LOGIN
المقالات
alshirazi.org
تنافسوا على تحصيل الأخلاق والعلم
رمز 300
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 14 مارس 2016
شبكة النبأ: ركيزتان أساسيتان تقوم عليهما حياة الإنسان، هاتان الركيزتان هما الأخلاق الفاضلة، والعلم النافع، فالعلم إذا لم تسنده الأخلاق ربما ستكون نتائجه عكسية، وكلنا نتذكّر مخترع مادة (البارود) التي لم يكن يخطر في باله أنها ستقف وراء أكبر مآسي الإنسان، فبدلاً من أن يستخدمها الإنسان للأغراص الصالحة والصحيحة، انحرف بها إلى صنع السلاح، فأزهقت ملايين الأرواح، بسبب عدم خضوع العلم للأخلاق.

وهكذا ينبغي أن يكون المعلّم والعالم والمفكّر، صاحب أخلاق فاضلة تحكم علمه، وتجعله يسير في الاتجاه الصحيح، وهنا يبرز دور التنافس، حيث يحق للإنسان أن يسعى إلى الخير والنجاح من خلال اتّباع أسلوب المنافسة، فهذا أمر متاح للإنسان، بل هو أمر مطلوب منه، طالما كان على قيد الحياة، من أجل تطوير أساليب العيس الدنيوي، فضلاً عن أهمية أن يراعي ما تريده الدار الأخرى منه من عبادة وأخلاق وأعمال تصبّ في صالح الإنسانية.

إنّ إخضاع العلم والمعرفة بكل أنواعها، إلى التنافس أمر لا يمكن التخلّي عنه، كون التنافس هو الطريقة التي يمكن من خلالها أن يتفوّق الإنسان وينجح، والتنافس لا ينحصر في العلم، بل في العمل الصالح والأخلاق والعمل النافع، فيمكن أن تكون هناك منافسة في هذا المجال بين أفراد العائلة، وبين الزوج وزوجته، وبين أفراد العمل في منتج أو معمل واحد، وفي صف الدراسة وفي أي مكان يعمل فيه الناس مجتمعين، فمن حقّهم أن يتنافسوا في الأعمال الصالحة.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته التي خاطب فيها مجموعة من زائريه: (يقول القرآن الكريم: (فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) سورة المطفّفين: الآية26. إنّ اللام في (فليتنافس)، وكما ذكر علماء البلاغة، هي لام الأمر، وهذا يعني ان الله تعالى أمر بالتنافس. وفي الدنيا يتنافس بعض الناس، مثلاً، في السوق في تحصيل مالاً أو أموالاً أكثر. وبعض يتنافس في السياسة لكي يحصل على منصب أعلى. وأما القرآن الكريم فقد أمر بالتنافس في الأخلاق الفاضلة وفي العلم النافع).

ويضيف سماحته قائلاً حول هذا الموضوع: (إن التنافس الذي ذكره القرآن، قد يحدث بين الزوجين، أو في العائلة الواحدة، مثلاً بين الأمّ والبنت، وهكذا. أي يسعى كل واحد منهما في التنافس لنيل الدرجات الأحسن والأرقى في الأخلاق الحسنة والعلم النافع).

التمسّك بالتربية والعبادة
التربية نعني صناعة شخصية الإنسان كما يجب، ويحتاج الأمر إلى توجيه خارجي، مع دافع ذاتي ورقابة ذاتية، ومؤهّلات يمتلكها الإنسان، وهي الإرادة والقدرة على التنافس مع الآخرين من أجل التفوّق والنجاح، ولابد أن تكون ثمة مشكلات ومصاعب قد يكون بعضها كبيراً، يتطلّب إرادة قوية جدّاً، لأن التنافس لا يكون سهلاً، بل يحتاج إلى مؤهّلات من بينها التصميم والإرادة على النجاح، أما في حالة العكس فإن النتائج معروفة بطبيعة الحال.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (لقد جعل الله تبارك وتعالى طريق التنافس ميسّراً للجميع، وممكن للجميع أيضاً، ولا يحتاج سوى إلى التصميم، وإلى تحمّل الصعاب. فمن صمّم وتحمّل، فلا شكّ ينال التوفيق. والعكس بالعكس أيضاً).

علماً أن الانشغال بالتربية لا يعني إهمال المنافسة والمثابرة في مجالات تحصيل الأخلاق وتطويرها وتحصينها، وبناء النفس وتحصيل العلم وتربية الأولاد داخل محيط العائلة وخارجها، ولا يصحّ الإخلال بتربية النفس بحجّة تربية الأولاد.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله الواضح في هذا المجال: (إنّ تربية الأولاد مهمّة جدّاً وجدّاً، وهي أهم من الفضائل. ولكن يمكن بجنب تربية الأولاد، عندما تسنح الفرص ووقت الفراغ، حتى وإن كان لمدّة عشرة دقائق، يمكن الاستفادة من هذه الفرص، وهذا الوقت، للعبادة، وللعلم، والتقوى، وهداية الناس، ولتزكية النفس).

ولا شكّ أن التوفيق في حياة الإنسان لن يأتي جزافاً، بل هناك مثابرة وجديّة وسعي وإرادة حديدية تقف وراء هذا النجاح، عن طريق المنافسة مع الآخرين، بالطرق والمبادئ التي تحكم المنافسة الشريفة التي لا تتسبّب في ظلم أو أذى أو غبن للآخرين، وهكذا ينبغي على الإنسان المؤمن والذكي أن يستغل الفرص التي تتاح له من أجل النجاح والتطوّر والتفوّق في الحياة، عن طريق المنافسة مع الآخرين، علماً أن إهمال الفرص المتاحة للإنسان تعني خسارته للنجاح والتطوّر في مجالات الحياة المتعدّدة، وهكذا فإنّ شرط النجاح هو حتمية انتهاز الفرص.

كما نلاحظ ذلك في مضمون قول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ الذين وفّقوا في حياتهم، قد انتهزوا الفرص القليلة، واستفادوا منها، فصاروا من الموفّقين).

النجاح والإرادة والتصميم
وهكذا تدخل المنافسة كعنصر أساسي بين الناس، في طريقة بناء النفس والمجتمع، ولكن ينبغي توافر التصميم دائماً، لاسيما في بناء الأخلاق الفاضلة، فهي الطريق إلى الجنة، في حين أن من يتقاعس ويتلكّأ في تحصيل الأخلاق والأعمال الصالحة، فإنه سوف يفقد هذا الامتياز.

حيث يدعو سماحة المرجع الشيرازي المسلمين إلى أهمية التصميم على التنافس، في مجال الأخلاق والأعمال الجيّدة التي تطوّر حياة الإنسان وتجعل منه عنصر خير في الحياة، ليس لشخصه فقط، وإنما لجميع الناس.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في كلمته المذكورة نفسها: (ليصمّم كل واحد منكما، على التنافس في الأخلاق الفاضلة. فمن كان منكما أحسن أخلاقاً في طول حياته، فسيدخل الجنة يوم القيامة أسرع وأسرع، لاشكّ. ومن لم يتحلّ بنسبة جيّدة وكبيرة من الأخلاق الحسنة منكما، فسيبقى في المحشر طويلاً منتظراً الحساب).

علماً ان مجال المنافسة مفتوح ومتاح للجميع، حتى تكون النتائج مفيدة للجميع، شريطة أن تكون هناك حالة مبدئية من حيث الالتزام بمبادئ المنافسة الإيجابية، إذ من غير الممكن أن نسمح للمنافسة بالتحوّل إلى صراع، في هذه الحالة لن تكون هناك فائدة مطلقاً، حيث الصراع يفسد الأمور، ويجعل الأوضاع أكثر تعقيداً.

على أن المنافسة يمكن أن تكون بين الزوج وزوجته، على أن يصمّم أحدهما التفوق على الآخر وبالعكس من خلال قوة التصميم والإرادة على تحسين الأخلاق، حيث يدعو القرآن الكريم إلى أهمية الأخلاق في حياة الناس.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (ليصمّم الزوج على أن يكون أحسن أخلاقاً من زوجته. ولتصمّم الزوجة على أن تكون أحسن من زوجها أخلاقاً، وهذا يعني التنافس الذي يريده القرآن الكريم).

وثمّة تأكيد كبير من سماحته على أهمية الإرادة والإصرار على النجاح في المنافسة على حسن الأخلاق وتحصيل العلم وحسن العمل، حتى لو كانت المنافسة بين أقرب الناس إلى بعضهم البعض، فقد أكّد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (إنّ الموفق منكما أكثر في هذا المجال، يرتبط بأيّكما الأقوى تصميماً وإرادة).