شبكة النبأ: ما يتعرض له اليوم شباب العراق من ظروف قاسية، ومخططات معدّ لها من قبل جهات معادية، تجعلنا جميعا وخصوصا رجال الدين في صدارة التصدي لهذه المسؤولية الحساسة والشاقة، فالشباب لم يجدوا ضالتهم في الحاضر من حيث العلم والعمل، وهذه نافذة واسعة تقودهم لفقدان الثقة بالمستقبل، لذلك يعيش الشباب العراقي اليوم في حالة من اليأس، بعد أن لمسوا إهمال المعنيين لهم، لذا صار من واجبنا وخصوصا (رجال الدين) أن نتصدى لهذه المهمة ونتحمل هذه المسؤولية، حتى لو كانت صعبة وشاقة، لأن انتشال شباب العراق يقع في صلب مسؤوليتنا، ويدخل من ضمن أهم الأهداف التي نسعى إليها.
لكن هذا العمل الكبير (انتشال الشباب في العراق)، لا يمكن إتمامه دون جهد استثنائي ودون مشقة عالية، فالأمر يستدعي قدرات كبيرة، وصبر أكبر، وطاقة تحمّل فوق الطبيعية، لأن هدفنا استثنائي ومهمتنا كبيرة وشاقة، ونعني بها انتشال الشباب في العراق مما يحيط بهم من ظروف قاسية، ومخططات يبذلها الغرب وسواه كي ينحرفوا عن الجادة الصواب، ويبتعدوا عن هويتهم الخاصة وثقافتهم وفكرهم المستمد من أفكار وعقائد أهل البيت عليهم السلام.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في إحدى كلماته التوجيهية القيمة:
(على الإنسان أن يعزم ويصمّم، كما يقول القرآن الكريم: إ(ِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) سورة لقمان: الآية17، وذلك لانتشال الشباب في العراق كلّه، بالأخصّ شباب العاصمة بغداد).
في حال التلكّؤ عن القيام بالدور المطلوب، بسبب البحث عن الراحة وعدم التصدي للمهام التي تتطلب مشقةً وجهدا كبيرا، فإننا سوف نخسر شبابنا، ونتركهم عرضة للغزو الثقافي الغربي أو سواه، وسوف نفقد هذه الثروة العظيمة، فتكون الخسارة مضاعفة ومزدوجة، فبالإضافة إلى خسارة الشباب وطاقاتهم، فإننا سوف نفسح المجال لهم كي يلتحقوا بمعسكر الأعداء الفكري والثقافي وسواه، من هنا تتأتى أهمية مسؤوليتنا لإنقاذ الشباب من ظروفهم العسيرة ومأزقهم الشديد.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(الغربيون يؤدّون دورهم الفاسد اليوم في إضلال شباب العراق، وكذلك الوهابيون والعلمانيون والشيوعيون والبعثيون، وهؤلاء لديهم تعبئة بالمليارات وليس بالملايين، للإضلال في العقيدة والأخلاق).
أحملُ خشبتي على ظهري!
إن تحمّل هذه المسؤولية، قرار فردي وجمعي في ذات الوقت، وكلاهما يأتيان من التثقيف العقائدي الأخلاقي الفردي والجمعي، فإذا قدَّم رجال الدين والنخب الأخرى ما يكفي من الحصانة الفكرية والعقائدية والاعتبارية للشباب، فسوف نفوز بهذه الطاقات المتميزة لخدمة أمتنا وأنفسنا، ومما هو متعارف أن الله تعالى منح الإنسان بصيرة بحسب مستواه، يمكنه استخدمها في الطريق الصواب، ولكن ينبغي أن يبدأ ذلك بمعاونة بعض الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان ومنها:
- القدرة على التحمّل.
- القدرة على التعب.
- البحث عن الفضيلة.
- البحث عن النموذج الأفضل.
- الاستعداد اللازم للمشقّة.
هذه الاستعدادات المهمة والكبيرة، معظمها يندرج في خانة التدريب والمِراس المعنوي والمادي معاً، عندها يكون كل منّا بكامل القوة والقدرة على أداء دوره إزاء الشباب.
هذا ما أكَّدهُ سماحة المرجع الشيرازي حين قال:
(لقد أعطى الله سبحانه كل إنسان، بمقداره، بصيرة، كما ذكر القرآن الكريم، فعليه أن يستفيد من بصيرته، وما يشعر ويقدر عليه، ولو بزحمة، ولو بتعب، ولو بنُصب، وعليه أن يبحث عن الفضيلة والأفضل، ولو بمشقّة).
ضرب لنا سماحته مثالا تاريخيا معروفا، حين تطرّق إلى المسيرة الشاقة للشاعر دعبل الخزاعي مع العباسيين، فقد تهيّأ هذا الإنسان الفذ لكل المتاعب والمشاق التي يمكن أن يتعرض لها بسبب انتقاده العلني الشديد للمنهج السياسي الأخلاقي للعباسيين، وكان يحمل على ظهره خشبته، في إشارة إلى استعداده الدائم للموت في أية لحظة مقابل موقفه المبدئي الشجاع، هذا النوع من التحمّل والتعب والاستعداد هو ما يحتاج له رجال الدين وغيرهم في سعيهم ومسؤوليتهم تجاه شباب العراق:
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(الشاعر دعبل الخزاعي رحمه الله، أحياناً كان ينتقد بني العباس، ونتيجة هذا الانتقاد، كان يقول كلمة نقلتها التواريخ، وهي: (أنا أحمل خشبتي على ظهري منذ أربعين سنة). ومقصوده من خشبتي هي خشبة الإعدام. أي كان يتوقّع في كل لحظة الاعتقال والقتل. وهذه هي المشقّة).
الراحة في الدنيا سراب
إن من يتصدى لمسؤوليته كما ينبغي سوف يكون من العظماء، أما من يتخلى عن هذا الدور (وهو قادر عليه)، فإنه لن يترك وراءه أية بصمة خاصة تذكّر الآخرين به على مرّ التاريخ، لذلك علينا جميعا ومن بيننا رجال الدين التفكير عن الدور العظيم الذي يخلّد ذكرانا بين البشر ويرفع مكانتنا عند الله تعالى، ومن بين أهم الأسباب التي تقودنا إلى هذه النتيجة المشرّفة، أن نترك الراحة جانبا، ونبحث عن التعب والمشقة، ونتذكر دائما وأبدا أن الأهداف العظيمة لا تتحقق إلا بالتعب والتضحية وعدم الركون إلى الراحة أو الخضوع للمشكلات التي تواجهنا ونحن في طريقنا إلى الهدف.
إذاً على الإنسان أن يفكّر دائما بكيفية الوصول إلى مرتبة العَظَمة، وأن يكون هاجسه الدائم التميّز عن الآخرين، بما يبذله من جهود عظيمة على طريق تربية الشباب العراق بثقافة وعقيدة تنقذه من الضياع في عالم تتلاعب به الأفكار والثقافات المضادة لثقافتنا وعقيدتنا، نعم سوف تقف معوقات كثيرة في طريق إنقاذ الشباب، وهذا هو المتوقّع، وهذا ما ينبغي أن يتحمله ويستعد له كل المصلحين المضحّين.
من هنا ينبّه سماحة المرجع الشيرازي على هذا الأمر حين يقول:
(لذا، كل واحد منكم يمكنه أن يكون من كبار العظماء، وهذا ما عليكم التفكير به والبحث عنه، والعمل لأجله، واتركوا الراحة، ولا تهمّكم المشكلات).
ولعل حجر الزاوية في هذا المجال (مجال انتشال الشباب العراقي) يكمن في مدى استعداد رجال الدين والمعنيين بذلك، لتحمل المشقّة التي يواجهونها في هذا الأمر، فهناك جهات قد تمنع مساعدة الشباب، ولا تسمح بتثقيفهم وتوعيتهم، أو مساعدتهم ووضع أقدامهم على السكة الصحيحة، لأن وعي الشباب قد يؤدي إلى خسارتهم لمواقعهم وبعض مصالحهم، فيقفون حجر عثرة أمام مساعدة الشباب، ولا يسمحون لأحد أن يمد لهم يد العون، فالحكومات الفاشلة مثلا والحكام المستبدون لا يسرهم تثقيف الشباب ولا تحصينهم بالسلامة الفكرية، لأن هذا الفعل يعني خسارة هذه الحكومات امتيازاتها، فتبدأ بمحاربة كل من يسعى إلى هذا الهدف المشروع، أما أساليب الحكومات فهي كثيرة ومتنوعة، وكلها تتسبب بخلق متاعب كثيرة لمن يريد ويقرر انتشال الشباب من محنتهم، لذلك لا تبحثوا عن الراحة في الدنيا لأنها كالسراب.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي:
(إنّ الراحة في الدنيا كالسراب، والله تعالى قال في الحديث القدسي: (إنّي جعلت الراحة في الجنّة، والناس يطلبونها في الدنيا، فلا يجدونها).
(فليهتمّ كل واحد منكم بعقله وبتعبه وبالمشقّة. واعلموا انّ أهل البيت صلوات الله عليهم قد لقوا ما لقوا من المشقّة، وكلّهم صلوات الله عليهم قد قتلوا، وذلك لأنّهم لم يعمدوا إلى الراحة).
(من البديهي أنّ الذي يجلس في بيته لا يتعرّض للأذى ولا للمشقّة).
(أقول اهتمّوا أكثر، وخصوصاً بالشباب، كلّهم، بنين وبنات، وفي كل مكان وفي كل مجال في العراق. واعملوا على تربيتهم وفق تربية أهل البيت صلوات الله عليهم).