LOGIN
المقالات
alshirazi.org
حُسْن الأخلاق طريق الإنسان نحو الارتقاء
رمز 309
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 15 مايو 2016
شبكة النبأ: كيف ترتقي المجتمعات نحو الأفضل؟ سؤال يبحث عن إجابة مستمرة، خاصة في مجتمعاتنا الإسلامية التي تفتقر للتطوّر، وتعدّ من المجتمعات المتأخّرة، الارتقاء هدف الإنسان الفرد، والجماعة، ولكن طريق تقدّم المجتمع والدولة يحتاج إلى ركائز ومقومات، أهمّها وأكثرها قدرة على تحقيق هذا الهدف، هي (الأخلاق)، فالشعب الخلوق هو الأكثر وعياً وتطوّراً وارتقاء وإنسانية من سواه، وينطبق هذا على الفرد أيضاً.

في حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله قال: (أقربكم منّي يوم القيامة أحسنكم خلقاً). فإذا كانت هذه منزلة الأخلاق في يوم الحساب، (يوم لا ينفع مال ولا بنون)، فأيّ درجة عالية لفاعلية أخلاقيات الإنسان وقدرتها على دفعه هو والمجتمع معاً إلى أمام، ولعل الأمر الجميل في هذا المجال أن الإنسان بمقدوره كسب الأخلاق وقت ما يشاء، أي أن الأمر يعود له، لإرادته وسعيه، وبحثه عن الأخلاق حتى يرتقي بفكره وسلوكي ويعكس هذا الرقي على المجتمع كلّه، ويسمو بنفسه إلى درجة عالية من السلوك والتفكير.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في إحدى كلماته القيّمة التي وجّهها إلى المسلمين: إنّ (حسن الخلق هي حقيقة معنوية يمكن لكل شخص أن يحصل عليها. وكل من وفّق للحصول على هذه الحقيقة يمكنه أن يسمو أكثر وأكثر. وقد ورد في الحديث الشريف عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة).

مما يجعل قضية تحصيل الأخلاق أمراً ممكناً، أن الإنسان متى ما قرّر تحقيق هذا الهدف، فإنه بإمكانه أن يرتقي بأخلاقه إلى درجة أعلى، وهذه الإمكانية يمكن أن تأتي على درجات، فمن لا يمتلك أي درجة من حسن الأخلاق يمكنه الحصول عليها إذا قرّر هو تحقيق ذلك والسعي له، حيث يمكن أن تكون الأخلاق على درجات، وهذا يتبع سعي الإنسان والجهود التي يبذلها في هذا المجال.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله بكلمته نفسها: حيث بيّن سماحته، أن: (حسن الخلق درجات، مثل أي شيء آخر. فالذي ليس له خلق حسن يمكنه أن يتحلّى بحسن الخلق، وإذا كان له درجة من حسن الخلق يمكنه أن يسمو ويرتفع بدرجة أخرى وثالثة وعاشرة ومئة).

فوائد جمّة لحسن الأخلاق
من البديهي أن يكون صاحب الأخلاق الرفيعة محبوباً من الجميع، وأن يكون وجهاً مقبولاً وإنساناً محترماً، وهذا بحدّ ذاته مكسب عظيم للإنسان، ومن المؤكّد أن الناس سوف تدعو بالخير لحامل الأخلاق الحميدة، كونه يحسن إلى الناس ويتعامل معهم بحسّ إنساني راقي وبتهذيب عال، وهذا يجعله شخصية مرموقة بين أفراد المجتمع.

وهناك فوائد أخرى لمن يحمل الأخلاق الرفيعة، وهي صفاء حالته النفسية وارتقاء حالته المعنوية وشعوره بالرضا عن النفس، وهذا يحميه من الأمراض، وخاصة النفسية منها، كونه إنسان مقبول من الجميع، ومتصالح مع ذاته، ولا يتعصّب في أي حال من الأحوال، كما أنه يستطيع أن يفكّر ويتصرّف بحكمة من خلال أخلاقه العالية، حيث تنعكس على طبيعة علاقته مع الناس عموماً.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (حسن الخلق محبوب عند الناس في الدنيا، وهذا خير عظيم. وحسن الخلق يدعوا الناس له ولا يدعون عليه، وهذا خير عظيم. وحسن الخلق يكون الناس في خدمته عادة بنسبة ما له من حسن الخلق، وهذه فائدة عظيمة. وحسن الخلق تكون حالته النفسية أحسن ممن ليس عنده خلق حسن، فهو يمرض أقلّ ويصاب بالأعصاب أقلّ، ونفسياً يتحطّم أقلّ، وهذه فوائد دنيوية عظيمة).

وفي هذه الحالة سوف يصرّ الإنسان على تحصيل الأخلاق، أيّاً كان دوره في الحياة، سواء في العمل أو الدراسة أو المحيط العائلي، حيث تكون هناك فائدة كبرى يحقّقها الإنسان في دنياه وآخرته من خلال الأخلاق الراقية.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (لو لم يكن لحسن الخلق إلاّ هذه الفوائد لكان على كل إنسان، رجلاً وامرأة، وأمّ وبنت وأبّ وابن وعم وعمّة وخال وخالة وجدّ، ولكل فرد، كان عليه أن يعزم على حسن الخلق، لتلك الفوائد العظيمة في الدنيا. وهذا من خير الدنيا).

هكذا تنعكس نتائج الأخلاق على الفرد أولاً، ومحيطه الأصغر، العائلة، المدرسة، العمل، ومن ثم تنعكس آثارها على المجتمع عموماً، ومن مجموع الأخلاقيات التي يتحلّى بها أفراد المجتمع، يتحقّق الارتقاء الأخلاقي لعموم الناس.

أصحاب المنزلة الكبرى
حاملوا الأخلاق، هم أصحاب المنزلة الكبرى عند الله تعالى، فالإنسان الخلوق عادة ما يكون هادئاً حكيماً متعاوناً، يبتعد عن أذى يمكن أن يلحقه بالناس، بالكلام أو باليد، فأخلاقه الراقية تمنعه من أن يتسبّب بأذى لأي إنسان كبير أو صغير، ضعيف أو قوي، حتى لو أراد التنبيه على عيب معيّن فإنه لا يصرّح بذلك بل يشير إليه بالتلميح وبشكل غير مباشر حتى لا يتسبّب بجرح لإنسان ما، لذلك تتقدّم الأخلاق حتى على العبادات، أو الأعمال الخيرية الأخرى.

كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إنّ أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم القيامة هو ليس بمقدار عبادته وكرمه وأعماله الخيّرة وخدماته وبلائه الذي يبتلى به في الدنيا وبباقي الأمور. إذن فمن هو الأقرب إليه صلى الله عليه وآله؟ هل الذي لا ينام ليله خمسين سنة ويسهر بالعبادة ويقضي النهار بالصوم خمسين سنة هو الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وهل الأقرب هو من ينفق من ماله أكثر في سبيل الله ولأرحامه وللمؤمنين والضعفاء والمستضعفين وباقي الناس؟ وهل الأقرب هو من يؤثر غيره على نفسه في الطعام، كأن يبيت جائعاً ويعطي طعامه لغيره من جاره ورحمه وقريبه حتى لا يبقون جياعاً؟ وهل الأقرب من كان أكثر علماً في الدنيا؟ وهل الأقرب من يتزهّد في الدنيا بالملبس والمسكن والمأكل ويعزف عن الدنيا ويبتعد عنها ويترك ملذّاتها ويتحمّل كل أنواع المرارات في الدنيا؟).

إنّ الأخلاق ليس ألفاظ فحسب، إنها منهج حياة متكامل يسير عليه الإنسان، وأخلاقه هي التي تقوده في مسارات الخير والفضيلة والإحسان، وهي التي تجعله ملتزماً بقيم الخير والأخاء والإنسانية، لهذا كان ولا يزال، الإنسان الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، هو الأحسن أخلاقاً من بين الناس، لأن أخلاقه كفيلة بأن تجعله أرقى الناس وأكثرهم التزاماً وفائدة للجميع، على أننا نفهم ونقرّ بأن أصحاب العبادات وأعمال الخير الأخرى أيضاً لهم جزاءهم الجيّد في الدنيا والآخرة، ولكن يبقى صاحب الأخلاق الأعلى هو الأفضل دائماً.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (بلى إن أصحاب هذه الأعمال لهم الأجر الكبير والمنزلة الكبيرة في الآخرة، ولكن هذه الأعمال والعبادات لا تجعلهم الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فكلا وكلا. بل الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله هو الأحسن خلقاً. ولو لم يكن في حسن الخلق إلاّ هذه الجملة لكان على الإنسان أن يسعى بجدّ وبنشاط ومثابرة حتى يصل إلى درجات رفيعة في حسن الخلق).