LOGIN
المقالات
alshirazi.org
نهاية عصر القمع وتنامي عصر التحرّر
رمز 41
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 11 فبراير 2012
شبكة النبأ: في جملة من التوجيهات والإرشادات التي وجّهها مؤخّراً سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله حول الحريّة، أكّد فيها سماحته على صفات الحاكم في الإسلام، وعاقبة الذين يحكمون الناس بالقمع والاضطهاد والكبت والظلم ويصادرون الحقوق المشروعة وغيرها. وتطرّق فيها سماحته إلى أهميّة الحريّة في عالم اليوم، لبناء المجتمع المتوازن والقادر على مواكبة ما يستجد في ساحات العلم والمعرفة، وصنع الحياة الأفضل، لاسيما ما يتعلّق بحقوق الشعوب وضرورة مراعاتها من لدن الحكّام.
 
عالم الحريّة والانفتاح
يقول سماحة المرجع الشيرازي في جانب من توجيهاته المهمة: (إن عالم اليوم هو عالم الحريّة والانفتاح، وإن ممارسات الاضطهاد والكبت من قبل الحكّام تجاه شعوبهم لا طائل لهم منها سوى الفضيحة والندم). وهو ما أفصح عنه واقع الأحداث الأخيرة التي انتهت بإسقاط بعض العروش، التي بنت نفسها على دماء وأرواح وحقوق الشعوب، فمع تقدّم الوعي واتساع وسائل الاتصال، والانفتاح التام بين امم وشعوب العالم، الأمر الذي يتيح مجالاً أوسع للحريّات والمسارات الصحيحة، لذا أصبح من العسير جدّاً على الدكتاتوريات، أن تجد لها مكاناً في عالم اليوم، حتى لو بذلت قصارى جهدها وأساليبها القمعية المعروفة، وهذا ما يؤكد نهاية عصر القمع، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إن عالم اليوم وجيل اليوم يبحث عن الحقيقة والسعادة، وهذا لا يتأتى إلاّ في ظل الحريّة بما في هذه الكلمة من معنى، وفي إطار العدل بما للكلمة من شمول).
إن نتائج الربيع العربي التي تمخضّت عن الانتفاضات والاحتجاجات الكبيرة، أعطت درساً فعليّاً للقادة المتجبّرين، لذا كان على الباقين منهم أن يتعظوا ويفهموا الدرس جيّداً، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (لو أن الحكّام اليوم يتأمّلون في تاريخ من مضى من الحكّام أمثالهم لأعادوا النظر في تصرّفاتهم وأفعالهم مع شعوبهم، ولما أقدموا على حرق تاريخهم بأيديهم). وهذا ما يؤكد فشل أساليب القمع بكل أنواعها وصورها على النجاح في إطفاء جذوة الوعي لدى الغالبية العظمى من الناس حتى بسطائهم، لذلك بات القمع وسيلة للتعجيل بسقوط الأنظمة المستبدّة وليس حامياً لها، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في توجيهاته على: (إن الحكومة التي تبتني أساسها على الاستبداد وهضم حقوق الناس المشروعة هي حكومة زائلة وفانية لا محالة).
 
معادلة القمع وضعف الحكومة
الحكومات القويّة تستمد قوتها وثباتها من درجة مشروعيتها المستمدة من رضى الشعب عنها، ومجيئها عبر صناديق الانتخاب، وليس عن طريق القوة الغاشمة، فالحكومات التي تنتهج العنف والقمع سبيلاً لتثبيت أكانها، تؤكد ضعفها بهذا الاسلوب وقرب زوالها، وهو أمر تؤكّده التجارب التأريخية والوقائع الراهنة أيضاً، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (إن استعانة الحكومات بالقمع والسلاح في تعاملها مع الناس الأبرياء والعزل ينبئ عن ضعف تلك الحكومات، وستكون العاقبة للمستضعفين). لذا ليس هناك سبل اخرى أمام الحكّام وحكوماتهم، سوى انتهاج مبدأ الشورى والانتخاب وفق الضوابط المعروفة، فالوصول إلى كرسي الحكم ينبغي أن يكون باتفاق تام بين أبناء الشعب، على حكومته ويجب أن يتم هذا في أجواء حريّة واضحة، أما المطلوب من الحكّام هو أن يفهموا بأن عصر القمع قد ولّى، وأن الحريّة هي وحدها التي تتيح لهم سبل البقاء في الساحة السياسية وفق مبدأ التنافس الصحيح مع الآخرين لقيادة الشعوب، لذا يحذّر سماحة المرجع الشيرازي الحكّام قائلاً: (على الحكّام أن يكفّوا عن ظلم الأبرياء، وأن لا يلطّخوا أيديهم بدماء المستضعفين، لأنهم سوف لا يجنون من هذه الأفعال إلاّ الغضب والسخط من الله تعالى، فالله تعالى قد خاطب الظالمين بخطاب شديد، حيث قال عزّ من قائل: وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ).
 
الإسلام وحريّة الرأي
لقد أكّدت مبادئ وتعاليم الإسلام على أهمية الاستشارة في إدارة شؤون الناس، وهذا دليل قاطع على المنظور الإسلامي الراسخ لأهمية الحريّة، وجعلها من الأسس القويمة لمواصلة الحياة وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: (إن حريّة الرأي في نظام الإسلام، من الأسس القويمة، فالإسلام يجعل الناس أحرار).
نعم إن الإسلام يحرّر الإنسان بدء من الذات عبوراً إلى الخارج، ويطالب الإسلام بانتهاج الحريّة كاسلوب حياة تساعد الناس على اختيار ما يصلح لقيادتهم، بالإضافة إلى اختيار السبل السليمة لحياتهم، مع حضور مسؤولية النخب المعنية بزيادة الوعي الجمعي لعموم الناس ومساعدتهم على معرفة ما يصلح لهم في تسيير حياتهم، لذلك فإنّ الحريّة في المنظور الإسلامي تختلف عن سواها من الحريّات، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي حيث يقول: (إن الحريّة التي يمنحها الإسلام في مختلف المجالات، ليس لها نظير، ولا شيء يقرب منها في تاريخ العالم، حتى في هذا اليوم المسمّى بعصر الحريّات, والإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه في حكومته كان يمنح للناس الحريّة في المظاهرات ضد شخصه بدون استمارة وقيود، وكان يلبّي مطالبهم).