LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الأنساق التربوية النبوية كفيلة بإنقاذنا
رمز 328
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 14 سبتمبر 2016
 
شبكة النبأ: عبد الرزاق عبد الحسين
ربما ضاقت بنا السبل.. وربما حوصرنا بأخطائنا.. قد يكون الأفق مغلق.. وقد نمضي من انحدار إلى انحدار.. ربما بعضنا يأكل حقوق الآخر.. وقد لا نشعر بغيرنا.. ربما نظن ان المهم أنفسنا.. ولكن هذه ليست تربيتنا.. ولا يقول بها ديننا.. كما أن تعاليم ديننا ليست كذلك.. فمنذ أن أضاء حياتنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله إبان بعثته النبوية.. شرعت أنساق تربوية حديثة تخترق حياتنا لتنظمها أحسن تنظيم.
عيبان وسببان ساعدا على إحداث مشكلات في التربية.. الأول عدم أخذ تربية النبي صلى الله عليه وآله لنا مأخذ الجد.. ونعني في هذا طيفاً واسعاً من المسلمين.. الثاني ما خطّط لنا أعداؤنا من فتن شلّت قدراتنا على تغذية النسغ التربوي تصاعدياً.. فضاعت من أيدينا قيم تربوية زرعها فينا رسولنا الأكرم.. ولكن لم نسقِها كما هو مطلوب ولم يعتنِ بها مسلمون آخرون.. هم الحكّام.. فجاروا على الناس.. ودمّروا أنساقهم التربوية.. وزرعوا في نفوسهم الاستبداد والظلم والخنوع.
سماحة آية الله العظمى.. المرجع الديني السيد صادق الشيرازي.. قدّم أذكاراً تربوية لرسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله.. أملاً في تعلّم القادة أنساق تلك التربية.. جميع القادة مشمولون وأولهم السياسيون.. التربويون.. المعلّمون.. الآباء والأمّهات.. رؤساء الدوائر والمؤسسات والمنظّمات.. الكل عليه العودة إلى نبع الثراء التربوي.
ومن ما قدّمه المرجع الشيرازي.. قال: (كان النبي صلي الله عليه و آله يتولّى تربية أفراد الأمّة بنفسه غالباً، وكلما سنحت الفرص، فيندمج معهم في الحديث، ويخوض حيثما خاضوا، ويصحّح ما أخطأوا إمعاناً في جلب قلوبهم إلى الله ورسوله، وتعميقاً في هدايتهم إلى سبيل الله والرشاد. وقد ورد ذلك في القرآن الحكيم في العديد من الآيات، مثل قوله سبحانه: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين) سورة آل عمران: الآية 164. المصدر كتاب سماحته (السياسة من واقع الاسلام).
المعلّم لا يترفّع على تلاميذه.. القائد يساير من تحت يديه.. المدير ينزل إلى مستوى موظّفيه.. الأب ليس سلطاناً على أولاده وزوجهِ.. الأكبر عليه التلاؤم مع الأصغر.. صاحب السلطة يدنو من المحكومين بسلطته.. وكما يفصّل سماحة السيد صادق الشيرازي في وصفه للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله: (كان في حديثه صلي الله عليه وآله مع المسلمين يندمج معهم كاملاً، اندماج المعلّم العطوف المربّي الذي يحب أن يصعد بنفسيتهم وثقافتهم وتربيتهم. روي عن ابن عباس أنّه قال: كان رسول الله صلي الله عليه و آله إذا حدّث الحديث أو سُأل عن الأمر، كرّره ثلاثاً ليفهم ويفهم عنه). مكارم الأخلاق: ص20، وبحار الأنوار: ج16 ص233 باب9 ح35.
الرسول صلى الله عليه وآله وهو القائد الأعلى.. كان معلّماً للمسلمين وليس حاكماً.. كان يكرّر كلامه ثلاث مرّات حتى يستوعبه الناس بمختلف المستويات.. في هذا الدرس التربوي طريقاً وأسلوباً لحكّام المسلمين ولمختلف الرؤساء والقادة والمدراء في الكيفية التي يتعاملون بها مع الأمة.
يذكّر بذلك المرجع الشيرازي في كتاب (السياسة من واقع الإسلام) فيقول: (روي عن زيد بن ثابت أنّه قال: إنّ النبي صلي الله عليه وآله كنا إذا جلسنا إليه صلي الله عليه و آله إن أخذنا بحديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا أحدثكم عن رسول الله صلي الله عليه وآله). مكارم الأخلاق: ص21. لا يبتعد عن حديث الناس لأنه سلطان عليهم.. هو واحد منهم.. يتداخل معهم.. يصير جزء لا ينفصم منهم.
فـ(الدنيا، والطعام، والشراب، هي التي لا يفكّر فيها رسول الله صلي الله عليه وآله إطلاقاً وأبداً، ولكنه لكي يستبقي على عواطف المسلمين، ولكي لا ينفروا منه كان يدخل في الحديث معهم في الدنيا، والطعام، والشراب). كما ينصّ على ذلك كتاب سماحة آية الله العظمى المرجع الشيرازي دام ظله.
وفي هذا السياق التربوي يقدّم الرسول صلى الله عليه وآله.. رسائل سلوكية للمسلمين.. فإن تمسكّوا بها فازوا وربحوا.. وإن تخلّوا عنها خسروا وقنطوا.. وما بين الفوز والربح من جهة والخسارة والقنوط من جهة ثانية.. مفازات واسعة تفصل بينهما كما تفصل بين النور والظلام.
هل وضع حكّام المسلمين النور خلف ظهورهم.. هل تنكّروا للسياقات التربوية النبوية.. الجواب يأتي من أوضاع المسلمين الذين كانوا في مقدّمة العالم.. يقودونه نحو الصلاح.. واليوم نعرف ما هو واقع المسلمين بالنسبة للعالم.
السبب ظاهر للعيان.. علينا العودة إلى النبع التربوي النبوي.. في أدقّ تفاصيل الحياة يقدّم الرسول صلى الله عليه وآله أسلوباً تربوياً للتعامل الرائق.. لا إهمال لمفصل من مفاصل الحياة صغيرها وكبيرها.. وإكرام القادم عليك، نسق تربوي درج عليه النبي صلى الله عليه وآله وجعله من أوائل سلوكياته تجاه القوم.. حسن الضيافة.. وجمال القول.. وبشاشة الوجه.. وإشعار الآخر بقيمته وكرامته وعلوّ شأنه ومكانته هي سياسة الرسول التربوية.. هل أخذ بها حكّامنا.. هل غاصت جذورها في تربتنا الاجتماعية.
إذا لم يحصل هذا.. راجعوا طريقة حياتكم.. ادرسوا حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.. وخذوا منه جواهر التربية.. وانشروها.. واعملوا بها.. ليس للتجمّل.. ليس للظهور والتظاهر.. حسّنوا بها حياتكم.. فالتربية عمود التفوق.. وبوتقة النجاح.
المرجع الشيرازي يضع البصائر في مواجهة الحقائق التربوية فيقول: (روي عن سلمان الفارسي رحمه الله أنه قال: (دخلت على رسول الله صلي الله عليه وآله وهو متكئ على وسادة، فألقاها إليّ، ثم قال صلي الله عليه وآله: (يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي لـه الوسادة إكراماً لـه إلاّ غفر الله له. المصدر السابق). ووسادته التي اتكأ صلي الله عليه وآله عليها يلقيها إلى سلمان رحمه الله تعميقاً في التلاحم بين القائد والقاعدة، وتعليماً للمسلمين لكي يمارسوا هذا التلاحم في كل الأبعاد وكافة المجالات). المصدر كتاب (السياسة من واقع الاسلام).