقواله، فهناك منهم يعي الزلل الذي وقع فيه، ويعود إلى الخط الصحيح، بعد النصح والتوجيه والتنوير الذي يتلقّاه ممن يهمهم صلاح الإنسان، وإيمانه بخطّ أهل البيت عليهم السلام، بل يطالب سماحة المرجع الشيرازي باهتمام مضاعف بالذين يخطئون، ويوجّه سماحته بأهمية عدم ترك هؤلاء يبتعدون عن المجالس والشعائر الحسينية، فهناك فرصة دائماً للعودة إلى الرشاد وصلاح النفس والعقل والتفكير للإنسان، عندما يتعامل معه المعنيون بالفكر الحسيني بصبر وتأنّ وتوجيه متواصل متوازن وهادئ.
لذلك يوجّه سماحة المرجع الشيرازي المعنيين بأهمية إصلاح المخطئين، قائلاً في هذا المجال: (عليكم بالذين أضلّوا السبيل، وفسدت عقائدهم، وفسدت أخلاقهم، فاهتمّوا بهم ولا تدعوهم يبتعدوا عن القضية الحسينية المقدّسة. فاجذبوهم، إلى المجالس والشعائر الحسينية، لأنهم سوف يتغيّرون ويصلحون شيئاً فشيئاً).
وهذا يؤكّد أهمية عدم ترك المخطئين يمضون في طريق الانحراف مبتعدين عن الشعائر والمجالس الحسينية، لأن هذا السلوك سوف يزيدهم بعداً وابتعاداً عن الفكر الحسيني، وقد يصبحون من أتباع الطغاة وأدواتهم المضادّة، بدلاً من أن ينخرطوا في صفوف الشباب الحسيني المؤمن، ولذلك في جميع الأحوال لا ينبغي ترك المخطئين يسيرون أو يوغلون في الطريق الخاطئ، حتى لا يقعوا فريسة للطغاة والمستبدّين الذين يشترونهم بشتّى السبل المادية فضلاً عن أساليب التضليل الفكري والمعتقدي.
لذلك إذا صدر تصرّف خاطئ من أحدهم في المجالس الحسينية لا يصحّ طرده من لدنّ القائمين عليه، بل لابدّ من الصبر على مثل هؤلاء، حتى لو طال أمد إصلاحهم، فالمهم هو أنهم لا يبتعدون عن الخط الحسيني، ولابد أن يأتي الوقت المناسب الذي يعرفون فيه، أنهم مذنبون ويقرّون بذنبهم، ويعودون إلى صفوف المؤمنين، وبهذا نكون قد كسبنا هؤلاء إلى خطّنا الحسيني المبارك، بدلاً من تركهم للضلال والانحراف.
من هنا يوجّه سماحة المرجع الشيرازي، جميع السادة أصحاب المواكب والمجالس أن يتعاملوا بصبر مع المخطئين، قائلاً سماحته في هذا المجال: (السادة أصحاب المواكب وأصحاب الحسينيات وأصحاب العزاء، إن رأيتم أنه صدر من أحد ما تصرّف غير لائق فلا تطردوه).
ارتباط الناس بالمجالس الحسينية
هناك رابطة وثيقة بين أتباع أهل البيت عليهم السلام، وبين الشعائر الحسينية، ومنها المجالس الحسينية التي تُقام في الحسينيات والمساجد وحتى في البيوت الخاصّة، نظراً لما تقدّمه هذه المجالس من نفحات إيمانية يحتاجها الحسينيون المؤمنون بصورة دائمة، من أجل تقوية الروح المعنوية التي تقارع الظلم أينما كان، وكانت المجالس مليئة بمثل هذه الحالات التي تحضّ الناس على المواجهة والثبات، والاستمرار في مقارعة الظالمين والطغاة، لذلك لا يصحّ التعامل بجفاء مع المخطئين، فلنمنحهم فرصة إلى أن يعودوا إلى طريق الرشاد.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال، بكلمته المذكورة نفسها: (اسعوا إلى جذب من ترك الحسينيات وترك العزاء الحسيني، فالفاسد يصلح إن شاء الله، وغير الطاهر يطهر أيضاً). لذلك يوجّه سماحة المرجع الشيرازي إلى السعي بعدم حرمان أي شخص من الأهل والأقارب والأصدقاء والمعارف كافّة، من بركة الشعائر الحسينية والمواكب والمجالس، لأنها تمنح المؤمن إيماناً مضاعفاً، ويشعر أنه مرتبط ارتباطاً روحياً ومصيرياً بالقضية الحسينية المقدّسة، فلا يبتعد عنها طالما كان على قيد الحياة، ويتداخل مع هذه الأجواء، حتى تصبح جزءاً لا يتجزّأ منها، ويشعر انها تشكّل جانباً مهماً من كيانه وشخصيته.
لهذا على كل من يؤمن بالشعائر الحسينية المقدّسة، وبقضية الإمام الحسين عليه السلام، أن يسعى في عدم حرمان الناس من هذه الشعائر التي تفتح لهم طريقاً سليماً وتصنع لهم بصيرة نقيّة عارفة وثاقبة، تعرف الظلم وأصحابه وتقارعهم بقوّة وصبر لا يلين.
من هنا يطالب سماحة المرجع الشيرازي جميع أتباع أهل البيت عليهم السلام، بأهمية مساعدة الآخرين لاسيما المقرّبين منهم، على معرفة الشعائر الحسينية المباركة، حتى يحصلوا على سعادتهم الدائمة، إذ يطلب سماحته من الجميع أن لا يحرموا الناس من الفكر الحسيني المبارك، ويقول سماحته في هذا الصدد: (اسعوا إلى أن لا يُحرم من عطاء القضية الحسينية المقدّسة أحد، من الأقارب والجيران والأرحام، ومن تعرفونهم، واسعوا إلى جذبهم وربطهم بالمجالس والمواكب الحسينية).