LOGIN
المقالات
alshirazi.org
قد نصنع الطواغيت من حيث لا ندري؟
رمز 277
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 5 أكتوبر 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: ضعف الوعي وقلّة الثقافة، قد تجعل الإنسان يسير في طريق لا يعرف نتائجه، بل معظم من يصل إلى نتائج خاطئة، يجهل الطريق الذي يتحرّك فيه، والهدف الذي يسعى إليه، وهكذا هي الشعوب التي حُرمت لسبب أو آخر من الثقافة، وبقي وعيها محدوداً بفعل فاعل، وهو الحاكم الطاغية الذي يقف عائقاً أمام تثقيف الشعب، وزيادة وعيه حتى يبقى تحت السيطرة، فلا نغالي إذا قلنا أن بعض الشعوب المحرومة من الثقافة تساهم في صناعة الطواغيت!

علماً أن الطغيان له أنواع عدّة، ومصادره متنوّعة، فلا ينحصر التحجيم وكبت الحريات، على أفعال الحكّام وأعمالهم المختلفة، بل قد يكون هناك طغيان فكري، يقف إلى جانب طغيان الحاكم، وهذا النوع من الفكر قد يأتي من جهل للعواقب، أو انه يبحث عن الفائدة والمصلحة والامتيازات، على حساب مجموع الشعب.

لهذا يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه القيم الموسوم بـ(الحرية في الإسلام) حول هذا الجانب: (يستعمل الطغيان في الفكر أيضاً، ويراد به عادةً المناهج المنحرفة عن سبيل الله تعالى، ومن هنا تُطلق كلمة الطاغوت على مَن كان في قمّة الفكر المنحرف).

وعندما تكون الأولوية لمصالح الإنسان الذاتية، بعيداً عن مصالح الكل، فهذا لا يحدث إلاّ عندما يكون الإنسان الفرد غير واعي، ولا يعرف أن مصلحته تكمن في المصلحة العامة وليس في تحقيق المآرب الفردية، ومع ذلك يكون هناك إصرار على اللهاث وراء الفوائد الفردية، للحصول على المنافع الآنية، فيخسر الشعب كله في هذه الحالة عندما يفقد حالات التعاون فيما بينه.

إن مساوئ الحكّام في بعض الدول التي تتّخذ من الإسلام ديناً لها، معروفة بل هي مكشوفة، فمع الإهمال الواضح للشعب، نلاحظ حرص على مصلحة الحاكم وذويه ومعاونيه، حتى تتشكّل طبقة سياسية حاكمة، تلهو وتنعم بالامتيازات في أمة تعاني من الحرمان، فالتجارب تؤكّد لنا أن الحكّام الطغاة لا يعترفون بالدستور، ولا بالحريات الفردية أو الجماعية، ودائماً يعتقدون بأنهم على صواب، حتى لو أدّت قراراتهم الفردية إلى الخراب الشامل لحياة الشعوب.

وقد يساعد على هذا المنهج المتعسّف والظالم، جهل الناس من دون أن يعرفوا بالنتائج الوخيمة التي يصنعونها بأنفسهم، وهذا ما حدث في الغرب والشرق على حدّ سواء، في حقب تاريخية ماضية، فمن طبيعة الحكّام استغلال جهل العقول والمواقف الجماعية لصالحهم، وصالح بقائهم في السلطة وحماية عروشهم، ولا يهمّهم بعد ذلك مصالح الأمة أو الشعب.

الإسلام يرفض الجهل
وطالما أن جهل الناس كان ولا يزال وسيلة لصناعة الحاكم الطاغية، فإنّ الإسلام يرفض الجهل، ويدعو إلى تنوير العقل الفردي والجمعي معاً، فالحل في مواجهة الحاكم المستبد هو الوعي، والاستعداد الدائم للدفاع عن الحريات، لذلك يحاول حكّام العصر، توجيه عقول الناس في حدود مصالح الحاكم وليس مصالح الأمة.

وقد سعى هؤلاء إلى كسب مساندة المجموع عبر التجهيل، وهو أن تسيّر الناس في طريقهم ومسارهم، من دون رأي أو صوت معارض، وإلاّ فإنّ القصاص سوف يطال حياتهم نفسها، وأرواحهم وأملاكهم وأبناءهم، وبهذا تنتهك الحريات أيّما انتهاك، وتصادر الآراء أيّما مصادرة، بينما في الفكر الإسلامي لا يوجد هتك للحريات والحقوق مطلقاً، بل توجد مؤازرة تامّة للحريات والفكر الإنساني المتنوّر.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع تحديداً في كتابه المذكور: (ليكن معلوماً ـ قبل كلّ شيء ـ أنّ الإسلام وحده هو دين الحرّية. فحتّى المدارس والمبادئ الأخرى التي ظهرت منذ قرون وما زالت ترفع شعار الحرّية لا واقع للحرية فيها سوى الاسم. أمّا الإسلام فهو دين الحريات مبدأً وشعاراً، وقولاً وعملاً).

وهذا لا يتم إلاّ من خلال تثوير الوعي لدى عامة الناس، والتمسّك برؤية بعيدة المدى لإصلاح الأوضاع الحياتية والفكرية، وعدم الاستسلام للجهل، والتنبّه لكل ما يدخل في صناعة الطغيان، من أفكار وأفعال.

وهذا بالضبط ما حدا بالفكر الإسلامي أن يبتعد كليّاً عن كل مظاهر التجاوز على الحقوق، ولا يعترف بها ويحذّر منها، ويدعو إلى أهمية تحصين العقل بالفكر الخلاّق، من هنا لا يعترف الإسلام، بالحكّام الذين يتجاوزون على الحريات، إذ يرى الإسلام، أن الوضع الطبيعي لحركة الناس، والأشياء، والحياة برمّتها، ينبغي أن تحكمه الحرية، بحدود عدم التسبّب بالضرر للآخرين، ففي الإسلام أنت حر ما لم تضرّ بحقوق ومصالح الآخر.

وهذا ما أكّد عليه سماحة المرجع الشيرازي عندما قال في كتاب (الحرية في الإسلام): (يقول الإسلام: اعمل ما تشاء، فلك حرية العمل شريطة أن لا تضرّ غيرك)، ولعل الهدف من ذلك إطلاق العقول من أسرها، ومضاعفة الوعي والتمسّك بالمنهج الثقافي الذي يحدّ من سلوك الاستبداد الحكومي أو سواه، ومن الممكن أن تنتظم الحياة، وفقاً لهذا القانون الإسلامي، لتصبح حاضنة ملائمة للفرد والجماعة، بل لشعوب العالم أجمع، لتعيش في أجواء الحرية، التي لا يتحكّم بها حاكم مستبد أو حكومة لا شرعية وصلت إلى سدّة الحكم بالقوة الغاشمة.

لا للحكومات الظالمة
إنّ الأمم الحيّة هي التي تسمح للحكّام أن تقودها بالعدل والإحسان، وليس بالظلم والطغيان، فإذا لم يكن الحاكم عادلاً تحاربه، ولا تسانده أو تسايره خوفاً من القمع والتعذيب وما شابه، لذلك لا خير في أمّة تصنع الطغاة، من جانب آخر، نحن أمة لها تاريخ حافل في الحلقات المشرقة للإسلام، وينبغي على ساسة اليوم أن يتعلّموا من قادتنا العظام، ففي حكومة الإمام عليّ صلوات الله عليه يتجسّد النموذج الأمثل للحكم الذي يرعى الأمة، ويساعد على معرفة الحقوق، بعيداً عن القسر والظلم والإجبار.

وهذا في الحقيقة هو دور الحاكم، لا أن يذهب لتحقيق مآربه ومصالحه ومنافعه وذويه، وعندما تطالبه الأمة بالإصلاح يوغل بالظلم، وطالما أننا نعرف بأن قلّة الوعي والثقافة تكون سبباً في دعم الحاكم الطاغية، لاسيما إذا كان الحاكم يميل إلى التعسّف والقسر، أما إذا كان متسامحاً وحريصاً على مصالح الأمة ومصطفّاً إلى جانبها، فهذا يستدعي المؤازرة من الأمة، والوقوف إلى جانب الحق، خصوصاً إذا كان الحاكم عادلاً.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (كان أمير المؤمنين سلام الله عليه مبتلى بأشخاص ذوي نفسيات وضيعة، تردّ عليه وتقطع كلامه وتجادله بالباطل، بل حتى تتطاول عليه، وهو مع ذلك لا يأمر بقتلهم وسجنهم ونحو ذلك).

وفي الخلاصة، مطلوب من الأمة والشعب، أن يكون واعياً ومسلّحاً بالثقافة، ورافضاً لمنهج الطغيان، وليس داعماً له أو مشاركاً في صناعة الظلم، عبر محاباة السلطة، أو الصمت على أخطائها، فمثل هذا الصمت يشجّع الحكومات على الانحراف، وينسي طغاة العصر، مصيرهم الذي ينتظرهم، فهم مهدّدون بالسقوط في الدنيا، ومحاسَبون على جرائمهم في الآخرة، وفي كل الأحوال لا ينبغي المساهمة في تشجيع الحاكم على الظلم بل المطلوب هو العكس تماماً، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ من عرف الحقّ ولم يترك الباطل فإنّ مصيره يوم القيامة إلى جهنّم وبئس المصير).